خطبة الجمعة
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام
يوم 29/12/2017
***
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.
بدأت اليوم بفضل الله الجلسة السنوية في قاديان. ادعوا الله تعالى أن يشمل هذه الأيام الثلاثة الخير والعافية، ويوفق أبناء الجماعة المخلصين في تحقيق الهدف الذي حضروا من أجله في هذه الجلسة، ألا وهو أن يقوموا بالدعوات في الحضرة الإلهية ويسعوا لتطوير حالتهم العملية، ويقوّوا علاقتهم بالله تعالى، ويشتركوا في برامج الجلسة تحقيقا لهذا الهدف، وينتفعوا بها وبالأجواء الروحانية هناك، وأن يرغبوا في الدعاء بوجه خاص، ولا يدعُوا لأنفسهم فقط بل لازدهار الجماعة خاصةً، ولنزول تأييد الله ونصرته لتفشل كل المكايد التي يحيكها معارضو الجماعة للإضرار بها في أي بقعة من العالم. فاسألوا الله تعالى أن يحمينا من شرورهم كلها. كذلك ادعوا الله تعالى لإصلاح الأمة الإسلامية عموما حيث ترتكب بعض الأحزاب والمنظمات والحكومات الفظائع البشعة والمظالم باسم الله ورسوله، ويضرب المسلم عنق أخيه المسلم ويسفك بعضهم دم بعضهم ويدمر الواحد الآخر، فالدعاء للمسلمين أيضا من واجبنا، لأن جميع هذه المظالم تُرتكب باسم الله وباسم سيدنا ومولانا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدمي قلوبنا نحن المسلمين الأحمديين، فيجب أن ندعو نحن لهم أيضا، وأخص بهذا النداء الإخوةَ الذين احتشدوا في هذه الأيام في قرية المسيح الموعود عليه السلام قرية المحب الصادق للنبي صلى الله عليه وسلم، فعليهم أن يقوموا بالدعاء الفردي والجماعي واضعين كل هذه الأهداف والأدعية في الاعتبار. كما عليهم أن يدعوا الله تعالى من أجل تحقيق هدف بعثة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، ألا وهو هداية المسلمين وإطلاع غير المسلمين على حقيقة الإسلام وإثبات تفوقه على الأديان الأخرى، وبالتالي الإتيان بهم إلى أحضان الإسلام وتحت راية النبي صلى الله عليه  أوضاع العالم عموما، بأن يلهم الله الناس جميعا العقل والصواب فينجوا من السقوط في هوة الدمار. إن العالم اليوم بحاجة شديدة إلى أدعية أتباع المسيح الموعود عليه السلام، ومن أجل ذلك أقول لأهل قاديان الذين قد حضروا هذه الجلسة خاصة، ولأبناء الجماعة عموما، أن يدعوا الله تعالى بأن يهب العالم العقل ويلهم الأمة الإسلامية الصواب، فيدركوا الحقيقة بأن لا بقاء لهم ولا نجاة لهم بدون الإيمان بمبعوث الله. فادعوا الله تعالى أن يدخلوا العام الجديد مدركين هذه الحقيقة. أسأل الله تعالى أن يهبهم العقل والصواب. آمين.
تحدث المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام عن موضوع الدعاء في مختلف المناسبات والمجالس وفي كتاباته مرارا وتكرارا. ما هو الدعاء، وما هي الحالة التي يجب أن تستولي على المرء وقت الدعاء، وكيف يجاب الدعاء، وأنّ الدعاء هو الحل لكل القضايا والمعضلات، لقد بين المسيح الموعود عليه السلام كل هذه الجوانب لهذا الموضوع أيما بيان كما قلت آنفا، وقد وجه أنظارنا إلى ضرروة الدعاء بوجه خاص. سوف أقرأ على مسامعكم الآن مقتبسات من أقواله عليه السلام. يقول حضرة المسيح الموعود عليه السلام وهو يبين أمرا أساسيا في استجابة الأدعية:
لا يستجاب الدعاء ما لم يصْفُ صدر الإنسان. إذا كان في صدرك بغضٌ تجاه الآخر بسبب أمر دنيوي فلن يقبل دعاؤك. (يقول حضرته: تذكروا هذا الأمر جيدا، فلا تبغضوا أحدا لأمر دنيوي أبدا. ما قيمة الدنيا ومتعها حتى تعادوا أحدا من أجلها).
