نستعرض أولا تلخيصا لفلسفة المسيح الموعود ونظرته في قواعد الصرف والنحو، وفق ما جاء في كتابات حضرته عليه السلام، وكيفية انطباق هذه الفلسفة على كتاباته والوحي الذي تلقاه من الله تعالى؛ لنقوم بعدها بإثباتها وإثبات صحة ما يقوله حضرته.

الفلسفة:

إذا ما تتبعنا أقوال المسيح الموعود عليه السلام بالنسبة لنظرته وفلسفته في قواعد الصرف والنحو، نستطيع أن نلخصها في النقاط التالية

– إن علماء الصرف والنحو ليسوا معصومين عن الخطأ.

– إن قواعد اللغة العربية ليست قطعية ولا نهائية وليست شاملة.

– إن الالتزام بقواعد الصرف والنحو الموضوعة ليس من الحجج الشرعية.

– علم اللغة العربية ومنها قواعد اللغة العربية محيط لا شاطئ له، ولا يحيط به إلا نبي.

– إن عمل النحاة في تقعيد اللغة العربية لا يزال ناقصا وليس مكتملا.

– فَهْم القرآن الكريم يجب ألّا يكون مقيّدا بالقواعد المعروفة اليوم فقط، بل لا بدّ أن يكون القرآن مهيمنا على هذه القواعد، بحيث يتم تعديلها إذا تكشّفت خواص كلمات القرآن واسعة المفاهيم، وأظهرت قاعدة ومفهوما نحويا جديدا.

– يعترف النحويون بوجود عدد غير معلوم من الألفاظ التي لا تخضع للقياس ولقواعد اللغة المعروفة.

انطباق هذه الفلسفة على وحيه:

وأما بالنسبة لانطباق أقوال حضرته هذه على وحية وكتاباته فملخص ما يقول عليه السلام في هذا الصدد كما يلي:

– ليس بالضرورة أن يتقيد وحي الله تعالى بقواعد النحو الموضوعة والمعروفة، ولا بلهجة عربية دون أخرى، بل قد يتّبع قواعد ولهجات عربية غير شائعة.

– بعض التعابير قد تبدو خاطئة لأول وهلة وفق القواعد المعروفة، ولكن بنظرة متفحصة، يتضح أنها صحيحة ولها ما يماثلها في كلام العرب.

– اللسان العربي محيط لا شاطئ له ولا يحيط به إلا نبي كنوع من الإعجاز، بمعنى أن كتابات حضرته عليه السلام ووحيه قد أحاط بلهجات وقواعد غير شائعة، كدليل على أعجازه.

إثبات هذه الفلسفة:

بناء على ما بيناه أعلاه، نجد في كتابات حضرته عليه السلام ما لا يتماشى مع قواعد اللغة العربية المألوفة في يومنا هذا، فقد شملت لغته ووحيه أيضا ما هو شاذ ومتروك ومهمل من اللغة العربية، إلا أنه رغم ذلك لا يمكن الطعن في هذه اللغة والقول أنها لغة ركيكة أو غير فصيحة، وذلك لأن هنالك من العرب من أخذ بها أيضا.

فبنظرة متفحصة في كيفية تقعيد اللغة العربية، يتضح صحة ما قاله المسيح الموعود عليه السلام بشكل جلي، وتتضح صحة فلسفته هذه، وأنه لا إشكال في أن تحيط لغته بلغات عربية مهملة وشاذة.

إذ إنه من المعروف أن مسألة تقعيد اللغة بدأت عند البصريين الذين يُعتبرون روّادا في هذا المجال، إلا أنه سرعان ما وجدت هذه المدرسة البصرية مدرسة أخرى تنافسها وهي المدرسة الكوفية، وكلا المدرستين مشهود لهما بالفصاحة والعلم باللغة، إلا أن الاختلاف في منهج هاتين المدرستين يؤكد صحة ما قاله المسيح الموعود عليه السلام في هذا الصدد، فقد عُدّ المذهب الكوفي عند بعض الباحثين على أنه مذهب سماع، بينما عَدّوا المذهب البصري مذهب قياس؛ ولعل هذا الاختلاف المنهجي أكبر دليل على صحة فلسفة المسيح الموعود عليه السلام .

إذ قد عُرف عن المدرسة الكوفية أنها لم تكن تفرّط في أي شيئ يصلها عن العرب، فكانوا يأخذون حتى الشاذ والمهمل، ووصل بهم الأمر أنهم كانوا يجعلون هذا الشاذ أصلا فيبنون عليه قاعدة ويبوّبوا عليه.

