بسم الله الرحمن الرحيم
نحمده ونصلي على رسوله الكريم وعلى عبده المسيح الموعود
خطبة الجمعة التي ألقاها أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز في مسجد بيت الرحمن، فلنسيا إسبانيا بتاريخ 06-04-2018.
بعد التعوذ والتشهد وتلاوة الفاتحة يقول حضرته نصره الله:
لا شك أن إسبانيا من البلاد الغربية ولكن قوتها الاقتصادية أقل نسبيا من البلاد الأوروبية الأخرى، ولكنها أفضل من باكستان، لذلك يأتي إليها الباكستانيون للتجارة والعمل. وأما الأحمديون فيخرجون من باكستان لسببَين، الأول هو انعدام الحرية الدينية للأحمديين في باكستان، والثاني لتحسين حالتهم الاقتصادية. والذين يأتون هنا معظهم يطلبون اللجوء أو يسعون للحصول على الإقامة الدائمة.
بعض الناس عند طلب اللجوء في أي دولة يبيّنون حالاتهم بشكل صحيح، والبعض الأخر يجمّلون قصتهم. وقد قلتُ مرارا بأنه لو قلتم الواقع وتمسكتم بالصدق لفَهِمته الدوائرُ الحكومية والقضاةُ ومالوا إلى المساعدة. فيجب أن يتجنب الأحمدي الكذب في كل حال، لأن الكذب بمنزلة الشرك عند الله.
وبما أننا خرجنا من ديارنا لحماية إيماننا وللثبات على ديننا فلا بد أن نعطي أحكام الله تعالى الأولوية، وبذلك نكون قد أدركنا هدفَ هجرتنا، وحينها ستنزل علينا أفضال الله تعالى أيضا.
والذين فهِموا حقيقة الغاية من خلقهم وهو نيل رضوان الله تعالى، لن ينغمسوا في متع الحياة وعندها يحرزون الفلاح. كما أن الله تعالى لا يَحرِم مِن نِعم الدين والدنيا الذين يسعون لنيل رضوانه تعالى، فقد علّمنا الله تعالى الدعاء: ]رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[ (البقرة: 202)
يقول المسيح الموعود u: “الإنسان بحاجة إلى شيئَين من أجل إسعاد نفسه، أحدهما أن يبقى في مأمن مما يواجهه في الحياة الدنيا الوجيزة من مصائب وشدائد وابتلاءات، وثانيا: أن ينجو من الفسق والفجور والأمراض الروحانية التي تُبعده عن الله تعالى. فالمراد من حسنة الدنيا هو أن يبقى الإنسان محفوظا من كل بلاء سواء كان جسديا أو روحانيا ومن خزي الحياة السيئة.” (الملفوظات)
ثم يقول المسيح الموعود u شارحا كلمة “ربنا” في الآية السابقة: تقتضي كلمة “رَبَّنَا” أن الإنسان قد تبرّأ من جميع الأرباب التي كان قد اتخذها سابقا ورجع إلى هذا الرب. لا يمكن أن تخرج هذه الكلمة من صميم الفؤاد بدون الحرقة والرقة الحقيقية. فعندما يعتمد الإنسان كليًّا على حِيَلِه وخُدَعِه فتكون هي أربابه. فلا يمكنه معرفة الرب الحقيقي ما لم يتخلَّ عن جميع تلك الأسباب ويتبرأ منها، ويخضع رأسه أمام الرب الحقيقي- الذي هو واحد ولا شريك له- ويخرّ على عتبة بابه مردّدًا كلمة “ربنا” بصوت ملؤه الألم والرقة.”
هذا هو المستوى للخضوع أمام الله تعالى بالإخلاص، والقيام بالعبادات وإدراك الهدف من خلقنا. وعندها سننال حسنات الدنيا وحسنات الآخرة أيضا. فالإنسان يدعو لحسنات الدنيا أيضا من أجل الحصول على حسنات الآخرة، بمعنى أنه إذا كان ينعم بصحة جيدة فيمكنه أن يؤدي حق العبادة على أحسن وجه، وإذا كان يملك مالا فيمكنه أن يؤدي حق التضحيات المالية وتأدية حقوق العباد.
يقول الله تعالى: ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[ (الذاريات: 57) إذًا، عندما نتدبر أوامر الله تعالى نجد أنه يجب ألا تجعلنا المشاغل الدنيوية غافلين عن ذكر الله U، وألا تكون الدنيا غاية مبتغانا.
يقول المسيح الموعود u” المقصد الحقيقي للحياة البشرية هو عبادةَ الله ومعرفته، وأن يصير الإنسان لله وحده. ومن الواضح أن الإنسان لا يملك خيارا لكي يقرر غايةَ حياته من تلقاء نفسه، لأنه لا يأتي إلى هذا العالم بإرادته، ولا هو تاركها برضاه، فما هو إلا مخلوق. فالذي خلقه وخصه من بين جميع الحيوانات بأفضل الملكات هو الذي قد قدر لحياته غاية معينة. وسواء فهمها الإنسان أم لم يفهمها، فإنه مما لا شك فيه أن غاية خلق الإنسان إنما هي عبادة الله، ومعرفته، والفناء فيه تعالى.”
إن أغلبية الأحمديين جاؤوا إلى هذه البلاد بسبب القيود الدينية في بلدهم. فبعد عصر الظلام الطويل قُدّر لشمس الإسلام أن تطلع من جديد في زمن المسيح الموعود بحسب نبوءة النبي r وكان من مهامه أن يُخرج المسلمين من الظلام إلى النور بإطْلاعهم على التعليم الحقيقي الجميل للإسلام.
فمن واجب كل أحمدي هنا أن يبذل قصارى جهده لنشر الإسلام في محيطه بحيث تكون أعمالُه وأخلاقُه وعبادته بمستوى عالٍ يميزه عن غيره ويجذب الآخرين إليه.
إن من أهم أهداف الأحمدي أن يدرك الغاية المنشودة من خلقه أولا، ثم يلفت انتباه الآخرين إلى إدراك هذه الغاية، ويولِّد عند أهل الدنيا إدراك الحقيقة أن النعم المادية التي خلقها الله I ليست لتُبعدهم عن الله وإنما ليقربهم بها إليه I. لذا يجب أن يراعوا الاعتدال في الحصول عليها، وأنهم بالخروج عن الاعتدال يتقدمون إلى الدمار. إن أهل العالم الغربي يظنون أن رقيّهم سيحميهم من الدمار ولكنهم مخطئين في ذلك. فإنما فضل الله وحده يقدر على إنقاذ العالم من الهلاك. فبالإنابة إليه فقط يمكن أن ينال المرء رضاه.
ويقول المسيح الموعود u: “تذكروا أن مجرد البيعة لا يفيد. فما لم يحرز المرء مغزى البيعة الحقيقية فلا تعد البيعة بيعة بل تبقى تقليدا فقط، لذا من الضروري أن تعملوا لتحقيق الهدف الحقيقي من البيعة. يجب أن تتحلوا بالتقوى، وتقرأوا القرآن الكريم بإمعان كبير وتتدبَّروه، وتعملوا به. وإنما الفرق بين المسلم الصادق والمسلم الكاذب أن المسلم الكاذب يدعي فقط ولا يعمل، لكن المسلم الحقيقي مقابله ينجز ولا يصدر الادعاءات. فحين ينظر الله تعالى أن عبدي يعبدني ابتغاء رضاي، ويشفق على مخلوقاتي من أجلي فينـزل عليه ملائكته ويجعل بين الصادق والكاذب فرقانا كما قد وعد.