# المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..214

 

دلالة أفعل التفضيل على المفاضلة المطلقة وتجرده من المفاضلة

 

الاعتراض:

نعرض فيما يلي اعتراض المعترضين بحذافيره كما عرضوه بصيغة التحدي فقالوا:

“التحدي التاسع الثلاثون: اسم التفضيل

إذا أُضيف اسم التفضيل إلى نكرة فيلزمه الإفراد والتذكير والتنكير، ويكون المفضَّل عليه (المضاف إليه) مطابقا للمفضَّل في النوع والعدد. كما أنه لا يُشتقّ من الفعل غير القابل للتفاوت، مثل مات، إلا إذا حمل معنى آخر.

وفيما يلي أخطاء الميرزا:

1: وقد وجب علينا إعلام المتغفلين بأسرع أوقات (نور الحق، ص 17). الصحيح: في أسرع وقت.

2: وتبلُغ دعوتُه وحجّته إلى أقطار الأرض بأسرعِ أوقاتٍ كبرق يبدو من جهة فإذا هي مشرقة في جهات. (الخطبة الإلهامية، ص 76). الصحيح: في أسرع وقت.

3: فأي دليل واضح من هذا إن كنت من المنصفين؟ (حمامة البشرى، ص 191). الصحيح: أوضح.

4: يقولون أنت كاذب! فما لهم إنهم ينبّهونني عني، ويظنون أنهم أعثَرُ على نفسي مني؟ (مواهب الرحمن، ص 41). الصحيح: أعرف.

“عثرَ الرّجل يعثرُ عثراً إذا اطلّع على شيء لم يطلّع عليه غيره” (العين). وحيث إنّ عملية العثور على الشيء تتمّ في لحظة، فلا مجال للتفاوت فيها، أي لا يصحّ أن نقول إن زيدا عثر على الكنز أكثر من عمرو، بل هما متساويان في العثور عليه، ولا مجال للمقارنة في العثور نفسه، بل يمكن أن نقارن بينهما في سرعة العثور مثلا، فنقول: زيد أسرع من عمرو في عثوره على الكنز.

5: وفي كلّ سنةٍ يرى صورته أوحشَ من سنة أولى (الاستفتاء، ص 10). الصحيح: أوحش من السنة السابقة.

6: وثبت بالقطع واليقين أن زمان الأمّة المرحومة المحمدية قليل في الحقيقة من زمان الأمّة الموسوية والعيسوية (الخطبة الإلهامية، ص 110 – 111). الصحيح: أقلّ.

7: وهو أول رجال بايعوني [حمامة البشرى]

8: فالزمان الأوّل هو زمانٌ أوّل من القرون الثلاثة مِن بُدُوِّ زمان خير البرية. (سر الخلافة) الصحيح:فالزمان الأول هو أول القرون الثلاثة بعد خير البرية

9: هذا آخرُ حِيَلٍ أردناه في هذا الباب. (مكتوب احمد )  الصحيح: هذه آخر حيلة أردناها ” [ إلى هنا النقل عن المعترضين].

 

الرد:

هذا الردّ خلاصة بحث طويل سأنشر قريبا كبحث مفصّل لمن يرغب الاطّلاع عليه. ولكن هذه الخلاصة تكفي كرد مختصر.

1: الفقرات 1و2و7و9 تندرج تحت أفعل التفضيل المضاف إلى نكرة. ولا مانع في هذا النوع من (أفعل التفضيل) أن يضاف إلى جمع أي أن يكون المفضول جمعا. ولذا لا خطأ في إضافة أفعل في هذه الجمل إلى صيغة الجمع. غير أنه من شروط أفعل التفضيل المضاف إلى نكرة، أن يتطابق الموصوف بأفعل والمفضول في التذكير والإفراد وفروعهما.

