ملخص خطبة الجمعة 26/6/2020

يتابع حضرته حديثه عن الصحابي البدري عبد الرحمن بن عوف t، فقد كان حضرته شهيرا بسخائه وكرمه، وقدم تضحيات مالية كثيرة، هناك رواية أنه كاِن من وصية عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن يعطى كل صحابي بدري أربع مئة دينار من تَرْكته، فنُفّذت وصيته هذه، وكان عدد هؤلاء الصحابة مئة عندئذ. عندما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة بالتجهيز لغزوة تبوك تصدق عبد الرحمن بن عوف بمائتي أوقية (أي أنه تصدق بحوالي ثمانية آلاف درهم). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف كنزان من كنوز الله على الأرض، ينفقان ابتغاء مرضاة الله تعالى.

وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الذي يحافظ على أزواجي بعدي فهو الصادق البار”.

كان عبد الرحمن يخرج برواحلهن ويحجّ بهن، ويجعل على هوادجهن الأوشحة، ويُنزِلهنّ الشِّعْبَ الذي ليس فيه منفذ (وذلك لكي يتصرفن بحرية في ذلك المكان وراء الحجاب).

ذات مرة قَلَّت الغلال في المدينة نتيجة القحط، فقدمتْ عِيرٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مِن الشَّامِ تَحْمِلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ من الطحين والقمح والأطعمة، وَكَانَتْ سَبْعَ مِائَةِ بَعِير، فَارْتَجَّتْ الْمَدِينَةُ مِن الصَّوْتِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ ما هذه الضجة؟ فقيل لها إنها عير لعبد الرحمن بن عوف فيها سبع مئة بعير محمولة بالقمح والطحين والطعام، فقالت أم المؤمنين عائشة t: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَدْ رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَبْوًا. فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَتَاهَا وقَالَ يا أُمِّ، إِنِّي أُشْهِدُكِ أَنَّهَا بِأَحْمَالِها من أطعمة وغلال وغيرها مع أَقْتَابِهَا وَأَحْلاسِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لكي أدخل الجنة قائما.

كان كثير الإنفاق في سبيل الله تعالى، وقد أعتق ثلاثين مملوكا في يومٍ واحد.

وذات مرة احتاج عمر t إلى المال، فاستقرض من عبد الرحمن بن عوف، فقال لأمير المؤمنين: لماذا تطلب مني المال مع أنك تستطيع أن تستقرض من بيت المال أو من عثمان أو غيره من الأثرياء. فقال عمر لعلي أنسى دفع المال إلى بيت المال، أو إذا اقترضته من أحد آخر فربما لا يطالبني به احتراما لي أو لسبب آخر وأنا أنسى أن أدفعه له، أما أنت فلا بد أن تسألني مالك وتستردّه مني.

عن أبي سلمى بن عبد الرحمن بن عوف t أن أبانا أوصى لأمهات المؤمنين ببستان، وكان ثمنه أربع مئة ألف درهم.

وأوصى عبد الرحمن بن عوف t بإنفاق خمسين ألف دينار في سبيل الله. وقد ترك وراءه ألف بعير وثلاثة آلاف من الغنم، ومئة من الفرس، وكانت ترعى في البقيع.

وكان له بالجرف أرض يستقي لها بعشرين جملاً، وكان يأتيه منها من الغلال ما يسد حاجة أهله طوال السنة، وفي رواية أنه ترك وراءه من الذهب ما قطعوه بالفؤوس حتى حصلت الثآليل في أيدي مَن قطعوه.

توفي عبد الرحمن بن عوف t في العام الحادي والثلاثين من الهجرة، وعند البعض في الثاني والثلاثين، وعمره 72 عاما. دُفن في جنة البقيع. وصلى عليه عثمان رضي الله عنهما، وفي رواية صلى عليه الزبير بن العوام رضي الله عنهما. عند وفاة عبد الرحمن بن عوف t قال سعد بن مالك قائما بفراشه: واجبلاه، أي لقد توفي شخص كان عظيمًا كالجبل.

قال علي t ما معناه: مات عبد الرحمن بن عوف وشرب من نبع الدنيا ماء زلالا وترك الكدرَ. ترك عبد الرحمن بن عوف وراءه ثلاث زوجات وكان نصيب كل زوجة كجزء ثمن من تركتِه ثمانين ألف درهم.

