المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية… 306

شمل وإجمال لتمييز العدد في لغات العرب والمسيح الموعود عليه السلام

ورد في كلام المسيح الموعود عليه السلام الجمل التالية المتضمنة للعدد والمعدود:

1: وأراني فيه رؤيا ثلاث مرات، وأراني أن العدو أعدَّ لذلك ثلاثةً حُمّامًا لتوهين وإعنات (مواهب الرحمن)

2: إنا أَمَتْنا أربعةَ عشرَ دوابًّا، ذلك بما عصَوْا وكانوا يعتدون.” (الاستفتاء)

3: بشّرني ربي بعد دعوتي بموته إلى خمسةَ عشرَ أشهرٍ من يوم خاتمة البحث (كرامات الصادقين).( هذه الجملة لا تنتمي إلى العقود او العشرات من الاعداد ولكنها تنطبق عليها نفس القواعد لذا أدرجناها هنا)

4: فلبثوا في دار غربتهم إلى مدّةِ نحوِ ستينَ أعوامٍ. (لجة النور)

5: وإني جُعلتُ مسيحا منذ نحوِ عشرينَ أعوامٍ من ربّ علاّم. (تذكرة الشهادتين)

6: ومشوا معه إلى سبعينَ فرسخٍ وباتوا معه وأكلوا معه … أتظن أن سُلَّمَ السماءِ ما كان إلا على سبعينَ ميلٍ مِن مقام الصليب؟ (الهدى والتبصرة)

7: وهي مدينة عظيمة على ساحل بحر الروم بينها وبين بيروت ثلاثون أكواسًا  (نور الحق، ص 15).

8:  وأُحرق فيها زهاءُ خمسمائةٍ مجلداتِ كتابِ الله الفرقان ( التبليغ)

وكل هذه الجمل – عدا الأولى منها- قد اعترض عليها المعترضون مدّعين أنها أخطاء لغوية في تمييز العدد، باعتبارها جاءت على غير المعهود في قواعد اللغة العربية. وقد فصّلنا في مقالات عدة توجيه هذه العبارات من كلام المسيح الموعود عليه السلام، ولنا في هذا المقال أن نجعل الرد شاملا ومجملا في نفس الوقت ولنضيف عليه توجيه الجملة الأولى كذلك، لكونها من الفقرات التي اعتُرض عليها من قبل المعترضين القدامى. ونهجنا في هذا المقال سيكون بعرض لغات العرب المختلفة في تمييز العدد على أقسامه المختلفة، وكيفية انطباقها على عبارات المسيح الموعود عليه السلام المذكورة أعلاه.

بداءة بدء، نذكر ما جاء في شرح المفصل في قضية تمييز الأعداد، على النحو التالي:

“وقد قالوا: “ثلاثةٌ أثواباً”: وأنشد صاحب الكتاب [من الوافر]:

850 – إذا عاش الفتى مئتينِ عاماً … فقد ذهب اللذاذة والفتاء” [شرح المفصل لابن يعيش (4/ 10)]

 

وفي الهامش جاء:

“والشاهد فيه قوله: “مئتين عامًا” حيث أفرد الاسم المميز “عاما” ونصبه بعد “مئتين”، وكان الوجه حذف نون “مئتين” وخفض ما بعدها، إلَّا أنّها شبّهت للضرورة بالعشرين ونحوها مما تثبت نونه، وينصب ما بعده.” [شرح المفصل لابن يعيش (4/ 11)]

 

وجاء في نفس المصدر :

“وقال الآخر [من الطويل]:

852 – ثلاثُ مِئِينَ قد مَرَرْنَ كَوامِلًا … وهَا أَنَا هذا أَشْتَهِي مَرَّ أَرْبَعِ

