خطبة الجمعة يوم 2/11/2018

في مسجد بيت الرحمن، ميري لاند، أمريكا

*****

قدم حضرته في هذه الخطبة شرحا تفصيليا لمعنى البيعة والغاية منها. وما هي التعاليم التي لا بد من التمسلك بها لتحقيق المعنى الحقيقي للبيعة وليكون المرء أحميديا حقيقيا:

التواضع:

فقدم مقتبسا من كلام المسيح الموعود ؏: :

“لا بد للمبايع من التواضع والانفصال عن الأنانية والنفسانية، عندها ينمو ويزدهر، أما الذي يتمسك بأنانيته حتى بعد البيعة فلا يفوز بأي فيض أبدا”.

اجتناب الشرك و الشرك الخفي:

يقول ؏ ما معناه: آمنوا بالله بالقلب والروح، وأقرّوا أنه لم يبق شيء لنا من اليوم بل أصبح كل شيء لله تعالى. يقول المسيح الموعود ؏ بهذا الشأن: “ليس المراد من الشرك هنا عبادة الأحجار وما شابهها فقط، بل إن عبادة الأسباب والتركيز على الآلهة الدنيوية أيضا شرك”.

الآلهة الدنيوية هي المصالح الدنيوية التي من أجلها ينبذ المرء أحكام الدين وأوامر الله تعالى وراء ظهره. يقول النبي ﷺ ما معناه: “إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ … وَشَهْوَةً خَفِيَّةً”

هو تجنب قول الزور والسيئات الخلقية.

يقول الله تعالى في القرآن الكريم: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (الحج 31).

يوضح المسيح الموعود ؏ هذا الأمر فيقول:

الكذب أيضا وثنٌ، يترك المعتمِدُ عليه التوكّلَ على الله، فبالكذب يخسر الإنسان اللهَ سبحانه وتعالى”.

فإذا كنا ندعي التشبث بالتوحيد والالتزام بعبادة الله تعالى وبكوننا المسلمين الحقيقيين فلا بد أن نُخرج الكذب والكاذب من بيننا.

ثم قال ﷺ: الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفسق والْفُجُورِ وَإِنَّ الفسق والْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ. والفسق والفجور يعني الابتعاد عن الصدق وارتكاب الآثام والمعاصي بكثرة.

الزنا:

لا يقتصر الزنا على العلاقات الجنسية فقط بل قال حضرته بأن الله تعالى يقول: “(وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا) (الإسراء 33)

أي يجتنب الطرق التي يخشى من خلالها الوقوع في الزنا.

اجتناب الظلم:

ثم نبّه المسيح الموعود ؏ إلى اجتناب كل نوع من الظلم حتى نكون أحمديين حقيقيين. إن تعاليم الإسلام تقدم معايير عليا لأداء حقوق العباد، والإسلام يتكلم عن أداء الحقوق لا المطالبة بها.

المواظبة على العبادة.

ثم إن المواظبة على عبادة الله تعالى أيضا من أهم الشروط ليكون الإنسان مؤمنًا. بل جعل الله تعالى العبادةَ هدفًا من خلق الإنسان. يقول المسيح الموعود ؏:

“يا مَن تعتبرون أنفسكم من جماعتي، إنكم لن تُعَدّوا من جماعتي في السماء إلا إذا سرتم في دروب التقوى حقا وصدقا. فأَدُّوا صلواتِكم الخمس بخشية وخضوع كأنكم ترون الله تعالى” (سفينة نوح، الخزائن الروحانية ج19 ص15).

ورد في الحديث الشريف أنه أسلم قومٌ فجاءوا إلى النبي ﷺ فقالوا يا رسول الله، نرجو أن تُعفينا من الصلاة لأننا تجار وتكون معنا كثير من الحيوانات حيث كانوا يربّون قطعان من الحيوانات فيرعونها أو يعملون عند الآخرين ويتحملّون مشقة كبيرة فقالوا بأنه لا ثقة لنا بنظافة الثياب كما لا نجد وقت فراغ حتى نصلي الصلوات خمس. فقال لهم ردًّا على ذلك: انظروا، إن لم تكن هناك الصلاة فماذا بقى بعدها؟ فالدين الذي لا صلاة فيه لا قيمة له.

