من سلسلة أخبر فصدق 5 – الإحالة لكتب الحديث

المعترض: أين نجد حديث  أن الأطفال والنساء سيتنبأون؟

من التزييف اللاأخلاقي إحالة الحديث إلى ما لا أصل له مثل قول المؤسس في كتاب ضرورة الإمام عن أن النبيين ذكروا وكذلك في الحديث الشريف أن الأطفال والنساء سيتنبأون في آخر الزمان! وأن أعمار الناس ستطول ! أين نجد هذا الحديث ؟ أين نجد ذلك الكلام ؟ لن تجدوا ذلك ألبتة ! لن تجدوا عُشر ذلك ! أين نجد ذلك في كتب النبيين السابقين ؟ كذلك استشهاد المؤسس بالحديث الضعيف ! أليس هذا من عدم الأخلاق والزيف ؟

الجواب:

النص الذي تتحدث عنه يقول فيه المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:

ورد في كتب الأنبياء السابقين وفي الأحاديث النبوية أنه بسبب انتشار النورانية عند ظهور المسيح الموعود تتلقى النساء إلهامات ويتحدث الأطفال بكلام النبوة، ويتكلم الناس مفعمين بروح القدس، وكل ذلك سيكون ظلا وانعكاسا لروحانية المسيح الموعود. فكما أن الجدار يستضيء إذا وقعت عليه أشعة الشمس، ويتألق أكثر إذا كان نظيفا ومطليا بالدهان الأبيض، ويزداد نوره لدرجة يبهر فيها العيون إذا كان مرصعا بالقطع الزجاجية، ومع كل ذلك لا يسع الجدار الادعاء بأن هذا نوره الذاتي؛ ﻷنه سيزول بغروب الشمس.. كذلك فإن الأنوار الإلهامية كلها انعكاس ﻷنوار إمام الزمان، وللسعيد أن يستوعب سريعا” هذه النقطة الدقيقة إن لم يكن حظه عاثرا”، وإن لم يكن ذلك ابتلاء من الله تعالى. ولكن من لا يفهم هذا السر الإلهي -لا سمح الله- ولا يسعى ﻹنشاء علاقة مع إمام الزمان لدى سماعه عن ظهوره، فإنه يظهر بذلك استغناءه عن الإمام أولا. ثم يؤدي به هذا الاستغناء إلى التجاهل، ثم يتمادى في سوء الظن؛ مما يولد لديه عداوة تؤدي إلى سلب إيمانه في نهاية المطاف.” (ضرورة الإمام)

لا يشترط أن يكون الحديث بنصه الحرفي بين أيدينا مع أن المعنى صحيح حيث ورد في الحديث عن ‏محمد بن سيرين رحمه الله‏ ‏أنه سمع ‏أبا هريرة ‏رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يقول:‏ ‏قال رسول الله ‏صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:

إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وما كان من النبوة فإنه لا يكذب” (رواه البخاري وكذلك مسلم من نفس الطريق بتفاوت يسير)

والرؤيا الصادقة هي إلهام عند أهل العلم والتحقيق والتعبير وكثرتها من علامات المهدي، وما يرجح تفسير “إذا اقترب الزمان” بأنه زمن الإمام المهدي أو عيسى عَلَيهِ السَلام ما أورده الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث أعلاه حيث قال:

وقيل إن المراد بالزمان المذكور زمان المهدي عند بسط العدل وكثرة الأمن وبسط الخير والرزق” وقال القرطبي في “المفهم” : والمراد والله أعلم بآخر الزمان المذكور في هذا الحديث زمان الطائفة الباقية مع عيسى بن مريم بعد قتله الدجال، فقد ذكر مسلم في حديث عبد الله بن عمر ما نصه “فيبعث الله عيسى بن مريم فيمكث في الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضه.” الحديث.” (فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، كتاب التعبير، باب: القيد في المنام)

أما عن توفر النص بحروفه والأحاديث التي لا نجد أصلاً لها في ما بين أيدينا من الكتب فلا يلزم منه التزييف وعدم الأخلاق بل ذهب العلماء في ذلك إلى عدم وصول بعض نسخ الكتب المعروفة إلينا حيث يختلف كتاب عن كتاب آخر في التبويب والزيادات والنقصان وغير ذلك، وفي هذا يقول السيوطي رحمه الله بأن حديث “اختلاف أمتي رحمة” مثلاً رواه نصر المقدسي في الحجة‏.‏ والبيهقي في الرسالة الأشعرية رووه بغير سند، وأورده الحليمي والقاضي حسين وإمام الحرمين وغيرهم، ثم قال السيوطي: “ولعله خُرِّج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا“. (الجامع الصغير، حرف الألف 288)

وهذا دليل على إحسان الظن بالعلماء فيما يحيلون إليه ويرووه بدل اتهامهم بالتزييف والعياذ بالله، فما بالك بالمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام الذي كان مطلع على الكتب العربية والهندية والفارسية والأردية باللغات التي كان يجيدها عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام. فمن ذا الذي يحيط بكل ما كُتب ونشر وشاع في الأرض ؟

يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام حول ذلك:

إن نظرة عميقة على نسخ البخاري المختلفة تثبت أن الكلمات في بعض النسخ تختلف عن بعضها الأخرى مع بذل جهود مضنية للتصحيح والمطابقة. فأي غرابة في أن يكون هذا الحديث موجودا في إحدى المخطوطات القديمة التي قرأها العلامة التفتازاني. بل إن كفة اليقين راجحة إلى أنه لا بد أن يكون هذا الحديث مذكورا في إحدى المخطوطات. لا يمكن اعتبار شهادة مسلم يعد من أكابر فقهاء الأحناف ساقطة الاعتبار. من يتجاسر، ومن يسمح له إيمانه وإسلامه أن يتهم علماء الإسلام الكبار والأتقياء الأفاضل مثله بالكذب والافتراء الفاحش؟ لا شك أنه إذا كانت هذه الشهادة خلافا لواقع الأمر لعدل هذا المقام في “التلويح” في حياة العلامة التفتازاني ولما بقيت عبارته محفوظة إلى الآن. فباختصار، ما دام ثابتا من شهادة “التلويح” أن هذه العبارة كانت مكتوبة في نسخة من نسخ البخاري فلا يمكن رفض هذا الاحتمال ما لم تفحص كل مخطوطة من مخطوطات البخاري المنتشرة في العالم كله. وإن التسليم بوجود هذه العبارة في مخطوطة من مخطوطات البخاري أهون بكثير من إلصاق تهمة الافتراء والاختلاق بعاِلم تقي. فبناء على هذا: إذا حلف أحد بطلاق امرأته بشروط وجود هذا الحديث في البخاري فقد لا يلزمه الطلاق على وجه اليقين ولكن مما لا شك فيه أنه سيلزمه كظن غالب حتما. غير أننا مأمورون بأن نحسن الظن بالمؤمن، وألا نعتبر شهادته ساقطة الاعتبار. فتدبَّر.” (من كتاب مناظرة لدهيانة ص 120)

أما عن تكلم النبيين أن الناس من نساء وأطفال سوف يتنبأون في آخر الزمان فلنقرأ ما ورد في الكتاب المقدس:

يَقُولُ اللهُ: وَيَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَمًا. وَعَلَى عَبِيدِي أَيْضًا وَإِمَائِي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ فَيَتَنَبَّأُونَ.” (أعمال الرسل 2: 17-18)

والنص الذي استشهد به بطرس في أعمال الرسل هو الذي ورد في سفر يوئيل كما يلي:

ثُمَّ أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ أَبْنَاؤُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَحْلَمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاماً وَيَرَى شَبَابُكُمْ رًُؤى.” (يوئيل 28:2)

وعند التدبر في النص الذي يلي النص أعلاه سنجده يتحدث عن علامة الخسوف والكسوف في الزمن الأخير بمجئ المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام. لنقرأ:

وَأُعْطِي عَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَآيَاتٍ عَلَى الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ: دَمًا وَنَارًا وَبُخَارَ دُخَانٍ. تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ إِلَى ظُلْمَةٍ وَالْقَمَرُ إِلَى دَمٍ، قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمُ الشَّهِيرُ.” (أعمال الرسل 2: 19-20)

فيتضح من هذه النصوص أن الأنبياء أخبروا بالفعل عن هذه المسألة وهي كثرة النبوءات والرؤى عند الجميع نساء وأطفالا ويقصد من ذلك الرؤى الصادقة طبعاً وهي الإلهام وجزء من بضع وأربعين جزءا من النبوة.

 

أما الحديث الضعيف فيقول السيوطي رحمه الله في “التدريب” أن إيراد العالِم له لا يقتضي الطعن فيه أو كذبه فقد يصدق بغضّ النظر عن السند:

وإذا قيل هذا حديث غير صحيح: فمعناه لم يصح إسناده على الشرط المذكور، لا أنه كذب في نفس الأمر، لجواز صدق الكاذب، وإصابة مَن هو كثير الخطأ.” (تدريب الراوي، السيوطي 1/75-76)

فإذا وجد أهل العلم أنَّ ضعفَ الحديث المعيَّن ضعفٌ محتملٌ، ورأوا في متنه معنًى مقبولا في جملة الشريعة، لم يتورعوا في الغالب عن ذكره وتدوينه استئناسا وليس استدلالا، فهم متفقون على أن الاستدلال على الأحكام الشرعية يجب أن يكون بالحديث الصحيح، ولكنهم يستأنسون بهذا القسم من الضعيف في أبواب القصص والرقائق والسير والآداب والأخلاق وفضائل الأعمال ونحوها. وهذا من بدهيات العلم.

أما عن الرؤيا التي يرى فيها الرائي ما يكره فلنقرأ من حديث أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الذي يقول فيه النبي ﷺ:

إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان” (رواه أحمد والبخاري)

أما زيادة أعمار الناس في زمن المهدي ؑ فقد ذَكَرَ الإمامُ السفاريني رحمه الله أن الناس تطول أعمارهم في زمن الإمام المهدي عَلَيهِ السَلام كما يلي:

يُمِدُّهُ اللَّهُ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَضْرِبُونَ وُجُوهَ مُخَالِفِيهِ وَأَدْبَارَهُمْ جِبْرِيلُ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ وَمِيكَائِيلُ عَلَى سَاقَتِهِ تَرْعَى الشَّاةُ وَالذِّئْبُ فِي زَمَانِهِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَتَلْعَبُ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ لَا تَضُرُّهُمْ شَيْئًا، وَيَزْرَعُ الْإِنْسَانُ مُدًّا فَيُخْرِجُ لَهُ سَبْعَمِائَةِ مُدٍّ، وَيُرْفَعُ الرِّبَا وَالزِّنَا وَشُرْبُ الْخَمْرِ، وَتَطُولُ الْأَعْمَارُ وَتُؤَدَّى الْأَمَانَةُ وَتُهْلَكُ الْأَشْرَارُ وَلَا يَبْقَى مَنْ يُبْغِضُ آلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مَحْبُوبٌ -يَعْنِي الْمَهْدِيَّ- فِي الْخَلَائِقِ يُطْفِئُ اللَّهُ بِهِ الْفِتْنَةَ الْعَمْيَاءَ وَتَأْمَنُ الْأَرْضُ حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ تَحُجُّ فِي خَمْسِ نِسْوَةٍ مَا مَعَهُنَّ رَجُلٌ وَلَا يَخَفْنَ شَيْئًا إِلَّا اللَّهَ، مَكْتُوبٌ فِي شَعَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ مَا فِي حُكْمِهِ ظُلْمٌ وَلَا عَيْبٌ.” (“لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية”، للإمام محمد السفاريني الحنبلي، ص: 76)

وقد أوردها الكندي الشافعي عن علي بن ابي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حول قصة المهدي أنه ذكر زمانه وحاله إلى أن قال:

وتطول الأعمار، وتؤدى الأمانة، وتحمل الأشجار، وتتضاعف البركات، وتهلك الأشرار، وتبقى الأخيار، ولا يبقى من يبغض أهل البيت، عليهم السلام.” (“عقد الدرر في أخبار المنتظر”، يوسف بن يحيى بن علي المقدسي الشافعي السلمي، 1/268)

ونفس الرواية وردت بهذا اللفظ:

وترعى الشاة والذئب في زمانه في مكان واحد وتلعب الصبيان بالحيات والعقارب لا تضرهم شيئاً … وتطول الأعمار وتؤدي الأمانة وتهلك الأشرار ولا يبقى من يبغض آل محمد صلى الله عليه وآله … محبوب (يعني المهدي) في الخلائق يطفئ به الله تلك الفتنة العمياء وتأمن الأرض حتى إن المرأة تحج في خمس نسوة ما معهن رجل لا يخفن شيئاً إلا الله.” (“دولة الإمام المهدي عليه السلام وعصر ظهوره”، ص285)

كما ورد حديثٌ يُنسب للإمام الباقر ؒأنه ذَكَرَ سيرة المهدي ؑإلى أن قال:

«فيمكثُ على ذلك سبْع سِنين كُلّ سَنة عشْر سنين مِن سِنيّكم هذه، ثم يفعلُ اللهُ ما يَشَاءُ.»، قَالَ: قلتُ له: جُعِلتُ فِداك، فكيف يُطوّل السِنين؟ قَالَ: «يأمرُ اللهُ تعالى الفَلَكَ باللبوث وقِلّة الحركة فتطولُ الأيام لذلك والسنون»” (الارشاد، للمفيد، ج 2، ص 365)

كما روي أن الرجل/المؤمن يعمّر في زمن الإمام المهدي عَلَيهِ السَلام حتى يُولَدُ له ألف وَلَد، فعن الإمام الباقر أنه قال:

ويُعَمَّرُ الرَجُل في مُلْكِه عَلَيهِ السَلام حتّى يُولَدُ له ألفُ ذَكَر.” (“بحار الأنوار” 94: 41. و”أعلام الورى”، ص 434، فصل 3. و”كمال الدين”، ص 675، ح 31، باب في نوادر الكتاب. و”الإرشاد”، للمفيد، ج 2، ص 381. و”كفاية المهتدي” ص 229، مخطوط)

والخلاصة بهذه العجالة هي أن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام قد صَدَقَ عندما أخبر حول كثرة الرؤى في آخر الزمان وكلام النبيين في الكتب والأحاديث عن اشتراك الأطفال والنساء في ذلك عند بعثة المسيح الموعود وأن أعمار الناس ستطول. أخيراً علينا أن نحسن الظن بالعلماء وعلى رأسهم النبيين صلوات الله عليهم أجمعين وأن لا يحملنا سوء الظن واسوداد القلب إلى رميهم بالكذب وعدم الأخلاق والتزييف فقط لقصور فهمنا وقلة تدبرنا، فليس هذا من أخلاق المؤمنين.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد