من عجائب المعارضين المتأخرين للإسلام أنهم تجرأوا بكل وقاحة على القول بأن هنالك أخطاء لغوية في القرآن الكريم، وهنالك عُجْمة فيه؛ أي فيه كلمات أعجمية وتراكيب غير مألوفة وغير معروفة لدى العرب!

هذا الاعتراض في الواقع ساقط بداهة بسبب أن القرآن الكريم نزل بين العرب الفصحاء البلغاء، وجاء متحديا لهم، وقدَّم هذه الفصاحة والبلاغة آية، وأقرَّ العرب بهذه الفصاحة والبلاغة، بل وانبهروا بها حتى قبل أن يؤمنوا. ولم يعترض أحد منهم هذا الاعتراض رغم أهليتهم ورغم كونهم هم بأنفسهم حجة اللغة وأهلها.

أما المتأخرون من المعترضين، فقد أطلقوا هذا الاعتراض السخيف بناء على قياسهم على شهير قواعد اللغة من نحو وصرف، مما يتعلمه الناس في المدارس الابتدائية والإعدادية، وكذلك من الأساليب المألوفة المعتادة المعاصرة التي لا تشكِّل شيئا من فصاحة العربية وبلاغتها. فبسبب أن هذا هو مبلغ علمهم، فقد ظنوا أن ما يخالف هذه الأمور البدائية في العربية خاطئ! وهذا مرجعه تسرُّعهم وحمقهم وكبرهم المهين القائم على الجهل.

وبنفس الطريقة قام معارضو الجماعة، وخاصة المتأخرين منهم، بالادعاء بأن كتابات الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام تزخر بالأخطاء والعجمة، بل وبلغوا من الوقاحة والعنصرية والخسَّة أن استغلوا أن حضرته ليس عربيا نسبا، مقدِّمين أنفسهم وكأنهم العرب العرباء وسليلو امرئ القيس ولبيد بن ربيعة وطرفة بن العبد وعمرو بن كلثوم ثم جرير والفرزدق والمتنبي! والواقع أن الذي يثبُت هو عجمتهم هم وعربيّة حضرته التي لا ينافسه فيها أحد.

فمن هو العربي اليوم ومن هو العجمي؟

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:{يا أيها الناس إن الرب واحد، و الأب واحد، و ليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، و إنما هي اللسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربي} (رواه ابن عساكر) ورغم أن هنالك من تحدَّث في سند هذا الحديث إلا أن معناه لم ينكره أحد، ولم يقل أحد إن العربي هو ابن العربي والعربية. فهذا المعنى يطابق تماما تعاليم الإسلام والقرآن الكريم وسنَّة النبي صلى الله عليه وسلم.

أما إذا كان المعارضون يرون أن العربي هو الذي ولد لأب وأم عربيين، فهذا التعريف لا ينطبق عليهم لا نسبا ولا لغة ولسانا. فمع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل النسب هو ذريعة الانتساب إلى العربية، إلا أن العربي نسبا إنما هو من ثبُت أنه يتصل نسبا بقبائل العرب وبطونها المعروفة، لا من ولد في البلاد العربية التي اختلطت فيها الأمم والشعوب كثيرا. فهل يستطيع أكثر هؤلاء إثبات نسبهم إلى العرب دما أم أن أكثرهم ربما لا يعرفون جدَّهم الخامس وليسوا من العائلات العربية العريقة معروفة النسب والتاريخ؟ لذلك فمن الوقاحة التباهي بالعروبة لمن هذه هي حالهم.

ثم إذا انتقلنا إلى التعريف الإسلامي النبوي للعروبة والذي هو اللسان، فهل ورث هؤلاء العربية من أمهاتهم وآباءهم؟ أم ورثوا منهم لهجات عامية تبتعد كثيرا عن الفصحى مفرداتٍ ولفظا حتى إن بعض اللهجات لا يستطيع أصحابها نطق كثير من الحروف العربية نُطقا سليما؟ فهل تعلَّم هؤلاء العربية الفصحى من آبائهم ورضعوها مع حليب أمهاتهم أم أنهم تعلموها في المدارس والجامعات؟ فإذا كانوا قد أصبحوا عربا بالتعليم فلا علاقة أصيلة لهم بالعربية وراثة أو نسبا، وبقدر ما يتقنون العربية يصبحون عربا وكل ضعف فيها لديهم إنما هو عجمة. فهل هم العرب حقا وحضرته الأعجمي؟!

وما نراه أن الله تعالى قد أثبت عُجمة هؤلاء بإظهار ضعفهم ومعرفتهم السطحية والقشرية للعربية من خلال اعتراضاتهم الوقحة على من علَّمه الله تعالى اللغة العربية بنفسه تعليما إعجازيا ولم يتعلمها من مدارس ولا جامعات. فجلُّ اعتراضاتهم مرجعها قياسهم على قشور قواعد اللغة وأساليبها وتدلُّ على سطحيتهم وجهلهم. فما يعترضون عليه إنما هو من فصيح اللغة العربية وبليغها، ولكنه لم يعد مألوفا لدى المعاصرين، بينما له مراجع في أمهات كتب العربية أثبتناها وقدمناها مرارا، بل كثير من هذه الأساليب لها مثال في القرآن الكريم نفسه، واستخدام المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام لهذه المفردات والأساليب والقواعد غير المألوفة في بعض المواضع إنما يدلُّ على أنه ينهل من عين العربية التي فجّرها الله تعالى له، لا أنه قد تعلَّم تعليما سطحيا مما يتوفر في المدارس كما هو حال هؤلاء المعترضين.