وهذا- وإن كان القياسَ- إلَّا أنّه شاذ في الاستعمال، وقد يجوز قطعُه عن الإضافة وتنوينُه، ويجوز حينئذ في التفسير وجهان: أحدهما الإتباع على البدل، نحو: “ثلاثةٌ أثوابٌ”، والنصبُ على التمييز، نحو: “ثلاثةٌ أثوابًا”. وهو من قبيل ضرورة الشعر. فأمّا قوله [من الوافر]:

إذا عاش الفتى مائتَيْن عامًا … إلخ

فالشاهد فيه إثباتُ النون في “مائتين” ضرورةً، ونصبُ ما بعدها على التمييز، وهو “عام”، شبّهه بـ”عشرين”، و”ثلاثين”، وكان الوجه حذفَها، وخفضَ ما بعدها، والبيت للرَّبيع بن ضبع الفَزاريّ، والمعنى أنّه يصف هَرَمَه وذَهابَ لَذّاته، وكان نَيَّفَ على المائتين، ويروى: “تسعين عامًا”، فعلى هذا لا يكون فيه شاهدٌ. ومثله قوله [من الرجز]:

853 – أَنْعَتُ عَيْرًا من حَمِيرِ خَنْزَرَهْ … في كلّ عَيْرٍ مائتانِ كَمَرَهْ” لمّا أثبت النونَ، نصب “كمرةً” على التمييز. وأمّا قوله تعالى: {ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ} ، فإن “سنين” نصبٌ على البدل من “ثلاثمائة”، وليس بتمييز، وكذلك قوله: {اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} نصب “أسباطًا” على البدل، هذا رأيُ أبي إسحاق الزجّاج، قال: ولا يجوز أن يكون تمييزًا؛ لأنّه لو كان تمييزًا، لوجب أن يكون أقلُّ ما لبثوا تسعمائة سنةٍ؛ لأنّ المفسِّر يكون لكلّ واحد من العدد، وكلُّ واحد “سنون”، وهو جمع، والجمعُ أقلُّ ما يكون ثلاثةٌ، فيكونون قد لبثوا تسعمائة سنة. وأجاز الفرّاء أن يكون “سنين” تمييزًا على حدّ قوله [من الكامل]:

فيها اثنتان وأَرْبَعون حَلُوبَةً … سُودًا كخافِيَةِ الغُرابِ الأَسْحَمِ

وذلك أنّه جاء في التمييز “سُودًا”، وهو جمع؛  لأنّ الصفة والموصوف شيء واحد. والمذهبِ الأوّل؛ لأنّ الثواني يجوز فيها ما لا يجوز في الأوائل، ألا ترى أنّك تقول: “يا زيدُ الطويلُ”، ولو قلت: “يا الطويل”، لم يجز، فاعرفه.” [شرح المفصل لابن يعيش (4/ 13-14)]

وبناء على هذا وغيره نفصل في مسألة تمييز العدد على النحو التالي:

جدير بالذكر أن ناظر الجيش في تمهيد القواعد قد أقر بأن الخروج عن أصل باب التمييز في العدد جائز على قلة أو ضرورة حيث قال:

“ثم مميز المفرد الذي هو ألفاظ العقود ومميز المركب ومميز المعطوف واحد منصوب فهو تمييز اصطلاحي، كما أنه تمييز لغوي، ومميز المضاف مجرور فهو تمييز لغوي لا اصطلاحي، لكنه مع الثلاثة فما فوقها إلى العشرة مجموع، ومع المائة فما فوقها مفرد، هذا هو أصل الباب، وقد يقع الاستعمال بخلافه فيعدّ ذلك قليلا أو ضرورة كما ستقف عليه.” [تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (5/ 2400)]

فلنقف الآن على هذا الخروج بالتفصيل:

تمييز أدنى العدد من ثلاثة إلى عشرة :

فيه جاء :

_ قال ابن مالك: (مفسّر ما بين عشرة ومائة واحد منصوب على التمييز، ويضاف غيره إلى مفسّره مجموعا مع ما بين اثنين وأحد عشر…. وربّما قيل: …، وخمسةٌ أثوابًا، ونحو ذلك…. [تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (5/ 2399)]

