الاعتراض:

إمامكم يقول بأن بوذا نبي، ولكن في كتاب “المسيح الناصري في الهند” الصفحة 99 يقول إمامكم أن بوذا كان يؤمن بتناسخ الأرواح ! والمعلوم أن عقيدة التناسخ والحلول هي كفرٌ في الإسلام ! فأي نص عندكم هو الصحيح؛ أنه نبي ؟ أو أنه يؤمن بعقيدة التناسخ الكفرية ؟ فلا يجتمع الضدّان

الرد:

فيما يلي بعض المعطيات على كون بوذا نبياً، ونكتفي بالقرآن الكريم وَمِمَّا ورد في الأثر تجنّباً للإطالة. يقول تعالى:

1. {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ}

هذه الآية تثبت أن هناك أنبياء لم يُذكروا بأسمائهم في القرآن الكريم. فلا مانع أن يكون بوذا أحدهم !

2. {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}

{وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ}

تثبت هذه الآيات أن الله تعالى حتماً بعث نبياً لتلك الأمة، إذ لم تخل أمة في الأرض من المرسلين !

3. {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}

هذه الآية تؤكد على أن هذا النبي المُرسل إلى تلك الأمم وكل نبي أيضا وفق القاعدة القرآنية قد انتصر وانتشرت رسالته !

4. {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُون)

5. {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}

هاتان الآيتان تثبتان أن المتقول على الله -وهو كل مَن ينسب الوحي إلى الله تعالى- تُقطع دعوته.

6. {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ}

{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}

{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}

إنَّ الآيات الأخيرات هذه وغيرها في كتاب الله تعالى تؤكد أن أقوام النبيين عليهم السَلام يضلّون ويحيدون عن الصراط المستقيم الذي رسمه لهم أنبيائهم وذلك بعد رحيل النبيين ؑ بزمن طويل. مِن هؤلاء الذين نعاصرهم اليوم مَن يؤلّهون ويقدِّسون شخصياتهم المؤسِّسة تماماً كما نُجلّ نَحْنُ الأنبياءَ في ديننا الحنيف، ولكن معتقداتهم شركية لا توافق التوحيد، ولذلك نقول بأن أصل معتقدهم صحيح ألا إنهم ضلّوا فيما بعد بمرور الوقت كاليهود والنصارى والهندوس والبوذ وغيرهم. كما أن الاحتمال الآخر هو أن يكون مؤسس هذه الديانة أو تلك في الحقيقة مجرد رجل صالح رفعه أتباعه لاحقاً إلى درجة النبوة أو حتى الإلوهية، وهو لم يدّع ذلك، كما هو الحال في السيخية.

ولأن الله تعالى تعهد بالقضاء على من تقوَّلَ عليه أي مَن ينسب إليه وحيا، ولم يتعهد بعدم حدوث تحريف في دين الأنبياء، ولم يتعهد بالقضاء على ما ينتج عن ذلك من كفر وعقائد باطلة، فكان من الممكن ان يحدث التحريف لاحقا في تلك الديانات ويستمر حتى يعالجه تعالى بإرسال النبي بالشريعة الخاتمة ومجدديها عبر الأزمنة.

وهذا أيضا موافق للحديث حول معاملة الأديان الأخرى أي غير المسيحية واليهودية معاملة أهل الكتاب مما يدل على أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يحثّ على اعتبار أصحاب الديانات الشرقية أنهم من أهل الكتاب:

عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ».” (الموطأ للإمام مالك 1/278/42. والبيهقى 9/189. وكذلك مصنف ابن أبي شيبة 2/227/2)

وبيان ذلك ما ورد في شرح هذا الحديث حيث يقول العلّامة ابن عبد البر رحمه الله:

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمْ (المجوس) كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ فَبَدَّلُوهُ.” (الاستذكار، ابن عبد البر، كتاب الزكاة، باب جزية أهل الكتاب والمجوس، حديث عبد الرحمن بن عوف سنوا بهم سنة أهل الكتاب)

لهذا وأيضا على ضوء التعاليم التي كان ينشرها بوذا وسمته وطبيعته التي تشبه كثيرا طبيعة الأنبياء عَلَيْهِمْ السَلام فقد عَلّمنا الْمَسِيحُ الموعودُ عَلَيهِ السَلام بأن بوذا كان نبيا. فاتّبع المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم والقاعدة التي أثبتها سيده وسيدنا خاتم النبيين مُحَمَّد المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ! أما المعتقدات الباطلة فقد تغلغلت فيما بعد إلى البوذية وغيرها من أديان فخَلَتْ من الروحانية ولم يبق إلا التقاليد والطقوس التي لا دور لها في رفع مستوى الأخلاق وتقوى الله تبارك وتعالى.

