بسم الله الرحمن الرحيم

نحمده ونصلي على رسوله الكريم                         وعلى عبده المسيح الموعود

ملخص خطبة الجمعة التي ألقاها أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز في 30-03-2018:

بعد التعوذ والتشهد وتلاوة الفاتحة يقول حضرته نصره الله:

لقد تحدثت في الخطبة الماضية عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري الذي استشهد في أحد. وقد روى ابنه جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ألا أخبرك أن الله كلم أباك كفاحاً، قال: يا عبدي، سلني أعطيك. قال: أسألك أن تردني إلى الدنيا، فأقتل فيك ثانياً، فقال: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون. هذا الحديث يدل على عظمة تضحية هذا الصحابي الجليل.

كان جابر بن عبد الله ابنًا لهذا الصحابي العظيم، وفي رواية عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ يَهُودِيٌّ، وَكَانَ يُسْلِفُنِي فِي تَمْرِي إِلَى الجِدَادِ (إلى موسم جني ثمار النخل)، وَكَانَتْ لِجَاِبرٍ الأَرْضُ الَّتِي بِطَرِيقِ رُومَةَ، فَجَلَسَتْ فَخَلّا عَامًا (أي لم تمثر أرضي جيدا) فَجَاءَنِي اليَهُودِيُّ عِنْدَ الجَدَادِ وَلَمْ أَجُدَّ مِنْهَا شَيْئًا، فَجَعَلْتُ أَسْتَنْظِرُهُ إِلَى قَابِلٍ (أي إلى العام القادم) فَيَأْبَى. فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: امْشُوا نَسْتَنْظِرْ لِجَابِرٍ مِنَ اليَهُودِيِّ. فَجَاءُونِي فِي نَخْلِي، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَلِّمُ اليَهُودِيَّ، فَيَقُولُ: أَبَا القَاسِمِ لاَ أُنْظِرُهُ. فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَطَافَ فِي النَّخْلِ، ثُمَّ جَاءَهُ فَكَلَّمَهُ فَأَبَى. فَقُمْتُ فَجِئْتُ بِقَلِيلِ رُطَبٍ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ عَرِيشُكَ يَا جَابِرُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: افْرُشْ لِي فِيهِ. فَفَرَشْتُهُ، فَدَخَلَ، فَرَقَدَ ثُمَّ اسْتَيْقَظ. فَجِئْتُهُ بِقَبْضَةٍ أُخْرَى فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَ فَكَلَّمَ اليَهُودِيَّ، فَأَبَى عَلَيْهِ. فَقَامَ فِي الرِّطَابِ فِي النَّخْلِ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ قَالَ: يَا جَابِرُ جُدَّ وَاقْضِ (أي اقطفْ ثمر النخل وادفعْ به دينَه)، فَوَقَفَ فِي الجَدَادِ، فَجَدَدْتُ مِنْهَا مَا قَضَيْتُهُ، وَفَضَلَ مِنْهُ. فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَشَّرْتُهُ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ.” أي لقد وقعت هذه المعجزة لأن الله تعالى يستجيبب لأدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبارك في أعماله. كما أن هذه القصة تدل سعي الصحابة لدفع ديونهم.

بعض الناس في مجتمعنا لا يسددون الديون ويماطلون في تأديتها فيضطر الناس لرفع القضايا ضدهم.

وفي رواية عن جابر حول أهمية سداد الدين أن أحد الصحابة كان عليه دين دِينَارَينِ، فَتَخَلَّفَ رسول الله r عن الصلاة عليه فَقَالَ لَهُ صحابي يَا رَسُولَ اللَّهِ! هُمَا عَلَيّ، فصلى عليه النبي r.

وهناك رواية أخرى عن جابر أن مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِلْوَرَثَةِ ولأهله وَمَنْ تَرَكَ ضَيَاعًا أو دَيْنًا ولا يكفي عقارُه لسداد ديونه، أو من ترك أولادًا خلفه ولا سند لهم، فسنقوم بأداء هذا الدين وكفالة أولاده أي ستتكفل الحكومة والمسؤولون بسداد ديونه. إلى جانب ذلك أكد الإسلام على ضرورة كفالة اليتيم وتربيته أيضا.

ففي حادثة رفض الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة على من كان عليه دين وفي حادثة أخرى روي أن الحكومة يجب عليها سداد الدين. فالقول الأول لإفهام الناس الذين يقترضون دون الحاجة بأهمية أداء الديون. وفي القول الثاني قد اعتبرها r مسؤولية الحكومة الإسلامية وهذا يعني أن كفالة اليتيم وأداء دينه هي مسؤولية الحكومة. ففيه درس أعطاه النبي r للحكومات الإسلامية لتعرف كيف ينبغي أن تهتم برعاياها، ولكن مع الأسف إن أكثر حقوق الشعب تُغتصب في الحكومات الإسلامية نفسها.