فورد عن الأستاذ أحمد أمين في قوله عن الكوفيين، إلى أنهم يحترمون كل ما جاء عن العرب، ويجيزون للناس أن يستعملوا استعمالهم. وورد عن طه الراوي: “أما مذهب الكوفيين فلواؤه بيد السماع، لا يخفر له ذمة ولا ينقض له عهدا، ويهون على الكوفي نقض أصل من أصوله أو نسف قاعدة من قواعده ولا يهون عليه إطراح المسموع على الأكثر”.

وكمثال على هذا الاختلاف المنهجي، نرى المذهب الكوفي الذي لم يكترث بنقض أكبر المسلمات في قواعد اللغة العربية عند البصريين، والمعروفة في يومنا هذا، مثل عدم جواز تقديم الفاعل على الفعل، والذي جاز عند الكوفيين…

كما أن هذا المذهب الكوفي اطلق الاشتقاق على نحو مثنى وثلاث ورباع، من خمسة إلى تسعة، رغم عدم سماعه عن العرب، ورغم معارضىة البصريين ذوي المذهب القياسي له -عدا المبرد- من بينهم. فبالاضافة إلى اختلاف المدرستين في هذا الأمر نرى أن البصريين أنفسهم قد اختلفوا في هذه المسألة، إذ أجاز منهم هذا الاشتقاق فقط المبرد. وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على عدم القطعية في هذه القواعد وعدم عصمة كل هؤلاء العلماء، وأن هذه القواعد التي وُضعت، وليست نهائية وفيها نظر، ومجال البحث فيها لا يزال مفتوحا، تماما كما أكّد عليه المسيح الموعود عليه السلام.

ونشير هنا إلى أن هنالك من عاب على البصريين، بسبب تشددهم أنهم أهملوا جزءا من اللغة،حيث إنهم لم يكونوا يقبلون اللغات الشاذة التي قبلها الكوفيون.

كما أنه لا بدّ من التنويه إلى أن أحد أهداف تقعيد اللغة، هو ضبطها بقواعد معينة لتيسير تعلّمها، وهذا الأمر بحد ذاته قد يكون مدعاة لترك الكثير مما ورد عن العرب لصعوبة ضبطه في هذه القواعد، إلا أن هذا الترك والإهمال لا يجعل من كل هذه اللغات خاطئة وغير فصيحة؛ بل من الممكن القول عنها أنها لغات عربية شاذة أو نادرة أو غير رائجة لا تنضبط تحت قاعدة معينة، وقد تتفاوت في درجة فصاحتها أو تُعتبر أقل فصاحة من القرآن الكريم، رغم أنه لا يمكن إنكارها والحكم عليها والجزم بأنها ركيكة وليست فصيحة.

وهنا نقول:

بناء على هذا الاختلاف المنهجي بين المدرستين البصرية والكوفية، يتضح صحة ما قاله المسيح الموعود عليه السلام، في أن النحاة غير معصومين عن الخطأ، إذ لا بدّ من التذكّر أن علم تقعيد اللغة علم إنساني لا يمكن القول بعصمته.

وإذا كانت المدرسة البصرية التي راجت فيما بعد، لا تأخذ بكل ما يقوله العرب، لدرجة أن هناك من عابها في إهمال وتضييع جزء كبير من اللغة بسبب تشددها، فهذا يؤكد قول المسيح الموعود بأن هنالك عدد غير محدود من المصطلحات والتعابير الذي لا يخضع للقياس ولقواعد اللغة، ويؤكد قوله في أن هؤلاء النحاة لم يحيطوا بكل قواعد اللغة العربية، ولم يكتمل بحثهم بشكل نهائي.

وإذا كانت المدرسة الكوفية تجيز كل ما ورد عن العرب، فلماذا لا يُقبل هذا في كتابات المسيح الموعود ووحيه!؟؟ هل لنا أن نحكم على أئمة المدرسة الكوفية بأنهم غير فصحاء، وأن لغتهم ركيكة!؟ وهل لنا أن نشطب هذه المدرسة من التاريخ اللغوي، بسبب أخذها كل ما ورد عن العرب، وهي مدرسة معتبرة في اللغة والأدب!؟؟

ونظرا لهذا الاختلاف المنهجي، يثبت أن الحكم على فصاحة لغة دون أخرى، لا شك يؤثر فيه قدر كبير من الذوق والرأي، بحيث لا يمكن الحكم على كل ما لم يرُج من اللغات بأنها لغات ركيكة، بل من الممكن اعتبارها أقل فصاحة من لغة القرآن الكريم؛ فبين الحكم بركاكتها والحكم بأنها أقل فصاحة من غيرها فرق كبير جدا.

وعليه فإذا وردت هذه اللغات في وحي المسيح الموعود عليه السلام، فلا يمكن الطعن فيها بأنها ركيكة وغير فصيحة؛ أما إذا أصرّ شخص على القول بأنها أقل فصاحة من لغة القرآن الكريم، فبها ونعمت، ولسنا بحاجة أن نخوض في هذا الجدل أصلال، إذ متى ادّعينا ومتى ادعى المسيح الموعود عليه السلام، بأن لغته تبلغ وتساوي لغة القرآن الكريم فصاحة وبلاغة؟

وكل هذا الجدل بين النحاة حول لغات العرب في كيفية ضبطها، والأخذ بها والحكم عليها وعلى فصاحتها، يؤكد أن قول المسيح الموعود عليه السلام بأن وحي الله تعالى لا يتقيد بقواعد النحو المعروفة لهو أمر طبيعي، طالماأن الحكم على هذه اللغات حكم إنساني ليس معصوما عن الخطأ، إذ ليس من الغريب أن ما اعتبره البعض وظنه لغة غير فصيحة تكون في عداد الوحي لغة فصيحة أيضا، لا يمكن الطعن والقدح فيها من منطلق عدم رواجها أو عدم ورودها في القرآن الكريم.

وهنا لا بدّ أن نذكر أن وحي الله تعالى لا يتقيد بلغة دون أخرى، وإذا كان بالإمكان أن يوحي الله تعالى لعباده ورسله بلغة غير اللغة العربية، فما العجب أن يوحي إليهم أيضا بلهجة أو لغة من لغات العرب ليست دارجة وليست شائعة، فمتى وضع الله تعالى قيودا لوحيه أن يتنزل بلغة أو لهجة دون الأخرى.

ثبت من كل ما تقدم صحة فلسفة المسيح الموعود عليه السلام ونظرته في قواعد الصرف والنحو، وأنه لا يمكن الطعن في ما ورد في وحيه عليه السلام من اللغات العربية غير المألوفة.

نستعرض أولا تلخيصا لفلسفة المسيح الموعود ونظرته في قواعد الصرف والنحو، وفق ما جاء في كتابات حضرته عليه السلام، وكيفية انطباق هذه الفلسفة على كتاباته والوحي الذي تلقاه من الله تعالى؛ لنقوم بعدها بإثباتها وإثبات صحة ما يقوله حضرته.

الفلسفة:

إذا ما تتبعنا أقوال المسيح الموعود عليه السلام بالنسبة لنظرته وفلسفته في قواعد الصرف والنحو، نستطيع أن نلخصها في النقاط التالية

– إن علماء الصرف والنحو ليسوا معصومين عن الخطأ.

– إن قواعد اللغة العربية ليست قطعية ولا نهائية وليست شاملة.

– إن الالتزام بقواعد الصرف والنحو الموضوعة ليس من الحجج الشرعية.

– علم اللغة العربية ومنها قواعد اللغة العربية محيط لا شاطئ له، ولا يحيط به إلا نبي.

– إن عمل النحاة في تقعيد اللغة العربية لا يزال ناقصا وليس مكتملا.

– فَهْم القرآن الكريم يجب ألّا يكون مقيّدا بالقواعد المعروفة اليوم فقط، بل لا بدّ أن يكون القرآن مهيمنا على هذه القواعد، بحيث يتم تعديلها إذا تكشّفت خواص كلمات القرآن واسعة المفاهيم، وأظهرت قاعدة ومفهوما نحويا جديدا.

– يعترف النحويون بوجود عدد غير معلوم من الألفاظ التي لا تخضع للقياس ولقواعد اللغة المعروفة.

انطباق هذه الفلسفة على وحيه:

وأما بالنسبة لانطباق أقوال حضرته هذه على وحية وكتاباته فملخص ما يقول عليه السلام في هذا الصدد كما يلي:

– ليس بالضرورة أن يتقيد وحي الله تعالى بقواعد النحو الموضوعة والمعروفة، ولا بلهجة عربية دون أخرى، بل قد يتّبع قواعد ولهجات عربية غير شائعة.

– بعض التعابير قد تبدو خاطئة لأول وهلة وفق القواعد المعروفة، ولكن بنظرة متفحصة، يتضح أنها صحيحة ولها ما يماثلها في كلام العرب.

