المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية .. 225

نكتة الخطأ في الظرف المبني على فتح الجزأين..2

الفصل بالواو المهملة بين جزأي التركيب المزجي المبني على فتح الجزأين

الاعتراض:

قيل بأن المسيح الموعود عليه السلام قد أخطأ في الجملة التالية:

وتتعهدها صباح ومساء زُمَرُ المعتقدين (مكتوب أحمد، ص 26).

وقيل بأن موضع الخطأ يكمن في كلمات الظرف (صباح ومساء)، والتي حُركت في الطبعات الجديدة لكتاب مكتوب أحمد بالفتحة (صباحَ ومساءَ) على اعتبارها ظرف مبني على فتح الجزأين.

إلا أن هذا لا يصح وفق المعترضين، وذلك لأنه إذا كان ظرفا مبنيا على فتح الجزأين وجب سقوط الواو ليكون (صباحَ مساءَ)؛ وإلا فوجب اعتباره ظرفا ليس مبنيا على فتح الجزأين، بل بعطف جزئه الثاني على الأول، مما يحتم أن تظهر أجزاءه بتنوين النصب (صباحًا ومساءً).

وعلى “كلتي الحالتين” فالخطأ واقع في هذا التعبير لا محال، إما بوجود الواو بين جزأي الظرف المبني على فتح الجزأين أو بسقوط تنوين الفتح مع الألف في كلمة (صباحًا).

الرد:

سبق ووجهنا هذه العبارات (صباح ومساء) على تنوين النصب على لغة ربيعة، بكتابته دون الألف، لتكون العبارة (صباحً ومساءً)، وذلك في مقال سابق (مظاهر الإعجاز 71 ، على الرابط التالي: https://wp.me/pcWhoQ-479 ) يرجى الرجوع إليه.

إلا أنه بالإضافة إلى هذا التوجيه فقد عثرنا على توجيه آخر ، وهو ورود الفصل بين جزأي التركيب المزجي بالواو المهملة. فالظرف المركب (صباح مساء) هو تركيب مزجي مبني على فتح الجزأين، وقد وردت بعض المركبات المزجية التي من هذا الصنف بالفصل بين جزأيها بالواو المهملة سماعا ، كالتركيب المزجي (كيتَ وكيتَ) و التركيب المزجي (ذيتَ وذيتَ) .

فعن الظرف (صباح مساء) المركب تركيبا مزجيا يقول النحو الوافي:

“من أنواع المركب المزجي ما يستعمل غير علم؛ كالمركب العددي، …

وكالظروف المركبة، مثل: “صباحَ مساءَ” في مثل: “والدي يسأل عنا صباحَ مساءَ” أي: دائمًا. وكالظروف المركبة في مثل: “أنت جارُنا بيتَ بيتَ”، أي: ملاصقًا.

فكل هذه المركبات التي من نوع الأعداد، والظروف، والأحوال -مبنية على فتح الجزأين في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب حالتها من الجملة؛…” [النحو الوافي (1/ 313)]

 

وعن هذه المركبات المزجية  جاء في النحو الوافي ما يلي:

” وثالثها: المركب المزجيّ: وهو ما تركب من كلمتين امتزجتا “أي: اختلطَتَا؛ بأن اتصلت الثانية بنهاية الأولى…..” [النحو الوافي (1/ 300)]

وفي الهامش يقول عن هاتين الكلمتين اللتين تركبان معا التركيب المزجي ، يقول ما يلي:

وقد تفصل بينهما الواو المهملة – وهي الزائدة سماعا لمجرد الفصل بين الكلمتين، ولا تفيد عطفا، ولا غيره – في مثل كيت وكيت، وذيت وذيت….” [النحو الوافي (1/ 300)]

ويتابع الحديث في الهامش عن المعنى المترتب من تركيب الكلمتين، بما يؤكد ورود بعض المركبات المزجية مفصولة بالواو المهملة كما يلي:

” أما إن كان هذا المركب المزجي من النوع الآخر الذي سيجيء “في ص 313” وهو الذي يبني على فتح الجزأين، “كالمركبات العددية، مثل: ثلاثة عشر، وأربعة عشر … أو: المركبات الظرفية، نحو: صباح مساء…. أو الحالية، نحو: فلان جاري بيت بيت أي…. ملاصقا…. أو: باقي المركبات الأخرى التي تبنى على فتح الجزأين معا، “ومنها ما يفصل بينهما الواو سماعا،….”  [النحو الوافي (1/ 301)]

وأعاد النحو الوافي قوله هذا في موضع آخر فقال:

إن المركب المزجي لا يكون إلا من كلمتين، فقط، “وقد تفصل بينهما الواو؛ في بعض الصور السماعية؛ كما في: “كيت وكيت، ذيت وذيت“”  [النحو الوافي (4/ 227)]

