المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..301

حذف التاء في العدد أو جواز التذكير والتأنيث في العدد والمعدود

الاعتراض:

نعرض فيما يلي قول المعترض في هذا الشأن، فيقول:

أخطاء الميرزا في الأعداد فادحة

الأعداد في اللغة العربية من 11 حتى 12 تتفق مع المعدود تذكيرا وتأنيثا،

كما في الآية: {رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} (يوسف 4)، {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} (المائدة 12).

أما من 13 حتى 19 فإنّ جزءها الأول يخالف المعدود تذكيرا وتأنيثا، بينما يوافقه الجزء الثاني، فيكون “عشر” مع المذكر، و “عشرة” مع المؤنث .. كما في الآية: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [ملاكا]} (المدثر 30) .. أي أنّ “عشر/عشرة” تتفق مع المعدود تذكيرا وتأنيثا في كل الأعداد من 11 حتى 19.

وفيما يلي أخطاء الميرزا، حيث كان يجب أن يقول: “عشرة”، فقال: “عشر”:

1: فقد مضت عليه إحدى عشر سنة من رأس القرن. (حمامة البشرى، ص 190)

2: يُقيم عيسى تسع عشر سنة لا يكون أميرا ولا شرطيا. (حمامة البشرى، ص 190)

3: وقد مضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشر سنة في مكة. (حمامة البشرى، ص 190)

4: قد انقضت على رأس المائة إحدى عشر سنة فما نظرتَ. (سر الخلافة)

5: مضت عليَّ إحدى عشر سنة في شغل الإشاعات. (نور الحق)

 

الرد:

قد يبدو لأول وهلة أن ما ورد في هذه الأعداد هو من الخطأ كما يظن المعترض. ولكن بإلقاء نظرة ثاقبة في الأمر، نرى أن ما يُلفت النظر في كل هذه الجمل التي جاء فيها العدد المركب بحذف التاء، أنها كلها قد جاءت مع تمييزها بكلمة “سنة” ؛ ولا بدّ أن يكون السرّ كامنا في هذه الكلمة في تفسير حذف التاء من كلمة “عشر” الواردة فيها.

ففي بحث دؤوب وتدقيق كامل في باب العدد والمعدود، وفي محاولة لتلمس المواضع التي يجوز فيها حذف التاء، نجد أن حذف التاء هذا في باب العدد والمعدود، ليس بالأمر الغريب ولا هو من الممنوعات القطعية في النحو. فحذف التاء في العدد والمعدود نراه متعلقا بالمواضع التي يجوز فيها تذكير وتأنيث العدد او المعدود على حد سواء.

فقد ذكرت المصادر النحوية كما سنبيّنه لاحقا، جواز التذكير والتأنيث في العدد في المواضع التالية:

1: حين يتقدم المعدود على العدد وكان اسم العدد صفة

2: حين يُحذف المعدود ليدل عليه السياق فقط

3: حين يكون التمييز مجرورا بمن، وهذا جائز في أدنى العدد وبعد المئة والألف؛ ولربما في العقود والأعداد المركبة، وليس مقصورا على كون التمييز اسم جمع أو اسم جنس جمعي كما هو رائج.

4: إذا كان لفظ المعدود مذكرا والمعنى مؤنثا حقيقة أو مجازا، أو إن كان مؤنثا لفظا وهو في المعنى مذكر.

5: إذا كان  المعدود لفظ مجموع بالالف والتاء، ومفرده مذكرا؛ فيجوز فيه مراعاة المفرد المذكر أو لفظ الجمع المؤنث، وذلك وفق الكسائي والبغداديين.

6: إذا كان المعدود مما يجوز فيه التذكير والتأنيث مثل الكلمات: حال ونفس.

7: إذا كان المعدود اسم جنس جمعي مثل (بقر وشجر) أو اسم جمع مثل (رهط وذود وقوم)؛ وذلك لأن العرب تذكر وتؤنث هذه الجموع.

