ملخص خطبة الجمعة 22/11/2019م

*********

تابع حضرته في خطبة الجمعة هذه حديثه عن الصحابة البدريين رضوان الله عليهم أجمعين وأفرد خطبة اليوم للحديث عن :

حضرة المقداد بن الأسود رضي الله عنه:

نسبه اسمه الحقيقي المقداد بن عمرو- والده عمرو بن ثعلبة من بني ثعلبة. وقد نُسب المقداد إلى الأسود بن عبد يغوث لأنه تبنّاه في صغره فصار يُدعى “المقداد بن الأسود”. حتى جاء أمر الله:] ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ[.

سيرته:

كان المقداد أحد السبعة الذين كانوا أول من أظهر الإسلام، هاجر إلى الحبشة ثم عاد إلى مكة ولم يستطع الهجرة مع النبي r، وظل في مكة حتى بعث النبي r سرية عبيدة بن الحارث لتعترض عيرًا لقريش كان على رأسهم عكرمة بن أبي جهل، وقد سار معهم المقداد بن الأسود وعتبة بن غزوان ليهربا إلى المسلمين عند سنوح الفرصة.

عند الهجرة إلى المدينة أقام المقداد بن الأسود عند كلثوم بن الهدم. وآخى النبي r بينه وبين جبار بن الصخر. لقد أعطاه النبي r بيتًا في حي بني هديلة.

كان المقداد وعبد الرحمن بن عوف جالسَين فقال له مالك: ألا تتزوج؟ قال إذا كنت تسألني فأقول: زوجني ابنتك. فغضب عبد الرحمن وأغلظ له، فشكا ذلك للنبي r، فقال: أنا أزوجك، فزوجه بنت عمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب.

أعماله:

  • لقد شهد المقداد غزوة بدر وأُحد والخندق والغزوات الأخرى كلها مع النبي r، وكان يُعَدّ من رماة رسول الله r. قال عبد الله بن مسعود: لقد شهدتُ من المقداد مشهدا لأن أكون أنا صاحبه أحبّ إلي مما عدل به. أتى (المقداد) رسولَ الله r: وهو يدعو على المشركين فقال: والله يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ]اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون[ ولكنا نقاتل عن يمينك، وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك. فرأيت وجه رسول الله r: يشرق لذلك وسُرَّ بكلام مقداد هذا.
  • ورد عن المقداد t أنه أول فارس قاتل في سبيل الله يوم بدر وكَانَ اسم فرسه سبحة.
  • قال الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو لِرَسُولِ اللهِ r أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ فَاقْتَتَلْنَا فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ أَسْلَمْتُ للهِ أَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r لَا تَقْتُلْهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ قَطَعَ إِحْدَى يَدَيَّ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا قَطَعَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r لَا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ. (صحيح البخاري، كتاب المغازي)
  • كانت إبل النبي r ترتع خارج المدينة في رعاية راع من بني غِفَار حَتّى أَغَارَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ إبل لِرَسُولِ اللهِ r بِالْغَابَةِ فَقَتَلُوا الرّاعي. وكَانَ أَوّلَ مَنْ نَذَرَ بِهِمْ سَلَمَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ الْأَسْلَمِيّ غَدَا وَمَعَهُ غُلَامٌ لِطَلْحَةِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ مَعَهُ فَرَسٌ لَهُ يَقُودُهُ حَتّى إذَا عَلَا ثَنِيّةَ الْوَدَاعِ ، نَظَرَ إلَى عيينة وصاحبه فَأَشْرَفَ فِي نَاحِيَةِ سَلْعٍ ثُمّ صَرَخَ وَاصَبَاحَاه، ثُمّ خَرَجَ يَشْتَدّ فِي آثَارِ الْقَوْمِ حَتّى لَحِقَ بِهم فَجَعَلَ يَرُدّهُمْ بِالنّبْلِ، وبَلَغَ رَسُولَ اللهِ r صِيَاحُ ابْنِ الْأَكْوَعِ فَأعلن في الْمَدِينَةِ أن اخرجوا للمواجهة فورا فَتَرَامَتْ الْخُيُولُ إلَى رَسُولِ اللهِ r. وَكَانَ أَوّلَ مَنْ انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللهِ r مِنَ الْفُرْسَانِ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو.
  • حين خطط النبي r لغزو مكة أخفى الأمر كثيرا، ومع أن الصحابة كانوا يتجهزون للغزو لم يكن معروفا عموما أنه r سيتجه إلى مكة. أحد الصحابة البدريين وهو حضرة حاطب بن أبي بلتعة أرسل لسذاجته وبساطته رسالة بيد امرأة قادمة من مكة، وذكر فيها كل الاستعدادات لغزو مكة، فحين انطلقت المرأة بالرسالة أخبر الله I النبيَّ r بها فأرسل صاحبَين مع سيدنا علي t لملاحقة تلك المرأة واستعادة الرسالة منها. فعن علي بن أبي طالب t، يقول: بعثنا رسول الله r أنا والزبير بن العوام والمقداد، فقال: “انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ؛ فإن بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها، فائتوني به”.
  • لقد شهد حضرة المقداد معركة اليرموك أيضا، وكان هو القارئ فيها. كان النبي r سن سنة بعد معركة بدر أن تقرأ سورة الأنفال في المعركة، وظل الناس يعملون بها حتى بعد وفاة النبي r.
  • بعث رسول الله r سرية وأمَّر عليهم المقداد، فلما رجعوا قال: كيف وجدت الإمارة يا أبا معبد؟ قال: خرجت يا رسول الله وأنا أراهم كالعبيد لي. قال: كذلك الإمارة أبا معبد، إلا من وقاه الله شرَّها. قال: لا جرم، والذي بعثك بالحق، لا أتأَمَّر على رجلين بعدها.
  • كان حضرة المقداد مع حضرة أبي عبيدة بن الجراح في حصار حمص، وشارك حضرة المقداد في فتح مصر أيضا، وفي عام 20 الهجري حين حصل غزو مصر وطلب أمير الجيش الإسلامي حضرة عمرو بن العاص المساعدة من بلاط الخلافة، أرسل حضرة عمر t عشرة آلاف جندي وأربعة مسئولين كان أحدهم المقداد t، وكتب إليه أن كل واحد من هؤلاء الأربعة يساوي ألف جندي من جيش العدو، فتغير وضع الحرب فور وصول هذه المساعدة وخلال مدة قصيرة أصبحتْ أرض فرعون كلها إرثا للتوحيد.