 

وعن هذه الواو المهملة، الفاصلة بين جزأي التركيب المزجي، ذكر النحو الوافي في سياق الحديث عن الأحكام التي انفردت بها واو العطف عن باقي أدوات العطف الأخرى، ما يلي:

“وجوب الفصل بها (الواو) مع إهمالها بين كلمتين مُعَينتين ينشأ منهما مسموع من التركيب المزجّى “من أمثلته: كَيْت وكيْت. ذَيْت وذيت … ” [النحو الوافي (3/ 569)]

 

وعن المركبات المزجية (كيت وكيت) و  (ذيت وذيت) يقول النحو الوافي ما يلي:

“كنايات أخرى. منها: “كيت … وذيت”

هاتان ليستا من كنايات العدد، وإنما يذكرها النحاة بعد تلك الكنايات للمناسبة بين النوعين في مجرد الكناية عن شيء.

وكيت وكيت -بفتح التاءين معا، وهو الأكثر، أو كسرهما معا، أو ضمهما كذلك- يكنى بهما عن القصة والخبر، أي: الحديث عن شيء حصل أو قول وقع؛ مثل: “صنع العامل كيت وكيت، وقال كيت وكيت”. ولا بد من تكرارهما مع فصلهما بالواو، واعتبارهما معا “وبينهما هذه الواو المهملة” مركبا مزجيا بمنزلة كلمة واحدة ذات جزأين، والجزءان معا مبنيان إما على الفتح، وإما على الكسر، وإما على الضم، في محل رفع أو نصب، أو جر، على حسب حاجة الجملة. وهذا المركب المزجي -عاملا- نائب في الحقيقة عن جملة، وهذا صح أن يعمل فيه القول في نحو: “أنت قلت كيت وكيت”؛ فيكون المركب المزجي -بتمامه- هنا في محل نصب، مفعولا به للفعل “قال” ….

وكل ما تقدم في: “كيت وكيت” يقال كاملا في: “ذيت وذيت”. من غير تفريق في شيء إلا في الحرف الأول الهجائي؛ فهو “كاف” في أحد المركبين، و “ذال” في المركب الآخر، ولا خلاف في شيء بعد هذا. [النحو الوافي (4/ 583)]

وعن هذه الواو الفاصلة بين الجزأين قال مرة أخرى:

“والمفهوم المتبادر من كلامهم أن هذه الواو مهملة جاءت وجوبا لمجرد الفصل بين جزأي المركب المزجي، فلا عمل لها ولا أثر إلا هذا الفصل المحض.”  [النحو الوافي (4/ 583)]

 

وبناء على كل هذا يتضح أن في بعض المركبات المزجية المبنية على فتح الجزأين جاءت الواو فاصلة بين جزأيها، وهي واو مهملة لا تفيد العطف ولا غيره سوى الفصل المحض، ومنها المركبات (كيت وكيت)   و (ذيت وذيت) . ورغم أن هذه الصيغ التي وردت فيها الواو الفاصلة أقر النحاة بأنها سماعية لا يقاس عليها، إلا أننا نرى بأن المسيح الموعود عليه السلام قد قاس عليها وجاء بهذه الواو الفاصلة في التركيب المزجي المشايه لها وهو (صباح مساء)؛ ليجعله  (صباحَ ومساءَ) قياسا على شبهه.

فأقل ما يمكن أن نقول عن هذا التركيب المزجي (صباحَ ومساءَ)، أن له وجها من وجوه اللغة العربية، وإن كان مما لا يقاس عليه وفق نظر النحاة. وعليه فلا يمكن القول بخطأ مثل هذا التركيب.

وقد أثبتنا في مقالات عديدة سابقة، أن أحكام القياس وعدم القياس التي أنزلها النحاة في لغات العرب ليست بالأحكام القطعية، ولا هي بالقرآن المنزل، فقد خالفها العديد من النحاة وعلى رأسهم ابن مالك .

كما أننا أثبتنا أن المسيح الموعود عليه السلام يحاكي في لغته العربية لغات العرب المختلفة على أصالتها، وقبل أن تداهمها تصنيفات النحاة المختلفة. وعليه فنحن لا نستبعد أن يكون المسيح الموعود  عليه السلام، قد قاس على ما قرر النحاة بعدم القياس عليه، أخذا به على أصالته في اللغة العربية. ومن يدري فلعل هذا الذي جاء به المسيح الموعود عليه السلام دون ورود السماع به، قد كان لغة من لغات العرب التي ضاع أكثرها كما أثبتناه في مقالات سابقة، وعليه فلا يمكننا إهمال مثل هذا التوجيه لمجرد عدم ورود السماع به أو أن النحاة قرروا عدم القياس عليه.