 

 

ففي كل هذه المواضع يجوز التذكير والتانيث في العدد، وعليه يجوز حذف التاء في أدنى العدد وإن كان المعدود مذكّرا. وكل هذا تُقر به المصادر النحوية ومجمع اللغة المصري، الذي اعتمد على بحث للأستاذ محمد شوقي أمين لإصدار قرار هام وهو “جواز لزوم أدنى العدد (من ثلاثة إلى عشرة) حالة التأنيث وجواز جرّ المعدود بمِن”.

ففي بحثه اورد الأستاذ محمد شوقي أمين عضو مجمع اللغة العربية المصري، العديد من أقوال النحاة والنتائج المستخلصة منها ، وإليكم أهم ما جاء في هذا البحث:

1: يجوز في أدنى العدد وكذا بعد المئة والألف ومضاعفاتهما أن يكون التمييز مجرورا بمن دائما، وإن لم يكن من أسماء الجمع  (مثل قوم ورهط) أو أسماء الجنس الجمعي (مثل بقر وشجر). وذلك لورود هذا في القرآن الكريم بقوله تعالى {سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} (الحجر 88) {بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ } (آل عمران 126) ولوروده في الشعر ، فنقَل ما فصَّل فيه الرضي حيث قال:

“إذا لم تجر ألفاظ العدد على الموصوف، أتي بما كان موصوفا به بعدها، إما مضافا إليه نحو: ثلاثة رجال، ومئة رجل، وإما بمن نحو: ثلاثة من الرجال ، وإما منصوبا نحو: عشرون درهما”

وانا لا أرى مانعا من جر المعدود بـ “مِن” بعد الأعداد المركبة وكذا بعد العقود، لنقول جاء ثلاثَ عشرةَ من النساء أو ثلاثةَ عشرَ من الرجال، أو أن نقول: جاء عشرون من المعلمين أو عشرون من الرجال.  فحيث إن الجر بمِن  هو بمعنى الإضافة كما يقر به النحاة (ينظر في أصول اللغة ،ج3، ص135) والإضافة جائزة في الأعداد المركبة مع  الإبقاء على البناء على فتح الجزأين وعدمه ، كما يصرح بذلك النحو الوافي في حديثه عن إضافة العدد المركب [ينظر: النحو الوافي (4/ 534-535)]؛ كما وأن الإضافة العقود (ينظر : همع الهوامع في شرح جمع الجوامع (2/ 348- 347 – 345)}) ، فمتى جاز كل هذا في المركب والعقود من الإضافة، فما المانع في جواز جرّ المعدود بمن بعدها!؟

ولعل ما يؤيد هذا أن الاستاذ محمد شوقي أمين لم يقيّد العدد في خلاصته بأدنى العدد أو المئة والألف من أجل جرّ معدودها بمِن.

 

 

2: يجوز عند جر المعدود بمن حذف التاء وإثباتها في العدد، ولا إعمال لقاعدة المخالفة بين العدد والمعدود، لأن المعدود في هذه الحالة خرج من أن يكون تمييزا، ومما يشهد على ذلك ما في القرآن الكريم حيث جاء: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ } (الأحزاب 33)،  و{سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} (الحجر 88)؛ وهو ما لا ينطبق على قاعدة المخالفة. وفي القرآن الكريم أيضا ما يجري على قاعدة المخالفة بقوله تعالى: { فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ} (البقرة 261)؛ وقد نقل الباحث عن إبراهيم مصطفى حيث قال: “عند جر المعدود بمن فلا يراعى الجنس لأنه ليس بتمييز، ومن ثم لا إعمال لقاعدة المخالفة. وعند ابن عصفور أن “مِن” للتبعيض، وما بعدها ليس بتمييز. وفي كتاب الله قوله تعالى : {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} (الأحزاب 33)، فلولا “مِن” لكان القول ” كأحد النساء”، وفي الكتاب أيضا  قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} (الحجر 88) فإن اعتُبر مفردها (مَثْنى) وهو مذكر، كانت القاعدة غير عاملة، ولو كانت عاملة لقال: “سبعة من المثاني”.