قال النبي ﷺ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ.

ليس أداء الفرائض فحسب بل النوافل أيضا، قال النبي ﷺ: فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَــوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ.

الاستغفار:

إن استغفار المرء يعني دعاءه لأن يغفر الله تعالى له ذنوبه ويعينه على تجنب الذنوب في المستقبل،

قال المسيح الموعود ؏ في ذلك: “بعض الناس يدركون حقيقة الذنب، وبعضُهم لا يدركونها، ولذلك أوجب الله تعالى الالتزام بالاستغفار دوما ليستمر الإنسان في طلب حماية اللهِ من جميع الخطايا الظاهرة والخفية، المعلومة والمجهولة،

و يقول المسيح الموعود  ؏ يجب الابتهال إلى الله بدعاء آدم ؏ بتركيز خاص: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّـمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ). (الملفوظات ج 2)

قال ؏: لو استعان الناس بالله تعالى أيْ استغفروه لزالت تقصيراتهم بتأييد روح القدس.

تأدية حقوق العباد:

ثم وضع المسيح الموعود ؏ من الشروط الأساسية لمبايِعيه أن يكون المبايعون ممن يؤدون حقوق العباد ويجتنبون إيذاء أحد من خلق الله تعالى بأي طريقة،

ورد في حديث بأن النبي ﷺ قال: لا تَحَاسَدُوا وَلا تَنَاجَشُوا وَلا تَبَاغَضُوا وَلا تَدَابَرُوا وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَىَ بَيْعِ بَعْضٍ. وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ. لا يَظْلِمُهُ وَلا يَخْذُلُهُ وَلا يَحْقِرُهُ… بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشّرّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِم. كلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ. (صحيح مسلم، كتاب البر والصلة)

اجتناب التكبر:

قال النبي ﷺ: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقَال ذرّة مِن كِبر.

قال المسيح الموعود ؏: “إن الطريق المثلى للتزكّي أن يتخلى الإنسان من كل نوع من التكبر والتفاخر.

التضحية المالية.

والمقصود من التضحية المالية إنفاق المرء لسد حاجات دين الله بإلقاء نفسه في المشقة. و ذلك لكي يرثوا أفضال الله تعالى.

الطاعة:

قد أمر الله تعالى في مواضع كثيرة جدا في القرآن الكريم بطاعته وطاعة رسوله ثم طاعة أولي الأمر. وقد جعل المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام أيضا الطاعة أحد شروط البيعة.

وهذه هي السبيل للحفاظ على وحدة الجماعة، وهذه هي الغاية التي من أجلها بُعث المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، أعني أن تقام الوحدة وأن تشكَّل جماعة من المخلصين والمطيعين، وإلا فإن المسيح الموعود عليه السلام قد صرح بكلمات واضحة أنْ لا حاجة بي إلى زيادة عدد الذين ينضمون إلى جماعتي ولكن لا يطيعونني. إذا كان الذين ينتمون إلي وينضمون إلى جماعتي لا يصلحون أنفسهم ولا يعيشون وفق أحكام الله وتعاليم رسوله، فلا فائدة من هذه البيعة.

فانتماؤنا إلى الأحمدية إنما ينفعنا إذا أدركنا الحقيقة وسعينا للعمل بها بكل ما أوتينا من قوة وكفاءة.

يقول المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام: الطاعة ليست بأمر هين سهل، بل إنها نوع من الموت. إن الذي لا يطيع طاعة كاملة يسيء إلى هذه الجماعة.

وقال عليه السلام: لقد قلت لجماعتي مرارا: لا تتكلوا على هذه البيعة فقط، فلن تنالوا النجاة ما لم تصلوا إلى الحقيقة، يعني  حقيقة البيعة.

وفقنا الله تعالى جميعا لأن نفهم تعاليم الإسلام الحقة ونعمل بها، ويوفقنا لنكون من الذين يفون بحق بيعة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، وأن نظل متمسكين بالخلافة دائما بطاعة كاملة، وأن نعمل بكافة قرارت الخليفة المعروفة بصدق القلب وبطاعة كاملة. وفقنا الله جميعا لذلك، آمين.