بسم الله الرحمن الرحيم

نحمده ونصلي على رسوله الكريم    وعلى عبده المسيح الموعود

ملخص خطبة الجمعة التي ألقاها أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز بتاريخ 18-5-2018.

بعد التعوذ والتشهد وتلاوة الفاتحة يقول حضرته نصره الله:

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[ (البقرة 184)

في رمضان يهتم المسلمون بالصلاة والعبادة مقارنة مع الأيام العادية. الهدف من الصيام هو التقوى كما بينته الآية سابقة الذكر. الأديان السابقة لم تبق على حالتها الأصلية ولم يعُد أهلها يعملون بها، بينما الإسلام فهو دين خالد، وتعليمه أبدي والقرآن الكريم محفوظ وهو هدى للمتقين.

وقد بعث الله ﷻ المسيح الموعود ؏ ليُصلحنا وليلفت انتباهنا إلى العمل بالقرآن الكريم. لذا تقع علينا نحن الأحمديين مسؤولية إدراك حقيقة الصيام، والسعي لإحراز التقوى والتقدم على دربها.

في الآيات التي تَلِي الآيةَ سابقة الذكر وردتْ تفاصيل الأوامر المتعلقة برمضان، ومنها قراءة القرآن الكريم والاستجابة لأحكامه والاهتمام بالدعاء أيضا. فاسعوا جاهدين للعمل بأحكام الله وللعبادات في هذا الشهر لكي يسهل عليكم العمل بها دوما وتصبح جزءا لا يتجزأ من حياتكم اليومية. فبالتقوى نجتنب السيئات وننال الحسنات، أما إذا كنا لا نُقْلِعُ عن السيئات فلن تتحقق غاية الصيام، والتي هي التقوى. فالتكبر والخصام والشحناء وقول الزور ليس من التقوى في شيء فعبثا يتحمل المرء الجوع والعطش.

نُشر في الجريدة تقرير استطلاعي عن صيام المسلمين، وملخص هذا التقرير أن غالبية الشباب هنا يصومون رياءً فقط، ولا إلمام لهم بالغاية المبتغاة من الصيام مطلقا. وبعضهم لا يهتمون بالصلوات والعبادة كما يجب، ولا يعيرون أي اهتمام لأوامر الله ونواهيه.

فقد بيَّن لنا المسيح الموعود ؏ في شتى المناسبات مَن هو المتقي، وأن الراحة الحقيقية واللذة إنما تنشأ بالتقوى، وأن الراحة لا تكمن في ملذات الدنيا. كما بيَّن لنا كيفية إحراز الحسنات، وأنه يجب على المرء أن ينجز كل عمل ابتغاء مرضاة الله فيكون مؤمنا حقيقيا، وهذا الأمر وحده يميز الكافر من المؤمن. ونصحَنا بضرورة التقدم في معرفة الله، بحيث نزداد كل يوم معرفةً له ﷻ، لا أن نقف في مكان واحد. كما يقول المسيح الموعود ؏ “لو صرتم متقين، وسلكتم دقائق سبل التقوى لكان الله معكم”.

ثم قال ؏: إن التقوى هي الشيء الوحيد الذي يمكن أن يُعَدَّ لبّ الشريعة. وللتقوى مدارج ومراتب كثيرة، ولكن لو تخطّى الإنسان المراحل الابتدائية بمثابرة وإخلاص طالبًا صادقًا، لارتقى إلى المدارج العليا نتيجة إخلاصه وطلبه الصادق. يقول الله تعالى: ]إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ[، أي أنه تعالى لا يجيب إلا دعوات المتقين.

هناك كثير من الناس الذين يقولون أنهم طالما دَعَوا دون أن يُستجابَ لهم. فعليهم أن يفحصوا أنفسهم فيروا أكان الدين هو الغالب عليهم؟! أم غلبتهم شوائب الدنيا؟!

ثم يقول ؏: الحقّ أن للمتقين وعوداً عظيمة، وما أدلَّ على ذلك من أن الله تعالى يكون وليا لهم. ونصرة الله لهم هي الدليل على مَعِيَّتِهِ لهم. وقد جعل الله تعالى كشف الضُّر وسدّ الحاجات منوطا بالتقوى نفسها. قال الله تعالى ]وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ[.”

يتابع المسيح الموعود ؏ ويقول: “إن أكبر أمنية للإنسان في الدنيا هي أن يعيش براحة وسكينة، وقد جعل الله لذلك سبيلا واحدا، وهو سبيل التقوى. أو ما يسمى الصراط المستقيم. ولا يظنن أحد أن الكفار الذين يملكون المال يعيشون عيشة راحة وسكينة. الحقيقة إنهم مقيدون في سعير وسلاسل وأغلال، كما قال الله تعالى ]إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا[. أنظارهم مصوَّبة إلى الدنيا، ويُخلدون إلى الأرض دائما. إن الرخاء الحقّ إنما يتيسر للمتقي وحده الذي وعده الله تعالى بجنتين.” للتقوى شعب كثيرة دقيقة كخيوط العنكبوت وهي ذات صلة بجوارح الإنسان كلها وعقائده ولسانه وأخلاقه وغير ذلك. والصائم يحافظ على طهارة لسانه فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ. يقول المسيح الموعود ؏: إن الله تعالى علّمنا (إياك نعبد)، وأردف الله قوله هذا بقوله: (وإياك نستعين) أيْ لا يظنن أحد أنه يقوم بهذه العبادة بقوته وقدرته.

كما أنه بسبب اللسان يبتعد الإنسان عن التقوى، وباللسان يتكبر، وباللسان يتصف بالصفات الفرعونية. ورد في صحيح البخاري: أنّ مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ.