– اللسان العربي محيط لا شاطئ له ولا يحيط به إلا نبي كنوع من الإعجاز، بمعنى أن كتابات حضرته عليه السلام ووحيه قد أحاط بلهجات وقواعد غير شائعة، كدليل على أعجازه.

إثبات هذه الفلسفة:

بناء على ما بيناه أعلاه، نجد في كتابات حضرته عليه السلام ما لا يتماشى مع قواعد اللغة العربية المألوفة في يومنا هذا، فقد شملت لغته ووحيه أيضا ما هو شاذ ومتروك ومهمل من اللغة العربية، إلا أنه رغم ذلك لا يمكن الطعن في هذه اللغة والقول أنها لغة ركيكة أو غير فصيحة، وذلك لأن هنالك من العرب من أخذ بها أيضا.

فبنظرة متفحصة في كيفية تقعيد اللغة العربية، يتضح صحة ما قاله المسيح الموعود عليه السلام بشكل جلي، وتتضح صحة فلسفته هذه، وأنه لا إشكال في أن تحيط لغته بلغات عربية مهملة وشاذة.

إذ إنه من المعروف أن مسألة تقعيد اللغة بدأت عند البصريين الذين يُعتبرون روّادا في هذا المجال، إلا أنه سرعان ما وجدت هذه المدرسة البصرية مدرسة أخرى تنافسها وهي المدرسة الكوفية، وكلا المدرستين مشهود لهما بالفصاحة والعلم باللغة، إلا أن الاختلاف في منهج هاتين المدرستين يؤكد صحة ما قاله المسيح الموعود عليه السلام في هذا الصدد، فقد عُدّ المذهب الكوفي عند بعض الباحثين على أنه مذهب سماع، بينما عَدّوا المذهب البصري مذهب قياس؛ ولعل هذا الاختلاف المنهجي أكبر دليل على صحة فلسفة المسيح الموعود عليه السلام .

إذ قد عُرف عن المدرسة الكوفية أنها لم تكن تفرّط في أي شيئ يصلها عن العرب، فكانوا يأخذون حتى الشاذ والمهمل، ووصل بهم الأمر أنهم كانوا يجعلون هذا الشاذ أصلا فيبنون عليه قاعدة ويبوّبوا عليه.

فورد عن الأستاذ أحمد أمين في قوله عن الكوفيين، إلى أنهم يحترمون كل ما جاء عن العرب، ويجيزون للناس أن يستعملوا استعمالهم. وورد عن طه الراوي: “أما مذهب الكوفيين فلواؤه بيد السماع، لا يخفر له ذمة ولا ينقض له عهدا، ويهون على الكوفي نقض أصل من أصوله أو نسف قاعدة من قواعده ولا يهون عليه إطراح المسموع على الأكثر”.

وكمثال على هذا الاختلاف المنهجي، نرى المذهب الكوفي الذي لم يكترث بنقض أكبر المسلمات في قواعد اللغة العربية عند البصريين، والمعروفة في يومنا هذا، مثل عدم جواز تقديم الفاعل على الفعل، والذي جاز عند الكوفيين…

كما أن هذا المذهب الكوفي اطلق الاشتقاق على نحو مثنى وثلاث ورباع، من خمسة إلى تسعة، رغم عدم سماعه عن العرب، ورغم معارضىة البصريين ذوي المذهب القياسي له -عدا المبرد- من بينهم. فبالاضافة إلى اختلاف المدرستين في هذا الأمر نرى أن البصريين أنفسهم قد اختلفوا في هذه المسألة، إذ أجاز منهم هذا الاشتقاق فقط المبرد. وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على عدم القطعية في هذه القواعد وعدم عصمة كل هؤلاء العلماء، وأن هذه القواعد التي وُضعت، وليست نهائية وفيها نظر، ومجال البحث فيها لا يزال مفتوحا، تماما كما أكّد عليه المسيح الموعود عليه السلام.

ونشير هنا إلى أن هنالك من عاب على البصريين، بسبب تشددهم أنهم أهملوا جزءا من اللغة،حيث إنهم لم يكونوا يقبلون اللغات الشاذة التي قبلها الكوفيون.