تقول كريمة بنت المقداد أنه مات بموضع الجرف على بُعد ثلاثة أميال وأُحضر جثمانه إلى المدينة على أكتاف الناس. صلّى عليه سيدنا عثمان الجنازة ودُفن في جنة البقيع. توفي المقداد رضي الله عنه في السنة 33 من الهجرة وعمرُه حوالي 70 عاما.

مكانته:

  • في رواية عن علي t قال قال النبي r: « لكل نبي سبعة رفقاء نجباء (أو نقباء) ولي أربعة عشر، قال علي: أنا، وابناي (أي الحسن والحسين)، وجعفر وحمزة، وأبو بكر، وعمر، ومصعب بن عمير، وبلال، وسلمان ، وعمار بن ياسر والمقداد وحذيفة، وأبو ذر، وعبد الله ابن مسعود.
  • وعَنْ سَعْدٍ قَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا سِتَّةٍ: فِيَّ وَفِي ابْنِ مَسْعُودٍ وَصُهَيْبٍ وَعَمَّارٍ وَالْمِقْدَادِ وَبِلَالٍ ]وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ[. حيث قَالَتْ قُرَيْشٌ لِرَسُولِ اللَّهِ r إِنَّا لَا نَرْضَى أَنْ نَكُونَ أَتْبَاعًا لَهُمْ فَاطْرُدْهُمْ عَنْكَ.
  • وعن أنس أن النبي r سمع أحدًا يتلو القرآن الكريم بصوت عال، فقال النبي r إنّ هذا يخشى الله تعالى. وكان صاحب هذا الصوت هو المقداد بن عمرو.

وفي حديث عن  بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عن أبيه قال: أن المقداد قال:

وَاللَّهِ لَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ النَّبِيَّ r عَلَى أَشَدِّ حَالٍ بُعِثَ عَلَيْهَا نَبِيٌّ مِن الْأَنْبِيَاءِ فِي فَتْرَةٍ وَجَاهِلِيَّةٍ مَا يَرَوْنَ أَنَّ دِينًا أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ فَرَقَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ حَتَّى إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَرَى وَالِدَهُ وَوَلَدَهُ أَوْ أَخَاهُ كَافِرًا، وَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ قُفْلَ قَلْبِهِ لِلْإِيمَان،ِ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ هَلَكَ دَخَلَ النَّارَ، فَلَا تَقَرُّ عَيْنُهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ حَبِيبَهُ فِي النَّارِ، وَأَنَّهَا لَلَّتِي قَالَ عَزَّ وَجَلَّ ]الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ[  .

هذا الدعاء يجب أن ندعو به دائما لكي يظل أولادنا وأجيالنا متمسكين بالدين، ولكي نشكر الله على ما تفضله به علينا من نعمة الإيمان.

ثم دعى حضرته الله تعالى أن يوفقنا لإدراك حقيقة الإسلام ولأداء حق كوننا من أمة الرسول r، وينعم علينا بخشيته، آمين.