المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..257

فنون التذكير والتأنيث الإعجازية ..30

صيغتا فعيل وفعول مما يستوي فيه المذكر والمؤنث

الاعتراض:

يدّعي المعارضون وقوع الخطأ في الجمل التالية من كلام المسيح الموعود عليه السلام:

1: ولا تحسب كلمات المحدَّثين المكلَّمين ككلماتك أو كلمات أمثالك من المتعسّفين. فإنها خرجت من أنفاس طيّبة، ونفوس مطهَّرة مُلهَمة، وهي قريب العهد من الله تعالى كثمرٍ غضٍّ طريٍّ أُخذ الآن من شجرة مباركة للآكلين. (اتمام الحجة)

2:  مثلها كمثل بِركةٍ صغيرٍ، فيها ماء غزير (إعجاز المسيح)

4: فهناك تُجزَى النفس بالنفس والعِرض بالعرض، وتُشرِق الأرض بنور ربّها، وتهوي عدوُّ صفيِّ الله، وكذلك جزاء عداوة الأصفياء. (الخطبة الإلهامية)

وموضع الخطأ وفق زعمهم في الكلمات :(قريب)، و (صغير)؛ حيث جاءت بصيغة المذكر رغم كونها وصفا للمؤنث؛ فكان من المفروض أن تكون: قريبة و صغيرة. وكذا وقع الخطأ في تأنيث الفعل (تهوي)، لأن كلمة (عدوّ) مذكرة ؛ هذا على حدّ رأي المعارضين.

الردّ:

لا خطأ في هذه الكلمات وهذه الجمل؛ بل هي تندرج تحت كون صيغة فعيل وفعول مما يستوي فيها المذكر والمؤنث، بمعنى أنها ممكن أن تبقى على حالها في وصف المؤنث أيضا.

وجاء في كتاب الحمل على المعنى في العربية ما يلي:

“وقال تعالى: { وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (5) } (التحريم 5) أي ظهراء، ذكر أبو علي أنه بمعنى الجمع واللفظ مفرد. وقال ابن الشجري:” وفعيل كثيرا ما تستعمله العرب في معنى الجماعة” ، وهو عند الطبرسي “من الواحد الذي يؤدي معنى الجمع” ، أما أبو حيان فقدر حذف موصوف والتقدير: فوج ظهير. والصحيح أن صيغة فعيل مما يستوي فيه الواحد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث، وجاءت لفظة (ظهير) هنا مرادا بها الجمع. ومن ذلك قوله تعالى : (واجعلنا للمتقين إماما) [الفرقان:74] أي أئمة..” (إ.هـ) {( الحمل على المعنى في العربية  250- 233)}

وقد فصّل النحو الوافي في كل هذا في سياق حديثه عن علامات التأنيث، وبالذات تاء التأنيث المربوطة – وقد تسمى هذه، هاء التانيث أو هاء النقل- ، حيث ذكر الحالات والصيغ التي تدخلها هاء التأنيث والتي لا تدخلها فقال:

“فأما تاء التأنيث المتحركة المربوطة فمختصة بالدخول -قياسا- على أكثر الأسماء المشتقة؛ لتكون فارقة بين مذكرها ومؤنثها؛ نحو: عابد وعابدة، عراف وعرافة، فرح وفرحة، مأمون ومأمونة ولا تدخل على أسماء الأجناس الجامدة إلا سماعا؛ وقد سُمعت في بعض ألفاظ قليلة لا يقاس عليها؛ مثل: أسد وأسدة، رجل ورجلة، فتى وفتاة، غلام وغلامة، امرَأ وامرأة، إنسان وإنسانة، في لغة … ونظائرها مما تنص عليه المراجع اللغوية، ويجب الوقوف فيه عند حدّ السماع الوارد.

