بسم الله الرحمن الرحيم

نحمده ونصلي على رسوله الكريم                         وعلى عبده المسيح الموعود

ملخص خطبة الجمعة التي ألقاها أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز في مسجد البشارة، بيدرو آباد إسبانيا بتاريخ 20-04-2018.

بعد التعوذ والتشهد وتلاوة الفاتحة يقول حضرته نصره الله:

يقول الله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت 33).

إن في هذه الآية وصف للمؤمنين الذين من الممكن أن يحدثوا التغيير الطيب في أنفسهم وفي مجتمعهم لأنهم يعملون بكل أوامر الله ورسولُه. فالميزة الأولى هي تعلّم العلوم الدينية وتعليمها للآخرين وتوجيههم لأداء حقوق بعضهم البعض. فالذي في قلبه حرقة لإنقاذ الأخرين وتقريبهم إلى الله يتحلى بهذه الميزة وبالأخص في هذا الزمان المليء بالمغريات. المَزِيَّةُ الثانية هي عمل الصالحات ويكون المرء أسوة للآخرين، فمن لا يعمل بما تعلمه تخلو دعوته من البركات. والصفة الثالثة أن المؤمن الصادق يجب أن يعلن بأنه من المسلمين، أي إعلان التسليم والانقياد بإراءة أسمى نماذج الطاعة وذلك يتضمن الطاعة لخليفة الوقت ونظام الجماعة. فلا تتحقق معايير مستويات العمل الصالح والتقوى إلا برفع مستوى الطاعة والانقياد. ولن نتمكن نحن  الأحمديين من إحراز هذه المستويات للطاعة الكاملة، ولن تتكلل دعوتُنا بالنجاح وأعمالنا بالصالحات ما لم نُبدِ طاعة كاملة لنظام الخلافة.

يقول الله تعالى في القرآن الكريم: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي)، ولقد تلقَّى سيدنا المسيح الموعود ؏ أيضا هذه الكلمات في الإلهام، يقول حضرته في تفسيرها: المراد من الغلبة هو أنه كما أن الرسل والنبيين يريدون أن تتم حجة الله على الأرض بحيث لا يقدر أحد على مقاومتها، فإن الله تعالى يظهر صدقهم بالبينات، ويزرع بأيديهم بذرة الحق الذي يريدون نشره في الدنيا. ثم يقول حضرته ؏: بما أنني رسوله مبعوث منه، باسم ذلك النبي الكريم خاتم النبيين ﷺ بصفتي مظهرا له، لذا فكما تحقق مفهوم هذه الآية منذ القدم، أي من آدم إلى النبي ﷺ، فسيتحقق الآن بحقي أيضا.

فالغراس التي يريد الله غرسها في كل أنحاء العالم على يد المسيح الموعود ؏ إنما هي غراس الشريعة التي نزلت على رسول الله ﷺ، والتي قُدِّرَ تكميل إشاعتها في زمن المسيح الموعود، وهذه الشَّتَلات التي خرجت من البذرة التي غرسها ؏ تنتشر باستمرار في العالم كله. فإن شتلات غراس علوم القرآن ومعارفه ورسالةِ الإسلام التي بينها حضرته في تفسيره بوضوح في ضوء القرآن الكريم تنقل وتُنشر في شتى أكناف العالم، مما يجعل العالم يصبو إلى تعاليم الإسلام الجميلة. وهناك عدة إلهامات أخرى منها على سبيل المثال: “ينصركم الله في دينه”، و”في دينه” يعني أن ما ينشره ؏ هو دين الله الإسلام. وهناك إلهام آخر “ينصرك الله من عنده”، وإلهام “سوف أذيع صيتك بالعز في أطراف الأرض.”. وإلهام “سوف أبلغ دعوتك إلى أقصى أطراف الأرضين”. فلا شك أن رسالة المسيح الموعود ؏ سوف تنتشر في العالم، وستعرفه الدنيا كعاشق صادق للنبي ﷺ وكبطل جريء، وبفضل الله تعالى تذاع البرامج عبر “ايم تي ايه” على مدار 24 ساعة، وبشتى لغات العالم. وهذا كله راجع إلى وعود الله تعالى مع المسيح الموعود ؏. ونتيجة لذلك ينضم ذوو الأرواح الطيبة إلى الأحمدية. وهذه هي وعود الله تعالى التي ليس لمجهودنا أي دخل في تحقيقها، ولكن من واجب المؤمن أن يقوم بالدعوة إلى الله لينال الثواب ورضا الله تعالى وثناءه.