2: في الفقرات 1و2 لم يُذكر الموصوف، وفي الفقرات 7و9 جاء الموصوف مفردا وليس متطابقا مع المفضول في الجمع. وهذا لأن في كل هذه الفقرات خرج (أفعل التفضيل) عن معنى التفضيل الخاص وهو التفضيل على المفضول وحده، إلى واحد من المعنيين التاليين:

الأول: فإما أن يقصد به المفاضلة المجردة أي التي تشمل المفضول وغيره أيضا، ليكون على معنى “الأفضل من بين” أي الأفضل من كل مَن سواه. وهذا هو المعنى والتوجيه الأرجح.

والثاني: هو التجرّد عن معنى المفاضلة كليا، للدلالة على اسم الفاعل أو الصفة المشبهة، ولا يكون في الكلام معنى المفاضلة بتاتا.

وفي هذين النوعين من استعمال أفعل التفضيل، تسقط الشروط المتعلقة بأفعل التفضيل المضاف إلى نكرة ، ولا يشترط حينها أن يتطابق الموصوف والمفضول على الأقل في الإفراد وفروعه.

3: على هذين المعنيين تتخرج الفقرات ذات الصلة من كلام المسيح الموعود عليه السلام. فهي تعني وفقا لهذين التوجيهين ما يلي:

في الفقرة 1و2: أسرع أوقات : الأسرع من بين الأوقات(على التوجيه الأول)  وهو الأرجح. أو: أوقات سريعة، أو بسريع أوقات، على التوجيه الثاني .

في الفقرة السابعة: هو أول رجال بايعوني: أي الأسبق من بين رجال بايعوني فهو أسبقهم وأسبق غيرهم في البيعة، (على التوجيه الأول وهو الأرجح). أو: سابق رجال بايعوني (على التوجيه الثاني).

في الفقرة التاسعة: هذا آخر حيل أردناه في هذا الباب: أي الآخِر من بين حيل أردناه، فهو آخرها وآخر غيرها في هذا الباب. (على التوجيه الأول وهو الأرجح). أو: أخير حيل أردناه، على التوجيه الثاني.

4: وعليه فلا لزوم في هذه الجمل أن يكون المضاف إليه مفردا كما يدّعي المعارضون، لأن َ التفضيل في هذه الصيغ قد خرج عن معنى التفضيل عن المفضول وحدَه إلى غير هذا المعنى، وسقط عنها شرط تطابق الإفراد بين الموصوف والمفضول. فلا خطأ في كل هذه الفقرات، بل نكات ولطائف لغوية يعجز عنها حتى بلغاء اللغة وعلماؤها.

 

5: توجيه آخر لهذه الفقرات هو على اللغة القرآنية الواردة في الآيات الكريمات:

_ { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (5) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } (التين 5-6) وفيها في قوله تعالى: أسفل سافلين، المفضل مفرد والمفضول جمع نكرة ، تماما كما في بعض فقرات المسيح الموعود عليه السلام.

_ {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} (البقرة 42)

ففي هذه الآيات لم يتطابق المفضَّل والمفضول في الإفراد والجمع على النقيض مما تقوله القواعد النحوية، رغم أن أفعل مضافة إلى نكرة. فليس من البعيد أن تكون هذه لغة قائمة جائزة، لورودها في القرآن الكريم، بعيدة عن تأويلات النحاة واختلافاتهم في استنباط القواعد النحوية منها.  ليجوز وفق هذه اللغة عدم تطابق المفضل والمفضول في الإفراد والجمع حتى في أفعل التفضيل الذي على معنى المفاضلة الخاصة، والله أعلم.

6: يتبين من كل هذا صحة وفصاحة فقرات المسيح الموعود عليه السلام، ولا شك في أن هذا الموضوع دليل كبير على الإعجاز اللغوي في لغته عليه السلام، لما يتضمنه من معان نحوية دقيقة جدا، من الصعب الاهتداء إليها إلا بعد بحث مضنٍ في أفعل التفضيل واستعمالاته المختلفة. غير أن المسيح الموعود عليه السلام لم يكن بحاجة إلى هذه البحوث المضنية، فكفيله الوحي المتنزل عليه، والذي يعلّمه هذه اللطائف والدقائق اللغوية، لتكون من مظاهر الإعجاز العظيم في لغته عليه السلام.