 

3: يجوز حذف التاء وإثباتها في العدد إذا كان المعدود مقدَّما وجُعل العدد صفة،  أو إذا كان المعدود محذوفا، وذلك بناء على تعليق الصبان في حاشيته على الأشموني نقلا عن الصفوي في شرحه للكافية قوله: لو قُدم المعدود وجُعل اسم العدد صفة جاز إجراء القاعدة وحذفها كما لو حذف.   (لكل هذا ينظر في أصول اللغة ، ج3، ص131-139)

ويؤيد هذا الأستاذ عباس حسن في النحو الوافي فيقول في حذف المعدود أو تقدمه، ما يلي:

” فإن لم يتحقق الشرطان معا؛ بأن كان المعدود متقدما، أو كان غير مذكور في الكلام ولكنه ملحوظ في المعنى يتجه الغرض إليه، جاز في لفظ العدد التذكير والتأنيث؛ نحو: كتبت صحفا ثلاثا، أو ثلاثة، صافحت أربعة … أو أربعا …” [النحو الوافي(537-538/4)]

 

وفي بحث آخر للأستاذ شوقي أمين، في موضوع العدد والمعدود، أشار إلى أن الأمثلة الواردة عن العرب على غير قاعدة المخالفة في العدد والمعدود، ليست هي بأمثلة شاذة تستدعي التأويل كما ذهب إليه بعض النحاة، بل تومئ إلى ضابط نحوي غير مرجوع،  ولكن تناقله النحاة أيضا ولا بدّ من الإشارة أليه وهو: “يجوز تذكير وتأنيث اسم العدد على السواء إذا كان لفظ المعدود مذكرا ومعناه مؤنثا على الحقيقة أو على المجاز، ويسري هذا الجواز كذلك إذا كان اللفظ مؤنثا يدل على مذكر” ومن أمثلة ذلك : الشخص للرجل والمرأة، العين للسيد، المرضع للمرأة وغيرها.

وفي هذا نقل الباحث عن أئمة النحاة أقوالهم التالية:

1: يقول السيوطي في الهمع: إن ما كان لفظه مذكرا ومعناه مؤنثا، أو العكس، فإنه يجوز فيه الوجهان” …. ويتابع :” والعبرة في التذكير والتأنيث باللفظ غالبا، لا بالمعنى، وقد يعتبر في ذلك المعنى بقلة، فيُجاء بالتاء مع لفظ مؤنث لتأويل بمذكر، ويترك مع لفظ مذكر لتأويله بمؤنث”

2: وفي شرح التسهيل للدماميني: ” تحذف تاء الثلاثة وأخواتها إذا كان واحد المعدود مؤنث المعنى حقيقة أو مجازا. والاعتبار بالمعنى لا باللفظ” . (لكل هذا ينظر: في أصول اللغة، ج4، ص 180-182)

 

ويزيد  الأستاذ أمين السيد على هذه الحالات التي يجوز فيها التذكير والتانيث في اسم العدد، في مقال له في هذا الشأن، ما يلي فيقول:

_ “الجمع بالألف والتاء إذا كان مفرده مذكرا، نحو: ثلاث سجلات ، وثلاثة سجلات  فإثبات التاء في لفظ العدد رأي البصريين، وجواز حذفها رأي البغداديين والكسائي، مراعاة للفظ والجمع، ونحن بالرأي الثاني، ليصبح قول القائل: ثلاث جنيهات، وثلاث حمامات.

_ “إذا كان لفظ المعدود ما يجوز فيه التذكير والتأنيث، نحو:…. ثلاثة أنفس ، وثلاث أنفس، ثلاثة أحوال وثلاث أحوال،”   (لكل هذا ينظر: في أصول اللغة، ج4، ص 609-611)

ويؤكد النحو الوافي هذا الجواز، في حال كون المعدود محمولا على المجاز أو مؤنثا بمعنى المذكر أو مما يذكّر ويؤنّث معا، فيقول:

“فإذا كان المفرد مؤنثا تأنيثا حقيقيا “وهو الذي يلد ويتناسل، ولو من طريق البيض” وجب مراعاة هذا التأنيث بتذكير اسم العدد، سواء أكان التأنيث الحقيقي لفظا ومعنى معا،  أم معنى فقط. “مثل: فاطمة، زينب”.

