خطبة الجمعة بتاريخ 16/8/2109م

في مسجد بيت الفتوح بلندن

يستأنف حضرته الحديث عن الصحابة البدريين:

قتادة بن النعمان t: أنصاري من الخزرج من بني ظفر. والده نعمان بن زيد، ووالدته أنيسة بنت قيس. كان أخًا لأبي سعيد الخدري من أمه. وهو من الصحابة السبعين الذين حضروا بيعة العقبة. ولكن ابن إسحاق لم يذكره بينهم.

كان قتادة t من الرماة وقد أهدى النبي r له قوسا اسمها الْكَتُومُ، وانكسرت هذه القوس في يد قتادة يوم أحد من كثرة الاستعمال. اشتهر بلقب ذي العين لأنه وقف جنة أمام النبي r يوم أحد، فأصاب سهم عينه فخرجت حدقتها وتدلت على خده، فلما انقض جمع الكفار أمسك حدقته وجاء رسول الله r فأعادها النبي صلى الله عليه وسلم، فثبتت وعاد بصرها على ما يرام.وقيل في رواية أن رسول الله r بزق في عينه فصارت أجمل من العين الأخرى.

شهد قتادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كل الغزوات. وكانت راية بني ظفر في يده يوم فتح مكة. توفي قتادة رضي الله عنه في العام ال 23 الهجري وعمره 65 عاما، وصلى عليه سيدنا عمر رضي الله عنه في المدينة. وكان من أحفاد قتادة عاصمُ بن عمر، وكان عالما بالأنساب، أي خبيرا بمعرفة الأسر والأعراق والقبائل، وقد نقل عنه ابن إسحاق كثيرا.

وفي معرض الحديث عن هذا الصحابي الجليل رضوان الله عليه تطرأ حضرة أمير المؤمنين للحديث عن قصة حادثة سرقة مشرقة لعم قتادة:  فقد روي عن قتادة رضي الله عنه قصة عن أسرة بني أُبَيْرِقٍ، وهي أسرة فقيرة من الأنصار فيهم من كان منافقا يتظاهر بالإسلام، يكتب شعرا يهجو به الصحابة وينسبه إلى بعض العرب وكان اسمه بشير. فقد سرق أحد أفراد هذه الأسرة مشربة لعم قتادة رضي الله عنه فيها درعان وسيفان وطعام. فلما سألوا بين أُبَيْرِقٍ أنكروا واتهموا لبيد بن سهل الذي دافع عن نفسه فعادت التهمة إليهم. فأتى قتادة رضي الله عنه رسول الله r: حسب طلب عمه وقال له: يا رسول الله، أهل بيت منا أهل جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد، فنقبوا مشربة له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردّوا سلاحنا، وأما الطعام فلا حاجة لنا به. ولكن لما سمع بنو أُبَيْرِقٍ ذلك، أرسلوا أسير بن عروة مع أناس من أهل الدار يكلم النبي في اتهام قتادة هذا وقالوا له: يا رسول الله، إن قتادة بن النعمان وعمَّه عمدوا إلى أهل بيت منا بيت إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة عن غير بينة، ولا ثبت.

وعندما جاء قتادة يكلم النبي r، قال له النبي r: “عمدتَ إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة، على غير ثبت، ولا بينة”! فتأثر قتادة من هذا ورجع وادًّا لو أخرج من ماله ولم يكلم النبي. وعندما سأله عمه عما حدث أخبره فأجاب عمه الله المستعان. فلم يلبثوا أن نزل القرآن: ]إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا[ وقد ورد أن المراد منهم بنو أبيرق ]وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ[ أي مما قلت لقتادة ]إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا[

]وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا * هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا * وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا[

يقال إن في ذلك إشارة إلى قول بني أبيرق إن لبيد بن سهل سرق.

]وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا * [

بهذه الآيات كشف الله الحقيقة على النبي r مما أدى إلى أن بني أُبَيْرِقٍ الذين كانوا يُشك فيهم سلموا بأنها نزلت فيهم حصرا واعترفوا بجريمتهم وأتوا بما سرقوه من السلاح وغيره إلى رسول الله r فردَّه إلى رفاعة صاحب السلاح.

وعندما أعاد قتادة السلاح لعمه قال عمه هو في سبيل الله.

فلما نزل القرآن، لحق بشير بالمشركين، فأنزل الله تعالى فيه: ]وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ[ إلى قوله: ]وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا[

وعن أبي سعيد الخدري t قال: بات قتادة بن النعمان t يقرأ الليل كله بسورة الإخلاص، فذكر ذلك للنبي r فقال: “والذي نفسي بيده، لَتَعدلُ نصف القرآن، أو ثلثه”، وهذا هو الحق لأنّ وحدانية الله تعالى هو القرآن أصلا وهذا ما يعلِّمه القرآن.

