بسم الله الرحمن الرحيم

نحمده ونصلي على رسوله الكريم وعلى عبده المسيح الموعود

ملخص خطبة الجمعة التي ألقاها أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز بتاريخ 27-07-2018، لقراءة الخطبة كاملة، نرجو الضغط هنا

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين، آمين.

تحدث أمير المؤمنين نصره الله عن اثنين من الصحابة ؓ. أوّلهما المنذر بن محمد الأنصاري ؓ. حضر المنذر بدرًا وأُحدًا، واستُشهد في موقعة بئر معونة. ذكر حضرة مرزا بشير أحمد ؓ في كتابه “سيرة خاتم النبيين”: بعث النبي ﷺ تحت إمرة المنذر بن عمرو الأنصاري ؓ في صفر السنة الهجرية الرابعة، 70 رجلا من الصحابة كلُّهم من حفظة القرآن الكريم. لما وصلوا إلى بئر معونة، تقدّمَ حرام بن ملحان ؓ إلى عامر بن طفيل زعيمِ بني عامر بدعوة الإسلام سفيرا لرسول الله ﷺ فقتلوه غدرا. ثم حرض عامر بن الطفيل بني عامر على الهجوم على جماعة المسلمين الآخرين، ولكنهم رفضوا. فأخذ رجالا من بني سُلَيمٍ ورِعْلٍ وذَكْوانَ وعُصَيَّةَ وغيرها من القبائل – وهم الذين جاء وفدهم إلى رسول الله ﷺ يسألوه أن يرسل إليهم رجالا لتبليغ الدعوة- فشنّوا الهجوم على هذه الجماعة القليلة العدد من المسلمين، فقال المسلمون بأنهم لم يأتوا هنا ليحاربوهم بل جاؤوا لتنفيذ أوامر رسول الله ﷺ. ومع ذلك انقض الأعداء عليهم. ولم ينج من هؤلاء الصحابة المتواجدين في ذلك المكان إلا كعب بن زيد ؓ كما سبق ذكره في الخطب الماضية، وكان اثنان من الصحابة وهما عمرو بن أمية الضمري والمنذر بن محمد ؓ، قد ذهبا ليرعيا الجمال، فلما رأوا الطيور تحلق مكان نزولهم فهموا هذه الإشارة وذهبوا إلى أصحابهم فوجدوهم مستشهدين. فرأى أحدهما أن عليهما العودة إلى المدينة المنورة، وإبلاغ النبي ﷺ بما حدث؛ ولكن الآخر وهو المنذر بن محمد ذهب الى مكان الحدث وقاتل العدو وقُتِل.

والصحابي الثاني هو حاطب بن أبي بلتعة من اليمن ؓ. شهد حاطب بدرًا وأُحدا والمشاهد كلها مع رسول الله ﷺ، وكان من الرماة المذكورين من أصحاب رسول الله ﷺ.

ولما أرسل رسول الله ﷺ يخطب أم سلمة بعد وفاة زوجها أرسل ذلك مع حاطب بن أبي بلتعة ؓ.

ورد في إحدى الروايات أنه لما علم حاطب بن أبي بلتعة بان عتبة بن أبي وقاص أصاب وجه النبي صلى الله عليه وسلم بحجر قد رماه. مضى حاطب إلى عتبة بن أبي وقاص فضرب رأسه بالسيف.

مات حاطب بن أبي بلتعة في سنة ثلاثين من الهجرة وله خمس وستون سنة وصلّی عليه عثمان ؓ.

وكان حاطب ممن حمل رسائل النبي ﷺ إلى الملوك، إذ حمل رسالته إلى المقوقس عظيم القبط الذي كان عاملا لقيصر على مصر والإسكندرية. وجاء في الرسالة: بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ. مِنْ مُحَمّدٍ عَبْدِ اللّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الْمُقَوْقِسِ عَظِيمِ الْقِبْطِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتّبَعَ الْهُدَى أَمّا بَعْدُ فَإِنّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللّهُ أَجْرَكَ مَرّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلّيْت فَإِنّ عَلَيْكَ إثْمَ الْقِبْطِ. يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلّا نَعْبُدَ إِلا اللّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللّهِ فَإِنْ تَوَلّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنّا مُسْلِمُونَ.

فسأل المقوقس لماذا لم يدع نبيك علي بدلا من إرسال هذه الرسالة؟ قال حاطب: اعتراضك هذا يقع على عيسى ؏ أيضا، إذ لم يدعُ على معارضيه على هذا النحو؟ ثم قال ناصحا: كَانَ قَبْلَك رَجُلٌ في بلدك هذا وهو فرعون يَزْعُمُ أَنّهُ الرّبّ الْأَعْلَى، فَأَخَذَهُ اللّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالْأُولَى، فأنصحك أن تعتبِر بغيرك ولا تكن عبرة للآخرين. قال المقوقس: إنّ لَنَا دِينًا لَنْ نَدَعَهُ إلّا لِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ. فَقَالَ حَاطِبٌ ؓ: نَدْعُوك إلَى دِينِ اللّهِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ، وهو الدين الأخير الذي اجتمعت فيه الأديان كلها، يأمر بالإيمان بالأنبياء السابقين كلّهم، وكما بشّر موسى بعيسى كذلك بشّر عيسى ؏ بنبينا ﷺ. ثم قال المقوقس في مجلس آخر: فما لنبيك لم يدعُ على قومه حيث أخرجوه من بلدته؟ فرد حاطب: إن نبينا قد أُخرج من وطنه فقط أما مسيحكم فقد أراد قومه صلبه ولكنه لم يدعُ عليهم. فقال المقوقس: أنت حكيم جئتَ من عند حكيم. ثم قال: إنّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ هَذَا النّبِيّ فَوَجَدْتُهُ لَا يَأْمُرُ بِمَزْهُودٍ فِيهِ وَلَا يَنْهَى عَنْ مَرْغُوبٍ فِيهِ، ثم جعل رسالة النبي ﷺ فِي حُقّ مِنْ عَاجٍ وَخَتَمَ عَلَيْهِ وَدَفَعَهُ إلَى جَارِيَةٍ لَهُ.

