آتوني ما زُعم من أخطاء لغوية في كتابات المسيح الموعود ع أخرّجْها لكم –

من الألفاظ الملحقة بألفاظ التوكيد الدالة على الشمول والإحاطة ( كل، جميع، عامة)؛ ألفاظ أخرى هي: أجمع، جمعاء، أجمعون، جُمع.

الاعتراض: 

وقد اعتُرض على المسيح الموعود عليه السلام في كيفية استعمال لكلمة ” أجمعون” في العبارات التالية: 

1: ولولا دفعُ الله الطلاحَ بأهل الصلاح لفسدت الأرض ولسُدّت أبواب الفلاح ولهلك الناس كلُهم أجمعين. (سر الخلافة)
2: وسجد لآدم الملائكة كلُهم أجمعين. (نور الحق)

فقيل إن المسيح الموعود عليه السلام، قد أخطأ في إيراد هذه الكلمة ” أجمعين” منصوبة في هذه العبارات، بل زعم المعترضون أنها يجب أن تكون ” أجمعون” على اعتبارها توكيدا تابعا للمؤكَّد المرفوع قبلها. ولم يتوقف الاعتراض عند هذا الحدّ، بل قيل إن المسيح الموعود عليه السلام لا يحفظ الآية القرآنية بشكل صحيح في المثال الثاني. 

الرد: 

نورد ما جاء في كتاب النحو الوافي: 

من الجائز إعراب: “أجمعين” حالًا، ولكن المعنى يختلف عن إعرابها توكيدًا، فعلى إعرابها حالًا يكون المعنى “مجتمعين” أي: في حالة اجتماعهم، وعدم تفرقهم. وعلى إعرابها توكيدا يكون المعنى على الشمول والإحاطة، وأن الإكرام شملهم فردًا فردًا. فبين المعنيين فرق واضح، ومن الواجب عند الإعراب ملاحظة المعنى المراد دائمًا، لأن الإعراب لا بد أن يجازي المعنى المقصود. (النحو الوافي 3/ 517)

النتيجة: 

يصحّ استعمال كلمة “أجمعون” بصيغة الحال، لتكون عندها منصوبة بصورة “أجمعين”، غير أنها في هذه الحالة تختلف في معناها، ليكون المعنى ” مجتمعين” بدلا من معنى الشمول والإحاطة. والأمر في نهايته متعلق بنية الكاتب في أي معنى يقصده ويريده، وبناء على المعنى المراد تُحدّد الحالة الإعرابية لهذه الكلمة. 

وعليه فتكون كلمة ” أجمعين” في عبارات المسيح الموعود عليه السلام قمة في الفصاحة والبلاغة، لأنها صحيحة من حيث إعرابها، فهي في هذه العبارات “حال منصوب بالياء على أنها جمع مذكر سالم”. 

ولما كانت هذه الكلمة قد وردت في العبارات المعترَض عليها منصوبةً بعد كلمة ” كلُهم”؛ يظهر لنا مدى بلاغة المسيح الموعود في دمجه بين كلمة ” كلهم” و”أجمعين” ؛ فقد أفاد في “كلهم” معنى الشمول والإحاطة، وأتبعها بمعنى “الاجتماع” في كلمة “أجمعين”، ليكون المعنى النهائي ” كلهم بشموليتهم مجتمعين”. 

ومن هنا يكون المسيح الموعود عليه السلام قد حفظ معنى الشمول باستعماله كلمة “كل”، ليكون المعنى “سجدوا جميعا” و”هلكوا جميعا”. وأما معنى الاجتماع المستخلَص من كلمة أجمعين التي تفيد الحال، فهو قد يؤخذ على الحقيقة أو المجاز؛ إذ ليس من البعيد أن يكون سجود الملائكة لآدم مجتمعين في مكان واحد ووقت واحد بفعل وإرادة ربة العالمين، وليس من البعيد أن يكون قصد المكان مجازا هو في سماء من سماوات الكون القرآنية.

أما بالنسبة لهلاك الناس مجتمعين، أوليس الناس مجتمعين في الأرض التي جعلها الله مسكنا لهم!؟ كما وقد يكون الاجتماع المراد بـ “أجمعين” مجازيا، ليعبر عن هول هذا الهلاك الناتج عن عدم دفع الله الطلاح بأهل الصلاح ومدى سرعته وقسوته؛ وليقول: إنه لولا هذا الدفع لعم الفساد المهلك في الأرض ولقضى على الناس كافة وبسرعة وكأنهم مجتمعين مع بعضهم في أرض الموت والهلاك، هذا الاجتماع المجازي الذي من شأنه أن يعبر عن سهولة وسرعة هلاكهم دفعة واحدة. إذ لا شك أن هلاكهم مجتمعين بفعل المصائب والآفات والعداوات والعدوى المنتشرة يكون أسهل وأسرع من كونهم متفرقين.

فخلاصة الكلام أن معنى الحال لكلمة أجمعين وارد في هذه الفقرات حقيقة ومجازا ولا غرابة في ذلك.

ومن هنا يظهر أن استعمال المسيح الموعود لهذه الكلمة بصيغتها المنصوبة، لم يكن إلا للفتة بلاغية يجهلها المعترضون، والتي هي في الحقيقة قمة البلاغة والفصاحة!!