بسم الله الرحمن الرحيم

نحمده ونصلي على رسوله الكريم                         وعلى عبده المسيح الموعود

ملخص خطبة الجمعة التي ألقاها أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز بتاريخ 27-04-2018.

بعد التعوذ والتشهد وتلاوة الفاتحة يقول حضرته نصره الله:

في 13/4/2018م توفي السيد محمد عثمان جَوْ شَنْغ شِي المعرف بعثمان الصيني وكان أحد صلحاء الجماعة وعلمائها. إنا لله وإنا إليه راجعون. إن سيرة حياته تمثل أسوة تحتذى في نبل أخلاقه وخدماته للجماعة.

وُلد السيد عثمان الصيني في عام 1925م من عائلة مسلمة في إقليم آنْ خُوئي في الصين. جاء إلى باكستان في عام 1949م لدراسة الدين وبعد البحث والتحري بايع ودرس في الجامعة الأحمدية. ثم نذر حياته ونال شهادة “الشاهد” في 1964م، ووُفّق لخدمة الجماعة كداعية في أماكن مختلفة من باكستان وسنغافورة وماليزيا. كما نال شرف أداء العمرة والحج أيضا. وعندما أُسس المكتب الصيني في لندن أرسل الخليفة الرابع رحمه الله في طلبه. ووفِّق حضرته لترجمة كتب الجماعة أهمها ترجمة معاني القرآن الكريم. كما ألَّف الكتب حول الجماعة.

يقول المرحوم عن ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الصينية: كنت أبحث عن أناس متمكنين ليساعدوني في مراجعة الترجمة وتحسينها لغويا. وكان إنجاز هذه المهمة في باكستان أو في بريطانيا صعبا جدا. فسافرتُ بأمر الخليفة الرابع رحمه الله إلى الصين وسنغافورة للاستعانة بعلماء اللغة الصينية وتم تحسين مستوى الترجمة وصارت رفيعة المستوى وممتازة بفضل الله تعالى. كانت تراجم معاني القرآن الكريم باللغة الصينية موجودة من قبل، ولكن الترجمة التي قامت بها الجماعة الإسلامية الأحمدية هي عمل فريد بالنظر إلى علم الكلام للجماعة.

هناك برفسور صيني اسمه لِنْ سانغ ألّف كتابا بعنوان: “تراجم معاني القرآن الكريم إلى اللغة الصينية في هذا القرن”، وقد ذكر فيه ترجمتنا وكرّس لها في كتابه 15 صفحة تقريبا. فقال: إن عامة العلماء لا يترجمون بعض الكلمات العربية بل يكتبونها كما هي، أو يوضحونها في الهامش. بينما مزية الترجمة التي قام بها السيد عثمان هي أنه يترجم مثل هذه الكلمات أيضا، ثم يكتب في الهامش المراجع المؤيدة التي أسس عليها ترجمته.

ويقول هذا البروفسور: لقيتُ السيد عثمان ووجدت أنه إنسان متواضع ومخلص وصادق. ومع أن بعضا من ترجمته وتفسيره لا يتطابق مع معتقدات أهل السنة في الصين، ولكن لا يمكن إنكارُ أن هذا الشخص موَحِّدٌ ومحبٌّ للنبي ﷺ وملتزم بأوامر الله تعالى.

تقول زوجته عن حياته المنـزلية: كان زوجا رائعا بل كان أستاذي الروحي، فكان بعد أن يصلي بالناس في المسجد يصلي معي جماعة في البيت، فكان يعلمني الكلمات العربية للصلاة. ثم حين بدأ يعلمني القرآن الكريم علمني معه الترجمة أيضا لأحافظ على الرغبة والاستمتاع، فكان صبورا ويفهِّمني الموضوع بتعمق. كان يهتم كثيرا بصلة الرحم وبوالدته. يوم كانت صحته جيدة كان يعمل في المكتب إلى ساعات متأخرة من الليل وأحيانا كان يواصل عمله للصباح. كان في البيت يهتم بتربية أبنائه التربية الحسنة.

