المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية .. 102
التعريف بــ (أل) والإضافة معا، بين الاستقراء والجواز والتأويل ..1
جواز إضاف المعرف بــ (أل) إضافة محضة وفق المذهب الكوفي ..
الاعتراض:
اعتُرض على المسيح الموعود عليه السلام، أنه عرّف النكرات في الفقرات التالية بـ (أل) التعريف وبإضافتها معا، رغم أن القاعدة النحوية المعروفة تبيح التعريف فقط بواحدة منها، إما بـ (أل) التعريف وإما بالإضافة. وإليكم هذه الفقرات أشرنا فيها بين الأقواس المزدوَجة إلى مواضع الخلاف:
- بل هو يجري تحت مجاري ((الأوامر الشريعة الفطرية)) وفتاوى القوة القدسية ولا يميل عن الاعتدال. (الخطبة الإلهامية)
- ومن ((المقتضى الفطرة الإنسانية)) أنها تقيس بالأحوال الموجودة للأشياء على أحوال أشياء أخرى تضاهيها بنحو من الأنحاء. (مكتوب أحمد)
- ثم من ((المسلَّمات الأمة المرحومة))، أن المسيح لا يجيء إلا على رأس المائة. (مكتوب أحمد)
- فتوبوا إلى ((الرب الورى)) واستغفروا … ولا تشتروا بالحق عيشًا مُرَمَّقِ. (حجة الله)
- بل نطلب عزيمةً قاهرة الأهواء في (الرّضاء المولى)) الذي هو أحكم الحاكمين. (نور الحق)
الردّ:
لا شك أن الاعتراض على هذه الفقرات منبعه الجهل ليس إلاّ! وذلك لأن القاعدة الرائجة والمعروفة أوسع مما يظنه المعارضون.
فالإضافة عدة أنواع كنا قد فصّلنا الحديث فيها في مقال سابق، حيث تحدثنا عن إضافة الموصوف إلى صفته (يُنظر: مظاهر الإعجاز 10 إضافة الموصوف إلى صفته لغة عربية قرآنية فصيحة وبليغة ومذهب كوفيّ أصيل ) . وباختصار نقول إن هنالك نوعين رئيسيين للإضافة وهما الإضافة الحقيقية المعنوية المحضة والإضافة اللفظية المجازية غير المحضة. وفي الإضافة اللفظية يجوز في بعض الأحيان وفق القاعدة المتبعة أن يقترن المضاف بـ (أل) التعريف كما سنبيّنه لاحقا.
إذن فقصور علم المعارضين واضح حتى في القواعد الأساسية الرائجة، حيث قالوا: “النكرة تعرّف إما بـ (أل) التعريف أو بالإضافة لا بهما معا”؛ وقد طبّقت فضيحتهم الآفاق بتضمين هذا القول في رسالة دكتوراة مزعومة وزائفة. وإن دل كل هذا على شيئ فإنما يدل على المستوى الوضيع والمتدني لأعضاء اللجنة المشرفة الموهومة والمزعومة على هذه الرسالة، بكل ما يتعلق بإلمامهم باللغة العربية وبمستوى المهنية والمصداقية في البحث والتقصي والتدقيق.
وهنا لا بد أن نذكّر أنه رغم جواز تعريف النكرة بـ (أل) والإضافة معا في بعض الحالات الضيقة من الإضافة اللفظية وفق القاعدة الرائجة والمتبعة، إلا أن هذه القاعدة ليست قطعية بل هنالك من العلماء والنحاة من جوّز هذا الجواز في الإضافة اللفظية كلها وفي الإضافة المعنوية أيضا. فقد جاء في موسوعة علوم اللغة العربية للأستاذ الدكتور إميل بديع يعقوب ما يلي:
” النتائج المترتبة على الإضافة… (ز) حذف (أل): لا تدخل ( أل) على المضاف إضافة معنوية.
((ويشترط النحاة غير الكوفيين لإضافة الاسم إضافة معنوية، أن يتجرد من التعريف.)) وسبب الحذف -كما يرى النحاة- أن (أل) للتعريف، والإضافة للتعريف، فلو قلت: “الغلام زيدٍ” جمعت على الاسم تعريفين.(( ونقل الكوفيون تعريف الاسمين في كل عدد مضاف إلى معدوده ، فأجازا نحو: الثلاثة الأثواب))، لكن جمهور النحاة حكموا على مذهبهم بالضعف.