وإنما كانت تاء التأنيث مختصة بالدخول على أكثر الأسماء المشتقة دون جميعها؛ لأن بعض المشتقات لا تدخله مطلقا -في رأي أكثر النحاة، وبعضها تدخله قليلا، فلها مع المشتق ثلاث حالات، وأشهر الأوزان التي لا تدخلها أربعة:

1- فعول بمعنى: “فاعل “وهو الدال على الذي فعل الفعل”، نحو: صبور، نفور، حقود … بمعنى: صابر، نافر، حاقد، مثل: رجل أو امرأة صبور، ونفور، وحقود …

أما المسموع من قولهم: امرأة مَلولة، وفَروقة؛ بمعنى: خوافة -وكذا بضع كلمات أخرى- فالتاء فيه للمبالغة مع التأنيث وليست لمحض التأنيث وحده وأما “عدوّة” مؤنث: “عدوّ” فمقصورة هي وأشباهها القليلة على السماع.

فإن كان “فعول” بمعنى: “مفعول” “وهو الدال على الذي وقع عليه الفعل” جاز تأنيثه بالتاء الفارقة بين المذكر والمؤنث، وعدم تأنيثه بها؛ نحو: قطار ركوب أو ركوبة، وسيارة ركوب أو ركوبة؛ بمعنى مركوب ومركوبة فيهما، ونحو: فاكهة أكول أو أكولة، وبقرة حلوب أو حلوبة، بمعنى مأكولة ومحلوبة …

2- مِفعال، …3- مِفعيل، نحو: مِنطيق ….4- مِفعَل، كمِغشَم، …

ومما سبق يتبين أن التاء الفارقة لا تدخل -في رأي الكثرة- على الصيغ الأربع السالفة إلا شذوذا يراعى فيه المسموع وحده.

أما أشهر المشتقات التي تدخلها قليلا فنوعان؛ ودخولها فيهما -مع قلته- مقيس. ولكنه الأحسن عدم إدخالها:

أحدهما: المشتقات الدالة على معنى خاص بالأنثى، يناسب طبيعتها ويلائم فطرة النساء وحدها،….

والآخر: ما كان على وزن “فعيل” بمعنى: مفعول؛ بشرط أن يعرف من الكلام أو غيره نوع المتصف بمعناه؛ “أي: بشرط ألا يستعمل استعمالا الأسماء غير المشتقة”. ومن أمثلته: قتيل وجريح في مثل: انجلت المصادمة عن فتاة قتيل وفتاة جريح؛ بحذف التاء جوازا لعدم الحاجة إليها؛ إذ اللبس مأمون في هذه الصورة، فإن شاع استعماله استعمال الأسماء المجردة -بأن لم يعرف نوع الموصوف- وجب ذكرها لمنع اللبس، نحو: حزنت لقتيلة المصادمة. ومثل: رأيت في المجزر ذبيحة، أو نطيحة، أو أكيلة الذئب، بمعنى؛ مذبوحة، ومنطوحة، ومأكولة.

فإن كان “فعيل” بمعنى: “فاعل” فالأكثر مجيئها؛ كقول شوقي:

قطتي جد أليفه … وهي للبيت حليفه

هي ما لم تتحرك … دمية البيت الظريفه

ومن حذفها قوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} وقول العرب حلة خصيف “أي: ذات لونين، بياض وسوادا”، وملحفة جديد. وريح خريق “شديدة البرد، كثيرة الهبوب”، وقول شاعرهم:

فديتك!! أعدائي كثير وشقتي … بعيد وأشياعي لديك قليل

ومما تقدم يتبين أن للتاء الفارقة مع المشتق ثلاثة أحوال؛ فتارة تكون ممنوعة الدخول عليه، وتارية تكون قليلة الدخول، وهي مع قلتها مقيسة، وفي غير النوعين السالفين كثيرة وقياسية.” [النحو الوافي (4/ 596- 590)]

 

يتبين من كلام النحو الوافي ما يلي:

1: صيغة فعول بمعنى فاعل لا تدخلها التاء للتأنيث إلا شذوذا يُقتصر على المسموع

2: صيغة فعول بمعنى مفعول جاز تأنيثها بالتاء وعدم تأنيثها

3: صيغة فعيل بمعنى مفعول يغلب عليها عدم دخول التاء، أما دخول التاء عليها فقليل جائز ومقيس .

4: صيغة فعيل بمعنى فاعل يجوز عدم دخول التاء عليها مع أن الأكثر هو دخولها عليه.

5: ليس الأمر مقصورا في عدم دخول التاء على صيغتي : فعيل بمعنى مفعول وفعول بمعنى فاعل كما يكثر ذكره في المصادر النحوية ، بل عدم دخول التاء جائز في صيغتي فعول بمعنى مفعول وفعيل بمعنى فاعل أيضا ، ويؤيد هذا وروده في القرآن الكريم في الآيات التالية:

{وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (5)} (التحريم 5)

{إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (57) } (الأَعراف 57)

{ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (18) } (الشورى 18)

 

6: يمكن اختصار هذه النتائج بالنتيجة العامة التالية: صيغتا فعيل وفعول يستوي فيها المذكر والمؤنث، وذلك بغض النظر عن كونها بمعنى فاعل أو بمعنى مفعول .

وهذا الاستنتاج العام قد ذكرناه آنفا نقلا عن كتاب ” الجمل على المعنى بالعربية” ، كما وتؤكده النقول والأمثلة التالية:

 

أ: (وَقَوْلُهُ) فَأَخَذَهَا الْمُسْلِمُونَ أَسِيرًا إنَّمَا لَمْ يَقُلْ أَسِيرَةً لِأَنَّ فَعِيلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ مَا دَامَ جَارِيًا عَلَى الِاسْمِ.  [المغرب في ترتيب المعرب (ص: 25)]

ب: “وفَعيلٌ وفَعولٌ ممَّا يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع ، كقوله تعالى:

(أنا رسول ربك) وقوله تعالى: (والملائكة بعد ذلك ظهير)…… في المختار: والجمع كقوله تعالى ” إنَّا رَسولُ ربِّ العالمين “.” [الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2/ 526)]

ت: والظَهيرُ: المُعين، ومنه قوله تعالى:(والمَلائكَةُ بعد ذلكَ ظهَيرٌ) وإنَّما لم يجمعه لأنَّ فَعيل وفَعول قد يستوي فيهما المذكَّر والمؤنث والجمع، كما قال تعالى: (إنَّا رَسولُ ربِّ العالمين). قال الشاعر: يا عاذلاتي لا تردن ملامتي * إن العواذل لسن لي بأمير – يريد الأمراء. قال الأصمعي: يقال بعير ظَهيرٌ بيِّن الظَهارَةِ،..” [الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2/ 731)]

ث:” وقوله تعالى: {إنَّا رَسولُ ربِّ العالمين} ولم يقل: رُسُلُ رَبِّ العالمين، لأن فعولا وفعيلا يستوى فيها المذكَّر والمؤنَّث والواحد والجمع، مثل عدوٍّ وصديق” [الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1709)]

ج: “وإنما قال تعالى: (قال مَنْ يُحْيي العِظامَ وهي رَميمٌ) لأن فَعيلاً وفَعولاً قد يستوي فيهما المذكّر والمؤنّث والجمع، مثل رسولٍ، وعدوٍّ، وصديق.”  [الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (5/ 1937)]

 

 

 

ورغم كل هذا، يؤكد النحو الوافي أن مجمع اللغة العربية قد أقر ما يخالف ما ذكره أعلاه بالنسبة لصيغتي فعيل بمعنى مفعول وفعول بمعنى فاعل، من أن دخول التاء عليها قليل وشاذ على التوالي، وهو ما عَبَّر عنه بأنه رأي أغلب النحاة؛ فقد خالف مجمع اللغة هذا الرأي وأجاز دخول التاء على كلتي الصيغتين حيث قال:

“ملحوظة هامة”: ما تقدم من الحكم الخاص بصيغة “فعول” بمعنى: “فاعل” هو الرأي الشائع بين النحاة الأقدمين. وقد نظر فيه مجمع اللغة العربية بالقاهرة طويلا، وتناوله هو ومؤتمره بالبحث والدراسة، واستقر رأيهما على حكم آخر يخالف ما سبق “طبقا لما جاء في الكتاب الذي أصدره المجمع في سنة 1969 باسم كتاب: “في أصول اللغة ص74” ونص الحكم المجمعي يشمل أمرين حت عنوان: “لحوق تاء التأنيث لفعول، صفة، بمعنى: “فاعل”.

أ- يجوز أن تلحق تاء التأنيث صيغة: “فعول” بمعنى: “فاعل”؛ لما ذكره سيبويه، من أن ذلك جاء في شيء منه، وما ذكره ابن مالك في التسهيل من أن امتناع التاء هو الغالب. وما ذكره السيوطي في الهمع من أن الغالب ألا تلحق التاء هذه الصفات، وما ذكره الرضي من قوله: “ومما لا يلحقه تاء التأنيث غالبا مع كونه صفة فيستوي فيه المذكر والمؤنث: “فعول”. ا. هـ.

ويمكن الاستئناس في إجازة دخول التاء في “فعول” بأن صيغ المبالغة كاسم الفاعل؛ يمكن أن تتحول إلى صفات مشبهة. وعلى ذلك في حالة دلالتها على الصفة المشبهة يمكن أن نلمح المعنى الأصلي لها وهو المبالغة؛ فتدخل عليها التاء؛ جريا على قاعدة دخول التاء في اسم الفاعل، وفي صيغ المبالغة للتأنيث.

ب- وعلى هذا يجري على تلك الصيغة -بعد جواز تأنيثها بالتاء- ما يجري على غيرها من الصفات التي يفرق بينها وبين مذكرها بالتاء؛ فتجمع جمع تصحيح للمذكر والمؤنث. ا. هـ.”

وقد صدر قرار الموافقة على الحكم السالف في الجلسة الثامنة من مؤتمر الدورة الرابعة والثلاثين سنة 1968. [النحو الوافي (4/ 592)]

وعليه فهذا الحكم من مجمع اللغة سار أيضا على صيغة فعيل بمعنى مفعول حيث دخول التاء عليها أكثر . ويضيف النحو الوافي رأي الرضي نقلا عن تاج العروس، بأن فعيل بمعنى مفعول قد يُحمل على فعيل بمعنى فاعل فتلحقه التاء،  ويُحمل فعيل بمعنى فاعل على فعيل بمعنى مفعول فتُحذف منه التاء؛ حيث جاء:

“وجاء في “تاج العروس شرح القاموس” -مادة: قتل- ما نصه: “قال الرضي: ومما يستوي فيه المذكر والمؤنث ولا تلحقه “التاء” فعيل، بمعنى: مفعول: إلا أن يحذف موصوفه: نحو: هذه قتيلة فلان وجريحته. ولشبهه لفظا بفعيل بمعنى “فاعل” قد يحمل عليه فتلحقه التاء مع ذكر الموصوف أيضا؛ نحو: امرأة قتيلة؛ كما يحمل “فعيل”، بمعنى: “فاعل” عليه فتحذف التاء، نحو: ملحفة جديد”. ا. هـ.” [النحو الوافي (4/ 598)]

وبناء على كل هذا نصل إلى النتيجة النهائية وهي:

” دخول التاء وحذفها في صيغتي فعيل وفعول جائز في وصف المؤنث إذا أمن اللبس؛ فالصيغتان تستويان للمذكر والمؤنث بغض النظر عن كونها بمعنى فاعل أو مفعول  “

 

وعليه فإن كل ما جاء في كلام المسيح الموعود عليه السلام، صحيح فصيح وبليغ لا خطأ فيه، بل تؤيده الشواهد القرآنية التي نقلناها؛ وفق التفصيل التالي:

1: فالكلمات قريب وصغير هي على صيغة فعيل بمعنى فاعل، يجوز حذف التاء منها حيث أمن اللبس لذكر الموصوف قبلها؛ كما في الآية القرآنية : {وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (5)} (التحريم 5) ، {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (57) } (الأَعراف 57)،  { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (18) } (الشورى 18)

2: كلمة (عدوّ) على صيغة فعول بمعنى فاعل، التي يغلب عليها حذف التاء منها، وقد جاز الحذف هنا لتأنيث الفعل قبلها، فأمن اللبس بتأنيث الفعل .