المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود العربية …(10)

إضافة الموصوف إلى صفته لغة عربية قرآنية فصيحة وبليغة ومذهب كوفيّ أصيل ..

أَعُجمة هذه يا “عربَ الأعاجم”!؟

تُقسم الإضافة في اللغة إلى نوعين رئيسيين: الإضافة المحضة المعنوية الحقيقية، والإضافة غير المحضة اللفظية المجازية. ولسنا في صدد شرح هذه المسميات والتعاريف، إلا أن ما يهمنا في هذا الموضوع، هو ما شاع بين النحاة في منع إضافة الموصوف إلى صفته، فإن وصفنا الرجل بأنه فاضل قلنا “الرجلُ الفاضلُ” فلا يصح وفق القاعدة المعروفة أن يقال “رجلُ الفاضلِ”.

وكما كنّا قد أوضحناه مرارا، فإن الاختلاف بين النحاة في قواعد اللغة العربية يكاد يطال كل موضوع في قواعد اللغة، فإنهم إن لم يختلفوا في الأصل فقد اختلفوا في الفرع، وإن لم يختلفوا في الفرع اختلفوا في فرع الفرع، وإن سَلِم هذا من الاختلاف، اختلفوا في ما هو أدقّ أو أشدّ دقة من القواعد والتوضيحات والاستدلالات.

وموضوع الإضافة كغيره من المواضيع التي لم تسلم من هذا الاختلاف، فكانت فيه جزئية إضافة الموصوف إلى صفته موضع خلاف بيّنٍ بين المدرستين الكوفيّة والبصْرية، كما سوف نوضّحه لاحقا. فجاءت بناء على هذا الاختلاف قواعد شذّت عن المألوف وندَرَ استعمالها في عصرنا هذا. إلا أن الوحي الإلاهيّ الذي علّم المسيح الموعود عليه السلام أربعين ألفًا من اللغات العربية، لم يترك هذه اللغةَ- إضافة الموصوف إلى صفته- دون أن يجعلها مظهرا من مظاهر الإعجاز اللغوي عند مبعوث السماء، غَفل عنها وجَهِلها علماءٌ ومتخصصون في اللغة العربية، لدرجة أن البعض يعتبرونها أخطاء لغوية ويعزونها إلى العُجمة وعدم التمرس في اللغة؛ فجاءت مظاهر الإعجاز هذه في كتابات المسيح الموعود عليه السلام في المواضع التالية في الخط العريض:

  1. لا تَظهَر حقيقتُه على الناس على وجه الكامل إلا في يوم المجازاة (كرامات الصادقين، ص 60)
  2.  كذلك زعم الذين خلوا من قبلك من اليهود، وما آمنوا بخير الرسل وحبيب ربالمعبود (سر الخلافة، ص 84).
  3.  لنقتريَ قِرى مرضاة رب الرحمن (سر الخلافة، ص 113).
  4. وإن سألت أن الله لِمَ آثرَه لصدر سلسلة الخلافة، وأيّ سر كان فيه من ربّ ذي الرأفة (سر الخلافة، ص 32).
  5. وجب على رجالٍ يتصدّون لمواطن المباحثات ويقتحمون سيول المباحثات، أن يكونوا ضابطين لقوانين العاصمة من الخطأ في الفهم (حقيقة المهدي، باقة، ص 180).
  6. وانقلبوا بعقل الناقصِ (دافع الوساوس، ص 10)
  7. وسبق الأقران في دقائق النواميس ومعضلات الشرعية (حقيقة المهدي، باقة، ص 182)
  8. ومحوا آثار سنن النبويّة (الاستفتاء، ص 42)
  9. ورزقني من نِعم الدنيوية والدينية (لجة النور، ص 37)

وقد ظن البعض من “عربِ الأعاجم” أن هذه المواضعَ مواضعُ لحن في اللغة وعجمة ولكنة في اللسان، أصدَق هؤلاء أم أثبتوا عُجمتهم هم في لغتهم الأمم!؟؟ تعالوا لنر ماذا تقول أمهات المصادر العربية وأفذاذ اللغة العربية في هذا الصدد: ملحوظة: التركيز على ما كتب بالخط العريض

جاء في كتاب النحو الوافي (3/ 40)

د- من الإضافة غير المحضة ما يأتي من الأنواع الملحقة بها؛ وهي:

إضافة الاسم إلى اسم آخر كان قبل الإضافة نعتًا للمضاف؛

وهذا ما يعبرون عنه بأنه إضافة الاسم المنعوت إلى نعته”. كقولهم: “صلاة الأولى” تذهب الخمول. كان الخلفاء السابقون يقصدون “مسجد الجامع”؛ ليذيعوا على الناس ما يريدون إذاعته. إني أحرص على “ديانة القيِّمة”؛ لأسعد.

