بسم الله الرحمن الرحيم

نحمده ونصلي على رسوله الكريم                         وعلى عبده المسيح الموعود

ملخص خطبة الجمعة التي ألقاها أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز بتاريخ 08-06-2018.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.

(وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) (الأَعراف: 157) إن رحمة الله تعالى تتضمن الرحمانية والرحيمية. ومن رحمانيته أنه خلق للإنسان في الدنيا أشياء لا تُحصى دونما طلب، ومن رحيميته أنه يجزي الذين يؤدّون حقه ﷻ ويعملون بأحكامه. والذين يبلغون من سيئاتهم منتهاها ينالون عذاب الله وعقابه ولكن هذا العذاب مؤقّت وبهدف الإصلاح إلى أن يأتي وقتٌ ينال فيه أهلُ النار أيضا نصيبهم من رحمة الله الواسعة وينتهي عذابهم.

كما يقول الله تعالى: (إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (الأَعراف:57). المحسنون هم من يُكملون أعمالهم بتمام شروطها، فالذي يحقّق مقتضيات التقوى ويعمل بأحكام الله تعالى ويؤمن بآياته ﷻ فلا بد أن تبلغ مثلَ هذا الشخص رحمةُ الله تعالى.

إن الله تعالى قد سمى التقوى لباسا في القرآن الكريم وفيها إشارة إلى أن الجمال الروحاني والزينة الباطنية إنما هي في التقوى. والمراد من التقوى أن يراعي الإنسان قدر المستطاع جميع الأمانات الإلهية والعهود الإيمانية وأماناته وعهوده التي تتعلق بالمخلوق، أي أن يفي بها بكل دقائقها بكل ما أوتي من قوة.

وهذه الأيام من رمضان لم يبقَ منها إلا أسبوع، وهي التي قال عنها النبي ﷺ: إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ. (صحيح البخاري). لا يستفيد منها إلا المؤمنون الحقيقيون الذين يعملون الصالحات، وأما أولياء الشيطان فلا يمتنعون من تصرفاتهم حتى في هذه الأيام. فانتفِعوا من رمضان واسعوا لأداء حق الله تعالى والعملِ بأحكامه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَن قامَ لياليَ رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدّمَ من ذنبه. وهذا مشهد آخر لسعة رحمة الله تعالى.

ومن منن الله تعالى أنه قد نبّهنا أيضا لتحرِّي ليلة القدر في هذه العشر الأواخر من رمضان لكي نرى مشاهد استجابة الدعاء أكثر من ذي قبل. وهذا أيضا مشهد من مشاهد سعة رحمة الله تعالى.

فقد ورد في حديث عن رمضان أن أوّله رحمةٌ وأوسطه مغفرة وآخره عتقٌ من النار. فالصائم حين يعمل بأحكام الله أكثر من ذي قبل في رمضان ويزداد عبادة وتقوى لوجه الله تعالى يتغمده الله برداء رحمته أكثر من ذي قبل، ويغفر له ويقبل توبته فينجو العبد من نارِ الدنيا والآخرة. ولو صار عمله بأحكام الله تعالى جزءا لا يتجزأ من حياته تغمده الله تعالى برداء رحمته دائما وأبدا. أما إذا تكالبنا على الدنيا

بعد رمضان وتركنا التقوى وأهملنا أحكام الله، فمَثَلُنا كمثل من يبني حصنا آمنا، ثم يخرّبه ويدمّره بنفسه.

شرح المسيح الموعود ؏ التقوى بثلاث كلمات: اجتناب الشرك والكفر والفواحش. ونرى اليوم عند كل خطوة أسباب الفواحش في التلفاز والإنترنت التي تسمم العقول وتفسد الأخلاق وتبعد عن الإيمان.

يقول المسيح الموعود عليه السلام عن الآية التي ذكرت في بداية الخطبة: أن الرحمة عامة وواسعة، وأن الغضب يتوجب بعد مخالفة القانون الإلهي. ثم يقول ؏: “الحق أن الوعيد لا يشمل وعدا بل يريد الله بمقتضى قدوسيته أن يعاقب المجرم. ثم حين يؤدي المجرم حق هذا المقتضى بالتوبة والاستغفار والتضرع والبكاء يسبق مقتضى رحمة الله مقتضى الغضب ويحجب الغضبَ ويستره.” (التحفة الغزنوية، 6 – 7)

قال حضرته ؏: “كلمة الاستغفار مستقاة من مصدر “غفر” وتعني الستر. فمعناها أن يغفر الله تعالى بقدرته ضعف المستغفِر الفطري….ويقوِّيه بقوته ويهبه علما من علمه ونورا من نوره، لأن الله تعالى لم يتخلّ عن الإنسان بعد خلقه بل كما أنه هو خالق الإنسان وخالق كافة قواه الداخلية والخارجية كذلك هو قيّوم الإنسان أيضا، أي يقيم بسنده الخاص جُلَّ ما خلقه.”

يقول أمير المؤمنين نصره الله: لا شك أن الله تعالى خلق الإنسان وفق قوانينه ومشيئته، إلا أن هذا الخلق لابد أن يتم بواسطة سعي إنساني وذريعة إنسانية. فلا بد من بذل السعي لنيل الفيض من قيومية الله تعالى والتركيز على الدعاء والاستغفار من أجل العمل بأحكام الله تعالى ليهب الله تعالى، وفق صفة قيوميته، تلك القوة التي تمكّن الإنسان من التمسك بأوامر الله تعالى.

ثم يوضح حضرته ؏ فيقول: “لذا فقد وُجِّه الإنسان إلى الاستغفار بسبب هذه الحاجة الطبيعية. وهذا ما أشير إليه في القرآن الكريم في آية الكرسي، فإن ذلك الإله خالق وقيوم أيضا. إن مهمة الخالقية تمت بولادة الإنسان، ولكن مهمة القيومية مستمرة إلى الأبد.

