ملخص خطبة الجمعة 24/1/2020

يتابع حضرته الحديث عن الصحابة البدريين ويتناول سيرة حضرة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، والده رواحة بن ثعلبة، وأمه كبشة بنت الواقد. حضر بيعة العقبة، وكان رئيس بني الحارث بن الخزرج. كنيته أبو محمد، آخى رسول الله rبينه وبين المقداد.

شهد عبد الله بن رواحة مع النبي r بدرًا وأحدًا والخندق والحديبية وخيبر وعمرة القضاء وسائر الغزوات، واستُشهد في وقعة مؤتة، وكان أحد قادة الجيش المسلم فيها.

وقد روى حضرة أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز العديد من الأحاديث التي تظهر أبرز سوانحه:

عن طاعته: في رواية أن عبد الله بن رواحة أتى النبي r  ذات يوم وهو يخطب، فسمعه وهو يقول: «اجلسوا»، فجلس مكانه خارجا من المسجد، حتى فرغ النبي r من خطبته. فبلغ ذلك النبيَّ r فقال: «زادك الله حرصا على طواعية الله تعالى وطواعية رسوله».

كان عبد الله بن رواحة يخرج إلى الجهاد أوّلَ الناس ويرجع آخرَهم.

عن مكانته عند النبي r وفي كتاب الزهد للإمام أحمد أن النبي r قال: “رحم الله ابن رواحة، إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة”. وعن أبي هريرة أن النبي r قال: نعم الرجل عبد الله بن رواحة.

عن عبادته: عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ t قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ r وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ.

استعمال النبي r له:

  • أرسله النبي r ليخرّص ثمار وغلال خيبر.
  • بعد الفراغ من وقعة بدر بعث رسول الله r عبدَ الله بن رواحة بشيرا بالفتح إلى أهل العوالي. ويرى ابن سعد أنه كان من كتّاب النبي r. حيث كان من القلة الذين يعرفون القراءة والكتابة في الجاهلية. عن عروة بن الزبير قال: بعث رسول الله r بعثة إلى مؤتة واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال: فإن قُتل زيدٌ فجعفرُ بن أبي طالب، فإن قُتل جعفرُ فعبد الله بن رواحة، فإن قُتل عبدالله بن رواحة، فليرتض المسلمون بينهم رجلا فليجعلوه عليهم. فبكى عبد الله بن رواحة عندما تذكر آية وَإِنْ مِنْكُمْ إِلّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبّكَ حَتْمًا مَقْضِيّا[. وقد وضّح المسيح الموعود u هذا الأمر المراد أن المؤمنين يواجهون جزءا من هذه الجحيم في هذه الدنيا وذلك حين يؤذيهم الكفار أنواع الإيذاء. يتبين من القرآن الكريم أن المؤمنين لن يدخلوا النار في العالم الآخر أبدا لأن الله تعالى يقول بحقهم: ]لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا[. إذًا، المراد من ورود المؤمنين الجحيم إنما هو تكبُّدُهم المصائب في الدنيا. وقد عدّ النبي r الحمّى أيضا نوعا من العذاب فقال: “الحمى حظ كل مؤمن من النار”. وقد روى أن أنس t أن النبي r أخبر الناسَ بشهادة زيد وجعفر وعبد الله بن رواحة قبل أن يأتي الناس خبرهم. فقال r: إن زيدا أخذ الراية فقاتل حتى قُتل، ثم أخذ الراية بعده جعفرُ بن أبي طالب فقاتل حتى قُتل ثم أخذ الراية عبدُ الله بن رواحة فقاتل حتى قُتل. وكانت الدموع تنهمر من عينيه r، فقال: ثم أخذ الراية سيفٌ من سيوف الله خالدُ بن الوليد ففتح الله عليه.
  • عن ابن عباس ان رسول الله r بعث بعض الصحابة في مهمة وفيهم عبد الله بن رواحة t وكان يوم جمعة فانطلق كلهم وتخلف عبد الله بن رواحة (حيث قال في نفسه سألحق بهم بعد أداء الصلاة خلف النبي r) فقال له النبي r (بعد الصلاة) ما خلَّفك عن أصحابك؟ قال أحببت أن أشهد معك الجمعة ثم ألحقهم قال لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما أدركت غدوتهم. فالمهمة التي بعثتُهم فيها أهمُّ من الجمعة، إذ كان يمكن أن تصلُّوا الجمعة في الطريق.

وذكر عنه أيضا:

وكان عبد الله بن رواحة من الشعراء الذين كانوا ينافحون عن رسول الله r. عن ابن سعد قال: لما نزلت ” والشعراء يتبعهم الغاوون ” قال عبد الله بن رواحة: قد علم الله أني منهم، فأنزل الله عز وجل ” إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات”.

عن عبادة بن الصامت أن رسول الله r عاد عبد الله بن رواحة قال: فما تحوز له عن فراشه فقال: أتدرون مَن شهداء أمتي؟ قالوا: لا، قتْل المسلم شهادةٌ، قال: إن شهداء أمتي إذًا لقليلٌ، قَتْل المسلم شهادةٌ، والبطنُ شهادة، والغرقُ شهادة، والمرأة يقتلها ولدُها جمعا شهادة.

