المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..267

نكتة اشتقاق اسم الفاعل واسم المفعول من الفعل اللازم من دون صلة للتعدية

تعدية الفعل (غفَر) بنفسه أو على التضمين وأمثلة من أمّات المراجع

الاعتراض:

يقول الاعتراض ما مفهومه: اسم الفاعل واسم المفعول لا يُشتَقّ من الفعل اللازم إلا ومعه صلة لتعديته إلى المفعول، إلا أن المسيح الموعود عليه السلام يخطئ حتى في هذا، فيشتق اسم الفاعل واسم المفعول من الفعل اللازم دون أداة للتعدية كحرف الجر مثلا. وقد وقع هذا الخطأ في الفقرات التالية، فيما أشير إليه بين الأقواس المزدوجة.

1: والله إنهم كانوا من ((المغفورين)) (سر الخلافة، ص 15). الصحيح: المغفور لهم.

2: وإنهم من ((المغفورين)) (إعجاز المسيح، ص 13). الصحيح: المغفور لهم.

3: أولئك هم الصالحون حقًّا وأولئك من ((المغفورين)) (الهدى والتبصرة، ص 74). الصحيح: المغفور لهم.

فوفق زعم المعارضين فإن اشتقاق اسم المفعول من الفعل (غَفَر) لا يصحّ إلا بتعدية الفعل بأحد حروف الجر، لتكون الصيغة الصحيحة كما يلي: (المغفور له) وذلك لأن هذا الفعل لازم في الأصل ويتعدى بحروف الجر.

الرد:

كنا قد رددنا على هذه الترّهات من أقوال المعترض، بالنسبة لاشتقاق اسم الفاعل واسم المفعول من الفعل (غَفر) وأمثاله، في مقال تفصيلي سابق [(ينُظر: مظاهر الإعجاز 73) على الرابط: https://wp.me/pcWhoQ-47u ].

وملخص ما قلناه هناك أن لهذا الاستعمال توجيهين، الأول على التضمين، على اعتبار أن الفعل لا يتعدى بنفسه بل بحرف الجر، والثاني على جواز تعدية الفعل بنفسه وفق المعاني المختلفة التي يعنيها الفعل.

فالفعل (غَفَر) يمكن على التضمين أن يتضمن معنى الفعل (رحم) أو الفعل (حفظ)؛ وبذلك يكون قد ضمّن اسم المفعول “مَغفورِين” معنى أسماء المفعول ” مرحومين” أو ” محفوظين”. ومن هذا المنطلق يكون قد تعدى الفعل (غفر) بنفسه لتضمنه هذه المعاني.

وأما على اعتبار أن الفعل (غفَر) يعني الستر، أي (سَتَر) فممكن له أن يتعدى بنفسه ، فنقول (غفره) أي: (ستره)، فهو مغفور وذلك غافر. وعليه يكون معنى (المغفورون) أي: (المستورون).

والحقيقة أنه سواء أكان استعمال (مغفورون) على التضمين أو بمعناها الأصلي (الستر)، فهي في كلتي الحالتين تفي بهذه المعاني مجتمعة؛ فعلى التضمين يكون اللفظ قد أُشرب معنى الحِفظ والرُحم، وهو في الأصل يعني غفران الذنوب، فكل هذه المعاني هي سبب ونتيجة لبعضها البعض، فكيف يمكن أن يتحقق غفران الذنوب دون الرحم والحفظ، والعكس بالعكس. وكذلك الأمر على معنى الستر، فإن قولنا (مغفورون) يعني أنهم (مستورون) وكذلك مغفورة لهم ذنوبهم، إذ لا يمكن أن يتحقق أمر من هذا دون الآخر، فلا يمكن أن يُستروا دون غفر الذنوب، ولا يمكن أن تغفر ذنوبهم إن لم يسترهم الله.

فعلى أي حال، لا خطأ في اشتقاق اسم المفعول (مغفورين) دون صلة للتعدية من الفعل (غفر).بل فيه ما فيه من البلاغة في الدلالة على أكثر من معنى بلفظ واحد.

