المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..134
نكتة نصب نائب الفاعل ..3
إنابة المصدر أو ضميره مناب الفاعل لدلالة الفعل عليه
الاعتراض:
عرض المعارضون هذا الاعتراض مشتملا على فقرتين من كلام المسيح الموعود عليه السلام، كمثال على خطأ حضرته عليه السلام في نصب نائب الفاعل رغم أنّ حقّه أن يرتفع. فقالوا متحدّين:
“1 – “من الواجبات أن تُكتَب عليهم خدماتٌ تناسبُ قومَ كل أحد وحرفةَ كل أحد. فليُعطَ للنجّار فاسًا، وللطارق النفّاشِ مِنْسجا جِرفاسا، وللحجّام مِشْراطا” (نور الحقّ، ص 30). الصحيح: فليُعطَ للنجّار فاس، وللطارق النفّاشِ مِنْسج جِرفاس، وللحجّام مِشْراط.
2 – مثال آخر: فيُجعَلُ رجل مهديا ويُلقَى الروح عليه، ويُنوَّر قلبه وعينيه. (سر الخلافة، ص 63). الصحيح: وعيناه .. فالعينان معطوفة على نائب الفاعل، ولأنه نصبها فلا بدّ أن يكون قد نصب نائب الفاعل.
الردّ:
كنا قد رددنا على هذا الاعتراض في مقالين سابقين . (يُنظر: مظاهر الإعجاز 37، و مظاهر الإعجاز 85)
إلا أنه في هذا المقال لنا أن نوجه الفقرة الثانية توجيها جديدا.
وهذا التوجيه هو في جواز إنابة غير المفعول به مع وجوده مناب الفاعل وفق المذهب الكوفي وبعض البصريين، ومن ضمن ذلك جواز إقامة المصدر أو ضميره مقام الفاعل لدلالة الفعل عليه. وذلك كقراءة أبي جَعْفَر المدنيّ {ليُجْزَى قوما} أَي ليُجْزَى الجزاءُ قوما، وبقراءة عَاصِم {وَكَذَلِكَ نُجِّي الْمُؤمنِينَ} أي نُجي النجاءُ المؤمنين.
وكنا قد فصّلنا الحدريث عن جواز إنابة غير المفعول مع وجوده في مظاهر الإعجاز 37 يُرجى الرجوع إليه.
وما بقي علينا إثباته جواز أنابة المصدر أو ضميره لدلالة الفعل عليه وفق المذهب الكوفي وبعض البصريين. وفي هذا جاء في المصادر التالية ما يلي:
يقول السيوطي في الهمع:
“اخْتلف هَل تجوز إِقَامَة غير الْمَفْعُول بِهِ مَعَ وجوده على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا: لَا، وَعَلِيهِ البصريون لِأَنَّهُ شريك الْفَاعِل وَالثَّانِي: نعم، وَعَلِيهِ الْكُوفِيُّونَ والأخفش وَابْن مَالك لوروده، قَرَأَ أَبُو جَعْفَر {ليُجزَى قوما بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الجاثية 14)، وَقَرَأَ عَاصِم {نُجِّي الْمُؤمنِينَ} (الْأَنْبِيَاء 88) أَي النَّجَاءُ وَقَالَ الشَّاعِر 639 –
(لَسُبّ بذلك الجرْو الكِلاَبا) وَقَالَ، (لم يُعْنَ بالْعَلْياء إلاّ سَيِّدَا .. )” (إ. هـ) {همع الهوامع في شرح جمع الجوامع همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، (1/ 585 – 586)}
وجاء في اللّباب ما يلي:
“وأمَّا إِقَامَة الْمصدر مقَام الْفَاعِل مَعَ الْمَفْعُول بِهِ فللبصريَّين فِيهِ مذهبان
أَحدهمَا لَا يجوز لأنَّ الْمصدر يصل إِلَيْهِ فِي الْمَعْنى فَهُوَ غير لَازم بِخِلَاف الْمَفْعُول بِهِ.