والأصل: الصلاة الأولى، أو: صلاة الساعة الأولى. المسجد الجامع أو: مسجد الوقت الجامع، الديانة القيِّمة، أو ديانة الملة القيِّمة.” (إ.ه) النحو الوافي (3/ 40)….

وفي الهامش يتابع النحو الوافي:

وبعض صوره لا يختلف فيه معنى المتضايفين، مع أن الأصل في الإضافة بنوعيها، ولا سيما المحضة -كما سبق في رقم 1 من هامش ص7- أن يختلف فيها معنى المتضايفين، ومدلولهما. …” (أ.ه) (النحو الوافي 3/ 40)…

 ويتابع النحو الوافي (3/ 49)

أما قياسية تلك الإضافات الملحقة بغير المحضة، أو عدم قياسيتها، فكثرة النحاة تقصرها على المسموع، ولا تبيح فيها القياس. إلا الكوفيين فيبيحون القياس على المسموع، بشرط اختلاف لفظي المضاف والمضاف إليه، بحجة أن الوارد من تلك الإضافات كثير كثرة تكفي للقياس عليه، وأن الحاجة قد تدعو لاستخدام القياس؛ للانتفاع بفائدة تلك الإضافات المتعددة الأنواع، فإنها لا تخلو من فائدة معنوية -كالإيضاح مع التوكيد-، برغم أن هذه الفائدة المعنوية تختلف -نوعًا ومقدارًا- عن الفائدة المعنوية التي للإضافة المحضة …

ورأي الكوفيين سديد مفيد. وفي الأخذ به هنا تيسير محمود تتطلبه حياة الناس كما طلبته قديمًا. لكن من المستحسن -وبخاصة القسم الثاني- أن نأخذ به في أضيق الحدود؛ حين تشتد إليه الحاجة، وتقوم قرينة على بيان المراد منه، بحيث لا يشوبه لبس أو غموض.

وقد صرح بعض كبار النحاة باستحسان الرأي الكوفي، ففي شرح شواهد العيني للبيت المرقوم “448” وهو الذي سبق هنا في الإضافة الخامسة “ص45” وصدره:

“فقلت: انجُوَا عنها نجا الجلد إنه … “

ما نصه:

“الشاهد في: “نجا الجلد” حيث أضاف المؤكَّد إلى المؤكِّد؛ لأن “النجا” -بالقصر- هو الجلد. والأحسن ما قاله الفراء: إن العرب تضيف الشيء إلى نفسه عند اختلاف اللفظين كقوله تعالى: … {حَقُّ اليَقِينِ}..“ا. هـ.

وقال الأشموني عند الكلام على بيت ابن مالك:

ولا يضاف اسم لما به اتحدْ … معنى، وأوِّلْ موهمًا إذا وردْ

ما نصه: “لا يضاف اسم لما اتحد به معني؛ كالمرادف مع مرادفه؛

والموصوف مع صفته؛ لأن المضاف يتخصص أو يتعرف بالمضاف إليه؛……” ا. هـ. كلام الأشموني.

ثم قال ما نصه:

أجاز الفراء إضافة الشيء إلى ما بمعناه لاختلاف اللفظين. ووافقه ابن الطراوة، وغيره ونقله في “النهاية” عن الكوفيين، وجعلوا من ذلك ما ورد في الآيات القرآنية من نحو: {وَلَدَارُ الآخِرَةِ} ، {حَقُّ الْيَقِينِ} ، {حَبْلِ الْوَرِيدِ} ، {جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} ، وظاهر التسهيل وشرحه موافقته“. ا. هـ. الأشموني.

ويقول الرضي في شرح الكافية -بعد أن شرح مذهب الكوفيين وغيرهم وعرض أمثلة مما سبق- ما نصه: “الإنصاف أن مثله كثير لا يمكن دفعه

وقد أطلنا الكلام في أمر الإضافات السالفة لنفصل في أمرها بحكم قاطع -وهو إباحتها- فيُحسَم النزاع، ويوقَف الجدل الذي امتد حتى وصل إلينا عنيفًا، واستخدمه اليوم -بغير حق- بعض الباحثين في إصدار أحكام بالفساد والخطأ على بعض الإضافات الشائعة، مثل: “استرحنا من عناء التعب”، و”نعمنا برغد الرخاء”. ” النحو الوافي (3/ 49)  (إلى هنا نهاية النقل عن النحو الوافي.)

