بسم الله الرحمن الرحيم

نحمده ونصلي على رسوله الكريم                         وعلى عبده المسيح الموعود

ملخص خطبة الجمعة التي ألقاها أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز في 02-03-2018:

بعد التعوذ والتشهد وتلاوة الفاتحة يقول حضرته نصره الله:

إن الإسلام يحث على التحلي بالأخلاق الفاضلة دائماً، ولكن للأسف المسلمين اليوم أعمالهم تنافي هذا التعليم. ولقد أوصانا النبي في ضرب الأمثلة العليا في الأخلاق، والآن المسلمون يدّعون حبّه r ولكن عملهم بأقواله شِبه معدوم. وأرسل الله تعالى المسيح الموعود u إلى المسلمين نظرا إلى حالتهم ومع ذلك لازالت المعارضة تبلغ منتهاها في الإساءة بطريقة منحطّة أخلاقيا. وكل هذا يحثنا نحن الأحمديون للتحلي بالأخلاق العالية.

كان رسول الله r يهتم بأخلاق أمّتِه كثيرا وكان يدعو لهم. فعلى سبيل المثال عندما رأى r طفلا كان يأكل بسرعة قال له: سَمِّ اللهَ أولا وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ. فينبغي تربية الأولاد على الأخلاق العالية.

رَوى أحدُ الصحابة حادثا من زمن طفولته فقال: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ r فِي بَيْتِنَا وَأَنَا لكوني صَبِيّا ذَهَبْتُ أَخْرُجُ من البيت بعد قليل لِأَلْعَبَ، فَقَالَتْ لي أُمِّي: تَعَالَ أُعْطِكَ شيئا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ r: وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيَهُ؟ قَالَتْ أمي: أُعْطِيهِ تَمْرًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تَفْعَلِي وقلتِ ذلك لمجرد منع الولد لكُتِبَتْ عَلَيْكِ كَذْبَةٌ. (مسند أحمد، كتاب مسند المكيّين) وبذلك نشأ في ذلك الصحابي حب الصدق منذ صغره.

قال النَّبِيّ r وهو يُنَبِّئُ بِالْكَبَائِرِ: الْإِشْرَاكُ بِاللهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، يقول الراوي: جَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ أو شهادة الزور. قَالَ الراوي: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ. (صحيح البخاري).

وعن مستوى تحمله وصبره r. ذُكِر في رواية بأنه قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ r: دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ. ثم قال: إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ. (صحيح البخاري).

وقال النبي r إِذَا كنتم تريدون أن تعرفوا أنكم تحسنون أم تسيؤون فانظروا ما رأي جاركم فيكم. (سنن ابن ماجه).

ثم قال للمسؤولين لن تُعد أخلاقكم حسنة ما لم تحسبوا أنفسكم خدام القوم وتخدموا العامة بجميع قدراتكم.

وفي فتح مكة أبدى النبي r نموذج أخلاقه العالية بحيث عفا عن الأعداء الذين كانوا يسعون لقتله وكانوا قد آذوه باستمرار، وهذا العفو نفسه أدّى إلى إسلام الكثيرين.

قال المسيح الموعود u وهو يتحدث عن أخلاق النبي r: “يخاطب الله جل شأنه نبينا r بقوله: ]وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ[، ومعنى هذه الآية إنك مستوعب لجميع أقسام الأخلاق. وباختصار: فإن جميع القوى الطبْعية الموجودة في الإنسان إذا تم إظهارها في وقاتها ومواضعها بإعمال الفكر وإيماء العقل، كانت كلها أخلاقا.”

يقول المسيح الموعود u تظهر الأخلاق العالية في حالتين، في حالة الابتلاء والعسر وفي حالة السعة والنعمة. فالذي يُظهر نموذج الصبر في الابتلاء والعسر ويسعى لنيل رضا الله تعالى فهو يملك أخلاقا عالية، كذلك الذي في حالة النعمة والحكم يُبدي التواضع ويقيم العدل يمكن أن يُسمى ذا أخلاق عالية. كِلا هاتين الحالتين ظهرتا بجلاء في ذات نبينا الكريم r. ويقول حضرته u: لو عاش المرء في حال واحدة لم تعرف أخلاقه حقًا.