فلا مناص من أجل قبول الأدعية أن ينسى المرء كل الأضغان والعداوات الشخصية، وأن يستغفر الله على ذنوبه باكيا متضرعا، ومن أجل تصفية قلبه في المستقبل أيضا يجب أن يستعين بالله تعالى.
في هذه الأيام قد اشتد معارضو الأحمدية في تصرفاتهم العدوانية ضدها، لذا فيجب علينا أن نحضر أمام الله تعالى بأدعيتنا متحدين كرجل واحد. عندما ينيب الإنسان إلى الله تعالى ويسأله مضطرًا قلقًا فإن الله تعالى يأتي لنصرته، لذا فيجب أن تجعلوا هذا الأمر نصب أعينكم دوما ولا تغفلوا عنه أبدًا. يقول المسيح الموعود عليه السلام:
من الناس من يسمع الأمر من أذن ويخرجه من أذن أخرى، (أي لا يُدخل ما يسمع في جذر قلبه، ولا يعمل بالنصح مهما نصحته) اعلموا أن الله غني جدا، ولا يبالي ما لم يدعُ المرء بكثرة ومرة بعد أخرى في اضطراب وقلق. انظروا كم يصاب المرء بالاضطرار والقلق حين تمرض زوجته أو ابنه أو تُرفَع ضده قضية خطيرة. كذلك فإن الدعاء يظل عملاً عابثا بلا تأثير تماما إذا ما خلا من الحرقة والاضطرار حقا.
لقد بين المسيح الموعود عليه السلام من قبل أن الأمر الأساس الأول لقبولية الدعاء هو تصفية القلب من البغضاء والشحناء، والآن يبين أن الاضطراب والاضطرار شرط لاستحابة الدعاء. فالشرط الأول هو تصفية القلوب والشرط الثاني هو الاضطرار كما قال الله تعالى (أمن يجيب المضطر إذا دعاه). أي من ذا الذي يستجيب دعاء المرء حين يدعوه في اضطرار وقلق، فيفرج عنه كربته.
لذا فالاضطرار ضروري من أجل استجابة الدعاء، كما لا بد من اليقين بأن الله وحده الذي ينفع الإنسان عند كل اضطرار وهو الذي يجيب الأدعية ويعين عباده. فأخاطب هنا الأحمديين الموجودين في قاديان خاصة ومنهم من جاؤوا من الخارج لبضعة أيام حيث إنهم يعيشون في أجواء روحانية خاصة في قرية المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام هذه الأيام، كما أقول لأبناء الجماعة عموما أيضا إن عليهم جميعا أن يركزوا على هذا الأمر فيسعوا لأن تستولي عليهم حالة الاضطرار في نوافلهم. فيجب على من في قاديان الآن خاصة أن يقضوا أوقاتهم في الدعاء وذكر الله ذهابا وإيابا، بدلاً من مضيعة الوقت في القيل والقال. عليهم أن ينيبوا إلى الله تعالى مضطرين قلقين لكي يفرج الله بفضله عن الأحمديين المعرضين للأذى ويجعل الأعداء خائبين خاسرين.
لقد قال المسيح الموعود عليه السلام وهو يبين حالة الاضطرار وحقيقة الدعاء:
لا تظنوا أن الدعاء هو مجرد ثرثرة باللسان. كلا، بل إن الدعاء نوع من الموت الذي يوهب بعده الحياة، كما يقال باللغة البنجابية: يا مَن تسأل الموت، عليك أن تموت إذا أردت السؤال والدعاء.
أي أن السائل يكون كمن مات، حيث لا يبقى له شيء بل يقضي على أنانيته تماما ويفني ذاته ثم يسأل. فإذا حضر المرء أمام الله بهذه الحالة عند الدعاء تجاب أدعيته.
ويقول حضرته عليه السلام: إن في الدعاء تأثيرا مغناطيسيا، والدعاء يجتذب الفيض والفضل.