وجاء في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين للأنباري (2/ 356)

[هل تجوز إضافة الاسم إلى اسم يوافقه في المعنى؟]

ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز إضافة الشيء إلى نفسه إذا اختلف اللفظان. وذهب البصريون أنه لا يجوز.

أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا ذلك لأنه قد جاء في كتاب الله وكلام العرب كثيرًا، قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ اليقينِ} [الواقعة: 95] واليقين في المعنى نعت للحق؛ لأن الأصل فيه الحق اليقين، والنعت في المعنى هو المنعوت، فأضاف المنعوت إلى النعت وهما بمعنى واحد، وقال تعالى: {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ} [يوسف: 109] والآخرة في المعنى نعت الدار، والأصل فيه وللدار الآخرة خير، كما قال تعالى في موضع آخر: {ولَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ} [الأنعام: 32] فأضاف دار إلى الآخرة، وهما بمعنى واحد، وقال تعالى: {جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [قّ: 9] والحب في المعنى هو الحصيد، وقد أضافه إليه، وقال تعالى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} [القصص: 44] والجانب في المعنى هو الغربي، ثم قال الراعي:

[372]وقَرَّبَ جانب الغربي يَأْدُو … مَدَبَّ السَّيلِ، واجتنب الشِّعَارَا

ومن ذلك قولهم “صَلَاةُ الأولى، ومَسْجدُ الجامع، وبَقْلَةُ الحمقاء” والأولى في المعنى هي الصلاة، والجامع هو المسجد، والبقلة هي الحمقاء، وقد أضافوها إليها، فدل على ما قلناه.” (إ.ه)

 وجاء في كتاب إسفار الفصيح لأبي سهل الهروي بتحقيق المحقق أحمد قشاش:

والبصريون يمنعون إضافة الشيء إلى نفسه أو صفته، والكوفيون يجيزون ذلك، لأن العرب تضيف الشيء إلى نفسه أو صفته إذا اختلفت ألفاظه ويحتجون بقوله تعالى: {وَلَدَارُ الآخِرَة} ، وقوله أيضا: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ}.” (إ.ه)

وبعد أن بين المحقق أن أبا سهل قد أخذ بالمذهب البصري في منع إضافة الموصوف إلى صفته، خلص المحقق إلى النتيجة التالية:

وأرى أن إضافة الشيء إلى صفته استعمال لغوي سليم، وليس هناك ما يدعو إلى تكلف التأويل والتقدير، وما لا يحتاج إلى تأويل أولى وأجدر بالقبول مما يحتاج إلى تأويل.”   إسفار الفصيح (1/ 215)

ويتابع إسفار الفصيح بالقول: “والكوفيون يجيزون إضافة الموصوف إلى صفته إذا اختلف اللفظان واتحد المعنى، واحتجوا لمذهبهم بأن ذلك قد جاء في كتاب الله وكلام العرب كثيرا. ينظر: معاني القرآن للفراء 2/55، والإنصاف 2/436، وشرح المفصل لابن يعيش 3/10، وشرح الكافية 2/242، والأزمنة 1/284.”” (إ.ه)

وجاء في أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك لابن هشام :

وذهب الكوفيون إلى أنه يجوز أن يضاف الشيء إلى نفسه، متى اختلف اللفظان، وجعلوا اختلاف اللفظين بمنزلة اختلاف المعنيين، احتجوا على ما منعه البصريون من إضافة الاسم إلى اللقب وإضافة الصفة إلى الموصوف، وإضافة الموصوف إلى الصفة، ومتى ورد عن العرب في الكلام المنثور لم يكن بد من قبوله، وسلكوا -مع هذا السماع- طريقا عن القياس، وذلك بعطف الشيء على مرادفه؛ كقول الشاعر:

وقددت الأديم لراهشيه … وألفى قولها كذبا ومينا

والأصل في العطف أن يكون المعطوف عليه.

هذا وقد اختار ابن مالك في كتاب “التسهيل” مذهب الكوفيين، وجوز ما منعه هنا، فجعل الإضافة ثلاثة أقسام: محضة، وغير محضة، وشبيهة بالمحضة؛ وهي سبعة أنواع، منها إضافة الموصوف إلى الصفة وبالعكس، والمسمى إلى الاسم. حاشية يس على التصريح: 2/ 34.” ( إ.ه)

وفي نفس الصدد يقول ابن مالك في شواهد التوضيح، في معرض حديثه عن قول عائشة رضي الله عنها الوارد في صحيح البخاري:  (كن نساءُ المؤمناتِ يشهدن مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صلاة الفجر) ..