قال المسيح الموعود ؏: علينا أن نفحص دائما مدى تقدّمنا في الطهارة والتقوى، ومعيار ذلك القرآن الكريم. لقد بيَّن الله تعالى أن من علامات المتقين أن الله تعالى ينجيهم من مكاره الدنيا ويتكفل أمورهم، فقال: ]وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ[ (الطلاق: 3 – 4). أيْ أن من علامات المتقي أن الله تعالى لا يجعله يضطرّ إلى حاجات لا طائل منها. اعلموا أن من ترك الله تركَه الله، ومن تركه الرحمن والاه الشيطان حتمًا. (الملفوظات)

ثم يقول حضرته ؏: لو توكلتم على الله في أمر ما لأعانكم ]وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ[. إن من بركات التقوى أن الله تعالى ينجي الإنسان المتقي من الصعاب التي تعيقه عن خدمة الدين.

يقول المسيح الموعود ؏: “حسنات المرء قسمان، الفرائض والنوافل. والفرائض واجبات لا بد للمرء من أدائها كسداد دين أو ردّ معروف بمعروف. وإضافة إلى الفرائض هناك مع كل حسنةٍ نوافلُ، كأن يرد على الآخر بمعروف أكبر مما صنع معه. وإخراج الصدقات علاوةً على أداء الزكاة المفروضة. والله تعالى يصبح وليا لمثل هؤلاء، بحيث يصبح الله تعالى يدَ العبد ورجله وحتى لسانه الذي يتكلم به.

ثم يقول ؏: الحق أن الإنسان حين يتطهّر من أهواء النفس ويتّبع مشيئة الله متخليًا عن أنانيته، فلا يصدر عنه ما لا يجوز، بل تكون أفعاله كلها بمقتضى مشيئة الله تعالى وكتابه الكريم.

يتابع ؏: “ولكن الذي يتّبع أهواءه فلا بد أن يتضرر. فكلما كان المرء أقلَّ تفانيًا في الله صار أكثرَ بُعدًا عنه تعالى. ولكن إذا تفانى في الله فاق إيمانُه التقديرَ. يقول الله تعالى: “مَن عادى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب”. فحين يعيق الناس طرق الصلاح والبر فإن الله يؤيد أولياءه ويخيب أعداءهم ويُفشلهم.

ثم قال حضرته: “من الشروط التي يجب على أهل التقوى أداؤها أن يقضوا حياتهم بتواضع ومسكنة. فاجتناب الغضب في غير محله هو المرحلة الأخيرة والأصعب لكبار العارفين والصِّدّيقين. والغضب في بعض الأحيان يكون نتيجة للزهو والغرور، إذ يظن المرء أنه أفضل من غيره. اعلموا بأن كريمكم عند الله التقيُّ ]إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[ فالله ﷻ عليم بكل حقيقة وكل أمر.   ثم يقول ؏ موضحا كيفية التصرف عند نيل النجاح: المؤمن يخجل عند كل نجاح ويحمد الله تعالى لأنه قد أكرمه، وهكذا يمضي قدما ويزداد إيمانا لثبوت قدمه عند كل ابتلاء. أما نجاح الكافر فإنه يؤدي إلى الضلال لأنه لا يرجع إلى الله تعالى، بل يعدّ جهوده وذكاءه وكفاءته إلهًا. قال الله تعالى ]إن الله مع الذين اتقوا[. فمعنى التقوى هنا أن الذي يؤثر اللهَ تعالى فالله يؤثره وينقذه من كل أنواع الخزي. كثير من الناس كانوا متهافتين على الدنيا، ولكنهم دعوا واستُجيب دعاؤهم، فتغيروا كليا. من الأمور المسلم بها أن النجاح يزيد صاحبه همة وعزيمة، فيجب أن تنتفعوا من هذا الأمر، وتزدادوا معرفة بالله. كما أن المؤمن لا يسيء الظن بالله تعالى عند أية ضائقة، بل يُرجعها إلى أخطائه ويسأل الله من فضله. باختصار، إن الله يحمي وينصر الذين يتقون. والمراد من التقوى هو اجتناب السيئة، أما المحسنون فهم الذين لا يكتفون باجتناب السيئة فقط بل يكسبون الحسنات أيضا. يقول الله تعالى ]إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون[ فنصرة الله ستحالفكم عندما تكون التقوى صادقة إلى جانب الحسنات.

يجب ألا يتساوى يومُ المرء وغده، وإلا فسيكون خاسرا. فإذا كان الإنسان مؤمنا بالله إيمانا كاملا فلا يضاع قط بل تُنقَذ من أجله مئات آلاف الأرواح.

يقول المسيح الموعود ؏: وعدني الله تعالى أنا أيضا: “إني أحافظ كل من في الدار”. وقال ؏ إنكم عندما تحققون الأهلية للدعاء فعندئذ ستجاب دعواتي بحقكم وذلك يقتضي التقوى منكم.

يقول أمير المؤمنين نصره الله: نسأل الله تعالى أن يوفقنا لأن نصوم رمضان سالكين على دروب التقوى. ونسأل الله ﷻ أن يرحم المسلمين ويلهم قيادتهم وعلماءهم العقل والفهم ليؤمنوا بإمام الزمان. اُدعوا للعالم أيضا، فالقوى الكبرى تتقدم إلى الحرب بسرعة، لذا ادعوا الله ﷻ أن يحمي المسلمين والأحمديين منهم خصوصا من أضرار الحرب، وينقذ البشرية عموما منها. وإذا كان إصلاح هؤلاء ممكنا فادعوا الله أن يتم إصلاحهم ليعرفوا ربهم.