أما التناسخ هنا فهو التسمية التي تُطلق مجازاً على فكرة الخلق الروحاني والتدرج في الأخلاق والمعاد، حيث أن التناسخ هنا ليس هو عودة الروح إلى الدنيا بجسد آخر أو بجسد حيوان كما يظن الهندوس والبوذيون لأن هذا مُنكرٌ عند المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام الذي يقول:

ويزعم المعتقدون بالتناسخ أن الإنسان، وإن كان يحتل مرتبة أعلى من علماء الفيدات أو أنبيائها؛ يمكن له بل من الضروري حسب قانون الطبيعة أن يتولد ولادة جديدة في حين من الأحيان بصورة حشرة أو دابة مُقرِفة أو خلق حقير آخر. هذه كلها تعاليم باطلة اختلقتها أفكار الإنسان السخيفة.” (توضيح المرام، ص،78)

أما الفكرة أن المسيح ابن مريم سيأتي إلى الدنيا بصورة التناسخ، فلا فكرة أردأ وأسخف وأخجل منها.” (إزالة الأوهام ص 171)

أما التناسخ الذي لا يخالف الإسلام إلا في التسمية فقد شرحه المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في نفس الصفحة إذ قال حضرته:

وكان بوذا يعتقد بالتناسخ، ولكن تناسخه لا يخالف تعاليم الإنجيل، إذ التناسخ عنده على ثلاثة أقسام: أولاً: أن عزيمة الإنسان على المزيد من الأعمال تقتضي جسما آخر له بعد الموت. ثانيا: هو ما يعتقد أهلُ “ِتبت” بوجوده في زعمائهم الدينيـين “لامات”، وهو أن جزءاً من روح بوذا أو زعيمٍ بوذي آخر يحلّ في “لامام”.. أي أن قوته وطبيعته وخواصه الروحية تنتقل إلى”لاما” الحالي، وروحه تؤثّر فيه. ثالثاً: أن الإنسان لا يزال يَمُرَّ في حياته في الدنيا بأنواع الولادة إلى أن يصبح إنسانا حقيقيا حسب خواصه الذاتية، حيث ينعدم وجوده الأول ويكتسب وجودا ثانيا بحسب أعمال وجوده الأول. فقد يأتي عليه زمان وكأنه يكون فيه ثورا، ثم يزداد طمعا وشرا فيتحول إلى كلب. ولكن هذه التطورات والتغيرات كلها تحدث في هذه الحياة الدنيا، ولذلك فإن هذه العقيدة لا تعارض تعاليم الإنجيل.” (المسيح الناصري في الهند، ص 99)

إذن هي تعابير معنوية فقط !

فلا تناقض إلا في الأفق الضيق للمعترضين.

والسؤال بعد هذا كله هو: ما فائدة ذلك ؟

والجواب: الفائدة هي إظهار صِدق القرآن العظيم ! ففي حالة المعترضين الواقفين مكتوفي الأيدي بين ما يقوله كتاب الله ﷻ وبين ما ينشره أعداء الدين من أنَّ النبيين الذين بُعثوا في أكبر القارات قد اندرست تعاليمهم وتبخرت ولم يعد لهم أي أثر مقابل استمرار تعاليم بوذا الذي لا صلة له مع الله إذ تنتشر جماعته في الهند والصين وغيرها، ففي هذه الحالة يُقدّم المعترضون لأعداء الدين الفرص المواتية للطعن بالإسلام والانتصار للمعتقدات الباطلة ! أما الجماعة الإسلامية الأحمدية فتثبت وتبرهن على صحة ما قاله القرآن المجيد بأن الله تعالى لم يستثن أمة من رسول ينصره الله تعالى وينشر دعوته وأن الظالمين لا يفلحون في ذلك وكل متقوّل على الله تعالى مصيره القطع وأن الفساد الحاصل في الأقوام هو من انحرافهم هم وليس من تعاليم النبيين عليهم السَلام، وهذا إثبات وإظهار جليّ لصدق القرآن الكريم !

فتباركَ مَن عَلَّمَ وتََعلَّم

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد