المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..253

صيغة (فعيل) و(فعول) تصلح للمفرد والجمع

الاعتراض:

يدّعي المعارضون وقوع الخطأ في الفقرات التالية من كلام المسيح الموعود عليه السلام:

1:  ويكون المسلمون كثير التفرقة والعناد، ومنتشرين كانتشار الجراد (سر الخلافة، ص 61).

2: ولا تطمَعوا كل الطمع في أن تكونوا أغنى الناس رحيبَ الباع خصيب الرِّباع. (مواهب الرحمان)

3: والسر في ذلك أنه ما رآهم حرِيًّا بالأسرار الإلهية، ورأى رؤوسهم خالية من القوى المدرِكة الفاطنة،” (حمامة البشرى )

4: ولا تحسب كلمات المحدَّثين المكلَّمين ككلماتك أو كلمات أمثالك من المتعسّفين. فإنها خرجت من أنفاس طيّبة، ونفوس مطهَّرة مُلهَمة، وهي قريب العهد من الله تعالى كثمرٍ غضٍّ طريٍّ أُخذ الآن من شجرة مباركة للآكلين. (اتمام الحجة)

وموضع الخطأ في الكلمات المشددة حيث جاءت كأخبار
أو أحوال لا تطابق المبتدأ أو صاحب الحال في الجمع فلا بدّ لهذه الكلمات أن تكون: (كثيري التفرقة/ رحيبي الباع/ خصيبي الرباع/ حريين/ قريبة)؛ إذ لا بدّ من تطابقها في الإفراد والجمع مع ما تصفه من الكلمات السابقة لها.

الرد:

كل هذه الفقرات لا خطأ فيها قطّ! فكل هذه الكلمات المعترض عليها هي على صيغة (فعيل) فكلمة (حريّ) أصلها (حريي) ك (كثير) و(رحيب) و(خصيب) و (قريب). وصيغة فعيل هذه تصلح لوصف المفرد والجمع سواء بمجيئها نعتا أو خبرا أو حالا أو غيره ؛ وقد وردت لوصف الجمع في القرآن الكريم أكثر من مرة كما سنبينه. وهذا بحد ذاته يندرج تحت باب: “حمل المفرد على معنى الجمع” .

فعن صيغة فعيل جاء في كتاب الحمل على المعنى في العربية ما يلي:

 

“وقوع المفرد بمعنى الجمع يجيء كثيرا في الكلام نثرا وشعرا؛ لأن الممفرد يدل على الجنس، وهو أصل للجمع، وإذا كان في الكلام ما يدل على أنه مراد به الجمع جاز الإفراد لأن الغرض الدلالة على الجنس والواحد يحصل به المراد من ذلك. قال ابن جني: ووقوع الواحد موقع الجماعة فاش في اللغة…..

وقال تعالى: { وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (5) } (التحريم 5) أي ظهراء، ذكر أبو علي أنه بمعنى الجمع واللفظ مفرد. وقال ابن الشجري:” وفعيل كثيرا ما تستعمله العرب في معنى الجماعة” ، وهو عند الطبرسي “من الواحد الذي يؤدي معنى الجمع” ، اما أبو حيان فقدر حذف موصوف والتقدير: فوج ظهير. والصحيح أن صيغة فعيل مما يستوي فيه الواحد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث، وجاءت لفظة (ظهير) هنا مرادا بها الجمع. ومن ذلك قوله تعالى : (واجعلنا للمتقين إماما) [الفرقان:74] أي أئمة..” (إ.هـ) {( الحمل على المعنى في العربية  250- 233)}

ومما جاء في هذا الصدد إثباتا لما نقول ما يلي:

 

1: خَبِيرٌ بَنُو لِهْبٍ فَلا تَكُ مُلْغِيًا … مقالةَ لِهْبِيٍّ إِذَا الطَّيرُ مَرَّتِ

ووجه الاستدلال بالأول أنه لو جعل (بنو لهب) مبتدأ مخبرًا عنه بقوله: (خبير) لزم عمم المطابقة، فتعين كون (خبير) مبتدأ، و (بنو لهب) فاعلًا به.

وأجيب: بأن فعيلًا يستوي فيه المفرد وغيره، قال الله تعالى: {والملائكة بعد ذلك ظهير}، وقال تعالى: {وحسن أولئك رفيقا} وقال تعالى: {خلصوا نجيا}.” [تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد (3/ 21)]

 

2: “{والملائكة بعد ذلك ظهير} [التحريم/ 4] وإنما لم يجمعه لأنَّ فعيلًا وفعولًا قد يستوي فيهما المذكر والمؤنث والجمع، كما قال تعالى: {إنَّا رسول ربِّ العالمين} [الشعراء/ 16] وقال الشاعر: إنَّ العواذل لسن لي بأمير؛ يريد الأمراء. انتهى..” [شرح أبيات مغني اللبيب (4/ 284)]

 

3:خَبِيرٌ بَنُو لِهْبٍ فَلا تَكُ مُلْغِيًا … مقالةَ لِهْبِيٍّ إِذَا الطَّيرُ مَرَّتِ

….. لأن فعيلًا قد يأتي للجماعة؛ كما في قوله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4]، وقول الشاعر (4):

……………………….. … بِأَوْجهِ أَعْدَاء وَهُنَّ صَدِيقُ

وقد وقع ذلك في نفس لفظ: “خبير” قال الشاعر (5):

إِذَا لاقِيتِ قَوْمِي فاسْأَلِيهِمْ … كَفَى قَوْمًا بِصَاحِبِهِمْ خَبِيرًا” [المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (1/ 487)]

 

 

4: “والجواب الثاني: أنّ السماء جمعٌ. واحدها (سماوة) و (سماءة) وذكر قطرب ما لفظه لفظ الواحد ومعناه معنى الجمع فقال منه (وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) وقوله (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) وقوله (إنَّا رسُولُ ربِّ العَالمين) قال الشاعر:

ألا إنّ جيراني العَشيةَ رائحٌ … دَعتهم دَواعٍ مِن هَوى ومَنَادِحُ”  [إعراب القرآن للأصبهاني (ص: 23)]

 

فكما نرى من هذه النصوص التي نقلناها، فإن صيغة فعيل واردة في القرآن الكريم على معنى الجمع سواء بكونها خبرا أو حالا أو تمييزا ، كما وردت في الشعر أيضا على معنى الجمع، ونظيرها صيغة (فعول) أيضا ؛ كما يظهر ذلك من الأمثلة المشددة التي في النقول أعلاه.

هذا ناهيك عن أن صيغ أخرى قد تأتي بصيغة المفرد للدلالة على الجمع مثل صيغة (فاعل) كما في بيت الشعر : ألا إنّ جيراني العَشيةَ رائحٌ. وكل هذا يندرج كما قلنا تحت باب “حمل المفرد على معنى الجمع” أو “تنزيل الجمع منزلة المفرد مبالغة وتشبيها” وكذا باب ” الألفاظ التي يستوي فيها الإفراد والجمع”  كما فصلنا له في مقالات سابقة يمكن الرجوع إليها على الروابط التالية:

https://wp.me/pcWhoQ-5od   مظاهر 251

https://wp.me/pcWhoQ-5o5   مظاهر 250

https://wp.me/pcWhoQ-5nW  مظاهر 248