وإن كان المفرد مذكرا لفظا ومعنى وجب مراعاة هذا التذكير بتأنيث اسم العدد. وفي غير هاتين الحالتين يصح اعتبار المفرد مذكرا أو مؤنثا؛ كأن يكون مذكرا لفظا ومعناه مؤنث تأنيثا مجازيا، مثل “حرف” المراد به: كلمة. و”بطن”: المراد به: “قبيلة”، و”كتاب” المراد به: ورقاته … وكأن يكون مؤنثا لفظا ومعناه مذكر؛ مثل: طلحة، حمزة، معاوية، وكأن يكون لفظا يصلح للدلالة على المؤنث حينا والمذكر حينا آخر كالأمثلة السالفة “شخص، نفس، حال” وغيرها مما يصلح للأمرين”  [النحو الوافي (4/ 541-542)]

 

ويؤيد النحو الوافي الجواز في مسألة المجموع بالألف والتاء لما مفرده مذكر فيقول:

” إلا عند الكسائي، وبعض البغداديين؛ فيجيزون الرجوع إلى المفرد، أو مراعاة الجمع بلفظه الذي هو عليه. ورأيهم مخالف للأعم الأغلب الذي يحسن الاكتفاء به اليوم؛ منعا للتشتيت والاضطراب.” [النحو الوافي (4/ 538)]

 

 أما اسم الجمع وهو ما لا مفرد له من لفظه، فهو مما يذكر ويؤنث على معنى الجمع والجماعة، على لغات العرب المختلفة، كما ذكرنا ذلك مرارا ونقلنا عن كتاب الحمل على المعنى في العربية، حيث جاء: ” هو اسم يتضمن معنى الجمع غير أنه لا واحد له من لفظه، وإنما واحده من غير لفظه كقوم واحده رجل أو امراة، وأمّة واحدها رجل أو امرأة كذلك. ويجوز في فعله -كما جاز في فعل جمع التكسير – التذكير والتأنيث على معنى الجمع والجماعة. وقال تعالى في التأنيث: { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ} (ص 13) قال النحاس :”أنّث قوم على معنى الجماعة ولو جاء مذكرا لجاز على معنى الجميع “. وقد جاء مذكرا في قوله تعالى : { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ } (الأَنعام 67) فذكر على معنى الجمع. وقال تعالى: { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَ} (يوسف 31) فذكر فعل نسوة على معنى الجمع”   [ الحمل على المعنى في اللغة العربية ص 189-190]

ولذا فيجوز في عدده أن يكون مذكرا أو مؤنثا بإثبات التاء أو حذفها.

 

ونفس هذا الحكم سار على اسم الجنس الجمعي الذي يقول فيه النحو الوافي ما يلي:

“هذا النوع الذي يفرق بينه وبين واحده بالتاء المربوطة إذا وصف -وكذلك إن أخبر عنه، أو عاد عليه ضمير، أو إشارة- جاز في صفته: إما الإفراد مع التذكير على اعتبار: “اللفظ” لأنه جنس، أو مع “التأنيث” على تأويل معنى الجماعة،” [النحو الوافي (4/ 544)]

الخلاصة:

فهذه هي أقوال النحاة والعلماء في الأحوال السبعة التي أوردناها في جواز تذكير وتأنيث العدد، ومما يترتب عليه جواز حذف التاء أو إثباتها في اسم العدد. فالجمل المذكورة أعلاه من كلام المسيح الموعود عليه السلام تتوجه على الاعتابارات التالية:

1: أن حذف التاء في العدد – مع وجوب إثباتها وفق القواعد المعروفة – ليس بدعا من الأمر عند المسيح الموعود عليه السلام ؛ بل له نظائره الكثيرة في اللغة وفق أقوال النحاة أنفسهم. ولنا أن نعتمد ونركن إلى هذه النظائر من أجل تفسير وقوع هذه الظاهرة في العدد المركب في كلام المسيح الموعود عليه السلام.