“وفي اضافة “نساء” الى “المؤمنات” شاهد على إضافه الموصوف إلى الصفة عند أمن اللبس, لأن الأصل: وكن النساء المؤمنات. وهو نظير (حبَّة الحمقاء) و (دار الآخرة) (1305) و (مسجد الجامع) و (صلا ة الاولى).”

[شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح (ص: 248)]

من كل ما سبق نخلص إلى الاستنتاجات التالية:

  • بالإضافة إلى نوعي الإضافة المعروفين: المحضة وغير المحضة، هنالك نوع ثالث وهو الإضافة الملحقة بغير المحضة .
  • من أنواع هذه الإضافة الملحقة بغير المحضة هو إضافة الموصوف إلى صفته أو المنعوت إلى نعته مثل: “مسجد الجامع” و “دار الآخرة” حيث أصلها ” المسجد الجامع” و ” الدار الآخرة” .
  • يبدو جليا أن الأخذ بهذا النوع من الإضافة هو مذهب كوفيّ ولا يأخذ به المذهب البصري. ويأخذ به الكوفيون من باب إضافة الشيء إلى نفسه إذا اختلف اللفظان، حيث أن النعت هو ذات المنعوت وفق ما جاء في الإنصاف.
  • في هذا النوع من الإضافة بعض صوره عدم اختلاف معنى المتضايفين أي يكون من باب إضافة الشيء إلى نفسه.
  • هذا النوع من الإضافة لا يخلو من الفائدة المعنوية كالإيضاح والتأكيد.
  • لم يُبح الكوفيون المسموع فقط من هذا النوع بل أباحوا القياس عليه، مما يعني أنه بالإمكان إضافة كل موصوف لصفته.
  • أيّد الكوفيون موقفهم بالكثير مما سُمع عن العرب وبآيات من القرآن الكريم جاء فيها إضافة الموصوف إلى صفته وهي : {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ} [يوسف: 109] ، {جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [قّ: 9] ،{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} [القصص: 44]
  • كبار النحاة أقروا بسدادة الرأي الكوفي واستحسنوا.
  • مَن لم يأخذ بهذا النوع من الإضافة مِن بين النحاة وخاصة البصريين، حاولوا تأويل هذه الآيات القرآنية والأمثلة المسموعة عن العرب؛ إلا أن الكوفيون وغيرهم من النحاة لم يوافقوهم الرأي، وأقروا بأن ما يُؤخذ على غير التأويل لمجرد سماعه عن العرب أَوْلى من اللّجوء إلى تأويله.
  • أقرّ برأي الكوفيين وبصحته وسلامته كل من النحويين والعلماء الأفذاذ والمصادر التالية:
    1. معاني القرآن للفراء 2/55،
    2. والإنصاف للأنباري 2/436،
    3. وشرح المفصل لابن يعيش 3/10،
    4. وشرح الكافية للرضي 2/242،
    5. والأزمنة 1/284.”
    6. الفراء حيث قال وفق ما جاء في شرح شواهد العيني: إن العرب تضيف الشيء إلى نفسه عند اختلاف اللفظين كقوله تعالى: … {حَقُّ اليَقِينِ} 2..”ا. هـ.
    7. عباس حسن في النحو الوافي أقر بأن قول الكوفيين سديد مفيد يترتب عليه تيسير، وأصدر حكما قاطعا نهائيا يإباحته حيث قال: وقد أطلنا الكلام في أمر الإضافات السالفة لنفصل في أمرها بحكم قاطع -وهو إباحتها-.
    8. الأشموني في شرح الألفية يقر : “أجاز الفراء إضافة الشيء إلى ما بمعناه لاختلاف اللفظين. ووافقه ابن الطراوة، وغيره ونقله في “النهاية” عن الكوفيين، وجعلوا من ذلك ما ورد في الآيات القرآنية من نحو: {وَلَدَارُ الآخِرَةِ} ، {حَقُّ الْيَقِينِ} ، {حَبْلِ الْوَرِيدِ} ، {جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} ، وظاهر التسهيل وشرحه موافقته“. ا. هـ. الأشموني.
    9. ويقول الرضي في شرح الكافية -بعد أن شرح مذهب الكوفيين وغيرهم وعرض أمثلة مما سبق- ما نصه: “الإنصاف أن مثله كثير لا يمكن دفعه“.
    10. المحقق أحمد قشّاش في إسفار الفصيح، يقر بأنه استعمال لغوي صحيح بقوله: وأرى أن إضافة الشيء إلى صفته استعمال لغوي سليم، وليس هناك ما يدعو إلى تكلف التأويل والتقدير، وما لا يحتاج إلى تأويل أولى وأجدر بالقبول مما يحتاج إلى تأويل.
    11. ابن مالك في كتاب “التسهيل” أقرّ وأخذ بمذهب الكوفيين، وجوّز ما منعه في ألفيته وفق ما جاء في أوضح المسالك.