كما أنه لا بدّ من التنويه إلى أن أحد أهداف تقعيد اللغة، هو ضبطها بقواعد معينة لتيسير تعلّمها، وهذا الأمر بحد ذاته قد يكون مدعاة لترك الكثير مما ورد عن العرب لصعوبة ضبطه في هذه القواعد، إلا أن هذا الترك والإهمال لا يجعل من كل هذه اللغات خاطئة وغير فصيحة؛ بل من الممكن القول عنها أنها لغات عربية شاذة أو نادرة أو غير رائجة لا تنضبط تحت قاعدة معينة، وقد تتفاوت في درجة فصاحتها أو تُعتبر أقل فصاحة من القرآن الكريم، رغم أنه لا يمكن إنكارها والحكم عليها والجزم بأنها ركيكة وليست فصيحة.

وهنا نقول:

بناء على هذا الاختلاف المنهجي بين المدرستين البصرية والكوفية، يتضح صحة ما قاله المسيح الموعود عليه السلام، في أن النحاة غير معصومين عن الخطأ، إذ لا بدّ من التذكّر أن علم تقعيد اللغة علم إنساني لا يمكن القول بعصمته.

وإذا كانت المدرسة البصرية التي راجت فيما بعد، لا تأخذ بكل ما يقوله العرب، لدرجة أن هناك من عابها في إهمال وتضييع جزء كبير من اللغة بسبب تشددها، فهذا يؤكد قول المسيح الموعود بأن هنالك عدد غير محدود من المصطلحات والتعابير الذي لا يخضع للقياس ولقواعد اللغة، ويؤكد قوله في أن هؤلاء النحاة لم يحيطوا بكل قواعد اللغة العربية، ولم يكتمل بحثهم بشكل نهائي.

وإذا كانت المدرسة الكوفية تجيز كل ما ورد عن العرب، فلماذا لا يُقبل هذا في كتابات المسيح الموعود ووحيه!؟؟ هل لنا أن نحكم على أئمة المدرسة الكوفية بأنهم غير فصحاء، وأن لغتهم ركيكة!؟ وهل لنا أن نشطب هذه المدرسة من التاريخ اللغوي، بسبب أخذها كل ما ورد عن العرب، وهي مدرسة معتبرة في اللغة والأدب!؟؟

ونظرا لهذا الاختلاف المنهجي، يثبت أن الحكم على فصاحة لغة دون أخرى، لا شك يؤثر فيه قدر كبير من الذوق والرأي، بحيث لا يمكن الحكم على كل ما لم يرُج من اللغات بأنها لغات ركيكة، بل من الممكن اعتبارها أقل فصاحة من لغة القرآن الكريم؛ فبين الحكم بركاكتها والحكم بأنها أقل فصاحة من غيرها فرق كبير جدا.

وعليه فإذا وردت هذه اللغات في وحي المسيح الموعود عليه السلام، فلا يمكن الطعن فيها بأنها ركيكة وغير فصيحة؛ أما إذا أصرّ شخص على القول بأنها أقل فصاحة من لغة القرآن الكريم، فبها ونعمت، ولسنا بحاجة أن نخوض في هذا الجدل أصلال، إذ متى ادّعينا ومتى ادعى المسيح الموعود عليه السلام، بأن لغته تبلغ وتساوي لغة القرآن الكريم فصاحة وبلاغة !!؟؟

وكل هذا الجدل بين النحاة حول لغات العرب في كيفية ضبطها، والأخذ بها والحكم عليها وعلى فصاحتها، يؤكد أن قول المسيح الموعود عليه السلام بأن وحي الله تعالى لا يتقيد بقواعد النحو المعروفة لهو أمر طبيعي، طالما

أن الحكم على هذه اللغات حكم إنساني ليس معصوما عن الخطأ، إذ ليس من الغريب أن ما اعتبره البعض وظنه لغة غير فصيحة تكون في عداد الوحي لغة فصيحة أيضا، لا يمكن الطعن والقدح فيها من منطلق عدم رواجها أو عدم ورودها في القرآن الكريم.

وهنا لا بدّ أن نذكر أن وحي الله تعالى لا يتقيد بلغة دون أخرى، وإذا كان بالإمكان أن يوحي الله تعالى لعباده ورسله بلغة غير اللغة العربية، فما العجب أن يوحي إليهم أيضا بلهجة أو لغة من لغات العرب ليست دارجة وليست شائعة، فمتى وضع الله تعالى قيودا لوحيه أن يتنزل بلغة أو لهجة دون الأخرى.

ثبت من كل ما تقدم صحة فلسفة المسيح الموعود عليه السلام ونظرته في قواعد الصرف والنحو، وأنه لا يمكن الطعن في ما ورد في وحيه عليه السلام من اللغات العربية غير المألوفة.