 

_ “ومثله – في رواية من نصب (مائة) – قول حذيفة رضي الله تعالى عنه:

فقلنا: يا رسول الله أتخاف علينا، ونحن ما بين السّتّ مائةً، والسبع مائةً» فأجرى الألف واللّام – في تصحيح نصب المميز – مجرى النّون، من «مائتين عاما»، لاستوائهما في المنع من الإضافة، قال المصنف: وهذا يقوّي ما ذهب إليه ابن كيسان، من جواز: الألفِ درهمًا، والمائةِ دينارًا،” [تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (5/ 2405)]

 

_”وحكى الكسائيّ أن من العرب …ومنهم من ينصب مفسّر الثلاثة وأخواتها على التمييز، فيقول: لي خمسةٌ أثوابًا، وهو نظير قول الربيع:

1925 – إذا عاش الفتى مائتينِ عامًا ، ونظيره: «ونحن ما بين الستِّ مائةً» بالنصب.. [تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (5/ 2406)]

 

_ “ومنها: أنّ تمييز الثلاثة إلى العشرة لا يلزم ذكره مضافا إليه، بل قد يذكر بعد اسم العدد، مجرورا بـ (من) نحو: ثلاثة من الرجال، وقد يذكر تابعا لاسم العدد، نحو: ثلاثة قرشيّون، وقد نصّوا على أنّ الإتباع في نحو: ثلاثةٌ قرشيّون – يعنون في الصّفة – أحسن من الإضافة.

وقد ذكر ابن عصفور تقسيما، فقال: المعدود إمّا صفة أو جامد، فإن كان جامدا فالأحسن فيه الإضافة، نحو: «ثلاثة ُرجالٍ»، ثم الفصل بـ (من) نحو: «ثلاثةٌ من الرّجال»، ثم النصب على التمييز، نحو: «ثلاثةٌ رجالًا»، وإن كان صفة فالأحسن فيه الإتباع، نحو: «ثلاثةٌ قرشيّون»، ثم يليه النصب على الحال من (ثلاثة) نحو: «ثلاثةٌ قرشيّين»، ثمّ الإضافة، نحو: «ثلاثةُ قرشيين»، وهذا أضعفها، وسبب ضعفه استعمال الصفة استعمال الأسماء، يعني أن العامل أولها، ولا تستعمل الصفة استعمال الأسماء بقياس. انتهى.

وهو كلام مقبول، غير قوله: إنّ المعدود ينصب تمييزا نحو: «ثلاثةٌ رجالًا»؛ فإنّ ذلك لا يجوز عند البصريّين، وذكر الشيخ أنّ الفراء يجيزه قياسا .

وقد ذكر سيبويه أنّ نحو: «ثلاثة أثوابٍ»، قد تنوّن في الشّعر وينصب ما بعده، ولم يجزه في الكلام .

وأقول: إذا ورد نحو: «ثلاثةٌ أثوابًا» في الشّعر، أمكن أن يجعل (أثوابا) حالا –

من (ثلاثة) على حدّ قولهم: «عليه مائةٌ بيضًا». وعلى هذا لا يتجه قول ابن عصفور: ثم النصب على التمييز، نحو: ثلاثةٌ رجالًا؛ لأنّ في هذا خرم القاعدة المستقرة، من أنّ مميز الثلاثة إلى العشرة لا ينصب. [تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (5/2410- 2409)]

في الهامش: في تعليقه على القول بأن سيبويه لم يجز في الكلام (ثلاثةٌ أثوابًا)، علق ناظر الجيش صاحب التمهيد، بقوله:

” ظاهر كلام سيبويه جواز ذلك في الكلام. ينظر: التذييل والتكميل (4/ 157). والكتاب (1/ 260 – 266)، حيث قال سيبويه: «… ومثل ذلك في الكلام قوله تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً [النساء: 4]، وقررنا به عينًا، وإن شئت قلت: أعينًا وأنفسًا، كما قلت: ثلاثمائة وثلاث مئين ومئات». اه. “تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (5/ 2409)”

 

وفي الهامش تفسيرا لاعتبار “أثوابا” حالا، قال:

“(1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 160) حيث قال أبو حيان: «وقد أجاز أبو العباس في قولهم:

«عليه مائة بيضا» أن تكون (بِيضًا) تمييزا، ورد عليه بأن (المائة) لا تفسر بجمع منصوب، وإنما تفسّر بمفرد مجرور، وخرج سيبويه ذلك على الحال من النكرة، ألا ترى أنه لو رفع لكان صفة للمائة، والمائة مبهمة الوصف، فلذلك كان النصب حالا، والرفع صفة». اه.

وينظر أيضا: الكتاب (2/ 112).

(2) ينظر: المرجع السابق (4/ 161) حيث قال الشيخ أبو حيان: «واعلم أن انتصاب التمييز عن تمام الاسم في الأعداد والمقادير، إنما يكون إذا تعذرت  الإضافة، فإن لم تتعذر لم يجز النصب إلا في اضطرار الشعر». اه. [تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (5/ 2410)]

 

وإجمالا لهذه النقول في تمييز العدد – ثلاثة إلى عشرة – نقول ما يلي:

1: إن أصله أن يكون جمعا مجرورا بالإضافة أو مجرورا بمن مثل: ثلاثةُ رجالٍ ، ثلاثةٌ من الرجال

2: يجوز فيه القطع عن الإضافة للإتباع سواء كان مشتقا أو جامدا مثل: ثلاثةٌ قرشيون وثلاثةٌ أثوابٌ وحينها يكون بدلا أو عطف بيان (بالذات للجامد) أو نعتا (بالذات للمشتق).

3: قد يُقطع عن الإضافة فيأتي جمعا منصوبا على التمييز – بالأخص إن كان جامدا- مثل: ثلاثةٌ رجالًا وخمسة أثوابًا . والفراء يجيز هذا قياسا، كما نقلنا أعلاه. وقد نُقل هذا عن سيبويه أنه في الشعر، وجاء في هامش التمهيد أن ظاهر كلام سيبويه جوازه في الكلام كما نقلنا أعلاه. ونقله الكسائي عن العرب كذلك، وذكره ابن عصفور فيما نقلناه دون تقييد بالضرورة. فليس هو إذًا، من قبيل الضرورة الشعرية كما جاء في شرح المفصل.

4: قد يعتبر حالا كما جاء أعلاه: ثلاثةٌ قرشيين، أو ثلاثةٌ أثوابا وفق صاحب التمهيد.

5: قد يُقطع عن الإضافة فيأتي مفردا منصوبا على التمييز، مثل: السّتُ مئةً. كما في الحديث الشريف المنقول أعلاه.

وعليه لنا أن نوجه الفقرة الأولى من كلام المسيح الموعود عليه السلام حيث قال: ثلاثةً حُمّامًا أنها جاءت:

 أولا: على الإتباع –  فــ (حُمّاما) هي إما نعت أو بدل أو عطف بيان. وفي الحقيقة لسنا ملزمين للقطع فيها، فما يهمنا أنها على الإتباع لكي نثبت صحتها.

ثانيا : قد تعتبر حالا.

ثالثا: على أنها تمييز منصوب بصيغة الجمع.

