المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..128

تجويز النحاة صرف الممنوع من الصرف على الإطلاق ..

الاعتراض:

قيل بخطأ المسيح الموعود عليه السلام في العديد من المواضع التي صرف فيها الاسم الممنوع من الصرف كما في الفقرات التالية:

  1. فاجعل حبلا في جيدي، و ((سلاسلا)) في أرجلي (التبليغ)
  2. وإن للأولياء ((حواسًّا)) آخر تتنزل من تلقاء الحق (التبليغ)
  3. ويهب لهم مدارك و ((حواسّا)) (نجم الهدى)
  4. وترى فيهم ((موادًا)) سُمِّيّةً من البخل والعُجب (مواهب الرحمن)
  5. “إنّا أَمَتْنا أربعةَ عشرَ ((دوابًّا)).” (حقيقة الوحي)
  6. وإنّا نرى ((خواصًّا)) وتأثيرات في أدنى مخلوقاته (حمامة البشرى)
  7. ولن تجد ((محامدًا)) لا في السماوات ولا في الأرضين إلا وتجدها في وجهي (كرامات الصادقين)
  8. أن تلك الأرض كانت مبدأً للفساد، ((ومنبعًا أولاً)) لفتن التنصر ولجعلِ العبد إلهاً. (حمامة البشرى)

الرد:

لقد رددنا على هذا الموضوع في مقالين سابقين (مظاهر الإعجاز 4 و مظاهر الإعجاز 5 ) وقلنا في المقال الأول أن صرف الممنوع من الصرف، قد جوّزه النحاة للضرورة الشعرية، وللتناسب اللفظي والموسيقى في الكلام، كما ورد في القراءات القرآنية المختلفة. وأما في المقال الثاني فقد أثبتنا أن صرف الممنوع من الصرف ليس مقتصرا على التناسب اللفظي والضرورة الشعرية، بل جائز على لغة بعض القبائل العربية المعروفة بفصاحتها والتي صرفت الممنوع من الصرف على الإطلاق.

ومن الشواهد المؤيدة لما ذهبنا إليه في المقال الثاني، ما ورد في كتاب “ما تعدد فيه النقل عن الفراء في ضوء معاني القرآن” للدكتور حمدي محمود الجبالي حيث جاء فيه ما يلي:

صرف ما لا ينصرف في اختيار الكلام:

نقل الرضي عن الأخفش والكسائي أنهما أجازا صرف ما لا ينصرف غير (أفعلَ من) مطلقا، في سعة الكلام، وأنكره غيرهما، إذ ليس بمشهور عن أحد في الاختيار، نحو: جاءني أحمدٌ وإبراهيمٌ، ونحو ذلك. ولا ريب في أن قوله:”وأنكره غيرهما” يعني أن الفراء من زمرة المنكرين. بيد أن ما في (معاني القرآن) يخالف ما ذكره الرضي. فالفراء كالكسائي والأخفش يجيز اختيارا صرف غير (أفعل من) غير أنه يشترط أن يكون اسما معرفة، فيه ياء أو تاء أو ألف.

وعرض أبو جعفر النحاس مذهب الفراء هذا، وأكد على موافقة الفراء الكسائي والأخفش في جواز صرف ما لا ينصرف في اختيار الكلام. وأما إذا لم يكن أول ما لا ينصرف ياء أو تاء أو ألف فالفراء يرى جواز صرفه في الشعر فقط. “[ “ما تعدد فيه النقل عن الفراء في ضوء معاني القرآن” 15-16]

بناء على هذا يتضح أن كلا من الكسائي والأخفش قد جوزا صرف الممنوع من الصرف (غير أفعل من) على السعة واختيار الكلام مطلقا ودون قيد أو شرط .

ووافقهم الفراء في ذلك غير أنه قيد الأمر في الأسماء المعرفة، التي أوّلها ياء أو تاء أو ألف؛ فغير هذه جوز صرفها فقط في الشعر.

وكل هذا يدعم ما ذهبنا إليه في المقال الثاني (مظاهر الإعجاز 5)، بجواز صرف الممنوع من الصرف على لغة بعض القبائل العربية القحطانية المعروفة بفصاحتها ونقاء لغتها. فعلى ما يبدو أن النظرة الثاقبة للكسائي والأخفش، قد مكنتهم إلى معرفة أن صرف الممنوع من الصرف لم يكن مقيدا بالضرورة الشعرية ولا بالتناسب اللفظي كما ذهب إليه معظم النحاة. وهذا ما أقرته الابحاث الجديدة التي اعتمدنا عليها، والتي تقول بأن صرف الممنوع من الصرف لهو لغة اصيلة فصيحة غير مقيدة بالضرورة والتناسب اللفظي.