الصحابي الثاني هو سعد بن معاذ t، الذي كان من بني عبد الأشهل

من قبيلة أوس وهي إحدى قبائل الأنصار. وكان زعيم القبيلة. وأمّه كبشة بنت رافع وكانت صحابية رسول الله r. كان سعد بن معاذ يُكنى بأبي عمرو. وقد أسلم سعد بن معاذ وأسيد بن خضير على يد مصعب بن عمير. فلما أسلم قال لبني عبد الأشهل: كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرام حتى تسلموا. فأسلموا، وكانت دار بني عبد الأشهل أول دار من دور الأنصار أسلموا جميعاً رجالَهم ونساءهم. حوّل سعد بن معاذ مصعبَ بن عمير، وأسعد بن زرارة إلى داره، فكانا يدعوان الناس إلى الإسلام في داره، وكان سعد وأسعد ابني خالة، وكان سعد وأسيد بن حضير يكسران أصنام بني عبد الأشهل بعد أن أسلمت القبيلة كلها.

آخى النبي r بين سعد بن معاذ وسعد بن أبي وقاص. وفي رواية آخى r بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح.

حظي سعد t في الأنصار بمكانة نالها سيدنا أبو بكر t في المهاجرين، ولا شك أن قول النبي r عند وفاة سعد بن معاذ وهو شاب: “إن عرش الرحمن اهتز بموته” مبنيٌّ على حقيقة عميقة.

كتب مرزا بشير أحمد في مكان آخر من كتابه سيرة خاتم النبيين:

قال سيدنا المصلح الموعود t عن سعد بن معاذ t: “حين وصل سعد بن معاذ t سيد الأوس إلى مكة ليطوف بالكعبة، رآه أبو جهل فقال له بغضب شديد: “أتتوقعون أن بإمكانكم المجيء إلى مكة والطواف بالكعبة آمنين بعد أن قدّمتم الحماية لهذا المارق محمد؟ أتظن أنك تستطيع منع محمد وإنقاذه؟ والله إن لم يكن معك أبو صفوان (أي أمية بن خلف) لما عُدت إلى أهلك سالـمًا. فردّ سعد بن معاذ r قائلا: لو منعتمونا من الطواف بالبيت، فلن تجدوا سلامًا في الطريق إلى الشام. (حياة محمد r)

شهد سعد بن معاذ بدرا وأحدا والخندق مع رسول الله r وكانت راية الأوس يوم بدر في يد سعد بن معاذ t. وكان حماس سعد بن معاذ t وحبه وإخلاصه للنبي r قد بدى مما حدث يوم بدر حين أبدى سعد بن معاذ رأيه أمام النبي r وقد ذكره مرزا بشير أحمد في كتابه سيرة خاتم النبيين r كالتالي:

حين مر المسلمون بوادي الصفراء ووصلوا إلى ذفران، التي كانت على مسافة منزل واحد من بدر، فوصلت الأنباء أن جيشا كبيرا لقريش يتقدم من مكة لحماية القافلة، (وهي القافلة التجارية التي كانت تمر بالمدينة وكانوا يشكّون أن أهل المدينة سيهاجمونها) والآن كان قد مضى وقت إخفاء السرّ، فجمع النبي r جميع أصحابه، وأبلغهم عن ذلك الحال، وسألهم عما ينبغي القيام به، فوقف الصحابة الكبار واحدا تلو الآخر وألقوا خطابات أبدوا فيها حماسا شديدا قائلين: إن أموالنا ونفوسنا لله وإننا حاضرون لكل خدمة في كل ميدان، حين سمع النبي r هذا الخطاب تهلل وجهه المبارك فرحا. ولكنه r كان ينتظر رأي الأنصار، لذا ظل النبي r يقول بالرغم من هذه الخطابات المخلصة: أخبروني ماذا ينبغي فعله. حينها أدرك سعد بن معاذ زعيم الأوس مراده r وقال من طرف الأنصار: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضتَه لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وسوف تجدنا صابرين في الحرب إن شاء الله، وسترى منا ما تقر به عينك. حين سمع النبي r هذا الخطاب سُرّ وقال: سيروا باسم الله وأبشروا، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين (الجيش أو القافلة) والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم. وهذا ما حدث.