علما أن كلمة (حُمّاما)، هي هكذا بالضم فالتنوين في النسخة التي بين يدي والنسخ الأصلية. لذا، فهي على الأغلب اشتقاق لجمع تكسير على وزن فُعّال من الفعل حمّ وفاعلها حامٌّ، حيث إن اشتقاق جمع التكسير على وزن فُعّال هو قياسي من وزن (فاعل). ومعنى الفعل حمّ وفاعله حامّ أي المعجل للأمر حيث جاء في لسان العرب:

“قال الشاعر يصف بعيره فلما رآني قد حَمَمْتُ ارْتِحالَهُ تَلَمَّكَ لو يُجْدي عليه التَّلَمُّكُ، وقال الفراء يعني عَجَّلْتُ ارتحاله قال ويقال حَمَمْتُ ارتحال البعير أي عجلته وحامَّهُ قارَبه” [لسان العرب (12/ 150)]

وقد يكون لها معان أخرى موافقة للسياق.

وعليه فلا أرى حاجة إلى تغيير هذه الكلمة كما في الطبعات الجديدة، حيث اجتهد فيها الناشر وظنها أنها (حُماة).

وبناء على كونها اسما مشتقا فهي على الأغلب إما نعت أو حال من ثلاثةً. وهذا هو الأرجح في توجيهها.

 

تمييز الاعداد 11-99 :

وفيه جاء:

“قال ابن مالك: (مفسّر ما بين عشرة ومائة واحد منصوب على التمييز، ….وربّما قيل: عشرو درهمٍ، وأربعو ثوبِه،…”

قد تناول قوله: مفسّر ما بين عشرة ومائة واحد منصوب على التمييز: أحد عشر وإحدى

عشرة وتسعة وتسعين وتسعا وتسعين وما بينهما كقوله تعالى حكاية: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وكقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن لله تسعة وتسعين اسما» ودلّ قوله: واحد على أن جمعه وهو تمييز لا يجوز مطلقا. وزعم الزمخشري في الكشاف أنّ أَسْباطاً من قوله تعالى: وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً تمييز،

وأجاز بعض العلماء أن يقول القائل: «عندي عشرون دراهم لعشرين رجلا».

قاصدا أنّ لكل منهم عشرين درهما.

قال المصنف: وهذا إذا دعت الحاجة إليه فاستعماله حسن وإن لم تستعمله العرب؛ لأنه استعمال لا يفهم معناه بغيره ولا يجمع مميز عشرين وبابه في غير هذا النوع فإن وقع موقع تمييز شيء منها جمع فهو حال أو تابع، كبني مخاض في قول ابن مسعود : «قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في دية الخطأ عشرين بنت مخاض وعشرين بني مخاض وعشرين ابنة لبون وعشرين حقّة وعشرين جذعة» فـ (بني مخاض) نعت أو حال. انتهى

… ثم إنّ المصنف لم يبيّن المبدل منه ما هو، لكن بينه الشيخ فقال : هو بدل من اثْنَتَيْ عَشْرَةَ التقدير: وقطعناهم أسباطا، أي: قبائل، ….

قوله: فـ (بني مخاض) نعت أو حال: إنه نعت لـ (عشرين) أو حال منها، والتمييز محذوف، التقدير: وعشرين جملا بني مخاض .

وقال أيضا : الجمهور لا يجيزون الجمع في التمييز المنصوب بعد العدد، وذهب الفراء إلى أنّ ذلك جائز، فتقول: «عندي أحدَ عشرَ رجالًا، وقام ثلاثون رجالًا».

قال: ويمكن الاستدلال له بقوله تعالى: اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً . انتهى…….

وحكى الكسائيّ أن من العرب من يضيف العشرين وأخواته إلى المفسّر منكرا أو معرّفا، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: وربّما قيل: عشرو درهمٍ، وأربعو ثوبِه” [ تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (5/ 2406- 2399) ]

 

وبناء عليه يكون تمييز الأعداد 11-99:

1: أولا مفردا منصوبا وهذا الأصل فيه

2: جمعا منصوب على التمييز وفق الزمخشري والفراء الذي جوزه على السعة.