يقول أمير المؤمنين نصره الله: من واجبكم أنتم الجالسون أمامي هنا في أسبانيا أن تُخصصوا من أوقاتكم يومين في الشهر على الأقل من أجل تبليغ الدعوة حسب طباع أهل البلد. فهناك أحمدي أسباني أخبرني بإن جماعتنا يجب ان تقوم بتبليغ الدعوة واضعين في الحسبان العقلية الأسبانية. فعلى الرغم من أنهم من أهل أوروبا لكن عقليتهم مختلفة. فرغم الخوف من الإسلام والمسلمين إلا أنه لديهم عاطفة تجاه المسلمين بحكم عيشهم في أسبانيا حقبة طويلة، وهناك حاجة إلى استثارة هذه العاطفة الكامنة في الأسبان، ولا سيما في مناطق معينة كولاية الأندلس.

إن التعريف بالجماعة يتم على نطاق واسع في إسبانيا، إذ تتحدث محطات التلفاز وتكتب الجرائد عن الجماعة مما يؤدي إلى تبليغ الدعوة أيضا. إضافة إلى ذلك هناك كثير من الناس جاؤوا من المغرب والبلاد العربية الأخرى وسكنوا في مدن شتى هنا، لذا يجب نشر الدعوة والمنشورات العربية في هذه المناطق عن طريق الناطقين بالعربية.

وهناك سيدة إسبانية قبلت الأحمدية وتسكن حاليًّا في لندن وهي زوجة السكرتير للمبايعين الجدد في بريطانيا. وعندما تزور إسبانيا تتوجه إلى المدارس والكليات والجامعات وتقوم بنشر الدعوة وتبحث عن فرص التبليغ. فإذا كانت هي تأتي من لندن وتفعل ذلك فلماذا لا يبحث الدعاة والمسؤولون هنا عن مثل هذه الفرص؟! فعلى المسؤولين والدعاة هنا أن يضعوا خطّة متينة ومحكمة. والأمر الأساس هو الحاجة الماسة إلى العمل المبني على التعاون وإلى أهمية أداء واجباتنا ومسؤولياتنا بحماس خاص وشوق كبير بعد إعلان كوننا أحمديين. وإن المبشرين المبعوثون هنا رغم أنهم لا يعرفون اللغة إلا أنهم يتوجهون إلى كل مكان ويبلغوا الدعوة.

إن سكرتير التبليغ الوطني هنا يبدي حماسًا كبيرا لتبليغ الدعوة، ولكن هناك نقصًا في الميزانية وفي تعاون أفراد الجماعة. فمن واجب أمير الجماعة أن يحث الأفراد على التعاون مع سكرتير التبليغ والدعاة لإعادة مجد الإسلام مرة أخرى.

يقول المسيح الموعود ؏: ” أود أن أسأل الذين يكنّون في قلوبهم لوعة للإسلام، وترسخ في قلوبهم عظمته وأهميته أن يخبروني: أأتى على الإسلام زمنٌ أشدّ من هذا العصر الراهن الذي سُبَّ فيه النبيُّ ﷺ وشُتِم، وأسيء إليه فيه، وأهين القرآن الكريم؟! إن الله تعالى بنفسه وملائكته يصلون على النبي ﷺ، فكم من الحريِّ الالتزام بهذه الصلاة في زمن الإساءة هذه! وقد حقق الله ذلك في صورة هذه الجماعة! قد بُعثتُ لأقيم من جديد المجدَ الضائع للنبي ﷺ، وأُري العالم حقائق القرآن الكريم. وكل هذه الأعمال تتحقق، ولكن الذين على أبصارهم غشاوة لا يستطيعون رؤية تحققها.”

ثم يقول المسيح الموعود ؏: “جميع الناس لا يكونون مطلعين على المهمة التي من أجلها قد أتوا، فالبعض مهمتهم تنحصر في الأكل والشرب كالأنعام، مثل هؤلاء الناس حين يعاقَبون يهلكون تماما، ولكن الذين ينشغلون بخدمة الدين يُعامَلون برفق حتى يُكملوا ذلك العمل أو الخدمة. إذا كان الإنسان يريد أن يمد الله في عمره فعليه أن يكرس حياته لخدمة الدين خالصة قدر المستطاع. (الملفوظات)

قال رسول الله ﷺ مخاطبا عليا t: “وَاللهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ” (صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير) كان الجمل الأحمر يُعدّ شيئا ثمينا جدا، لذا بيَّن النبي ﷺ أنْ لا قيمة لأموال الدنيا ومتاعها مقابل أن تبلّغوا وتُصبحوا وسيلة هداية للآخرين. وذلك يورثكم بركات الدنيا والآخرة.