أما في الإضافة اللفظية، فيجوز اقتران المضاف بـ (أل)، إذا كان المضاف وصفا مثنى، نحو: الضاربَي زيدٍ، أو مجموعا جمع مذكر سالما، نحو: الضاربِي زيدٍ. وإذا لم يكن المضاف وصفا مثنى أو مجموعا، فيُشترط لاقترانه بـ (أل) أن يكون المضاف إليه فيه (أل)، نحو: “الجعد الشعر”، أو أن يكون مضافا إلى ما فيه (أل)، نحو: ” الضارب رأس الرجل”، أو يكون مضافا إلى ضمير ما فيه (أل)، نحو:” مررت بالرجل الضارب غلامه”.(( وقد جوّز الفراء إضافة الوصف المحلى بـ (أل) إلى المعارف كلها، سواء أكان تعريفها بالعلمية أم بالإشارة أم بغيرهما)). ” {موسوعة علوم اللغة العربية 253-254}
وفي حديثه عن الأسماء الممتنعة من الإضافة وذكرِه منها ما فيه (أل)، ذكر نفس المصدر في الهامش ما يلي: ” أما الكوفيون فقد أجازوا إضافة المعرّف بـ (أل) استنادا إلى بعض الشواهد.”{ موسوعة علوم اللغة العربية 260}
وخلاصة ما تقدم ما يلي:
- جواز إضافة المعرف بـ (أل) في بعض حالات الإضافة اللفظية الغير المحضة وفق القاعدة المتبعة.
- تجويز الفراء إضافة كل وصف محلى بـ (أل) إلى المعارف كلها، أي كل (أو معظم) حالات الإضافة اللفظية.
- تجويز الكوفيين- ومنهم الفراء- اقتران المضاف إضافة محضة معنوية بـ (أل) التعريف أيضا، وذلك استنادا على نقلهم أمثلة من الأعداد تَحَلّى فيها المتضايفان بـ (أل) التعريف كمثل: “الخمسة الأولاد”.
ومن تأويل الفراء لجواز إضافة المحلّى بأل في الإضافة اللفظية غير المحضة ما ذكره ابن السراج في كتاب الأصول في النحو حيث جاء:
“وتقول: “عبد اللهِ الضاربُ زيدًا” جميع النحويين على أن هذا في تقدير: الذي ضرب زيدًا، ولم يجيزوا الإِضافة، ((وزعم الفراء: أنه جائز في القياس على أن يكون بتأويل: “الذي هو ضارب زيدٍ” وكذا حكم: “زيدٌ الحَسنُ الوجهِ” عنده أن يكون تأويله، الذي هو حسن الوجه))، وقد ذكرنا أصول هذا وحقائقه فيما تقدم، وتقول عبد الله الحسنُ وجهًا، ولا يجوز: الحسنُ وجهٍ لأنه يخالف سائر الإِضافات، وأما أهل الكوفة فيجوز في القياس عندهم..” {الأصول في النحو }(2/ 14)
وجاء في كتاب العدد في اللغة أن الكوفيين قد جوزوا إضافة المعرف بــ (أل) في الأعداد إضافة محضة قياسا على ما جوّزوه في الإضافة غير المحضة كالقول (الحسن الوجه)، حيث جاء:
“بَاب تَعْرِيف الْعدَد: تَقول فِي تَعْرِيف ثَلَاثَة أَثوَاب: ثَلَاثَة الأثواب. وَفِي مائَة دِرْهَم: مائَة الدِّرْهَم. وَفِي مائَة ألف دِرْهَم: مائَة ألف الدِّرْهَم..((..وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ إِدْخَال الْألف وَاللَّام على الأول وَالثَّانِي، وشبهوا ذَلِك بالْحسنِ الْوَجْه، فَقَالُوا: الثَّلَاثَة الأثواب))، والخمسة الدَّرَاهِم، كَمَا تَقول: هَذَا الْحسن الْوَجْه وقاسوا هَذَا بِمَا طَال أَيْضا فَقَالُوا: الثَّلَاث الْمِائَة الْألف الدِّرْهَم…” العدد في اللغة (ص: 64)