تقول ابنته الكبرى الدكتورة قرة العين: كان والدي شفيقا ولطيفا ومجتهدا كثيرا وصاحب آمال وطموحات جيدة، وكان إنسانا متواضعا. كان يبدي اهتماما كبيرا بدراستنا، وكان يقول لنا: لقد خلقكم الله ﷻ في هذه الدنيا لتدعوا الناس إلى الإسلام ولا سيما الصينيين، وكان ينصحنا بانتظام بأن نستمر في أن نتقدم في الأخلاق والروحانية. وبأنه إذا بدأنا أي عمل أن نداوم عليه. لم يوبخنا في الطفولة قط، بل كان دوما ينصح بحب ولطف. وإذا قسا فإنما على عدم المواظبة على الصلاة فقط، كان في الطفولة يصحبنا إلى المسجد خمس مرات. وفي أيام العطلة كان يعطينا كتابا ما للقراءة ثم يسألنا فيه.

وتقول ابنته الصغرى “منـزهة”: كان والدي يقول، ينبغي أن تكون أهدافكم سامية وعالية دوما. وكان ينصحنا بأداء صلاة التهجد أيضا إلى جانب الصلوات الخمس، وكان ينصحنا بقراءة كتب سيدنا المسيح الموعود ؏ وخلفائه، وكان يجلس معنا ساعات طويلة ليردّ على تساؤلاتنا بصبر ورحابة صدر. وكان دوما يقول: أنجِزوا كل عمل باعتباره عبادة لله.

يقول ابن المرحوم، الدكتورُ داود: لقد أخبرني والدي أنه تلقَّى أثناء امتحاناته في الجامعة الأحمدية خبر وفاة أخيه الأكبر ووالده، فخطر بباله أن هذا الخبر أيضا امتحان كامتحانات الجامعة، فحضر الامتحان دون أن يضيِّع الوقت. كان والدي مشغوفا بنشر الدعوة للصينين، فكان يتكلم عن الأحمدية للناس ويقدم لهم كتب الجماعة، وكان يصر على ذلك حتى عندما مرض ولم يكن يقدر على المشي.

كان ينصحنا بحفظ أسماء الله الحسنى، وقد نَظَمَ قصيدة لها باللغة الصينية، وكان يجري المسابقة فيما بيننا ثم يقدم الجائزة لمن حفظ هذه الأسماء أكثر من غيره.

في آخر لقاء مع أمير المؤمنين جاء حضرته برفقة أهله وذكر ثلاث أمور، أولها أنه بسبب ضعف جسمه فهو لا يستطيع الوقوف، وكان يكن كل الاحترام للخلافة، وطلب الدعوة له بأن يوفقه الله لينشر الدعوة حتى آخر لحظة من حياته. وأن يسمح له أمير المؤمنين بأن يتابع أعماله من البيت بسبب المرض.

حين ذهب المرحوم للحج رافَقه صهره أيضا، فهو يقول: إن المرحوم قد نَظَمَ أدعيته ومشاعره هناك باللغة الصينية، وقال أنه يَنْظم الأدعية لقومه الصينيين أن يهديهم للإسلام الصحيح.

يقول المرحوم في سيرته الذاتية: في الصين قد اختلطت تعاليم البوذية والكنفوشية والتاوية، وشكَّلوا دينا جديدا يركز على الأخلاق بشكل خاص. وحين نُشرت مقابلاتي في ثلاث جرائد صينية، طلب أتباع هذا الدين الجديد بأن أكتب مقالا بعنوان تعاليم الإسلام عن الأخلاق. فكتبتُ المقال فأرسَلوا إليَّ رسالة شكر وقالوا: نشكرك كثيرا لأنك كتبت لنا مقالا عظيما عن الإسلام.