2: من بين هذه الأحوال التي يجوز فيها التذكير والتأنيث، فإننا نرى بأن الحالة الرابعة لها أن تفسر حذف التاء في الجمل الواردة أعلاه من كلام المسيح الموعود عليه السلام. وهي الحالة التي يكون فيها اللفظ مذكرا ومعناه مؤنثا حقيقة أو تأويلا ومجازا، أو أن يكون اللفظ مؤنثا ومعناه مذكرا. حيث إن كلمة سنة المؤنثة قد يؤول مجازا أو حقيقة على معنى العام أو الحول وهي الفاظ مذكرة، وبما أنه في هذه الحال يجوز التذكير والتأنيث في أدنى العدد حملا على المعنى أو اللفظ، فقد ترك التذكير والتأنيث في جزأي المركب العددي، وأبقاه مفتوحا فلم يُثبت التاء في الجزء الأول على التذكير ولم يثبتها في الجزء الثاني على التأنيث.

 

3: كما أنه مما يمكن أن يفسر حذف التاء في هذه الجمل، هو اعتبار كلمة سنة اسم جنس يحمل معنى المفرد والمثنى والجمع معا ، وذلك بناء على ما نقلناه في مقال سابق عن ابن عقيل حيث قال:

“والسنون جمع سنة والسنة اسم جنس مؤنث” {شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (1/ 63)}

وهذا مثيله ما نقلناه عن كلمة “مئة” وكلمة “ألف”  من النحو الوافي حيث جاء: ” قلنا: إن المراد بالمائة والألف هو جنسهما الشامل لمفردهما، ولمثناهما، ولجمعهما.. “[النحو الوافي (4/ 533)]. وباعتبار أن كلمة سنة قد تحمل معنى المفرد والجمع، فهي قد تعتبر مؤنثا على الإفراد أو على معنى الجماعة من السنين، وقد تحمل على معنى الجمع أي جمع سنين فتكون مذكرا . وعليه ولحملها على معنى المؤنث والمذكر حذفت التاء من المركب العددي.

وقد يقول قائل ، إن كان اللفظ مؤنثا ومعناه مذكرا، والكاتب يقصد المعنى في كلامه، فلا بد إذا من التذكير على معنى الحول أو العام، ولا بد حينها من إثبات التاء في الجزء الأول من المركب العددي. أقول هذا الأمر ليس صحيحا، فلو كان القصد على المعنى المذكر فيجوز في العدد اعتبار اللفظ، كما مثّلت لذلك المصادر أعلاه في القول، مثلا: ثلاث شخوص؛ والقصد الخلفاء الراشدين ، حيث جاء: ” أربعة شخوص، عُرفوا بالخلفاء الراشدين، ويصح أربع شخوص؛ ولكن التأنيث هنا أحسن” [النحو الوافي (4/ 542)]؛  ففي كل هذه الأحوال المحتملة معنى المذكر والمؤنث يجوز اعتبار اللفظ أو اعتبار المعنى.

وقد يقول قائل بأنه لا بدّ من إثبات التاء في أحد جزأي المركب العددي، إما على اعتبار اللفظ أو على اعتبار المعنى، فأقول:

قد يكون ترك التاء في اسم العدد المركب، قد جاء للفتة بلاغية مقصودة، يقصد منها المسيح الموعود عليه السلام تضمين لفظ السنة معنى العام أو الحول قاصدا المعنيين معا. ولكون اللفظ مؤنثا متضمنا معنى المذكر حذفت التاء سواء في الجزء الاول أو الثاني للمركب المزجي العددي؛ ليومئ أن المعنى متضمنا معنى السنة والعام أو الحول معا؛ وليومئ بذلك أن الأمر تقريبي، مثلا نظرا للفرق البسيط في المعنى بين هذه الكلمات حيث إن السنة هي عد أيام بينما الحول هو صيف وشتاء متعاقبين.  وقد أثبتنا أن التضمين والحمل على المعنى في لغة المسيح الموعود عليه السلام أمر وارد بكثرة في كلامه عليه السلام.

