خطبة الجمعة 13/12/2019م

كان حضرته في مسيرة حديثه عن الصحابة البدريين قد توقف في الأسبوع الماضي عند الحديث عن حضرة هلال بن أمية t، وقد تخلل حديثه عنه ذلك ذكرُ غزوة تبوك. حيث كان هلال بن أمية t ممن تخلفوا عن تلك الغزوة. بعد العودة منها أبدى رسول الله r سخطه على من تخلفوا وعاقبهم أيضا. فكان أصحابه الثلاثة الذين خُلِّفوا مضطربين وقلقين جدا فاستمروا في الخضوع أمام الله تعالى والاستغفار والتوبة إليه حتى قبِل الله تضرعات هؤلاء الصحابة الثلاثة بمن فيهم هلال بن أمية أيضا، وأنزل آية تتضمن العفو عنهم.

وكان من الذين اختاروا عدم الخروج مع النبي r شخص اسمه الجدّ بن قيس. قال له النبي r ما مفاده: ألا تخرج معنا لقتال الروم؟ ولكنه قدم عذرا قائلا بأنه قد يفتتن بسبب النساء، فأنزل اللهُ الآية:] وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ[

كان في المدينة يهودي اسمه سويلم، وكان يسكن في منطقة جاسوم التي تسمى بئر الجاسم ، وكان بيت هذا اليهودي مركز المنافقين. وبلغ النبي r أن المنافقين يجتمعون فيه، ويثبِّطون الناس عن رسول الله r في غزوة تبوك. وقد بيّن الله تعالى حالهم هذه في آيات: ]يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ[

عند العودة من غزوة تبوك قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إِنِّي مُسْرِعٌ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيُسْرِعْ مَعِيَ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَمْكُثْ.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما قدم رسول الله r المدينة جعل النساء والصبيان والولائد يقلن:

طلع البدر علينا * من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا * ما دعا لله داع

يقول المؤرخون وأصحاب السِّير أن النبي r عندما قدم المدينَة مهاجرا استُقبل بهذه الأبيات. ويقول بعض آخرون أنه استُقبل بها عند عودته من تبوك.

حضرة مرارة بن الربيع العمري y، كان اسم والده ربيع أو ربيعة بن عدي. شهد سيدنا مرارة بدرا، وهذا جاء في البخاري وكتب أخرى لسير الصحابة. كان من الصحابة الثلاثة الذين لم يخرجوا إلى تبوك وأنزل الله I فيهم آية في القرآن الكريم أي ]وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ[.

حضرة عتبة بن غزوان y، وكان من حلفاء قبيلة بني نوفل بن عبد مناف. كان اسم والده غزوان بن جابر، يقول سيدنا عتبة t نفسه، إنه سابع سبعة في الإسلام مع رسول الله r. هاجر إلى الحبشة وحين عاد من الحبشة كان النبي r ما زال مقيما في مكة فأقام معه r حتى هاجر مع سيدنا المقداد إلى المدينة وكانا من أوائل المسلمين.

وتفصيل هجرة عتبة بن غزوان والمقداد بن الأسود رضي الله عنهما إلى المدينة أنهما خرجا من مكة مع جيش المشركين ليلتحقا بالمسلمين، حيث كان النبي r قد بعث سرية عليها عبيدة بن الحارث t إلى ثنية المرة، وكان على جيش الكفار عكرمة بن أبي جهل. لم يحدث القتال بين الفريقين، في ذلك اليوم هرب عتبة بن غزوان والمقداد بن الأسود إلى المسلمين وكانا قد جاءا مع الكفار.

لقد كتب سيدنا مرزا بشير أحمد t في كتابه “سيرة خاتم النبيين” عن بداية الجهاد بالسيف، وأعمال دفاع النبي r كالتالي حيث قال: الثابت من كتب التاريخ أن أول آية بإذن الجهاد بالسيف نزلت في القرآن الكريم في شهر صَفر من السنة الثانية بعد الهجرة، بعد أن فرغ النبي r من الأعمال البدائية لإقامة المدينة. ويفيد التاريخ أن النبي r اتخذ أربعة تدابير لحماية المسلمين من شر الكفار:

أولا: بدأ حضرته r عقد عهود السلام والأمن مع القبائل المجاورة.

ثانيا: بَعث سرايا إلى شتى جهات المدينة للاستطلاع، وبذلك جعل r المدينة آمنة من خطر الهجمات المفاجئة.

ثالثا توفير الفرص للمسلمين الضعفاء والفقراء المقيمين في مكة وحولها للالتحاق بالمسلمين في المدينة، فقد ورد في القرآن الكريم: ]وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا[ (النساء 76)

والتدبير الرابع الذي اتخذه r هو أنه بدأ اعتراض قوافل قريش التجارية التي كانت تأتي من مكة إلى الشام وتمرّ من قرب المدينة، وذلك لأنها أولا كانت تشعل نار العداوة ضد المسلمين حيثما مرت، ثانيا كانت هذه القوافل مسلحة وبالتالي يمكن إدراك خطورة مرور مثل هذه القوافل من قرب المدينة. وثالثًا لمنعهم من أعمالهم الظالمة وإجبارهم على الصلح.

لقد آخى النبي r بين عتبة بن غزوان وأبي دجانة.

ثم أعلن حضرته عن إنشاء موقعًا خاصًّا لجريدة “الفضل” اليومية ثم تناول ذكر سيدتين مرحومتين وصلى صلاة الغائب عليهما أيضا.

أولاهما السيدة تنوير الإسلام زوجة مرزا حفيظ أحمد، وقد توفيت في 7 ديسمبر الجاري عن عمر يناهز 91 عامًا، إنا لله وإنا إليه راجعون. كانت منضمة إلى نظام الوصية بفضل الله تعالى. والدها هو مير عبد السلام، وكانت هي ابنة حفيد مير حسام الدين t أحد أقدم وأخلص صحابة المسيح الموعود u، وهي حفيدة سيد مير حامد شاه t، وكانت كنّة الخليفة الثاني t. وهي حظيت بشرف خدمة الجماعة بصفتها سكرتيرة المعرض في لجنة إماء الله المركزية قرابة 48 سنة في أوقات مختلفة بين 1956 و2008م. وكذلك قامت ببعض الخدمات الأخرى أيضا، كانت لها علاقة الحب الشديد مع الخليفة الثاني t، وكانت تهتم جدا بصلاة التهجد بل أخبرت خادمتها بأنها استيقظت في الساعة الثالثة من الليلة التي تُوفيت فيها وصلت صلاة التهجد ثم نامت وتوفيت في تلك الحالة. وكانت تحفظ كثيرا من مقتبسات المصلح الموعود t وذكرياته، وكانت ذاكرتها قوية، غفر لها الله تعالى ورحمها ورفع درجاتها، آمين.

والذكر الثاني للمرحومة الحاجة شكورة نورية من أمريكا التي توفيت في واحد كانون الأول 2019م إنا لله وإنا إليه راجعون. بعد التقاعد كانت تريد أن تصبح مبشرة بروتستنتية ولكن حين علمت أن المسيح ليس ابن الله فقررت البحث عن طريق آخر، وكانت تبحث عن حل القضايا والأسئلة التي كانت تطرأ في ذهنها، وفي أثناء سفرها التقت في المطار مع ابن أحد أصدقائها الذي كان قَبِل الأحمدية حديثا، كان السيد مير محمود أحمد ناصر في أمريكا في تلك الأيام وكان موجودا مع السيد مبشر في المطار للقاء ذلك الأحمدي الجديد وفي هذه المناسبة تعرفوا على المرحومة أيضا وعرّفوها بالإسلام واستمر هذا التبشير فبدأت تميل إلى الإسلام وتجد في الإسلام ما كانت تبحث عنه، ورأت في 1979 في الرؤيا نسخة من القرآن الكريم والشهادتين وبعدها أيقنت أن الإسلام والأحمدية هي الدين الحق فبايعت.

بعد البيعة خدمت الجماعة في مناصب متعددة، كانت ملتزمة بالحجاب وكانت تؤدي جميع أعمالها بوجه أحسن، وكانت تساعد الدعاة كثيرا في أعمال التبشير. غفر لها الله تعالى ورحمها ورفع درجاتها ورزق الجماعة أناسا آخرين عامرين بحماس الخدمة مثلها وسباقين في الإخلاص والوفاء. (آمين)