وقد ذهب صاحب النحو الوافي إلى ترجيح مذهب الكوفيين هذا في باب الإضافة المحضة في الأعداد، وذلك لورود السماع به عن العرب، والذي هو الأصل والأساس والذي له الأولوية في الحكم على هذه الأمور؛ إلا أنه اقتصر تجويز الكوفيين هذا على باب الأعداد فقط كالقول ” الثلاثة الأولاد” وهو ما لا نراه دقيقا حيث جاء:
” الكوفيون يجيزون في الإضافة المحضة دخول “أل” على المضاف،(( بشرط أن يكون اسم عدد، وأن يكون المضاف إليه هو المعدود، وفي أوله “أل” أيضًا))؛ فلا بد من وجودها فيهما معًا، نحو: قرأت الثلاثة الكتب في السبعة الأيام. وحجتهم في هذه الإجازة السماع عن العرب، وورود عدة أمثلة صحيحة تكفي عندهم للقياس عليها. والبصريون لا يجيزون هذا، مستندين في المنع إلى أن العدد مع المعدود هو ضرب من المقادير، والمقادير لا يجوز فيها ما سبق؛ فكما لا يصح أن يقال: اشتريت الرطل الفضة، -بالإضافة- لا يصح كذلك أن يقال: الثلاثة الكتب -بالإضافة- حملًا للنظير على نظيره، وقياسًا للشيء على ما هو من بابه. فَعِلَّة المنع عندهم: “التنظير”.
((والحق أن حجة الكوفيين هي الأقوى؛ لاعتمادها على السماع الثابت، وهو الأصل والأساس الذي له الأولوية والتفضيل؛)) فلا مانع من الأخذ له لمن شاء غير أن المذهب البصري أكثر شهرة، وأوسع شيوعًا؛ فمن الخير الاكتفاء بمحاكاته؛ لتماثل أساليب البيان اللغوي، وتتوحد، حيث يحسن التماثل والتوحد”. {النحو الوافي (3/ 14)}
فاقتصار النحو الوافي تجويز الكوفيين هذا، على باب الأعداد في الإضافة المحضة، ليس هو بصحيح ولا بدقيق، فقد قاس الكوفيون على هذا الباب وهذا الجواز أيضا في مسألة الأجزاء حيث أجازوا القول: “النصف الدرهم” و”الثلث الدرهم” قياسا على “الثلاثة الدراهم”؛ وهذا ما يؤكده أبو حيان الأندلسي في ارتشاف الضرب بقوله:
” ((ومثل ثلاثة الأثواب إضافة الجزء إلى ما يتجزأ تقول: نصف درهم، فإذا أردت التعريف قلت: نصف الدرهم في قول أهل البصرة، وذهب الكوفيون إلى إجرائه مجرى العدد فتقول: الثلث الدرهم، والنصف الدرهم شبهوه بالحسن الوجه.))
{ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيان الأندلسي (2/ 764- 762)}
ومن كل هذا نخلص إلى النتائج التالية:
- تأويل الفراء لإجازة إضافة المعرف بأل في الإضافة غير المحضة هو حملها على معنى ( الذي هو). فالقول : “الحسن الوجه” هو على تأويل (الذي هو حسن الوجه).
- قياسا على هذا الجواز في الإضافة غير المحضة أجازه الكوفيون في باب الإضافة المحضة في إضافة الأعداد كلها فجوّزوا القول: ” الثلاثة الدراهم” و ” الثلاثة العشر الدرهم” والمئة الدرهم” و “المئة الألف الدرهم” و”الثلاثون الدرهم” كما تصرح به العديد من المصادر.
- قياسا على هذا الجواز في إضافة الأعداد إضافة محضة جوّز الكوفيون إضافة المعرف بـ (أل) إضافة محضة أيضا في باب الأجزاء، حيث أجازوا القول ” النصف الدرهم”.
- لا يتضح مما نقلته المصادر المختلفة إن كان الكوفيون يجوّزون إضافة المعرف بـ (أل) التعريف في كل حالات الإضافة المحضة، ولكن من الواضح أنهم أجازوا القياس على ما ورد منه في الإضافة غير المحضة وفي باب الأعداد من الإضافة المحضة، الأمر الذي قد يومئ إلى إمكانية القياس عليه في الحالات الأخرى من الإضافة المحضة. فقد عُرف عن الكوفيين قياسهم حتى على الشاذ الذي ينقلونه، كما يصرح بذلك محقق كتاب شواهد التوضيح الأستاذ الدكتور طه محسن حيث قال :”(( فإن مذهب الكوفيين القياس على الشاذ، ومذهب البصريين اتباع التأويلات البعيده التى يخالفها الظاهر))”{ شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح (ص: 33)}
ولذا فنحن والحال هذه أمام ثلاثة أحتمالات في هذا الصدد:
- أولا: أن تكون إضافة المحلى بـ (أل) التعريف إضافة محضة، لهي لغة عربية صحيحة وفصيحة لم تُستقرأ بشكل كافٍ، ليتأكد صحتها وصحة القياس عليها. خاصة بوجود ما يؤكد صحتها من التأويلات المختلفة التي سنفصّلها في المقالات التالية.
- ثانيا: أن يكون الكوفيون قد جوّزوا القياس على باب الأعداد في كل أبواب وحالات الإضافة المحضة، من إمكانية تعريف المضاف فيها بأل التعريف أيضا؛ وذلك لما ُعرف عنهم قياسهم حتى على الشاذ المنقول من العرب؛ إلا أن المصادر لم تنقل هذا القياس بشكل واضح. خاصة أن تأويل الفراء لهذا الجواز وحمله على ( الذي هو/ التي هي) ينطبق على العديد من هذه الحالات إذا ليس كلها.
- أن يكون الكوفيون قد اقتصروا القياس في هذا الصدد على باب الأعداد والأجزاء دون غيرها من حالات الإضافة المحضة، إلا أن المسيح الموعود عليه السلام قاس عليها بنفسه في الفقرات المذكورة أعلاه، وهي يغلب عليها كلها أن تكون الإضافة فيها إضافة محضة.
وعلى أي حال، إن ما يهمنا في كل هذا أن نثبت أن إضافة المحلى بأل التعريف إضافة محضة، لها أصل في اللغة العربية وقواعد اللغة العربية ولغاتها وتأويلاتها المختلفة، والتي من الممكن الاستناد والقياس عليها، وهذا ما يَثبُت على المذهب الكوفي وتجويزات وتاويلات الفراء.
ولو أردنا تطبيق تأويلات الفراء لإجازة إضافة المعرف بأل أضافة معنوية محضة على فقرات المسيح الموعود عليه السلام لرأيناها سهلة الإنطباق كما يلي:
- بل هو يجري تحت مجاري ((الأوامر الشريعة الفطرية)) وفتاوى القوة القدسية ولا يميل عن الاعتدال. (الخطبة الإلهامية) {أي:تحت مجاري ما هي أوامر الشريعة الفطرية..}
- ومن ((المقتضى الفطرة الإنسانية)) أنها تقيس بالأحوال الموجودة للأشياء على أحوال أشياء أخرى تضاهيها بنحو من الأنحاء. (مكتوب أحمد){أي: ومن الذي/ ومما هو مقتضى الفطرة الإنسانية}
- ثم من ((المسلَّمات الأمة المرحومة))، أن المسيح لا يجيء إلا على رأس المائة. (مكتوب أحمد){ أي:ومن التي/ ومما هي مسلمات الأمة المرحومة..}
- فتوبوا إلى ((الرب الورى)) واستغفروا … ولا تشتروا بالحق عيشًا مُرَمَّقِ. (حجة الله) { أي: فتوبوا إلى الذي هو رب الورى}
- بل نطلب عزيمةً قاهرة الأهواء في (الرّضاء المولى)) الذي هو أحكم الحاكمين. (نور الحق){أي: فيما هو رضاء المولى..}
وكفى بهذا شهيدا على القول بصحة فقرات المسيح الموعود عليه السلام المعترَض عليها في هذا الشأن، بكون المسيح الموعود عليه السلام قد قاس فيها على الأصل الثابت عن العرب ونحاة العرب وتأويلاتهم لها؛ فثبت أنها على لغة من لغات العرب التي أقرت بها المدرسة الكوفية وزعيمها الفراء. لتندرج هي الأخرى ضمن “الأربعين الألف اللغة العربية” التي تعلمها المسيح الموعود عليه السلام من الله العلي القدير.