ثُمّ دَعَا كَاتِبًا لَهُ يَكْتُبُ بِالْعَرَبِيّةِ فَكَتَبَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ﷺ: بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ لِمُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ مِنَ الْمُقَوْقِسِ عَظِيمِ الْقِبْطِ سَلَامٌ عَلَيْك. أَمّا بَعْدُ فَقَدْ قَرَأْتُ كِتَابَك وَفَهِمْتُ مَا ذَكَرْتَ فِيهِ وَمَا تَدْعُو إلَيْهِ وَقَدْ عَلِمْتُ أَنّ نَبِيّا بَقِيَ وَكُنْتُ أَظُنّ أَنّهُ يَخْرُجُ بِالشّام  وَقَدْ أَكْرَمْتُ رَسُولَك وَبَعَثْتُ إلَيْك بِجَارِيَتَيْنِ لَهُمَا مَكَانٌ فِي الْقِبْطِ عَظِيمٌ وَبِكِسْوَةٍ وَأَهْدَيْتُ إلَيْك بَغْلَةً لِتَرْكَبَهَا وَالسّلَامُ عَلَيْك. ووضع توقيعه.

الجاريتان اللتان أرسلهما المقوقس كانت إحداهما “مارية” والأخرى “سيرين” وهما أختان من الأقباط وأسلمتا قبل وصولهما إلى المدينة. عند وصول هاتين البنتين من المقوقس إلى المدينة اصطفى النبي ﷺ السيدة مارية القبطية لنفسه وأنجبت له ﷺ حضرة إبراهيم الذي كان المولود الوحيد للنبي في عصر النبوة.

وقد بلّغ حاطب رسالة رسول الله بكل شجاعة فقال: ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، فلكل نبيّ أمّته. فمن واجبهم أن يطيعوه. ولما كنتَ قد أدركتَ هذا الرسول الذي بعثه الله إلى العالم كله فمن واجبك أن تؤمن به، ودِينُنا لا ينهاك عن اتباع المسيح وليس ذلك فحسب بل نأمر الآخرين أيضا أن يؤمنوا بالمسيح.

ورد في الروايات أنه حين انطلق النبي ﷺ بجيش لفتح مكة أرسل حاطب بن أبي بلتعة ؓ برسالة إلى قريش مكة بيد امرأة طالبا الحماية لأهله، وقد أورد الإمام البخاري هذه الواقعة في سياق تفسير الآية ]لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ[، وقد عفا عنه رسول الله ﷺ مراعياً صدقه ونيته الصالحة.

كما أرسل سيدنا أبو بكر ؓ حاطب ؓ إلى المقوقس بمصر وكتب اتفاقيةً دامت بين الطرفين حتى فتح عمرو بن العاص مصرَ، وكانت اتفاقية سلام.

عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: تَرَكَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ يَوْمَ مَاتَ أَرْبَعَةَ آلافِ دِينَارٍ وَدَرَاهِمَ وَدَارًا وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَكَانَ تَاجِرًا يَبِيعُ الطَّعَامَ وَغَيْرَهُ. وَلِحَاطِبٍ بَقِيَّةٌ بِالْمَدِينَةِ.

يقول المصلح الموعود ؓ: منذ زمن النبي ﷺ كانت الحكومة الإسلامية تحدِّد الأسعار، ورد في الأحاديث أن عمر ؓ ذات مرة كان يمشي في السوق فمرّ بحاطب بن أبي بلتعة وبين يديه غرارتان فيهما زبيب، فسأله عمر ؓ عن سعرهما، فكان السعر أقل من سعر السوق، فقال له عمر ؓ: إما أن ترفع السعر، وإما أن تدخل زبيبك البيت تبيعه كيف شئت، لأن السعر قليل جدا، وسوف يسيء الناسُ الظن بأصحاب السوق. إذا من واجب الحكومة الإسلامية تحديد أسعار السوق وإلا تأثرت أخلاق القوم وأمانتهم.

ومن واجبات الحكومة الإسلامية تهيئة المراتع وحفر الآبار فيها تحت نظام الحكم. يُروى أن النبي ﷺ عند عودته من غزوة بني المصطلق مرّ بالنقيع فرأى سعة وكلأ وغُدرا كثيرة، فسأل ﷺ عن ماء الغدر فقيل: يا رسول الله، إذا صفنا قلّت المياه وذهبت الغدر، فأمر رسول الله ﷺ حاطب بن أبي بلتعة أن يحفر بئرًا، وأمر بالنقيع أن يحمى، واستعمل عليه بلال بن الحارث المزني لترتع فيه خيل المسلمين وإبلهم التي يغزون عليها ولا يسمح للمواشي أن ترعى فيه إلا مواشي الفقراء والضعفاء والمسنين من الرجال والنساء.

كتب صاحب “سيرة الصحابة” عن أخلاق حاطب بن أبي بلتعة ؓ أن من مزاياه الوفاء والإحسان والصدق والسداد، وكان ؓ يهتم بأحبابه وأقاربه للغاية.

ندعو الله تعالى أن يجعلنا متحلين بمزايا هؤلاء الصحابة العظيمة ويرفع درجاتهم، آمين.