المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية 304

أفعل التفضيل المضاف إلى النكرة المدناة من المعرفة

الاعتراض :

نعرض فيما يلي اعتراض المعترضين مجتزأ كما عرضوه بصيغة التحدي فقالوا:

“التحدي التاسع الثلاثون: اسم التفضيل

إذا أُضيف اسم التفضيل إلى نكرة فيلزمه الإفراد والتذكير والتنكير، ويكون المفضَّل عليه (المضاف إليه) مطابقا للمفضَّل في النوع والعدد. وفيما يلي أخطاء الميرزا:

1: وهو أول رجال بايعوني [حمامة البشرى]

2: هذا آخرُ حِيَلٍ أردناه في هذا الباب. (مكتوب احمد )

الرد:

فيما يتعلق بعدم تطابق الموصوف مع المضاف إليه عند إضافة أفعَل التفضيل إلى نكرة، قلنا في مقالات سابقة (ينظر : مظاهر الإعجاز:209 إلى 215) أن توجيهها على خروج صيغة (أفعل) من المفاضلة على المفضول وحده، إلى المفاضلة المطلقة، أو تجردها من معنى المفاضلة كليا للدلالة على اسم الفاعل أو الصفة المشبهة. وفي هاتين الحالتين تسقط شروط إلزام (أفعل) الإفراد والتذكير، ووجوب المطابقة بين الموصوف والمضاف إليه في الإفراد وفروعه.

وقلنا أن كل هذه التوجيهات مبنية على قواعد النحاة وصناعة النحو التي وضعوها وحاولوا إخضاع اللغة لها، رغم أن اللغة ليس بالضرورة أن تخضع لكل هذه القوانين. ولذا فلم نستبعد أن يكون عدم التطابق هذا بين الموصوف والمضاف إليه في أفعل المضاف إلى نكرة، لغة جائزة لأن مثيلها وارد في القرآن الكريم؛ حيث وردت في القرآن الكريم صيغة (أفعل التفضيل) مضافة إلى نكرة دون تطابق بين المفضَّل والمفضول في الإفراد والجمع؛ وذلك في الآيات التالية:

_ { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (5) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } (التين 5-6) وفيها الممفضل مفرد والمفضول جمع نكرة .

_ {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} (البقرة 42) وفيها المفضل جمع والمفضول مفرد نكرة.

وقد ذهب النحاة في تأويل هذه الآيات مذاهب مختلفة من أجل إخضاعها للقواعد التي وضعوها في صناعتهم، فمن تأويلاتهم ما يلي:

“تنبيه: يجب في هذا النوع (يعني أفعل المضاف غلى نكرة) مطابقة المضاف إليه الموصوف كما رأيت. وأما {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} فتقديره أول فريق كافر به   …قوله: “يجب في هذا النوع” قال البعض: أورد عليه قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين: 5] ا. هـ. أقول في البيضاوي وحاشيته للشيخ زاده ما ملخصه إن أسفل إما صفة أمكنة محذوفة أي: إلى أمكنة أسفل سافلين وهي النار أو أزمنة محذوفة أي: إلى أزمنة أسفل سافلين وهي أرذل العمر…: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ} لأنه في معنى الجمع لرجوعه إلى الإنسان المراد منه الجنس ا. هـ. أي: والجمع بالياء والنون على الأولين لتغليب العاقل. إذا علمت ذلك علمت ….. على أن المنقول عن الشاطبي أنه ذكر أن محل وجوب مطابقة المضاف إليه للموصوف إذا كان المضاف إليه جامدًا أما إذا كان مشتقا كما في الآية فلا. والله أعلم.  قوله: “فتقديره أول فريق كافر به” أي: وفريق جمع في المعنى فحصلت المطابقة باعتبار المعنى وأفرد كافر باعتبار إفراد فريق في اللفظ” [حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك (3/69 -70)]

فبناء على هذا أجاز بعض النحاة في أفعل المضاف إلى نكرة عدم التطابق بين الموصوف والمضاف إليه، في حال كون المضاف إليه مشتقا، وأبقى وجوب المطابقة في حال كون المضاف إليه جامدا. وقد أعجبني لفظ الصبّان حيث قال معلقا على هذا “والله أعلم”.

أقول نعم وحقا الله أعلم! لأن ما يتضح بعد هذا أن الأمر لا يقف عند هذا الحدّ من إجازة عدم التطابق في حال كون المضاف إليه مشتقا. إذ قد جوز الفراء عدم التطابق هذا في حالات يكون فيها المضاف إليه جامدا أيضا. فقد جاء عنه ما يلي:

“وزعم الفراء أنه يجوز أن تؤنَّث أفْعَلُ وتثنَّى إذا أُضيفت إلى نكرة مُدناة من المعرفة بصلة وإيضاح، فتقول: هندٌ فُضْلَى امرأةٍ تقصدنا، ودعدٌ خُورَى امرأةٍ تُلِمُّ بنا، والهندانِ فُضْلَيا امرأتينِ تَزورانِنا.