وَالْآخر يجوز، لِأَن الْفِعْل يصل إِلَيْهِ بِنَفسِهِ، واحتجُّوا على ذَلِك بقرأءة أبي جَعْفَر المدنيّ {ليُجْزَى قوما} أَي ليُجْزَى الجزاءُ قوما، وبقراءة عَاصِم {وَكَذَلِكَ نُجِّي الْمُؤمنِينَ} أَي نُجِّي النَّجَاءُ، وَبقول جرير : َلَو وَلَدت فُقَيْرَةُ جَرْوَ كَلْبٍ … لَسُبَّ بذلك الكلْبِ الكلابا” [اللباب في علل البناء والإعراب (1/ 160-159 ]
وأما في التّبيين فقد جاء:
“مسألة [إقامة المَصدر مقامَ الفعل]
لا يجوزُ أن يقامَ المصدرُ مقامَ الفاعلِ مع وجودِ المفعول به الصَّحيحِ في الاختِيار، وإنّما بابه الشّعر.
ومن البَصريين من قالَ يجوزُ. … واحتجَّ الآخرون (يقصد المجوزون) بالسّماعِ والقياسِ.
أمَّا السماعُ: [فـ] قوله تعالى: {وكذلك نُجي المؤمنين} قراءة حَفصٍ عن عاصمٍ بتشديد الجِيم فلا وجهَ له إلا نُجّي النَّجاءُ.
وقرأَ أبو جَعفرٍ: {ليُجزي قوماً} على ما لم يُسم فاعله، أي يُجزى الجَزاءُ قوماً، ومن السَّماع قولُ جَريرٍ:
فَلو ولدت قُفَيرةُ جروَ كلبٍ … لَسُبَّ بذلِكَ الكَلْبَ الكِلاَبا… أي سُبَّ السَبُّ.
أمَّا القياسُ فهو أن المَصدر اسم يصلُ الفِعلُ إليه بِنَفْسِهِ فجازَت إقامَتُهُ مقامَ الفاعِل كالمَفعول به الصَّحيح“. [التبيين عن مذاهب النحويين (ص: 272-270)]
النتيجة:
ومن هنا يثبت وفق مذهب الكوفيين والأخفش وابن مالك وبعض علماء البصرة، جواز إنابة المصدر أو ضميره مقام الفاعل مع وجود المفعول به، وذلك لدلالة الفعل عليه. كما في قراءة: {وكذلك نُجّي المؤمنين} بمعنى:، نجّي النجاءُ المؤمنين، والتي احتج بها هؤلاء على هذا الجواز، حيث ناب فيها ضمير المصدر (النجاء) عن الفاعل وبقي المفعول به منصوبا (المؤمنين).
وبناء على هذا تتخرج الفقرة الثانية من فقرات المسيح الموعود ليكون تقديرها: ويُنوَّر (النورُ) قلبَه وعينيه. تماما كما هو الحال في القراءات القرآنية التي ذكرناها.
وهنا لا بدّ أن نشير أيضا إلى إمكانية اخرى، بناء على كون النُّسخ الأولية لكتب سيدنا أحمد غير محركة. فمن الممكن أن يكون الفعل (ينور) مبنيا للمعلوم وفاعله ضمير يعود على كلمة (الروح) المذكورة قبله، قيكون قلبَه وعينيه مفعولا به.
فيكون تحريك الفقرة كما يلي:
“ فيقتضي هذا الحال أن يهدي رجلا الربُّ الفعّال، وتتضرع الظلمة في الحضرة لينزل نورٌ لتنوير المحجّة، فتنزل الملائكة والروح في هذه الليلة الحالكة بإذن رب ذي القدرة الكاملة، فيُجعَلُ رجلٌ مهديا ويُلقَى الروح عليه، ويُنوِّر (الروحُ) قلبَه وعينيه، ويُعطَى له السؤدد والمكرمة موهبة، ويُجعَل له التقوى حلية، ويُدخَل في عباد الله المنصورين.” (سر الخلافة)
هذا بالإضافة إلى إمكانية أخرى لتحريك هذه الفقرة ذكرناها في مظاهر الإعجاز 85.