ثم ذكر حضرة أمير المؤمنين حديثا طويلا عن أبي سلمة t أَقْتَطِف منه ما جاء في ذكر قتادة t وكذللك في ذكر ساعة إجابة من يوم الجمعة كما يلي:

عن ذكر قتادة t :…… هَاجَتْ السَّمَاءُ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَلَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ r لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ بَرَقَتْ بَرْقَةٌ فَرَأَى قَتَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ فَقَالَ: مَا السُّرَى يَا قَتَادَةُ؟ قَالَ: عَلِمْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنَّ شَاهِدَ الصَّلَاةِ قَلِيلٌ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَشْهَدَهَا، قَالَ: فَإِذَا صَلَّيْتَ فَاثْبُتْ حَتَّى أَمُرَّ بِكَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَعْطَاهُ الْعُرْجُونَ وَقَالَ: خُذْ هَذَا فَسَيُضِيءُ أَمَامَكَ عَشْرًا وَخَلْفَكَ عَشْرًا فَإِذَا دَخَلْتَ الْبَيْتَ وَتَرَاءَيْتَ سَوَادًا فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ فَاضْرِبْهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ، قَالَ: فَفَعَلَ.

وعن ذكر ساعة الإجابة في يوم الجمعة في نفس الحديث حيث قَالَ أبو سلمة: يَا أَبَا سَعِيدٍ، إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَنَا عَنْ السَّاعَةِ الَّتِي فِي الْجُمُعَةِ فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْهَا عِلْمٌ؟  فَقَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ r عَنْهَا فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ قَدْ أُعْلِمْتُهَا ثُمَّ أُنْسِيتُهَا كَمَا أُنْسِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ.

ثم توسع حضرة أمير المؤمنين في شرح ساعة الإجابة هذه وأورد روايات مختلفة عنها، ثم أورد ما قاله سيدنا المصلح الموعود t موضحًا هذا الأمر ومفسّرًا إياه:

هناك تشابه بين الجمعة ورمضان وهو أن الجمعة يوم استجابة الدعاء وكذلك رمضان أيضا شهر استجابة الدعاء. يقول رسول الله r عن الجمعة أن من يأتي المسجد للصلاة ويجلس منشغلا بالذكر الإلهي بصوت خافت وينتظر قدوم الإمام، ثم يستمع لخطبة الإمام بكل طمأنينة، ويشترك في صلاة الجماعة، فستنزل عليه بركات خاصة من الله تعالى. وتأتي في يوم الجمعة ساعةٌ يستجاب فيها كلُّ دعاء يدعو به الإنسان.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا.

إنها نعمة عظمى كما أن الحصول عليها ليس أمرًا سهلا. وذلك لأن وقت الجمعة يبدأ من الأذان الثاني للجمعة أو قبله بقليل ويستمر إلى التسليم في ختام صلاة الجمعة. لو قِيسَ الوقت بين هذين الحدين وكانت خطبة الجمعة قصيرة فسيكون مقدار هذا الوقت على أقلّ تقدير نصف ساعة تقريبا، ولكن إن كانت الخطبة طويلة فيمكن أن يمتد هذا الوقت إلى ساعة أو ساعة ونصف. وخلالها تأتي ساعة الجمعة المذكورة التي إذا دعا فيها الإنسان استجيب دعاؤه. .. فلا بد من تحري هذه الساعة التي يستجاب فيها كل دعاء في هذه الدقائق التسعين، ولن ينجح في البحث عن فرصة استجابة الدعاء إلا ذلك الشخص الذي يظل مركزًّا على الدعاء تسعين دقيقة متواصلة.

عبد الله بن مظعون رضي الله عنه: القرشي الجمحي، وأمّه سخيلة بنت العنبس. وكان أخو عثمان بن مظعون وقدامة بن مظعون والسائب بن مظعون. كان هؤلاء الإخوة أخوال عبد الله بن عمر y لأن عمر t تزوج أختهم زينب بنت مظعون.

هناك رواية عن يزيد بن رومان أن عبد الله بن مظعون وقدامة بن مظعون أسلما قبل أن يدخل النبي r دار الأرقم ويبلّغ الدعوةَ من هناك. كان عبد الله بن مظعون وإخوته الثلاثة أي قدامة بن مظعون وعثمان بن مظعون والسائب بن مظعون ممن هاجروا إلى الحبشة. وعندما بلغهم في أثناء الإقامة في الحبشة أن قريشا أسلموا، عادوا إلى مكة. قد ورد عن عبد الله بن مظعون أنه كان قد عاد بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة ثم هاجر إليها مرة ثانية، ثم هاجر منها إلى المدينة فيما بعد.

عندما وصل عبد الله بن مظعون المدينةَ مهاجرا آخى النبي r بينه وبين سهل بن عبيد الله الأنصاري. وفي رواية أنه r آخى بينه وبين عتبة بن عامر رضي الله عنهما. شهد عبد الله بن مظعون مع إخوته قدامة بن مظعون، والسائب بن مظعون بدرا وأُحدا والخندق والمشاهد الأخرى. توفّي عبد الله بن مظعون في الثلاثين من الهجرة عن عمر يناهز ستين عاما، في عهد عثمان t.

ندعو الله تعالى أن يرفع درجات الصحابة y باستمرار.