بسم الله الرحمن الرحيم

نحمده ونصلي على رسوله الكريم وعلى عبده المسيح الموعود

ملخص خطبة الجمعة التي ألقاها أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز بتاريخ 25-05-2018.

بعد التعوذ والتشهد وتلاوة الفاتحة يقول حضرته نصره الله:

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (النور: 56-57)

وعد الله تعالى المؤمنين بأنهم سينعمون بنعمة الخلافة، ونتيجة لذلك سينالون التمكين في الدين وسيتبدل خوفهم بالأمن. ويحظى بهذا الإنعام الذين يحققون الشروط المنوطة بهذا الوعد. ما هي تلك الشروط؟ يقول الله تعالى: (يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)، وإن لم يكونوا مجتنبين للشرك فلن يستفيدوا من نعمة الخلافة.

كما يتضح من الأحاديث أيضا أن الخلافة على منهاج النبوة ستقام وستكون هذه الخلافة دائمة. ولقد بيّن الله تعالى للمسلمين مع ذكر هذا الإنعام أنه لابد لهم من إحداث التغيير في أنفسهم بأن يقيموا الصلاة ويؤدوا الزكاة ويطيعوا الرسول. تذكروا قول النبي ﷺ: من أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني.

الخلافة التي تقوم على منهاج النبوة ستكون معنية بتذكير الناس بإقامة الصلوات ونشر الدين، وإيتاء الزكاة والتركيز على التضحية المالية. بدون الخلافة لا يمكن تتحقق الوحدة التي هي الهدف الأسمى من طاعة الرسول. لا شك أن المسلمين الآخرين يؤدُّون الصلوات غير أن قلوبهم شتى جراء انعدام الوحدة. بل ويستخدمون الدين ذريعة لتحقيق الأهداف الشخصية والسياسية. وعلماؤهم شر مَن تحت أديم السماء.

وقبل يومين هاجم المشايخ وباشراف من السلطة في جنح الظلام مسجدنا في سيالكوت والبيت المجاور له، وأنجزوا “مهمة عظيمة لإنقاذ الإسلام” على حد زعمهم. وأعلنوا بأنهم سيلحقون الأضرار بالمساجد الأخرى.

ما دام هؤلاء لا يؤمنون بالخلافة التي أقيمت تحقيقا لنبوءة النبي ﷺ ستظل تصدر منهم مثل هذه التصرفات الغاشمة، ولا يرجى منهم أي خير مطلقا. فأما عن ردُّنا فهو “إنما أشكو بثي وحزني إلى الله”. وما علينا إلا العمل بتعليم المسيح الموعود ؏ والتمسك بالخلافة التي أقيمت بعد وفاته. والاستجابة لأوامر الله ﷻ ورفع مستويات طاعتنا.

ذات مرة سئل حضرته ما هي الغاية من بعثة الخليفة؟ فقال ؏: الإصلاح. قد بدأ نسل الإنسان من آدم ؏ وبعد مدة طويلة ابتعَدوا عن هُدى الله، فهَدى الله العالم عن طريق مبعوث منه وأخرجهم من هوة الضلال، وأقيم نور المعرفة في العالم من جديد كالمصباح. ليُنشر اسم الله وتوحيده”.

يقول أمير المؤمنين نصره الله: نلاحظ أن الحالة العملية لغالبية المسلمين ضعيفة. فهم متورطون في الشرك الخفي، وليس فيهم أثر للأخلاق الفاضلة. وكما قال المسيح الموعود ؏ أن جماعتنا قد أقيمت بحسب هذه السنة القديمة، فعلينا أن نفحص أنفسنا دائما هل نعمل بالنصائح التي أمرنا الله تعالى بها للحصول على النِعم المنوطة بالخلافة؟ وما هو مستوى عباداتنا وتضحياتنا وطاعتنا؟ وهل كل أقوالنا وأعمالنا بريئة من الشرك أم لا؟ هل نسعى للوصول إلى المستوى الذي كان يريد المسيح الموعود ؏ أن يرى عليها أتباعه؟

هناك حديث عن أهمية العبادات والصلاة جاء فيه: إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ.

في رمضان يهتم الناس بالصلاة، ولكن الأمر يجب ألا يقتصر على شهر رمضان فحسب.

وفي رواية عن جابر ؓ مفادها أنه سمع النبي ﷺ يقول بأن ترك الصلاة يقرّب الإنسان إلى الشرك. وهو ذنب لا يُغتفر. فلو ارتكب أحد مثل هذه الآثام أيمكنه أن يستفيد من نعمة الخلافة؟! كلا.

يقول المسيح الموعود ؏: بعض الناس لا يحالفهم نصْر الله ولا يُرى تغيير ملحوظ في أخلاقهم. مما يتبين أن عباداتهم كانت تقليدٌ فحسب، لأن العمل بأوامر الله تعالى كمثل بذرة، ويؤثِّر في الروح والجسد. فالإنسان يُروي الحقل فإن لم تنبت البذور فلا بد من الإقرار بأن البذرة فاسدة، وهذا هو حال عبادات البعض.