وفي سورة الفاتحة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) إشارة إلى الاستمرار في الاستغفار للحصول على فيض القيومية. أي نعبدك يا رب ونستعين بك لتعيننا قيوميتك وربوبيتك وتنقذنا من العثار”.

فليس معنى رحمة الله محيطة بكل شيء أن افعلوا ما شئتم وفي النهاية يمكنكم أن تطلبوا من الله الرحمة والمغفرة، بل كتب الله تعالى على نفسه الرحمة لأولئك الذين يتوجهون إليه ويتقيدون بأوامره ويستغفرونه.

يقول حضرته ؏: “بعض الناس يدركون حقيقة الاثم، وبعضُهم لا. لذلك نبهنا الله تعالى إلى الاستغفار ليطلب الإنسان حماية اللهِ الدائمة من جميع الخطايا. وفي هذه الأيام، يجب الابتهال إلى الله بدعاء آدم؏: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، والذي قد استجيب له.

فلا تُمضِ عمرَك في غفلة. إنّ كلّ من يجتنب الحياة الغافلة لا يُتوقع أن يصاب بأيّ بلاء لا يطاق، لأنّ البلاء لا ينـزل من دون إذن إلهي. وفي هذا الشأن فقد أوحى الله إليّ الدّعاء التالي: “رَبِّ كلُّ شيء خادمُك، ربِّ فاحفظْني وانصرْني وارحمني”. (الملفوظات، الإصدار الجديد، ج 2 ص 577)

ويقول المسيح الموعود ؏ ليوضح الفرق بين التوبة والاستغفار: “الاستغفار هو الاستعانة والاستمداد من الله ﷻ، والتوبة عبارة عن وقوف الإنسان على قدميه. ومن سنة الله أنه إذا استعان به الإنسان وهب له قوة يقوم بها على قدميه. يوفَّق الإنسان للتوبة بعد الاستغفار. والتوبة تفقد قوتها إن لم يكن معها الاستغفار”.

“إن التوبة في اللغة العربية تعني الرجوع، واسم الله “التواب” يعني كثير الرجوع. فعندما يتبرأ الإنسان من الذنوب ويرجع إلى الله تعالى بصدق القلب يرجع الله إليه أكثر منه. إن رجوع العبد يكون مصحوبا بالحسرة والندم والتذلل والتواضع، أما رجوع الله فبالرحمة والمغفرة.”

وقد بيّن المسيح الموعود ؏ شروطا للتوبة الصادقة، فقال ما مفاده: للتوبة ثلاثة شروط: الشرط الأول هو أن يتخلى المرء عن كل ما يؤدي إلى نشوء الأفكار الفاسدة ويستأصلها من ذهنه. وهذا لن يحصل ما لم يرسم في ذهنه صورة كريهة جدا للذنوب. والأمر الثاني هو أنه كلما تطرق إلى ذهنِه عمل سيئ أو منكَر فليندم عليه فورا ويفكر أن السيئات والملذات هي آنية وعابرة ومن شأنها أن تُفسد حياته. والأمر الثالث أن يعقد العزم على أنه لن يقرب هذه السيئات. ومع الإرادة والدعاء سوف تتركه السيئاتُ تدريجا وتحل محلَّها الحسناتُ.

يقول حضرته ؏: بالتوبة تنصلح دنيا الإنسان وعُقباه، يقول القرآن الكريم: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). إن كلمة “رَبَّنَا” تتضمن إشارة دقيقة إلى التوبة، إذ تقتضي أن الإنسان قد تبرّأ من صميم فؤاده من جميع الأرباب التي كان قد اتخذها سابقا وجاء إلى هذا الرب. والرب هو من يربي الإنسان بالتدريج ويوصله إلى الكمال.

ليس المراد من النار فقط تلك التي تكون يوم القيامة، فهناك أنواعًا كثيرة من النار كأنواع العذاب، والخوف، والقتل، والفقر، والمرض، والفشل، ومخاوف الذلة والزوال، وألوف من الآلام، وهموم الأولاد والزوجة. فالمؤمن يدعو الله تعالى قائلا: اللهم نجِّنا من جميع أنواع هذه النيران. “.

وقد نصحنا المسيح الموعود ؏ بالإكثار من دعاء (رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) لكي يحيطنا الله ﷻ برحمته ويقينا دوما من كل أنواع النيران في الدنيا والآخرة.

يقول المسيح الموعود عليه السلام: إن ملخص ما قاله الله تعالى في القرآن الكريم ألا تقنطوا يا عبادي من رحمتي فإني رحيم وكريم وستار وغفار ولن يرحمكم أحد مثلي. أحبُّوني أكثر مما تحبون آباءكم فإني أكثر حبا لكم منهم في الحقيقة. وإذا أتيتموني فسوف أغفر لكم الذنوب جميعا، وإن تبتم إلي فسأقبل توبتكم. ولو جئتموني مشيًا لجئتكم هرولة. ومن بحث عني فسوف يجدني ومن توجَّه إليّ فسوف يجد بابي مفتوحا. إني أغفر ذنوب التائبين وإن كانت أكثر من الجبال. إن رحمتي عليكم كبيرة وغضبي قليل لأنكم خَلقي، فقد خلقتُكم لذا رحمتي تحيط بكم جميعا.

يقول أمير المؤمنين نصره الله: نسأل الله ﷻ أن يوفقنا لنتوب إليه بإخلاص، ونفوز بالتقوى، ونزداد إيمانا ويقينا لكي تحالفنا رحمتُه على الدوام، ولا نكون محل عقابه جراء أعمالنا السيئة. آمين.