ثم يبين حضرته عليه السلام وهو ينبهنا إلى أهمية الدعاء والنوافل وطلب فضل الله تعالى:
إننا نقول إن الذي يتضرع ويبكي أمام الله تعالى ويعظم أحكام الله ويصلح نفسه خائفا من جلال الله وهيبته، فلا بد أن ينال نصيبا من فضل الله. (هذا أمر ضروري جدا، أعني تعظيم حدود الله وأحكامه. وما هي تلك الحدود والأحكام؟ إنما هي تلك التي بينها الله تعالى في القرآن الكريم ونبهنا إليها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. فعلى المرء أن يعظم جميع أحكام الله الموجودة في القرآن الكريم ولا يستهين بأي منها. ثم لا بد للمرء أن يوقن أنه إذا عصى الله تعالى فسوف يستوجب العقاب. لذا فعلى المرء أن يصلح نفسه على ضوء كل هذه النصائح.) ثم يقول عليه السلام:
“لذا يجب على جماعتنا المواظبة على صلاة التهجد. والذي لا يستطيع أن يصلي كثيرا فليصلّ ركعتين على الأقل، إذ يجد فرصة للدعاء في كل حال.
إن الدعوات التي تُرفع في مثل هذا الوقت تتحلى بتأثير عجيب، لأنها تُرفع بألم وحماس حقيقيين. فما لم يكن هنالك ألم خاصّ وحرقة يستشعرها القلب، لما كان للمرء أن يستيقظ من نوم مريح؟ فالقيام في هذا الوقت يخلق ألمًا يستشعره القلب مما يبعث على الحرقة والاضطراب والاضطرار في الدعاء، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى استجابته.”
أي ينشأ الاضطرار والاضطراب في النوافل في صلاة التهجد، ويقول الله تعالى إنه يجيب المضطر، ويقول المسيح الموعود  أن حالة الاضطرار تتراءى للعيان حين يضحي المرء براحته ويقوم للعبادة. يتابع  ويقول: “ولكن من الواضح أنّ مَن يتكاسل في الاستيقاظ ليلاً فهو مفتقر إلى الألم والحرقة المذكورين، لأن النوم الهادئ يشير إلى عدم الألم والحرقة. ولكن الذي يستيقظ من النوم فهذا يبرهن على أنه يُعاني ألماً لا يدعه ينام بل يؤرقه”.
ثم يقول : “هناك أمر مهمّ آخر يجب على أفراد جماعتنا أن يهتموا به، ألا وهو أن يطهِّروا لسانهم من لغو الكلام وألا يؤذوا أحدا بتجريح مشاعره.”
أقول: في أجواء الجلسة في قاديان يجب الاهتمام بهذا الأمر بوجه خاص ويجب أن يقضي المشتركون فيها معظم أوقاتهم في ذكر الله تعالى.

“اللسان مدخل الوجود، وكأن الله يحل بوجوده نتيجة تطهير اللسان. فلما وصل الله إلى المدخل فأيّ غرابة إذا دخل البيت؟” واعلموا أنه يجب ألا تغفلوا عمدا عن حقوق الله وحقوق العباد أبدا، والذي يستمر في الدعاء واضعا هذه الأمور في الحسبان، أو قولوا إن شئتم: إذا وُفِّق للدعاء نحن واثقون بأن الله تعالى سيرحمه وسيُنقَذ. الأسباب الظاهرية من قبيل التنظيف وغيرها ليست ممنوعة بل يجب العمل بمبدأ: اِعقَل ثم توكَّل كما يتبين من إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ولكن اعلموا أن النظافة والطهارة الحقيقة هي كما قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا فليجعل كل شخص إحداث التغير في نفسه واجبا عليه. … لا يمكن أن يتوقع فضل الله إلا من الذي لم يقطع سلسلة الدعاء والتوبة والاستغفار، ولم يرتكب الذنب عمدا. الذنب سم يُهلك الإنسان ويثير غضب الله. إن خوف الله وحبه فقط يمنعان الإنسان من ارتكاب الذنب. (أي إذا كانت في قلب الإنسان خشية الله وحبّه وكان يعرف جيدا