هناك واقعة أخرى لشفقة النبي r ولُطفه بجابر t، يقول الراوي أَتَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ فَقُلْتُ لَهُ حَدِّثْنِي بِمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r، قَالَ: سَافَرْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، قَالَ الراوي: لَا أَدْرِي غَزْوَةً أَوْ عُمْرَةً، على أية حال لَمَّا أَنْ أَقْبَلْنَا أي عدنا إلى المدينة قَالَ النَّبِيُّ r مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَعَجَّلَ إِلَى أَهْلِهِ فَلْيُعَجِّلْ، قَالَ جَابِرٌ: فَأَقْبَلْنَا وَأَنَا عَلَى جَمَلٍ لِي أَرْمَكَ لَيْسَ فِيهِ شِيَةٌ، وَالنَّاسُ خَلْفِي فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ قَامَ عَلَيَّ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ r يَا جَابِرُ! اسْتَمْسِكْ، فَضَرَبَهُ بِسَوْطِهِ ضَرْبَةً فَوَثَبَ الْبَعِيرُ مَكَانَهُ وأسرع في مشيه، فَقَالَ r: أَتَبِيعُ الْجَمَلَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ فِي طَوَائِفِ أَصْحَابِهِ، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ، وَعَقَلْتُ الْجَمَلَ فِي نَاحِيَةِ الْبَلَاطِ، فَقُلْتُ لَهُ r: هَذَا جَمَلُكَ. فَخَرَجَ r، فَجَعَلَ يُطِيفُ بِالْجَمَلِ وَيَقُولُ: الْجَمَلُ جَمَلُنَا، فَبَعَثَ النَّبِيُّ r أَوَاقٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: أَعْطُوهَا جَابِرًا، ثُمَّ قَالَ: اسْتَوْفَيْتَ الثَّمَنَ؟ قُلْتُ نَعَمْ، قَالَ: الثَّمَنُ وَالْجَمَلُ لَكَ. أي لقد أدّى النبي r لجابر ثمن الجمل وأرجع الجمل أيضا إليه لطفًا منه.

قد يكون السبب في إرجاع الجمل هو كما ورد في بعض الروايات أن هذا الجمل كان يستخدم لجلب الماء للعائلة. وكان يستخدمه خالُ جابر t وأقاربه الآخرون أيضا.

يقول أمير المؤمنين نصره الله: أسرد عليكم بين حين وآخر وقائع من حياة الصحابة رضوان الله عليهم راجيا أن يوفقنا الله تعالى لإحياء حسناتهم والتأسي بأسوتهم.

بعد صلاة الجمعة صلى أمير المؤمنين نصره الله صلاة الجنازة على فردَين مخلصَين من الجماعة توفِّيا مؤخرا. أولهما المرحوم بلال إدلبي المحترم من سوريا الذي أصيب بحادث سيارة قبل بضعة أيام وتوفّي بتاريخ 17/3/2018م على إثر نوبة قلبية. إنا لله وإنا إليه راجعون. كان المرحوم من مواليد 1978م. بايع عندما كان بعمر 17 عاما. كان شخصا مضيافا ومحبا لأفراد الجماعة، كان يعتني بأولاده اعتناء خارقا وكان يضعهم بأفضل المدارس. قبل الحادث بيومين صلت الجماعة صلاة الجمعة في بيته، وكان المرحوم موصيا وسدد كل ما عليه.

الجنازة الثانية هي للمرحومة سليمة مير رئيسة لجنة إماء الله السابقة في كراتشي. وقد توفيت بتاريخ 17/3/2018م عن عمر يناهز 90 عاما. كان والدها السيد مير إلهي بخش صحابيا للمسيح الموعود u. كانت المرحومة مولعة بتعليم القرآن الكريم. ترملت وكان عمرها 36 سنة. وإلى جانب تربية أولادها الثمانية نالت شهادة البكالوريوس وبدأت العمل في فرع المراسلة في مكتب لجنة إماء الله.

كانت تنصح المرحومة النساء وتحثهن على ضرورة الطاعة والالتزام بنظام اللجنة والتحلي بأخلاق إسلامية سامية، والجهاد ضد البدعات وتجنّب عادة الاعتراض على النظام اجتنابا كليا. ونصحتْهن بالإكثار من الاستغفار. أبدى الخليفة الثالث والرابع إعجابهما الكبير بأعمالها. وكتب لها الخليفة الرابع في رسالة: “أنت بفضله تعالى تنجزين أعمالا رائعة وتنبعث من فؤادي أدعيةٌ لك. بارك الله في عمرك وصحتك وأفراحك، وجزى زميلاتك المخلصات أحسن الجزاء في الدنيا والآخرة.”

تقول إحدى بناتها: مرض زوجي وكان مرضه الأخير فأعطتني أمي بعد وفاته مجلدات ملفوظات المسيح الموعود u. وقالت: لقد عشتُ مع هذه الملفوظات بعد وفاة والدك، وفوَّضت أمري كله إلى الله I. وكانت تقول يجب أن يفوق حب الله كل حب آخر، والصبر عند الصدمة الأولى، زوجك أمانة الله فهو الذي كان قد وهبه لكِ وكان ملكه والآن استعاده. كانت المرحومة نفسها قد أنجبت صبيا بعد أربع بنات وحين توفي قالت بمنتهى الصبر والتحمل: كان أمانة من الله I وقد استعاد أمانته. كانت تداوم على الدعاء وتحث بناتها على التمسك دوما بأهداب الخلافة. كانت تنصح دوما بالحجاب أو الخمار وتقول هناك كتاب نشرته لجنة إماء الله باسم “الأزهار لذوات الخمار” ويحتوي على توجيهات الخلفاء. ولاهتمامها بالكتب أهدت لإحدى حفيداتها أيامَ عرسها كتابا عن سيرة نواب مباركة بيغم المحترمة بعد أن وضعت الخط تحت نصائح حضرتها للعروس يوم العرس. لقد كتب الجميع أنها كانت وقورةً جدا وذات همة عالية وصبورة ودمثة الأخلاق وصالحة تدعو الآخرين أيضا إلى الصالحات.

رفع الله تعالى درجات المتوفين ووفّق أولادهم ليواصلوا حسناتهم.