ويقول ؏: “الصلاة هي دعاءٌ بالتضرّع وبالتسبيح والتحميد والتقديس والاستغفار والصلاة على النبي ﷺ. فإذا صلّيتم فلا تتقيّدوا كالغافلين في دعواتكم بالكلمات العربية فقط، فإضافةً إلى أدعية القرآن الذي هو كلام الله والأدعية المأثورة عن الرسول ﷺ، والتي يجب على المرء أن يتعلم معانيها أيضا ليعلم مغزاها. عليكم أن تدعوا دعواتكم العامة الأخرى كلها بلسانكم الأمّ متضرعين، ليكون لهذا التضرع والخشوع وقعٌ في قلوبكم”.

ثم يقول ؏ أيضاً: “الصلاة قوة بها تحنو السماء على الإنسان. إنّ الذي يقيم الصلاة كما هو حقها يشعر أنّه قد مات، وأنّ روحه قد ذابت، ووقعتْ على عتبة الله. البيت الذي تُقام فيه الصلاة بهذه الطريقة لا يواجه الخراب مطلقًا. جاء في حديث: “لو فُرضت الصلاة على قوم نوح لما هلكوا”. الحجّ والصيام والزكاة مشروطون بشروط، أما الصلاة فليس لفرضيتها أية شروط وهي مفروضة خمس مرات يوميا. فما لم تؤدَ الصلاة بشروطها كاملة، لن تُكسب البركات المرجوة منها، ولن تستفيدوا من هذه البيعة شيئا”.

ورد في رواية عن أحد الصحابة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إني أتخوف على أمتي من بعدي الشرك والشهوة الخفية. قلت: يا رسول الله، أو تشرك أمتك من بعدك؟ قال: … إنهم لا يعبدون شمسا ولا قمرا ولا حجرا ولا وثنا، ولكن يراؤون بأعمالهم، قلت: يا رسول الله، وما الشهوة الخفية؟ قال: يصبح أحدهم صائما فتعرض له شهوة من شهواته، فيواقع شهوته ويدع صومه.

يقول المسيح الموعود ؏: ليس التوحيد قولَ لا إله إلا الله بالفم فقط، بل من يعطي لأي عمل عظمةً يستحقها الله أو يتّكل على نفسه أو أي إنسان كما يجب التوكل على الله فهو عابد للأوثان عند الله.

ثم فُرض على المنعَم عليهم بالخلافة أداء الزكاة والتضحية المالية، قَالَ رسول الله ﷺ لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا.

كما قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَدَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ. وقال المسيح الموعود ؏ أن الذي وجبت عليه الزكاة فليؤدِّها والذي لم تجب عليه الزكاة فعليه بدفع الصدقات للفقراء والمحتاجين.

والأمر المهم أيضاً هو خلق الوحدة لأن الزكاة والأموال لا يمكن أن تُصرف بوجه أحسن إلا تحت إشراف الخلافة، فتقدم لتهييء أسباب العلاج والتعليم والغذاء للفقراء، وبذلك تنشأ الوحدة. بيّن المسيح الموعود ؏ العلاقة بين الصلوات والزكاة فقال: “عندما يحظى الناس بالخشوع في صلواتهم يُعرضون عن اللغو بطبيعتهم، فيفتر حب الدنيا وينشأ في قلوبهم حب الله تعالى، وتكون نتيجة ذلك أنهم (لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ)  أي ينفقون في سبيل الله. وهذه هي نتيجةُ (عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) ” (الملفوظات).

ثم أوصى الله تعالى المنعمَ عليهم بالخلافة بأن يرفعوا مستوى الطاعة، ورد في حديث عن عبادة ؓ قال: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ. ولم يقتصر هذا الأمر على شخصه ﷺ فقط بل هو ينطبق على نظام الخلافة فقد ورد في حديث أن رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَلَيْكَ

السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ. (صحيح مسلم، كتاب الإمارة).

يقول المسيح الموعود ؏ عن الطاعة: “الطاعة شيء إذا اختاره الإنسان بصدق القلب نشأ في قلبه نورٌ وفي روحه لذة. لا بد من ذبح أهواء النفس في سبيل تحقيق الطاعة. كم كان فضل الله تعالى عظيما على الصحابة حيث كانوا فانين في طاعة رسول الله ﷺ. كانوا ذوي رأي سديد ولكن كلما قال ﷺ شيئا لهم استخفوا مقابله بآرائهم وفطنتهم واعتبروا كل ما قاله النبي ﷺ واجبا العمل به. يقول المعارضون بأن الإسلام نُشر بقوة السيف. بل الحقيقة أن قنوات القلب جرت فياضةً بماء الطاعة. وكانت نتيجة الطاعة والوحدة أن سخّروا قلوب الآخرين. لذا عليكم أن تصطبغوا بصبغة الصحابة في كل شيء”.

يقول المسيح الموعود ؏: “لابد لكم من أن تروا القدرة الثانية أيضًا، وإن مجيئها خير لكم، لأنها دائمة ولن تنقطع إلى يوم القيامة بحسب وعد الله، وإن ذلك الوعد لا يتعلق بي بل يتعلق بكم أنتم”.

يقول أمير المؤمنين نصره الله: الله تعالى قد أعطانا هذه النعمة، وإننا نشاهد منذ حوالي 110 أعوام الماضية مشاهد أفضال الله تعالى وتحقُّق الوعود التي قطعها الله تعالى مع المسيح الموعود عليه السلام.

وفق الله كلَّ من دخل في بيعة المسيح الموعود عليه السلام لأن يستفيض من فيوض بركات الخلافة واضعًا في حسبانه أحكام الله تعالى دائما. آمين.