أن الله تعالى يراه في كل حين، عندها فقط يمكن للإنسان أن يجتنب ارتكاب الذنوب) يقول : “لا تقطعوا سلسلة الدعاء وأكثروا من التوبة والاستغفار. لا ينفع الدعاء إلا إذا ذاب القلب أمام الله، ولا يرى المرء مفرا إلا إلى الله. والذي يفر إلى الله ويبحث عن الأمن بالاضطرار يُنقذ في نهاية المطاف.” ثم يقول  مبينا حقيقة الدعاء: “الدعاء نوعان، الأول الدعاء العادي الذي يدعو به المرء، والثاني الدعاء الذي يوصِل المرء إلى قمته. أي الدعاء الحقيقي هو أن يبلّغه الإنسان قمَّته وتنشأ فيه حالة الاضطرار.” يقول : “على الإنسان أن يدعو قبل حلول المصيبة أيضا، (وألا يدعو فقط عندما يواجه مشكلة ما) لأنه لا يدرك مشيئة الله تعالى وما هو حادث غدا. لذا عليكم أن تدعوا قبل ذلك أيضا لتُنقَذوا.” في بعض الأحيان يحل البلاء بحيث لا يجد المرء فرصة للدعاء، فإذا كان قد دعا من قبل نفعه في وقت حرج. ثم يقول  مبينا أن القرآن الكريم بدأ بالدعاء وانتهى أيضا على الدعاء: “اعلموا أن الله قد بدأ القرآن الكريم بالدعاء وأنهاه بالدعاء أيضًا، (أي أن سورة الفاتحة دعاء وسورة الناس أيضا دعاء) فمعناه أن الإنسان ضعيف جدًّا لدرجة لا يسعه التطهُّر دون فضل الله. (وما لم تحالفه نصرة الله لا يمكنه التقدم في الحسنات.)” لقد ورد في حديث ما مفاده: الكل أموات إلا من أحياه الله، والكل ضال إلا من هداه الله، والكل أعمى إلا من أبصره الله. الحق أن البركات الإلهية لا تُنال ما دام حب الدنيا أكبر همّ المرء. ولا يتخلص منه إلا الذين يُنـزل الله عليهم فضله. (ولكن يجب أن يكون معلوما أن فضل الله أيضا يبدأ بالدعاء، لذا لا بد من الدعاء لنيله أيضا) ثم يقول  في بيان صفات المؤمنين: “لقد ورد في القرآن الكريم بكل صراحة: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ أي عندما يذوب قلب الإنسان عند الدعاء ويخر على عتبات الله بإخلاص وصدق ويفنى فيه، يمحو الأفكار الأخرى كلها ويستعين به ويطلب منه وحده الفيض وينشأ فيه التركيز والرقة والذوبان وعندها يفتح باب الفلاح -أي معنى “قد أفلح المؤمنون” هو أنه لا ينال الفلاح إلا المؤمنون الذين يُبدون خشية الله في صلاتهم ويخرون على عتبات الله بكل تواضع وتنشأ فيهم حالة الاضطرار، عندها تُفتح عليهم أبواب الفلاح – الذي به يفتر حب الدنيا لأنه لا يمكن أن يجتمع حبان في مكان واحد، كما قال شاعر فارسي ما تعريبه: “أنت تريد الله وتريد الدنيا الدنيئة أيضا، هذا وهمٌ وخيالٌ ومحال وجنون.” (أي هذان الشيئان لا يجتمعان في آن معا. أما إذا أراد الإنسانُ الوصول إلى الله فينال الدنيا حتما، أما إذا أراد الدنيا فقط فلن يجد الله تعالى. ولا يُقبل الدعاء إلا إذا جعل الإنسان إراداته وأمانيه تابعة لرضى الله تعالى. فيقول المسيح الموعود  مبيّنا هذه النقطة: “يجب التفاني في الله والتمسك بمشيئة الله وأوامره وحده بالتخلّي عن جميع رغباتكم وأمنياتكم، بحيث تكونوا رحمة لأنفسكم وذريتكم وأولادكم وأقاربكم ولنا أيضًا. (هنا يقول  أن تصبحوا رحمة له أيضا، ولكن كيف يمكن أن تصبحوا كذلك؟ الطريق الوحيد لهذا هو أن تتخلوا عن رغباتكم الشخصية وتعالوا إلى الله تعالى) يجب أن لا تهيِّئوا للمعارضين أبدًا فرصة للاعتراض. يقول الله : فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ، فالصفتان الأوليان أدنى درجة، يجب أن تكونوا من السابقين بالخيرات. الوقوف في مكان واحد ليس مستحسنا. فانظروا إن الماء الراكد في مكان يكون آسنًا، وتنشأ فيه رائحة كريهة ويصبح عديم الطعم بسبب اختلاطه بالوحل. بينما الماء الجاري يكون دومًا نقيا وطيب المذاق، وإن كان الوحل موجودًا تحته أيضًا، إلا أنه لا يؤثر فيه، وكذلك حال الإنسان إذ يجب أن لا يستقر على حالة واحدة، فهذا خطير. بل يجب التقدم إلى الأمام كل حين وآن، والتسابق بالخيرات، وإلا لا ينصره الله، ومن ثم يصبح بلا نور. الأمر الذي يؤدي أحيانًا إلى ارتداد في نهاية المطاف. ومن ثم يصبح قلب الإنسان أعمى.” كذلك من الضروري لاستجابة الدعاء أن يتقدم الإنسان في الحسنات كل يوم، كما قلت من قبل أيضا إنه يجب على المرء ألا يتوقف في مكان واحد، بل يجب أن يظلَّ يتقدم في الحسنات كل يوم كماء جارٍ. يقول المسيح الموعود  أيضا: “إن نصرة الله تحالف أولئك الذين يتقدمون على درب الحسنات، ولا يستقرون في مكان واحد، وهم الذين تكون عاقبتهم حسنة. فقد لاحظنا بعض الناس يتمتعون بشوق وذوق ورقة لكنهم لاحقًا يستقرون على حال واحد، ولا تكون عاقبتهم محمودة. لقد علَّمَنا الله  في القرآن الكريم دعاء: أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي (الأَحقاف: 16)، أي أصلح زوجتي وأولادي أيضًا، يجب الدوام على الدعاء لحدوث التغيير الطاهر في الذرية والزوجة بالإضافة إلى أنفسكم. لأن الإنسان في أحيان كثيرة يُبتلى بسبب أولاده، وأحيانا بسبب الزوجة. فانظروا إن الفتنة الأولى التي أصيب بها آدم  كانت بسبب زوجته، كما أن إيمان بلعام أيضًا حين حبط بمواجهته موسى  فيتبين من التوراة أن سببه هو أن زوجة الملك كانت قد أغرتْ زوجة بلعام بالحلي ضد موسى وهي بدورها حثّت بلعام على الدعاء على موسى ، باختصار بسبب هؤلاء (أي الزوجة والأولاد) يصاب الإنسان بابتلاء في أحيان كثيرة، فيجب الاهتمام الكافي بإصلاحهم أيضًا، ويجب الدعاء لهم أيضًا باستمرار. (الحكم مجلد 12 رقم 16 مؤرخه 2/ 3/1908) فعملية الاهتمام بالأدعية والتسابق بالخيرات لا ينبغي أن تقتصر على المؤمن فقط بل يجب عليه أن يسعى لتحلّي أولاده أيضا بالحسنات ويُوجّهَهم إلى ذلك وثمة حاجة ليدعوَ لهم لكي تنشأ فيهم روح التسابق بالخيرات. يقول  في موضع: “فقد ورد عن أحد أولياء الله أنه كان يسافر في البحر فهاج البحر وكادت السفينة تغرق، لكنها أُنقذت ببركة دعائه، وعند الدعاء تلقَّى الإلهام أننا قد أنقذْنا الجميع من أجلك. لكن كل هذه الأمور لا تتيسر لمجرد الادعاءات باللسان فقط (بل يحتاج المرء إلى بذل جهد جهيد لذلك)… قال : لذا فإنما نصيحتي أن تداوِموا على بذل المساعي لتقدِّموا أسوة حسنة ورائعة. وما لم تكن حياة الإنسان كالملائكة كيف يقال إنه تطهَّر يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (التحريم: 7)” يقول المسيح الموعود  وهو يبين أهمية الدعاء: “فطوبى للسجناء الذين يدعون ولا يَمَلُّون، لأنهم سينالون الحرية في يوم من الأيام. وطوبى للعميان الذين لا يتوانون في الدعاء، لأنهم سيُبصرون في آخر الأمر. ومباركون أولئك