ثم قال النبي ﷺ: “مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا” (صحيح مسلم) وهذا يوضّح الآية المذكورة في مستهل الخطبة. فثمة حاجة للتبليع لنرث أفضال الله تعالى ونعمه.

يقول المسيح الموعود ؏: “الوقت الآن ضيّق، والزمن في انقلاب، وهو زمن أخير، فالزمن يقتضي إبداء الصدق والوفاء، وأتيحت فرصة أخيرة، فلن يعود هذا الوقت مرة أخرى، فعند هذا الزمن تنتهي نبوءات جميع الأنبياء، لذا فالفرصة الأخيرة لإظهار الصدق والوفاء قد أتيحت للإنسان، فلن تأتي أية فرصة بعدها، فشقيٌّ جدا مَن فوّتها.

قال ؏: إن مجرد إعلان البيعة لا يفيد مطلقا، بل اسعوا جاهدين وادعوا الله أن يجعلكم صادقين، فلا تتهاونوا ولا تتكاسلوا، بل انشطوا، واسعوا للعمل بالتعليم الذي قدمته، واسلكوا الطريق التي بيّنتها لكم”.

يقول أمير المؤمنين نصره الله: يجب على كل أحمدي أن يقرأ التوجيهات الواردة في جزء “تعليمنا” من كتاب “سفينة نوح”، فهي تُرشدنا إلى الدعوة إلى الله والأعمال الصالحة.

قال حضرته ؏: إن ارتكاب أعمالا منافية لما قدم من الأعمال الصالحة يشهد بأن تلك الأعمال لا تمارَس كأعمال صالحة، وليست فيها ذرة من الإخلاص والروحانية وإلا لماذا لا تُصاحبها بركاتها وأنوارها؟! اعلموا يقينا أنه لو لم تصدر هذه الأعمال بصدق القلب والروحانية، ولم تكن نزيهة من كل نوع من الفساد لما نفعت صاحبها شيئا.

ثم يقول ؏: تذكروا جيدا أن الله تعالى ينظر إلى الروح والروحانية، ولا ينظر إلى الأعمال الظاهرية. ولا يرضى إلا بالصدق والإخلاص.

فقد ورد في الحديث الشريف: لَا يَسْرِقُ سَارِقٌ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَزْنِي زَانٍ حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ. المراد من ذلك أن سوء الأعمال قد أثّر في اعتقاده الصحيح وأضاعه.

يقول أمير المؤمنين نصره الله: تُـعَدّ الأعمال صالحة إذا كانت نابعة من الطاعة الصادقة بعيدا عن الأماني الشخصية، وكانت فقط لنيل رضوان الله تعالى وبحسب أوامره. اعلموا جيدا أن الشكاوى الغير مبررة من نظام الجماعة تبُعد أصحابها عن الجماعة، وبالنتيجة يبتعد هؤلاء الناس عن الله تعالى روريدا رويدا. هذه هي عاقبتهم التي لاحظناها.

يقول سيدنا المسيح الموعود ؏: “إن الأسلحة لِغلبتنا هي الاستغفار والتوبة والاطلاع على العلوم الدينية، ومراعاة عظمة الله وإقامة الصلوات الخمس. الصلاة مفتاح القبول فأكثروا فيها الدعاء ولا تتكاسلوا، واجتنبوا كل سيئة سواء كانت تتعلق بحقوق الله أو حقوق العباد”.

يقول أمير المؤمنين نصره الله: ندعو الله تعالى أن يوفقنا لنشر دعوة المسيح الموعود ؏ ويستخدمنا في تحقيق تلك الغلبة، ويوفقنا لأداء حقوق الله وحقوق العباد. وأن يكون نيل رضاه ؏ نصب أعيننا دائما، وأن نكون مطيعين صادقين له I. عند ذلك سنرى أيام غلبة الإسلام بحسب وعود الله تعالى، وفقنا الله جميعا لذلك.