النتيجة:

يثبت من كل ما تقدم أن إضافة الموصوف إلى صفته لغة عربية جائزة وفصيحة واردة عن العرب، أخذ بها جهابذة النحاة الكوفيين، فهي مذهب كوفيّ لم يَرُج إلى يومنا هذا بل غلب عليه المذهب البصري، الذي يمنع هذا النوع من الإضافة.

وبناء عليها فإذا أردنا وصف من يعترض على هذه اللغة بأنهم عرب لا يتقنون لغتهم الأم، قلنا أنهم: “العرب الأعاجم”، وأمكن للدلالة على نفس المعنى القولُ بأنهم “أعاجمُ العرب” بإضافة الصفة إلى الموصوف، كما أمكن أيضا وصفهم بكل سهولة للدلالة على نفس المعنى وذاته بالقول إنهم “عربُ الأعاجم”؛بإضافة الموصوف إلى الصفة لاختلاف اللفظين مع نفس الدلالة المعنوية لهما، فهما ذات الشيء ونفسه بما يخص هذه الحفنة من العرب، فهم عرب وأعاجم في نفس الوقت.

والأهم من هذا كله، أنه قد ثبت أن إضافة الموصوف إلى صفته لغة قرآنية فصيحة، وأكبر دليل عليها قول الله تعالى في موضعين من القرآن الكريم “ ولَدار الآخرة خير” فأضاف دار إلى الآخرة كإضافة موصوف لصفته، حيث وردت هذه الصفة في سبعة مواضع أخرى من القرآن الكريم بصيغة ” الدار الآخرة” مما يؤكد أن الأصل فيها نعت ومنعوت حُولت صيغته إلى إضافة المنعوت إلى نعته في موضعين آخرين؛ وهذا أكبر دليل على فصاحة وبلاغة هذه اللغة العربية التي ظلمها البصريون بتزمّتهم اللّغوي المقيت.

وثبت بذلك، أن كل الفقرات التي وردت في كتابات المسيح الموعود عليه السلام محتويةً على تعابير فيها إضافة الموصوف إلى صفته مما ذكرناه أعلاه، لهي لغة عربية فصيحة وبليغة يشهد على فصاحتها وبلاغتها القرآن الكريم، وبسبب ندرتها في يومنا هذا تكون بذلك مظهرا آخر من مظاهر الإعجاز اللغوي في كلام المسيح الموعود عليه السلام، وحجة بالغة على كلّ من تسوّل له نفسه التطاول على لغة المسيح الموعود عليه السلام، فهي لغات عربية ونكات أدبية جاءت بتعليم الوحي الرباني للمسيح المحمدي، الذي أقرّ بأن الله علّمه أربعين ألفا من اللغات العربية، وقال:

إن كتاباتي كلها منصبغة بصبغة الوحي لأنها كُتبت بتأييد خاص من الله تعالى. … أكتب أحيانا بعض الكلمات والجمل ولكني لا أعرف معناها إلا عندما أرجع إلى القواميس بعد كتابتها. (سيرة المهدي رواية 104)،

وأقر أيضا: “ أنني ألاحظ أن التأييد الإلهي الإعجازي يحالفني وقتَ التأليف والكتابة بشكل خاص؛ فأشعر لدى كتابة شيء بالعربية أو الأُردية كأن أحدًا من داخلي يعلّمني. إن كتاباتي كلها، سواء العربية منها أو الأردية أو الفارسية، تنقسم دائما إلى قسمينِ:

الأول: تتراءى لي على التوالي سلسلة من الألفاظ والمعاني بمنتهى السهولة فأكتبها ….

الثاني: يتم بطريق خارق للعادة كليةً؛ وذلك أنني حين أكتب شيئًا بالعربية مثلا وأحتاج إلى بعض المفردات التي يتطلبها السياق ولا أعرفها فإن الوحي الإلهي يهديني إليها. (نزول المسيح)

فثبت بذلك صحة وفصاحة وبلاغة لغة المسيح الموعود العربية، وثبت بذلك صدق حضرته بكل ما قاله وادعاه أعلاه عن تعليم الوحي الرباني له لهذه اللغة.

أعجمة هذه يا “عربَ الأعاجم”!؟ أقول: الآن لن تسكتوا فقط، بل سيصيبكم بُكم مزمنٌ لا برء منه ولا شفاء!!!! فاخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ !!!