الراقدون في القبور الذين يستعينون الله بالدعاء، لأنهم سيُخرَجون منها في النهاية.” ثم يوجّهنا حضرته ويقول: “وطوبى لكم حين لا تكِلُّون عن الدعاء أبدًا، وتذوب أرواحُكم للدعاء، وتذرف عيونكم الدموع، ويُحدث الدعاءُ حرقةً في صدوركم، ويحدو بكم – لكي تتمتعوا بالبكاء والابتهال في الخلوة والانفراد – إلى الحجرات المظلمة والفلوات المقفرة، ويجعلكم مضطربين مفتونين مجذوبين؛ فطوبى لكم لأنكم سوف تحظَون بفضل الله في آخر الأمر. (أي لن تبقى ظروفكم على ما هي عليها الآن بل سينزل فضل الله تعالى عليكم بسبب الأدعية إن شاء الله) قال :”إن الإله الذي ندعو الناسَ إليه إلهٌ كريم رحيم حِيِّيٌّ صادقٌ وفيٌّ، يرحم المتواضعين. فكونوا من أصحاب الوفاء، وادعوا بكامل الصدق والوفاء لعلكم تُرحمون. ابتعِدوا عن الدنيا وضجيجها، ولا تعطوا لخصوماتكم الدنيوية صبغةً دينية. ينبغي أن تقبَلوا الهزيمة من أجل الله حتى ترِثوا فتوحاتٍ كبيرة. سوف يُري الله تعالى معجزاتٍ للذين يدْعون، وستُعطى نعمة عظمى للطالبين. الدعاء من الله يأتي وإليه يرجع. بسبب الدعاء يتقرب الله تعالى منكم كقربكم من أنفسكم. إن النعمة الأولى للدعاء هي أنه يُحدِث تغييرا حسنا في الإنسان، فيُحدِث الله في صفاته تغييرًا من أجل الإنسان، مع أنه لا تبديل في صفات الله في الواقع ولكن الذي يُحدِث في نفسه تغييرًا يلاحظ تجلّيًا إلهيًا خاصا لا تعرفه الدنيا. (أي لا تتبدل صفات الله تعالى ولكن إظهارها يتغير لمن يُحدث تغييرا في نفسه)” قال :و”كأنه إله آخر مع أنه ليس إلها آخر بل التجلي الجديد يُظهره بصورة جديدة. عندئذ يُنجز للشخص الحائز على تغيير بتجلّيه الخاص أعمالا لا يُنجزها لغيره، وهذه هي الخوارق.” (محاضرة سيالكوت، الخزائن الروحانية ج20) ثم قال  موجّها أبناء الجماعة إلى الأدعية والأعمال الصالحة وإلى إراءة النماذج الحسنة: “يجب أن يقدم أبناء جماعتي أسوة للناس، إذا كانت حياة أحدكم ما زالت نجسة وخبيثة حتى بعد البيعة كما كانت قبلها، والذي يقدِّم أسوة سيئة بعد انضمامه إلى جماعتنا ويُظهر ضعفًا عمليا أو عقَدِيا، فهو ظالم لأنه يسيء إلى الجماعة كلِّها، ويعرِّضني أنا أيضًا للاعتراض. فالآخرون حين يرون قدوة سيئة يكرهون الجماعة، كما يرغبون إليها عند مشاهدة قدوة حسنة. وقال : “يجب ألَّا يستوي يوم الإنسان وأمسُه، فمن استوى يومُه وأمسُه من ناحية التقدم في الحسنات، فقد خسر، إذا كان الإنسان مؤمنًا بالله كاملا فلا يضاع أبدًا، بل من أجله وحده تُعصم مئات الألوف من الأرواح.” (كما ورد مثال ولي الله الذي كان في السفينة وأُنقذ كل من فيها بسببه، فالله  يراعي عباده إلى هذا الحد). وقال المسيح الموعود  إن سلاحنا هو الدعاء لذا ينبغي الاهتمام به، قال : “لم يرد عن المسيح الموعود في أيّ مكان أنه سيحمل السيف، ولم يرد أنه سيقاتل. بل ورد أن الكفار سيموتون بنَفَس المسيح، أي سيعمل كل شيء بدعائه…. وهذه الأهداف كلها التي نريد إحقاقها ستتحقق بالدعاء فقط. في الدعاء قوى عظيمة. يروى أن مَلكا خرج غازيا بلدا فأخذ راهب زمام فرسه في الطريق وقال: لا تتقدم وإلا سأحاربك. استغرب الملك لقوله وسأله: كيف تحاربني وأنت ناسك لا حول لك ولا قوة؟ قال الناسك: سأحاربك بسلاح أدعية الليل (أي بالدعاء في صلاة التهجد). قال الملك: إذًا، لا أستطيع أن أقاومك وعاد أدراجه. (هذه هي قوة الدعاء التي يبينها المسيح الموعود ، قال:) فقد أودع الله الدعاءَ قوى عظيمة. لقد قال الله تعالى لي مرارا في الإلهامات بأن كل شيء سيتم بالدعاء فقط. إن سلاحنا هو الدعاء وليس عندي سلاح سواه. كلّ ما ندعوه خِفيَة يظهره الله تعالى. كان بعض المعارضين في الأزمنة الغابرة يعاقَبون بواسطة الأنبياء أيضا (أيْ في صورة الحروب معهم) ولكن الله يعلم أننا ضعفاء، لذا فقد أخذ  جُلّ أمورنا في يده. ليس للإسلام الآن سبيل إلا هذا السبيل الذي لا يدركه المشايخ والفلاسفة المتمسكون بظواهر الأمور. لو كان طريق الحرب مفتوحا لنا لتيسرت لنا جميع الأسباب لها. عندما ستبلغ أدعيتنا نقطة معينة سيهلك الكاذبون تلقائيا. (هذه النقطة جديرة بالانتباه إذ قال : “عندما ستبلغ أدعيتنا نقطة معينة سيهلك الكاذبون تلقائيا”، فجميع المعارضين في زمنه  خابوا وخسروا مقابله، ولو أردنا اليوم الانتصار على عدونا فلا سبيل لذلك إلا الدعاء، ولا بد من السعي له، قال :) …أما في رأيي فما من سلاح أمضى من الدعاء. السعيد هو الذي يدرك هذا السر أي ما هو الطريق الذي بواسطته يريد الله تعالى أن يهب الإسلام تقدّما وازدهارا.” فالسلاح لرقي الدين الذي أعطاه اللهُ تعالى المسيحَ الموعود  لا بد لأتباعه أن يستخدموه نفسه، وهذا السلاح وحده سيُنقذنا من المشاكل ويُخيّب الأعداء أيضا، لذا يجب على كل أحمدي أن يتوجه إلى ذلك. وفي الأخير أقدم دعاء المسيح الموعود  الذي قام به من أجل الأمة المسلمة ولإخوتنا المسلمين غير الأحمديين عموما، قال : “ربِّ يا ربّ، اسْمعْ دعائي في قومي، وتضرّعي في إخوتي. إنّي أتوسّل إليك بنبيّك خاتم النبيّين، وشفيعٍ ومشفَّعٍ للمذنبين. ربِّ أَخرِجْهم من الظلمات إلى نورك، ومِن بيداء البُعْدِ إلى حضورك. ربِّ ارْحمْ على الذين يلعنون عليّ، واحفَظْ مِن تَبِّك قومًا يقطعون يديّ، وأَدخِلْ هداك في جِذْرِ قلوبهم، واعفُ عن خطيئاتهم وذنوبهم، واغفِرْ لهم وعافِهم، ووادِعْهم وصافِهم، وأَعْطِهم عيونًا يبصرون بها، وآذانًا يسمعون بها، وقلوبًا يفقهون بها، وأنوارًا يعرفون بها، وارْحمْ عليهم، واعفُ عما يقولون، فإنهم قوم لا يعلمون. ربِّ بوجهِ المصطفى ودرجتِه العليا، والقائمين في آناء الليل والغازين في ضوء الضحى، وركابٍ لك تَعْدُوا السُّرى، ورحالٍ تُشَدُّ إلى أمِّ القرى، أَصْلِحْ بيننا وبين إخواننا، وافتَحْ أبصارهم، ونَوِّرْ قلوبهم، وفَهِّمْهم ما فهّمتَني، وعَلِّمْهم طرق التقوى، واعْفُ عما مضى. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ السماوات العُلى.” (التبليغ) فتح الله تعالى عيون الأمة المسلمة حتى يكفوا عن معارضة المبعوث من الله ويصبحوا من أعوان المسيح الموعود  وأنصاره، ووفّقنا الله تعالى لنؤدي حق الدعاء، وأخصُّ حاضري الجلسة السنوية في قاديان أن يركزوا على الدعاء ويجعلوا حضورهم هذه الجلسة سببا لإحداث تغير جذري في نفوسهم. وفقنا الله تعالى جميعا لذلك. (آمين) **

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

2 Comments on “خطبة الجمعة 29-12-2017”

Comments are closed.