 

ومما قد يسعف في فهم كل هذا هو ان المركب المزجي هو كالكلمة الواحدة، حيث جاء :

“والمراد بالتركيب المزجي: كل كلمتي امتزجتا “أي: اختلطتا” بأن اتصلت ثانيتهما بنهاية الأولى حتى صارتا كالكلمة الواحدة..”  [النحو الوافي (4/ 227)]

فيكون المسيح الموعود عليه السلام قد عامله كالكلمة الواحدة من حيث إثبات التاء في آخره وحذفها، فعامله كما يعامل أدنى العدد من الثلاثة إلى العشرة ، دون النظر إلى جزأي المركب المزجي هنا.

4: كما أن ما يمكن أن يفسر حذف التاء في الجمل المذكورة أعلاه، هو أن المركب العددي في أصله  عطف كلمتين بواو العطف، فردَّ المسيح الموعود عليه السلام هذا الفرع إلى الأصل. حيث جاء:

“هذا، وأصل المركب العددي كلمتان بينهما واو العطف؛ أي: أحد وعشر، اثنا وعشر، ثلاثة وعشر … وهكذا. ثم حذفت الواو وركبت الكلمتان -لإبعاد معنى العطف- تركيبا مزجيا، ليؤديا معا معنى واحد جديدا لم تنفرد به واحدة. ويصح إرجاع هذه الواو في بعض الاستعمالات؛ ومنها ما هو مدون في ص567….” [النحو الوافي (4/ 520)]

فيكون تعامُل المسيح الموعود عليه السلام، في هذه الأعداد من قبيل رد الفرع إلى الأصل، فكأنه يقول في الجملة الأولى: إحدى وعشرُ سنة، وفي الجملة الثانية: تسعَ وعشرَ سنة، وفي الجملة الثالثة: ثلاثُ وعشرُ سنة، وهكذا على اعتبار العطف بين الأعداد، مع حذف حرف العطف وهو أمر جائز لغة كما يقر به النحو الوافي:

“أشرنا من قبل إلى أنه يجوز حذف العاطف وحده ولا يكون هذا إلا في الواو، والفاء، وأو. فمثال الواو قوله عليه السلام: “تصدق رجل، من ديناره، من درهمه، من صاع بره، من صاع تمره”، وما نقل من قول بعض العرب: أكلت خبزًا، لحمًا، تمرًا، . ” [النحو الوافي (3/ 640)]

وباعتبار العطف فإن كل عدد من جزأي المركب المزجي، يُعامل على حدة، بوجوب حذف التاء فيه، لكون كلمة سنة مؤنثة لفظا.

 

خلاصة الخلاصة:

حذف التاء في الجمل المذكوره أعلاه تتخرج على الإمكانيات التالية:

1: اعتبار كلمة سنة مؤنثا مؤولا بالمذكر على معنى الحول أو العام

2: اعتبار كلمة سنة اسم جنس يطلق على المفرد والمثنى والجمع، ويقصد منها جنسها، فتُحمل على معنى الجمع مذكرا أو الجماعة مؤنثا.

وفي هاتين الحالتين يصحّ تانيث العدد وتذكيره حملا على اللفظ أو المعنى، ففيها يجوز حذف التاء وإثباتها. هذا مع اعتبار المركب المزجي ككلمة واحدة يُعامل بجزأيه معا كلفظ واحد كأسماء أدنى العدد.

3: اعتبار أصل المركب العددي هو العطف، ومعاملة كل جزء من أجزاء المركب العددي على حدة على اعتبار العطف بينهما.