خطبة الجمعة  29/11/2019م

يتابع حضرته حديثه عن الصحابة البدريين، ويذكر في هذه الخطبة حضرة يزيد بن ثابت، حضرة معوذ بن عمرو بن الجموح ثم حضرة بشر بن البراء بن معرور رضوان الله عنهم جميعا.

الصحابي يزيد بن ثابت t

من الصحابة البدريين، وكان أنصاريا من الخزرج من بني مالك بن النجار. والده هو ثابت بن الضحاك، وأمه نوا بنت مالك. كان يزيد الأخ الأكبر لزيد بن ثابت. شهد يزيد بن ثابت غزوتي بدر وأحد، واشتشهد في حرب اليمامة في خلافة سيدنا أبي بكر t في العام 12 من الهجرة. وفي رواية أنه أصيب بسهم في وقعة اليمامة وتوفي وهو في طريق العودة.

روي عن يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ r فِي أَصْحَابِهِ، فَطَلَعَتْ جِنَازَةٌ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللّ r ثَارَ وَثَارَ أَصْحَابُهُ مَعَهُ، فَلَمْ يَزَالُوا قِيَامًا حَتَّى نَفَذَتْ، قَالَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مِنْ تَأَذٍّ بِهَا أَوْ مِنْ تَضَايُقِ الْمَكَانِ (أي لا أدري هل قام النبي r بسبب أنه تأذى بالجنازة أو بسبب ضيق المكان)، وَلَا أَحْسِبُهَا إِلَّا يَهُودِيًّا أَوْ يَهُودِيَّةً، وَمَا سَأَلْنَا عَنْ قِيَامِهِ r.

وأيضا: عن يزيد بن ثابت t أنهم خرجوا مع رسول الله r ذات يوم فرأى قبرا جديدا، قال: ما هذا؟ قالوا: هذه فلانة مولاة بني فلان، فعرَفها. قالوا ماتت ظهرا، وكنتَ قائلا نائما فلم نحبّ أن نؤذنك بها، فقام وصفّ الناسَ خلفه، وكبّر عليها أربعا. (أي أن النبي r صلى الجنازة على قبرها بعد أن أمرهم بأن يصطفوا وراءه) ثم قال r: لا يموت منكم ميت وأنا بين ظهرانيكم إلا آذنتموني به، فإن صلاتي له رحمة.

الصحابي معوذ بن عمرو بن الجموح t:

وهو من الأنصار من الخزرج من بني جشم. والدُه عمرو بن الجموح، وأمه هند بنت عمرو. حضرَ معوذ بن عمرو بن الجموح غزوةَ بدر مع أخويه معاذ وخلاد، كما حضرَ غزوةَ أُحد أيضا. وعمرو بن الجموح، والدُ معوذ، هو الشخص الذي منعه أبناؤه من الخروج لغزوة بدر بسبب عَرَجِهِ فأتى رسولَ الله r فقال له: يا رسول الله، إن بَنيّ هؤلاء يمنعونني أن أخرج معك بسبب الأذى برجلي، لكني أريد أن أحضر الجهاد معك. فقال له رسول الله r: «أما أنت فمعذور، وقد وضع الله عنك الجهاد. غير أن الرسول r سمح له بالخروج نظرًا لحماسه، فأخذ عمرو بن الجموح سلاحه وقال اللهم ارزقْني الشهادة ولا تردّني إلى أهلى خائبا. وبالفعل حقّق الله أمنيته واستُشهد في ساحة القتال في أُحد.

ولقد قال رسول الله r: “والذی نفسی بيده…لقد رأيت عمرو بن الجموح يطأ فی الجنة بعُرْجَته.”

الصحابي بشر بن البراء بن معرور t:

من الأنصار من بني عبيد بن عدي من الخزرج. وقيل أنه كان من بني سلمة. كان والد بشر من الإثني عشر نقيبًا الذين عيّنهم النبي r، وكان هو نقيبًا لبني سلمة. توفي البراء بن معرور في سفر قبل قدوم النبي r إلى المدينة بشهر، فلما قدم النبي r المدينة بعد الهجرة توجه إلى قبر البراء وكبّر أربعًا.

شهد بشر مع والده بيعة العقبة الثانية، وكان من الرماة المهرة. آخى النبي r بينه وبين واقد بن عبد الله. شهد بشر مع النبي r بدرًا وأُحدًا والخندق والحديبية وخيبر. وقد سوّده النَّبِيُّ r على بني سلمة. تزوج بشر قبيسة بنت صيفي، وولدت له بنتًا اسمها العالية، وأسلمت قبيسة، وبايعت رسول الله r.

عن ابن عباس أن اليهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله r قبل مبعثه. ولكن لما بعث الله تعالى النبي r كفروا وجحدوا ما كانوا يقولون فيه. فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء وداود بن سلمة: يا معشر يهود! اتقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد r وتخبروننا ونحن أهل الشرك بأنه مبعوث وتصفون بصفته وتذكرون علاماته، وكنتم تقولون بأن هذا النبي مبعوث. فها قد بعث الآن، فلماذا لا تؤمنون به؟ فقال اليهودي سلام بن مشكم أخو بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنا نذكر لكم. فأنزل الله تعالى: ]وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ[ (البقرة: 90)

عن الزبير بن العوام قال: لقد رأيتني مع رسول الله r يوم أُحد حين اشتد علينا الخوف، فأرسل علينا النوم، فما منا أحد إلا ذقنه في صدره، (أي خفضت الرؤوس نحو الصدور من شدة النوم). فوالله إني لأسمع كالحلم قول معتب بن قشير: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا، (كان معتب بن قشير صحابيًا من الأنصار، شهد بيعة العقبة وبدرًا وأُحدًا) فحفظتها لما سمعتها هكذا في حالة من النعاس. فأنزل الله تعالى في ذلك: ]ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ[ (آل عمران: 155)

تلك الحالة كانت حالة سكينة على الرغم من القتال. ولكن في هذه الحالة يشعر المرء فورا أنه لاجئ إلى نوم عميق، ثم يستيقظ بهزة. إن لجوء القوم كلهم إلى النوم معا في حالة القتال الجاري وذلك في حال الخطر المحدق من قِبل العدو إنما هي معجزة وليس حادثا مفاجئا. فقد أنزل الله تعالى عليهم في ذلك الوقت سكينة خاصة.

يوم خيبر أكل بِشر مع رسول الله r لحم شاة سمّتها يهودية وأهدته للنبي r. ابتلع بِشر لقمته ولم يكن قد تحرك من مكانه إلا وقد اسودّ لونه مثل “طلسان” ساءت  حالته بسبب الألم بحيث ما كان قادرا على قلب جانبه دون الاستعانة بأحد إلى عام كامل حتى مات وهو في هذه الحالة. وقد قيل أنه (أي بِشر) لم يتحرك من مكانه بل مات فور تناوله ذلك الطعام لأنه كان مسموما بشدة. وعندما توفي بشر بن البراء وجدت أمّ بِشر عليه وجدا شديدا، فقالت: يا رسول الله إنه لا يزال الهالك يهلك من بني سلمة، فهل يتعارف الموتى فأرسِلَ إلى بشر بالسلام؟ فقال رسول الله r: نعم، والذي نفسي بيده يا أمّ بشر، إنهم ليتعارفون كما يتعارف الطير في رؤوس الشجر. فأصبحت كلما احتضر أحد من قبيلة بني سلمة تقول له أم بشر بلّغ سلامي إلى بِشر.

وهناك رأي عام ويعترض بعض الأعداء أيضا بأن النبي r تُوفي نتيجة هذا السم ويقبل بعض أصحاب السيرة أيضا مثل هذه الروايات التي تذكر أن وفاته r كانت نتيجة السم، وذلك لكي يعطوا النبي r مقامَ الشهيد، ولكن الحق أن هذا الشيء ليس صحيحا، فحياته المليئة بالنشاط والحيوية التي عاشها بعد ذلك لعدة أعوام تُثبت أن ذلك الحدث لم يكن سبب الوفاة بحال من الأحوال.

ثم صلى حضرته جنازة الغائب على:

السيد نصير أحمد المحترم ابن السيد علي محمد المحترم من راجن بور، فقد توفي في 21/11/2019 عن عمر يناهز 63 سنة، إنا لله وإنا إليه راجعون. المرحوم نصير المحترم قد خدم الجماعة بصفته نائب أمير المحافظة، ونائب زعيم أنصار الله، ورئيس الجماعة في مدينته أيضا. كان يلتزم بالصلوات الخمس، وكان يولي هذا الأمر اهتماما ملحوظا،

كان يسكن مع العائلة الكبيرة، وكان يذكِّر إخوته وأولادهم وبناتهم في الدار بالصلاة في وقتها. كان المرحوم منخرطا في نظام الوصية. رفع الله I درجات المرحوم وغفر له، ووفَّق أولاده وأجياله القادمة أيضا للمحافظة على حسناته.

السيد عطاء الكريم مبشر المحترم ابن ميان الله دِتَّا من سكان قرية “كِرتو” بمحافظة “شيخُوبوره” وكان يقيم في كندا. توفي في 13/11/2019 عن عمر يناهز 75 سنة، إنا لله وإنا إليه راجعون. خدم الجماعة بمناصب مختلفة ما دام في لاهور باكستان. وفي 2007 هاجر إلى كندا واستقر هناك، وخدم الجماعة بصفته سكرتيرا للإشاعة في مدينته، وبسبب مرضه في الرئتين كان يتلقى الأوكسيجين دوما،  وكان يحضر المسجد بانتظام على كرسي المعاقين، ما دامت صحته سمحت له بذلك. كان رجلا مخلصا ونافعا، لم يشتك من أحد قط، وكانت له علاقات الصداقة والحب مع الجميع. كان المرحوم منخرطا في نظام الوصية. غفر الله له وتغمده بواسع رحمته ورفع درجاته ووفَّق أولاده وأجياله القادمة أيضا للمحافظة على حسناته. آمين