ثم صلى بعد ذلك حضرته الجنازة على المرحوم الدكتور لطيف أحمد قُرَيْشِي ابن منظور أحمد قريشي الذي تُوفي في 19 كانون الثاني/يناير 2020 عن عمر يناهز ثمانين عاما تقريبا. إنا لله وإنا إليه راجعون. كان منخرطا بنظام الوصية بفضل الله تعالى. وُلد في “أجمير شريف” بالهند، وبايع أبوه السيد منظور قريشي في 1937 على يد سيدنا المصلح الموعود t، وأمُّ المرحوم هي السيدة منصورة بشرى التي هي حفيدة حضرة منشي فياض علي الكبورثلوي t الصحابي للمسيح الموعود u وحفيدة حضرة شيخ عبد الرشيد الميرتهي، وهي لا تزال حيةً. قدم امتحان الثانوية ونال المرتبة الأولى فيه، ثم سجل في كلية الطب “كندر”، وكان أصغر طالب حصل على شهادة الطب آنذاك، وذكر ذلك عميد الكلية بشكل خاص. ثم جاء في 1967 إلى إنجلترا للتعليم المزيد، وهنا حصل على شهادة دبلوم في أمراض الأطفال ثم حصل على شهادة أيم آر سي بي، ثم توظف كطبيب اخصائي في “يوول سمرسيت” (Yeovil somerset) حيث اختص بأمراض القلب. وفي 1968 سأله حضرة الخليفة الثالث رحمه الله تعالى متى ستأتي عندنا؟ فقال الدكتور: حين تأمرني يا سيدي! فقال حضرته: تعال. فترك إنجلترا وانتقل إلى ربوة حيث عُيّن في المستشفى فضل عمر حيث خدم لمدة طويلة. كان يكره الرياء، وعاش حياة بسيطة، وكان قبل كل أمر صغيرا كان أم كبيرا يكتب إلى الخليفة للدعاء ويسترشده.

قال الخليفة الثالث رحمه الله عنه إنه ليس طبيبا فقط بل هو طبيب كثير الدعاء يدعو لكل مريض له.

كان قد رأى عن نفسه رؤيا وقال بناء عليها بأن الوقت المتبقى له قليل. قبل وفاته بساعة واحدة فقط كان يفحص المرضى من الساعة التاسعة صباحًا إلى الواحدة ظهرًا في العيادة الملحقة بالبيت. رجع إلى البيت في الواحدة ظهرًا وكان ينوي الوضوء والذهاب إلى المسجد المبارك للصلاة. جلس على السرير، وأثناء خلعه الحذاء فاجأته النوبة القلبية الحادة فلحق بمولاه الحقيقي.

كانت علاقته مع الجيران مليئة بالمحبة.

لما ذهب من لندن إلى باكستان لخدمة الجماعة في المشفى، ركب القطار من لاهور وعند نزوله في ربوة قصد مكتب السكرتير الخاص، فدعاه الخليفة الثالث رحمه الله في مكتبه وقال له: إذًا لقد أتيت. فردّ: نعم يا سيدي لقد حضرت. قال حضرته: بيتك جاهز وكنت قد طلبت إغلاقه بعد طلائه، فيمكن أن تذهب إلى الناظر الأعلى وتأخذ منه المفتاح وأقم هنالك. يقول: فلما فتحت البيت وجدت فيه سريرين اثنين فحسب.

ثم اشترى الدكتور الأسِرّة الأخرى وأثاث البيت وأقام هناك دون إبداء أي نوع من الاستياء كأن يقول مثلا لم يكن في البيت شيء وإنني عدت حديثا من بريطانيا وغيره. ثم حضر لديه ضيوف كثيرون عند الجلسة الأولى بعد إقامته في هذا البيت، فسلّم البيت للضيوف وأخذ ينام على القش. لقد خدم كثيرا حماه مولانا عبد المالك خان، كما خدم حماته كثيرا أيضا. لقد خدم الدكتور لطيف أزيد من نصف قرن من الزمان المرضى الفقراء والمحتاجين في هذه المنطقة بغض النظر عن انتمائهم الديني أو القومي.

توفيت زوجته السيدة شوكت، وفي اليوم التالي كان موعد وليمة اثنين من أبناء أختها، فذهب الدكتور لطيف إلى بيت العريسين وأخبرهم عن وفاة زوجته ثم أكد عليهم أن يقوموا بالحفلة وألا يوقفوا أي شيء من الأفراح، أخذ ابنه واشترك في الوليمة. رحمه الله تعالى وغفر له، وألهم أولاده الصبر والسلوان إذ توفي والداهم واحد تلو الآخر في فترة وجيزة.

جعل الله تعالى حسنات هذين الزوجين تدوم وتستمر في أولادهما أيضا. وكما أخبرتُ أن والدة الدكتور لطيف على قيد الحياة إلا أنها مريضة جدًّا، منّ الله عليها أيضا بفضله ورحمته، آمين.