3:على الإتباع كأن يكون نعتا أو بدلا أو عطف بيان وهذا ما بيناه في مقال سابق (مظاهر 300) وأكده صاحب التمهيد هنا.

4: أن يعتبر حالا على حد ما جاء في التمهيد : فإن وقع موقع تمييز شيء منها جمع فهو حال أو تابع .

وبناء على هذا تتوجه الفقرات التالية من كلام

2: إنا أَمَتْنا أربعةَ عشرَ دوابًّا.

أولا: فـ “دوابا”: على الإتباع – وهو الأرجح-  فإما أنها بدل أو عطف بيان أو نعت من أربعة عشر .

ثانيا:  أنها حال منصوبة.

ثالثا: أو هي تمييز منصوب على اللغة التي جوزها الفراء والزمخشري.

توجيه الجمل الثلاث الآتية:

3: بشّرني ربي بعد دعوتي بموته إلى خمسةَ عشرَ أشهرٍ من يوم خاتمة البحث (كرامات الصادقين).

4: فلبثوا في دار غربتهم إلى مدّةِ نحوِ ستينَ أعوامٍ. (لجة النور)

5: وإني جُعلتُ مسيحا منذ نحوِ عشرينَ أعوامٍ من ربّ علاّم. (تذكرة الشهادتين)

أولا: الكلمات :أشهرٍ، وأعوامٍ متخرجة على الإتباع – وهو الأرجح- باعتبارها بدلا أو عطف بيان.

ثانيا : قد ذهبنا في مقالات سابقة إلى حمل هذه الجمل على توجيهات نراها الآن بعيدة  ولكنها تبقى ثانوية وهي :

_ الجمع بين لغات العرب الثلاث التالية: 1:إضافة العدد من العقود إلى تمييزها 2: لغة جمع تمييز الاعداد 11-99 التي أقرها الفراء 3: إلزام العقود وجمع المذكر السالم الياء والنون وإعرابها بحركات على النون. (هذا توجيه بعيد لأنه تركيب لغة على لغة) (ينظر: مظاهر الإعجاز 36)

_ الجمع بين لغة :1: جمع تمييز الأعدادا 11-99 كالفراء 2: تنوين النصب على لغة ربيعة. (ينظر مظاهر الإعجاز 98)

الجملة التالية:

6: ومشوا معه إلى سبعينَ فرسخٍ وباتوا معه وأكلوا معه … أتظن أن سُلَّمَ السماءِ ما كان إلا على سبعينَ ميلٍ مِن مقام الصليب؟ (الهدى والتبصرة)

أولا: الكلمات: فرسخِ وميلٍ، متوجهة ايضا على الإتباع – وهو الأرجح- على أنها بدل أو عطف بيان، مع دلالة المفرد على معنى الجمع كما هو فاش في اللغة فهي على معنى : فراسخٍ وأميالٍ. كما فصلناه في مقال سابق (يُنظر: مظاهر الإعجاز  300).

ثانيا: الجمع بين لغتي :إضافة العقود إلى تمييزها كما جاء أعلاه “عشرو درهم” ؛ ولغة إلزام العقود وجمع المذكر السالم الياء والنون في حالة الإضافة. (ينظر : مظاهر الإعجاز 36)

ثالثا: على القاعدة المعروفة في كون التمييز مفردا منصوبا ، وباعتباره هنا منصوبا على  لغة ربيعة دون كتابة الألف. (ينظرك مظاهر الأعجاز 98)

 

7: وهي مدينة عظيمة على ساحل بحر الروم بينها وبين بيروت ثلاثون أكواسًا  (نور الحق، ص 15).

أولا: اكواسا: هي تمييز منصوب بصيغة الجمع على اللغة التي أجازها الفراء والزمخشري. (ينظر: مظاهر الإعجاز 39)

ثانيا: حال منصوبة على حد ما جاء في التمهيد.

