خطبة الجمعة 11/10/2109م

في مسجد المهدي في فرنسا

 

استهل حضرته الخطبة بتلاوة: ]إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ[ (التوبة: 18)

لقد بين الله I في الآية مزايا الذين يبنون المساجد ويعمرونها، أنهم يؤمنون بالله I أي هم يوقنون يقينا كاملا بأن الله I هو مصدر كل قوة ومالك لها، وكل ما سواه فانٍ وباطل. ويوقنون بالآخرة، لأن اليقين بالآخرة حصرا يُميل الإنسان إلى عبادة الله، “أقام الصلاة”، والمراد من إقامة الصلاة أنهم يؤدون الصلاة جماعةً، ثم يجب أن يكون الاهتمامُ بالزكاة والتضحية بالمال، وهذه التضحيات من أجل نشر دين الله، وتأدية حقوق عباده أيضا، وكل ذلك لتزداد خشيةُ الله في قلوبنا وبذل قصارى جهودنا لنيل رضوان الله I. يقول الله تعالى إن الذين يقومون بكل هذه الأعمال هم المفلحون أمام الله أو هم سيعدّون مهتدين.

فعلينا أن ندعوا الله I دوما منيبين إليه قائلين: ربنا وفِّقْنا بعد بناء هذا المسجد لأن نعمره بهذا التفكير محرزين الأعمال بهذا الحكم الرباني، واكتبنا من الذين يهتدون، واجنُبْنا أن ندمر دنيانا وعقبانا بعدم الاتصاف بصفات عامري المساجد هذه نتيجة ضعفنا وتقصيراتنا، واعصمْنا من الضلال رحمةً بنا وثبِّتنا على الصراط المستقيم، وأبق نياتنا نقية وحسنة دوما، ووفقنا لأداء حقك ونشْرِ رسالة دينك في هذه المنطقة، واتخاذِ بناء هذا المسجد وسيلةً لتبليغ الإسلام بحسب ما قال مبعوثك المسيح الموعود u، واجعلنا بفضلك مصداق قول نبيك الحبيب r: مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ. وأنزل علينا أفضالك دوما بجعْلك إيانا مؤمنين حقيقيين.

أي أن الذين يسلكون سبل التقوى ويؤمنون بالغيب، وحين تنهار الصلاة (أي تخطر ببالهم أثناء الصلاة شتى الأفكار) يقيمونها، وينفقون في سبيل الله I مما أعطاهم من نِعَم، ويؤمنون بالكتب السابقة وبكتاب الله هذا بلا تردد رغم هواجس النفس، وأخيرا يصِلون إلى درجة اليقين، فأولئك هم على رأس الهدى، وسائرون على طريق مستقيم يوصل السالك إلى الفلاح، فأولئك هم المفلحون الذين سيصلون إلى غايتهم والذين قد صاروا في مأمن من أهوال الطريق. ومن أجل ذلك قد أمرنا الله بالتقوى منذ البداية، وأعطانا كتابا فيه الوصايا بالتقوى.

والمتقين أيضا هم أولئك الذين يمشون بحلم ومسكنة (أي يتحلون برفق وتواضع كبيرين)، ولا يتكلمون بكلام ينمّ عن الزهو والغرور، بل يكون حديثهم كحديث الصغير مع الكبير.

فلتحسين مستوى العبادات ولنيل قرب الله تعالى لا بد من الصلاة على النبي r، والذي يصلي على النبي r سيضع أمامه أسوة النبي r أيضا حتما. الذي قال قرة عيني في الصلاة. والذي ضرب مثلا يصعب العثور على مثله في أداء حقوق الخلق وحينها يمكن أن ننال قرب الله تعالى ونظهر الحلم والتواضع ونكون من الذين يسلكون دروب التقوى وأولئك هم المفلحون.

الصلاة ما يشعر به القلب وتذوب الروح وتخر على عتبات الله بالهيبة. على المرء أن يسعى جاهدا لخلق الرقة فيها قدر استطاعته ويدعو بالتضرع ليزول التجاسر والذنوب الكامنة في نفسه. هذه الصلاة تكون مباركة، ولو ثابر عليها المرء لرأى أن نورا سينزل على قلبه ليلا  ونهارا ويقلّ تجاسر النفس الأمارة.