ولنا هنا أن نؤكد كل هذا، بإيراد بعض الأمثلة من كتب التراث العربي والإسلامي، لأئمة الأدب والدين، في استعمالهم لكلمة (مغفورون)، تمام كما استعملها المسيح الموعود عليه السلام، وهي كما يلي:

1: تفسير السمرقندي = بحر العلوم (1/ 562)

المؤلف: أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي (المتوفى: 373هـ)

ويقال: أَفَلا يَعْقِلُونَ أن الإصرار على الذنوب ليس من علامة المغفورين

2: تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (19/ 103)

المؤلف: فخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى: 606هـ)

عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا مَغْفُورِينَ وَلَا مَرْحُومِينَ

3: الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية (1/ 449)

المؤلف: نعمة الله بن محمود النخجواني، ويعرف بالشيخ علوان (المتوفى: 920هـ)

وهم كانوا في دار الجزاء مغفورين مسرورين

4: حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (5/ 220)

المؤلف: شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي المصري الحنفي (المتوفى: 1069هـ)

أن يقال إنّ الكفار مغفورون يعني أنه مخالف للظاهر،

5: روح البيان (8/ 455)

المؤلف: إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء (المتوفى: 1127هـ)

ان هؤلاء معذورون مغفورون

6: التفسير المظهري (1/ 153)

المؤلف: المظهري، محمد ثناء الله

لما كانوا محفوظين من الخطايا ومغفورين

7: فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (11/ 377)

المؤلف: شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي (المتوفى: 743 هـ)

منخرطٌ في سلك المغفورين

8: تفسير الألوسي = روح المعاني (7/ 102)

المؤلف: شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي (المتوفى: 1270هـ)

وإلا لصح أن يقال: الكفار مغفورون

9: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3/ 1105)

المؤلف: علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: 1014هـ)

لَيْسَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ أُمَّتِهِ مَغْفُورِينَ

10: فيض القدير (4/ 75)

المؤلف: زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى: 1031هـ)

لا أن يصير أمته كلهم مغفورين

11: فيض الباري على صحيح البخاري (1/ 170)

المؤلف: (أمالي) محمد أنور شاه بن معظم شاه الكشميري الهندي ثم الديوبندي (المتوفى: 1353هـ)

أن الأنبياءَ عليهم الصَّلاة والسَّلام كلهم مغفورون،

12: نوادر الأصول في أحاديث الرسول (2/ 239)

المؤلف: محمد بن علي بن الحسن بن بشر، أبو عبد الله، الحكيم الترمذي (المتوفى: نحو 320هـ)

فَلَا إِثْم عَلَيْهِ أَي يرجعُونَ مغفورين

13: كنز العمال (5/ 755)

المؤلف: علاء الدين علي بن حسام الدين ابن قاضي خان القادري الشاذلي الهندي البرهانفوري ثم المدني فالمكي الشهير بالمتقي الهندي (المتوفى: 975هـ)

ألا إن المساكين هم المغفورون، ألا إن المساكين هم المغفورون

14: جمع الجوامع المعروف بـ «الجامع الكبير» (14/ 343)

المؤلف: جلال الدين السيوطي (849 – 911 هـ)

ألا إن المساكين هم المغفورون، ألا إن المساكين هم المغفورون، ألا إن المساكين هم المغفورون“.

15: مجمع بحار الأنوار (5/ 313)

المؤلف: جمال الدين، محمد طاهر بن علي الصديقي الهندي الفَتَّنِي الكجراتي (المتوفى: 986هـ)

فهم معذورون مغفورون

فإن كان المعترض لا يزال مصرا على خطأ كلمة (مغفورون)، فليصدر لنا بيانا بخطأ كل هذه المصادر ومؤلفيها، الذين هم من جهابذة العلماء والدين واللغة؛ وإلا فليطمر رأسه في التراب!