تمييز المئة :

وفيه جاء في التمهيد:

قال ابن مالك: (مفسّر ما بين عشرة ومائة واحد منصوب على التمييز، ويضاف غيره إلى مفسّره مجموعا مع ما بين اثنين وأحد عشر، ما لم يكن مائة فيفرد غالبا، ومفردا مع مائة فصاعدا، وقد يجمع معها وقد يفرد تمييزا،  [تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (5/ 2399)]

ويتابع نفس المصدر:

 

“إلّا أنّ العرب لا تجمع المائة إذا أضيف إليها عدد إلّا قليلا، كقول الشاعر:

1922 – ثلاث مئين للملوك وفى بها … ردائي وجلّت عن وجوه الأهاتم

ومن أجل هذا الوارد بجمع قيّد إفراد (المائة) بقوله: غالبا، ثمّ أشار  إلى أنّ المفسّر قد يجمع مع (المائة) وقد يفرد تمييزا، أي منصوبا، منبّها بذكر (قد) مع الفعلين، على أنّ ذلك قليل، فأما الجمع فكقراءة حمزة والكسائيّ: ثلثَ مائةِ سنين بإضافة (مائة) وأما الإفراد والنصب فنحو قول الربيع بن ضبع الفزاريّ:

1923 – إذا عاش الفتى مائتينِ عامًا … فقد ذهب المسرّة والفتاء (5)” [تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (5/ 2404)]

ويقول أيضا:

“ومنها: أنّه قد تقدمت الإشارة إلى أنّ مميز المائة قد يجمع، وعليه قراءة من قرأ:

ثلث مائةِ سنين وأما من قرأ بالتنوين فيكون إعراب سنين عطف بيان، أو بدلا.”  [تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (5/ 2408)]

 

وبناء عليه فتمييز المئة فما فوق- يكون:

1: مفردا مجرورا بالإضافة وهذا أصله.

2: قد يقطع عن الإضافة للإتباع ليكون بدلا أو عطف بيان. كالآية ” ثلاث مئةٍ سنينَ” .

3: قد يأتي جمعا مجرورا بالإضافة على قلة كقراءة “ثلاثَ مئةِ سنين”.

4: قد يأتي مفردا منصوبا على التمييز على قلة كالقول “مئتين عامًا” و”مئتان كمرةً”، وقد يقيد هذا بالضرورة.

5: قد يكون جمعا منصوبا على التمييز، على رأي الفراء، وتجويزه في الآية الكريمة (ثلاث مئةٍ سنين”، كما جاء في شرح المفصل.

وعلى هذا تتوجه الجملة التالية من كلام المسيح الموعود عليه السلام:

وأُحرق فيها زهاءُ خمسمائةٍ مجلداتِ كتابِ الله الفرقان ( التبليغ)

أولا: مجلدات، بالقطع عن الإضافة للبدل أو عطف البيان ( خمس مئةٍ مجلداتِ كتاب الله) كما الآية الكريمة “ثلاث مئةٍ سنين”.

ثانيا: مجلدات، جمع مجرور بالإضافة ( خمس مئةِ مجلداتِ كتاب الله)، كقراءة الآية الكريمة بالإضافة: “ثلاث مئةِ سنين”

ثالثا: أو قد تكون تمييزا منصوبا بالكسرة على تجويز الفراء في الآية الكريمة.

 

ملحوظة: في تحديد كون التمييز في العدد بدلا أو عطف بيان أو نعتا أو حالا، لا بد من النظر في كونه اسما جامدا أو مشتقا. فالبدل وعطف البيان على الأغلب اسماء جامدة، وقد ترد غير ذلك. أما الحال والنعت فعلى الأغلب مشتقات وقد ترد على غير ذلك أيضا.

وبهذا نكون قد وجهنا جميع فقات العدد التي يعترض عليها المعترضون في كلام المسيح الموعود عليه السلام. وخلاصة الأمر ان المعترضين لا يعرفون من اللغة غلى ما هو سطحي فيها.