وأجاز الفراء أيضًا تأنيث المضاف إلى نكرة وتثنية المضاف إليه مع كون كلمه التفضيل خبرًا عن مفرد، فأجاز: هندٌ فُضلَى امرأتين تَزورانِنا، قال: شبَّهوا جاريتُك فُضلَى جاريتين مَلَكُتهما بـ «صاحبُك أكرمُ صاحبَينا» لإدناء الصلة الموصول من المعرفة. ويعنون بالصلة هنا الفعل الواقع صفة، وبالموصول هنا النكرة؛ إذ مِن مذهبهم أنَّ النكرة توصل بالفعل. ” [التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل (10/ 277)]

فهو وفق هذا وفي أفعل المضاف إلى نكرة أولا يبيح التأنيث والتثنية فيها، فينقض شرط إلزام أفعل الإفراد والتذكير، كما أنه يجيز عدم التطابق بين الموصوف والمضاف إليه بقوله: “هند فضلى امراتين تزوراننا” ، كل هذا بشرط أن تكون النكرة المضاف إليها أفعل مُدناة من المعرفة بصلة وإيضاح وهو الفعل الواقع صفة لها.

وحسبنا ان نرى هذا من الفراء لنعلم أن القاعدة عنده لا تقتصر على التأنيث والتثنية الواردين في المثال أعلاه؛ فإن جاء التأنيث في أفعَل جاز فيها التثنية والجمع، وإن جاز تثنية المضاف إليه يجوز كذا جمعه إذا كان الإخبار عن مفرد. كل هذا مع إمكانية أن يكون المضاف إليه جامدا وليس بالضرورة مشتقا.

فأما ما يسوّغ للفراء هذا التجويز واشتراط كون النكرة مدناة من المعرفة، أنه بذلك يقيسها على أفعل المضاف إلى معرفة، والتي فيها يجوز التطابق وعدمه بين أفعل والموصوف، كما لا اشتراط لتطابق الموصوف مع المضاف إليه في الإفراد وفروعه، كما يبين ذلك النحو الوافي في تمثيله لأفعل المضاف إلى معرفة فيقول:

“وإن كانت إضافته لمعرفة وجب تحقيق الشرطين العامين المشار إليهما آنفاً. وتجوز فيه بعد ذلك من ناحية التذكير والإفراد وفروعهما -المطابقة وعدمها، بشرط أن يكون الغرض من “أفعل التفضيل” باقيًا -وقد شرحنا هذا الغرض- ولكن ترك المطابقة في التثنية والجمع هو الأكثر، إذ الأفصح أن يكون مفردًا مذكرًا في جميع استعمالاته. فمثال المطابقة: عمر أعْدَلُ الأمراء، العمران أعدلا الأمراء، الخلفاء الراشدون أعدَلُوا الأمراء، فاطمة فُضْلَى الزميلات، الفاطمتان فُضْلَيَا الزميلات، الفاطمات فضليات الزميلات..

ومثال عدم المطابقة: عمر أعدل الأمراء، العمران أعدل الأمراء، الخلفاء الراشدون أعدل الأمراء … فاطمة فضْلى الزميلات، الفاطمتان فُضْلَى الزميلات، الفاطمات فضلَى الزميلات …” [النحو الوافي (3/ 418)]

وبناء على كل هذا نخلص إلى القاعدة التالية، أن في إضافة أفعل التفضيل إلى نكرة مدناة من المعرفة، يجوز التطابق وعدمه بين الموصوف والمضاف إليه في الإفراد وفروعه، كما يجوز التطابق وعدمه بين أفعل التفضيل والموصوف في الإفراد والتذكير وفروعهما. كل هذا مع إمكانية كون المضاف إليه جامدا. ومع بقاء أفعل التفضيل مفيدا للمفاضلة على المفضول وحده.

ومن كل هذا يثبت ما توقعناه في المقالات السابقة، بأن يكون هذا لغة جائزة كما في الأيات القرآنية، غير أنه لا بدّ من التقيد بكون النكرة مدناة من المعرفة.

وعلى هذه اللغة التي يجيزها الفراء، في عدم التطابق بين الموصوف والمضاف إليه في أفعل المضاف إلى نكرة مدناة من المعرفة، تتخرج الفقرات المذكورة أعلاه من كلام المسيح الموعود عليه السلام :

1: وهو أول رجال بايعوني )حمامة البشرى(

2: هذا آخرُ حِيَلٍ أردناه في هذا الباب. (مكتوب احمد )

إذ نرى أن فيها النكرة مدناة من المعرفة بفعل يصفها، فجاز عدم التطابق فيها بين الموصوف والمضاف إليه في الإفراد والجمع. كل هذا مع بقاء أفعل التفضيل على معناها الأصلي من إفادة المفاضلة على المفضول وحده. ليكون هذا هو التوجيه الأساسي لهاتين الفقرتين. ولتكون التوجيهات الأخرى التي ذهبنا إليها في توجيه هاتين الجملتين في المقالات السابقة، توجيهات ناخذ بها من الدرجة الثانية للتوجيه.