ورد في الحديث الشريف: الصلاة هي الدعاء، والصلاة مخ العبادة. إن حقيقة الدعاء هي التي تتسبب في تقوية العلاقة بين الله والإنسان. وهذا الدعاء يكون سببا للحصول على قرب الله تعالى وينهى الإنسان عن المنكرات. الأصل هو أن ينال الإنسان رضا الله تعالى ثم يجوز أن يدعو لحاجاته الدنيوية أيضا، إن كلمة الصلاة تدل على الحرقة، فكما تكون الحرقة في النار فعلى هذا المنوال يجب أن تكون الحرقة في الصلاة. عندما يصل الأمر إلى حالة كحالة الموت عندها تسمى “الصلاة”.

هذه هي الصلاة الحقيقية التي ينبغي أن نسعى لحصولها، وفقنا الله تعالى لذلك، (آمين).

وفي موضع آخر قال u عن الصلاة: “كما تتراكم السحب على السماء نتيجة حر الشمس فيحين نزول المطر، كذلك تخلق الصلوات حرقة الإيمان وعندها تستوي الأمور كلها. الصلاة الحقيقية هي قيام المرء أمام الله بالحرقة والذوبان والأدب جميعا.

ثم ليس أداء الصلاة فقط ما يُؤدي إلى قرب الله والعفو عن الأخطاء وإصلاح الأمور الفاسدة، بل المجيء إلى الصلاة بإخلاص والجلوس في المسجد في انتظار الصلاة أيضا يوجب الثواب كما قال النبي r: إِذَا دَخَلَ أحدكم الْمَسْجِدَ كَانَ فِي الصَّلَاةِ مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ هِيَ تَحْبِسُهُ وَالْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ يَقُولُونَ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ

وعن صلاة الجماعة قال المسيح الموعود u: “الصلوات التي تصلَّى جماعةً إنما هي لتحقيق الوحدة ليُصبح المصلّون كلهم وجودا واحدا. والأمر بالوقوف معا هو ليسرِي نورُ من كان يملك قدرا أكبر منه إلى الضعيف ويقويه، وكذلك سُنَّ الحج للغرض نفسه….

يتابع المسيح الموعود u قائلا: فبذلك يصيرون كجسد واحد يوما من الأيام. ثم سنّ الله تعالى العيدين بعد عام وأمر أن يجتمع الناس من القرى والمدينة ويصلّوا معا ليزداد الأنس والتعارف وتنشأ وحدة الجمهور. ثم حدّد يوما واحد مرة في حياة المرء للاجتماع على المستوى العالمي ليجتمع الناس جميعا في ميدان مكة. فبذلك أراد الله تعالى أن يزداد الأنس والألفة المتبادلة بين الناس. …..فالفائدة لهذه الاجتماعات هي أن تؤثر أنوار المرء في غيره وتقويه.

يقول المسيح الموعود u: يا مَن تحسبون أنفسكم من جماعتي، إنكم لن تُعَدّوا من جماعتي في السماء إلا إذا سرتم في دروب التقوى حقا وصدقا. فأَدُّوا صلواتِكم الخمس بخشية وخضوع كأنكم ترون الله تعالى، وأتِمُّوا صيامكم بصدق القلب لوجه الله تعالى، وكلّ مَن وجبتْ عليه الزكاة فليؤدِّها، وكل مَن وجب عليه الحج فليحجّ ما لم يكن هناك مانع. افعلوا الخيرات على أحسن وجه، واتركوا الشر كارهين إياه. اعلموا يقينا أنه لن يصل إلى الله عملٌ خالٍ من التقوى….. إنكم جماعة الله الأخيرة، فقوموا بأعمال صالحة تكون قمّة في كمالها…

ألا إني أبشّركم بكل سرور بأن إلهكم لموجودٌ حقًا. لا شك أن الجميع خلْقُه إلا أنه لَيصطفي مَن يختاره U ويأتي مَن يأتيه، ويُكرم مَن يعظِّمه.”

ندعو الله تعالى أن يوفقنا للازدياد في الإيمان وأداء حق العبادة ولإنشاء العلاقة مع الله I مدركين الحرقة والألم في كلمات المسيح الموعود u ويوفقنا لعمارة المساجد دائما.

ثم قدم حضرته لمحة عن المسجد الذي بني اعتمادا على التضحيات المالية لمجلس خدام الأحمدية، ثم دعا الله تعالى أن يوفق الجميع لإدراك روح عمارة المسجد، و أن يرتفع مستوى عبادة أعضاء خدام الأحمدية وبقية أفراد الجماعة. آمين.