يقول الأستاذ آغا سيف الله المحترم زميل المرحوم في الدراسة: كان عثمان شاباً صالحا بارًّا، وكان يصلي بمنتهى الخشوع ويدعو الله بضراعة متناهية. كان من عادته أن يصلي النوافل ويصوم تطوعا، وكان شغوفا بالتسبيح والتحميد وذكر الله، وكان يشكر الله ﷻ على الفوز بنعمة الأحمدية. كان دائما يوصيني وزملائي الذين كانوا يأتون للقائه بالدعاء. كان شديد الذكاء وذا فراسة. كان ملتزماً بنظام الجماعة. كان كلما طلب منه أحد الدعاء كان يقول له: هل التمستَ الدعاء من الخليفة؟

يقول الدكتور رضوان المحترم رئيس الجماعة في إسلام آباد: لم يكن بين بيت المرحوم والمسجد إلا مسافة دقيقتين أو ثلاث، إلا أنه في السنوات الأخيرة كان يقطع هذه المسافة في عدة دقائق. قلت له مرة: لماذا لا تجلس في المسجد انتظارا لصلاة العشاء بدلًا من الذهاب إلى البيت ثم العودة، فقال: المشي فيه رياضة، وأنال ثواب الذهاب والإياب بين البيت والمسجد أيضا.

يقول السيد رشيد بشير الدين من أبوظبي: عندما كان الأستاذ الصيني المحترم داعية في كراتشي كان غير الأحمديين أيضا يستشيرونه في أمورهم الشخصية، وكانت مشاكلهم تحل بالعمل بمشورته وببركة دعائه. كان الأستاذ الصيني خدوما لوالدته. إذا تضايقت منه سارع إليها وقبّلها وسدّ حاجتها بمنتهى الانهماك.

وكتب السيد مجانو محمد المحترم من جماعتنا في تمكوو، قرغستان: لقيت السيد عثمان تشو المحترم خلال السفر في الطائرة عام 1994. ولم أكن أعلم عن الأحمدية.فسألني هل تقرأ ترجمة القرآن الكريم باللغة الصينية؟! قلت نعم. فسألني: هل تعرف اسماء المترجمين؟ قلت: نعم. فعرفني عن اسمه وكنت مسرورا جداً بلقائه إلا أنني لم أكن قد قرأت ترجمته بعد. فأعطاني معلومات عنه وعن المكان الذي سيقيم فيه. وبعد يوم أو يومين اتصل بي وجاء إلى منزلي وتحدثنا عن مواضيع مختلفة. وفي زيارة أخرى تحدث حضرته حول وفاة المسيح الناصري، وختم النبوة والإمام المهدي والقرآن والحديث، وأهداني ترجمة معاني القرآن الكريم وبعض الكتب الأخرى. فانقلبت أفكاري وبايعت.

هناك أحداثا كثيرة تبين أنه كان مجاب الدعاء، وكان يدعو لنفسه وللآخرين بخشوع.

يقول الداعية رشيد أرشد وهو يعمل في المكتب الصيني: كان المرحوم أسوة لنا في التزامه بصلاة الجماعة وفي شغفه بالعبادات. وكان يواظب على صلاة التهجد. كما كان المرحوم نشيطا جدا في التبليغ، وكان هادئ الطبع قليل الكلام إلا في موضوع التبليغ فكان يشرع فيه بكل حماس. وكان مضيافاً.

كذلك كتب الداعية نصير أحمد بدر: عندما وجدت فرصة للتبليغ إلى الصينين سمعت ذكر السيد عثمان الصيني بكلمات حسنة، وهو يُعَدُّ علامة كبيرا للإسلام في الصين، والمؤلفات التي خلَّفها باللغة الصينية سَتُخَلِّدُ ذكره، لأنها تخلب ألباب الصينيين بفصاحتها وبلاغتها.

كتب السيد عطاء المجيب راشد: كان المرحوم رجلا صالحا عظيما. كان كثيرَ الدعاء وملتزمًا بالصلوات، وكان يحضر المسجد رغم المرض والضعف، وكان ناصحًا أمينًا وبسيطَ الطبع، وعاليَ الهمة ومنشغلا بخدمة الدين رغم ضعفه، وكان خادما صادقا ومخلصا ووفيا للخلافة، وكان يلقى الجميع بوجه طلق.

رفع الله تعالى درجات السيد عثمان الصيني وألهم زوجته الصبر والسلوان وجعل أولاده يَرِثُون أدعيته.

صلى عليه أمير المؤمنين صلاة الجنازة بعد صلاة الجمعة.