لقد بلغ ببعض هؤلاء المعارضين المتأخرين أن قالوا – بعد أن بينَّا صحَّة ما يعترضون عليه بأن حضرته – لم يكن يعرف هذه القواعد التي تذكرونها!! فماذا يمكن وصف هذا بغير التعنُّت والتحكم الناجم عن التعصُّب؟

وكنا قد ذكرنا أن الأمر لا يخلو أحيانا من القليل جدا من الأخطاء الإملائية للناسخين أو حتى لحضرته، وخاصة نظرا إلى كثافة العمل وسرعته وعدم توفُّر وسائل الطباعة والنشر الحديثة حين صدور كتب حضرته، وعزو هذه الأخطاء إلى الجهل بالعربية حمقٌ محض وتعنُّت، فلا تخلو كتابة كاتب من هذه الأمور، وكثيرا ما يعيد الكاتب تصحيح بعض الأمور التي تفوته لأسباب كثيرة. فلا يمكن عدُّ شخص أنه لا يعرف القاعدة الأصلية إلا إذا كان يكرر خطأه دائما، أما ما دامت هذه الأمور محدودة، فهذا لا يمكن عزوه – إن كان خطأ حقا – إلا للسهو.

أخيرا نقول إن تبجح هؤلاء ووقاحتهم ورميهم حضرته بالعجمة إنما يكشف عن حقد وعنصرية وسخف وجهل معا. فيكفي أن نتذكر أن أهل مكة الذين نزل القرآن بين ظهرانيهم لم يكونوا يعدُّون أنفسهم مرجع اللغة وأفصح فصحاء العرب، وهذا لأنهم كانوا يسافرون ويختلطون بغيرهم، بل كانوا يعدُّون البادية هي بيئة العربية النقية التي يمكن أن يرضع فيها المولود الفصاحة والبلاغة غير متأثر بتأثيرات خارجية. لذلك كان يعمد زعماء مكة إلى إرسال أبنائهم مع مرضعات إلى البادية ليتشربوا العربية، ولهذا أُرسل النبي صلى الله عليه وسلم مع السيدة حليمة السعدية ومكث طفولته الأولى في بني سعد في البادية. هذا علما أنهم كانوا قلب العرب وأشرفهم وأطهرهم وأعرقهم نسبا. فكيف بهؤلاء المعارضين الأعاجم الذين تثبت عجمتهم بمعيارهم هم، إذا كانوا يرون العربية نسبا ولا تثبت نسبتهم هم للعرب أصلا وفقا لهذا المعيار العنصري، أو بمعيار الإسلام الذي يرى العربي هو من أتقن العربية وتكلمها. أما المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام فلم يُحرم أيضا من النسب الشريف في العرب وفي العجم بل كان في ذروته وعلى قمته، وحظي بعلم العربية من مصدرها الحقيقي الذي هو الوحي الإلهي؟!

هذا الاعتراض، إضافة إلى ما يتضمنه من خزي للمعترضين، فهو أيضا يثبُت أنهم على خطى معارضي الإسلام المتأخرين في معارضتهم للجماعة، وتنكشف بذلك حقيقتهم. فسبحان الله تعالى الذي يخزي المعارضين المتفيهقين ويُعلي مقام المؤمنين ويطهرهم كلما تطاول عليهم من لا نصيب له في أدب ولا شرف ولا نسب.


هذه القصيدة تصف حال هؤلاء المعترضين

القاديانية اللغة العربية مرزا غلام أحمد

About الأستاذ تميم أبو دقة

من مواليد عمَّان، الأردن سنة 1968 بدأ بتعلَّم القرآن الكريم وحفظ بعض سوره وفي تعليمه الديني في سنٍّ مبكرة وبدأ بتعليم القرآن في المساجد في الثانية عشرة من عمره. انضم إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية عام 1987 قبل أن يبلغ التاسعة عشرة من العمر وكان من أوائل الأحمديين العرب. يعمل في خدمة الجماعة في المكتب العربي المركزي وفي برامج القناة الإسلامية الأحمدية وفي خدمات التربية والتعليم لأفراد الجماعة وفي العديد من الأنشطة المركزية. أوفده الخليفة الخامس نصره الله تعالى ممثلا ومندوبا لحضرته إلى عدد من الدول، وكرَّمه الخليفة نصره الله بلقب “عالِم” في العديد من المناسبات. عضو مؤسس ومعدّ في فريق البرنامج الشهير “الحوار المباشر” الذي انطلق رسميا عام 2006 والذي دافع عن الإسلام ضد الهجمة المسيحية التي انطلقت على بعض القنوات في بداية الألفية وأخمدها، والذي أسهم في تعريف الجماعة الإسلامية الأحمدية إلى العالم العربي، والذي يبث الآن مترجما ترجمة فورية إلى العديد من اللغات. وهذا البرنامج أصبح نموذجا للعديد من البرامج المشابهة في اللغات الأخرى. شارك ويشارك في العديد من البرامج الأخرى وخاصة المباشرة في اللغة العربية وفي بعض البرامج باللغة الإنجليزية. عضو هيئة التحرير لمجلة “ريفيو أوف ريلجنز” الإنجليزية العريقة التي بدأ إصدارها في زمن الإمام المهدي والمسيح الموعود عام 1902م.

View all posts by الأستاذ تميم أبو دقة