ثم يقول المسيح الموعود u: لقد رأيت أكثر الناس ودرست أحوالهم فوجدت أن منهم من يكون سخيا لكنه يكون عصبيا وسريع الغضب. ومنهم من يكون حليما لكنه يكون بخيلا. ومنهم من يغضب لكنه غير متواضع. ومنهم من هو متواضع جدا لكنه يكون جبانا. ثم يتحدث u عن أخلاق النبي r ويقول: إن نبينا r هو أكمل نموذج في جميع الأخلاق الفاضلة ومن أجل ذلك قال الله تعالى فيه: ]وإنك لعلى خلق عظيم[.

ثم يقول لنا المسيح الموعود u: لو حسنتم أخلاقكم متأسين بهذه السنة النبوية وتحليتم بكل خلق في محله المناسب لصرتم من الذين يُرون المعجزات. لا شك أن خوارق النبي r بكل أنواعها هي الأقوى ثبوتا ودليلا من معجزات كل الأنبياء عليهم السلام، إلا أن معجزة أخلاقه r هي في المقام الأول بحيث لم ولن يأتي نظيرًا لها.

ويقول عليه السلام: أرى أن الذي يُقلع عن أخلاقه السيئة وعاداته الذميمة ويتحلى بالخصائل الحسنة فهذه كرامة له. فمثلا إذا كنت عصبيا سريع الغضب، وتركت هذه العادة القبيحة وتحليت بالحلم والعفو، أو إذا تحليت بالسخاء بدلاً من البخل، أو تخلقت بخلق المواساة مكان الحسد، فلا شك أنها كرامة منك.

كذلك لو ترك المرء العُجب والاعتداد بالنفس وتحلى بالتواضع والحلم فهذه أيضا كرامة منه.

ثم يقول u: هناك كثير من الفساق المستهترين الذين لا يقتنعوا برؤية آيات خارقة، لكنهم لا يجدوا مناصًا عند رؤية الأخلاق الفاضلة من الخضوع والإقرار. فالخلق السامي أن يكون نابع من القلب وليس نفاقاً وتملقاً.

يبين المسيح الموعود u هذا الأمر أكثر فيقول: يقول الله تعالى ]إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى[ فهذه هي الطرق الكاملة للأخلاق، أي اعدلوا وأحسِنوا وعامِلوا الناس كما تعاملون أقاربكم. إن الأمر يتطلب طهارة القلب والخضوع لرضا الله تعالى والعمل بأحكامه.

يقول المسيح الموعود u: الأخلاق مفتاح الحسنات فالذين لا يُصلحون أخلاقهم يصبحون عديمي الخير تدريجيا. ثم يبين المسيح الموعود u الأخلاق في المعاملات اليومية فيقول: من عادة بعض الناس أنهم يستاءون من رؤية السائل، ولكنه قد ورد في القرآن الكريم: ]وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ[. كما ورد في الحديث: “لو أتاك راكبا”، أي يجب أن تعطي السائل شيئا وإن أتى راكبا مطية. ثم قال حضرته: الحسنة تُنتج حسنة والسيئة تؤدي إلى سيئة. فإذا عاملتَ السائلَ بلطف تصدقتَ صدقة أخلاقية ووفِّقت لكسب حسنة أخرى.

وعن احترام الوالدين وخاصة إن كانا من المعارضين. يقول المسيح الموعود u ناصحا الشيخ عبد الرحمن القادياني بخصوص والده: عليك أن تدعو له وينبغي جبر قلب الوالدين جهد المستطيع، وتقنعه بصدق الإسلام بضرب أمثلة عليا للأخلاق الفاضلة وبأسوتك الحسنة بألف ضعف من ذي قبل. الإسلام لا يمنع من خدمة الوالدين، فيجب طاعتهما الكاملة في الأمور الدنيوية التي لا تخلّ بالدين، فاخدُمهما قلبا وقالبا.”

إن الأخلاق هي الفارق بين الإنسان والحيوان، بيّن المسيح الموعود u هذا الموضوع فقال: “أولا: الدابة لا تستطيع التمييز بين الكيفية والكمية، وتأكل ما تجد وبقدر ما تجد. ثانيا: الحيوان لا يفرّق بين الحلال والحرام. فالثور لا يفرّق أن مزرعة الجار لا يجوز أن يرعى فيها. إن الذين ينقضون المبادئ الأخلاقية ولا يعيرون لها اهتماما كأنهم ليسوا أناسا. وهذا هو معنى قوله تعالى: ]والنار مثوى لهم[.

قال حضرته: هناك جانبان مهمان أحدهما العظمة الإلهية؛ فما يخالفها فهو يخالف الأخلاق، وثانيهما الشفقة على خلق الله؛ وما يخالف نوع الإنسان فهو يخالف الأخلاق أيضا.

وعن التكبر يقول u: يجب اتقاء أدق أنواع التكبر، فكثيرون يعدون أنفسهم متواضعين لكن يكمن فيهم التكبر بسبب المال أو الجاه أو العلم، وكلها تحرم الإنسان من الحسنات، وتمنعهم من نفع الناس.

إن الذي يرتكب السيئة لو فكر في تأثيرها وبمعاناة أخيه لما فعل السيئة، وإلا سيكون منعدم الأخلاق وفاقد الشعور والخوف من الله تعالى.

ثم يقول المسيح الموعود u ناصحا جماعته: “يعترض الناس على جماعتنا قائلين إننا لا نرى أي تطور حققه أبناؤها، ويرموننا بالافتراء والغيظ والغضب. ألا يبعث ذلك جماعتي على الندم، فإنهم قد انضموا إليها باعتبارها جماعة صالحة، شأن الابن الرشيد الذي يُذيع سُمعة والده الطيبة، لأن المبايع في حكم الابن. فهل ترضون أن يشوه الابن سمعة أبيه؟ كذلك تماما إذا انضم أحد إلى هذه الجماعة ثم لا يبالي بعظمتها وكرامتها، ويخالف تعاليمها، فهو مؤاخد عند الله، لأنه لا يلقي بنفسه إلى التهلكة فقط، بل يقدم للآخرين مثالاً سيئا ويحرمهم الهداية. لذا فاستعينوا بالله ما استطعتم، واسعوا للتخلص من تقصيراتكم بكل ما أوتيتم من قوة وهمة”.

ثم يقول u: لا تزول الغشاوة التي تغشى قلب الإنسان ما لم يقم بالمجاهدة والدعاء. قال الله تعالى: ]إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ[. هذه سنة الله تعالى التي لا تتغير، كما قال تعالى: ]وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا[.”

ندعو الله تعالى أن يوفقنا لتحسين أخلاقنا في كل مناسبة ومكان وفي كل الأحوال، متأسين بأسوة رسول الله r، وألا يكون علوّ مستوى أخلاقنا للرياء بل لنيل رضا الله تعالى.

بعد الصلاتين صلى أمير المؤمنين نصره الله صلاة جنازة الغائب على المرحوم شيخ عبد المجيد بن شيخ عبد الحميد الذي توفِّي في كراتشي 15/2/2018م عن عمر يناهز 88 عاما. إنا لله وإنا إليه راجعون. كان جده شيخ نور أحمد من  صحابة المسيح الموعود u. ندعو الله تعالى أن يتغمد المرحوم بواسع رحمته ويرفع درجاته ويلهم ابنتَه وأحفاده الصبر والسلوان ويوفقهم جميعا للتأسي بأسوته.