المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية..292

نكتة الكسور في الشعر ..3

قصيدة “رويدَك لا تهجُ الصحابة واحذر”

عرض لنا المعرتض العديد من الأبيات من قصيدة المسيح المسيح الموعود عليه السلام، والتي مطلعها “رويدك لا تهج الصحابة واحذر” ، وادّعى وقوع الكسر في وزنها.

وفي الرد على هذا الادعاء، نقول بأن هذه القصيدة منظومة على البحر الطويل، وقد أوضحنا في المقالين السابقين، أن للمسيح الموعود عليه السلام، تصرف واعٍ في وزن هذا البحر. فهذا البحر الذي يسير على الوزن التالي في العموم :فعولن مفاعيلن فعولن مفاعِلن؛ فيتصرف المسيح الموعود في (فعولن) الحشو إلى (فَعِلُنْ) ويقصر هذا التصرف على بداية الشطر. كما ويتصرف في (مفاعيلن) الحشو إلى (مُفاعَلَتن)، كما ويتصرف في (مفاعِلن) في العروض والضرب إلى (فاعِلن) ويعمد أن لا يأتي بها إلا بعد فعولن تامة. (يُنظر المقالين السابقين: مظاهر الإعجاز 290 و291) .

فكل هذا يفسر معظم ما جاء في هذه القصيدة مما يظنه المعترض كسورا. فإنّ تكرار هذه الزحافات او العلل أو قل باختصار التغييرات في التفاعيل، تكرارها بشكل كبير والأخذ بها على نسق ثابت، لا يمكن أن يعزوها إلى الخطأ والكسر إلا جاهل أو مجنون أو حاقد مغرض. فهي في وضعها هذا لا يمكن إلا أن تعزى إلى التصرف الواعي المقصود من قبل الشاعر نفسه، وليست هي بكسور.

وأما غير هذا التصرف، فيما بدا للمعترض أنه كسور، فتفسرها ظواهر ومظاهر وضرورات شعرية مختلفة كما سنبينه هنا. نعرض أولا الأبيات التي اعترض عليها المعترض:

 

 

البيت الأول:

رُوَيدَك لا تَهْجُ الصحابةَ واحْذَرِ                   ولا تَقْفُ كلَّ مزوِّرٍ وتَبَصَّر

,_,/, _ _ _/, _ ,/ , _ , _             ,_ _/, _ , , _/, _ ,/ , _ , _

لا خطأ في تفعيلة العجز الثانية، فهي على التصرف المذكور أعلاه من (مفاعيلن) إلى (مفاعَلَتن).

البيت الثاني:  

وطهَّر وادي العشق بحر قلوبهم                 فما الزبْدُ والغُثاء بعدَ التطهُّر

,_,/, _ _ _/, _ ,/ , _ , _              ,_ _/, _ , _/, _ _/ , _ , _   

لا خطأ في تفعيلة العجز الثانية فهي على (مفاعِلن) وهي من الزحافات الجائزة في هذا البحر . وذلك مع اللجوء إلى ضرورة تسكين عين الاسم في كلمة (الزبْد)، وقد فصّلنا في هذه الضرورة في المقال السابق.

  البيت الثالث:

وَتَرَكوا هوى الأوطان لله خالصًا               وجاءوا الرسولَ كَعاشق متخَيِّر

,,,_/, _ _ _/, _ _/ , _ , _        ,_ _/, _ , , _/, _ ,/ , _ , _   

فأما تفعيلة العجز الثانية فهي على التصرف المذكور أعلاه إلى (مفاعَلَتن).

وأما تفعيلة الصدر الأولى فلها توجيهان:

الأول: على ضرورة تسكين عين الفعل التي فصّلنا فيها الحديث في المقال السابق، فتصبح: وترْكوا، فتسير على (فعولن)  المعروفة في هذا البحر.  فيكون الصدر كما يلي: وَتَرْكوا هوى الأوطان لله خالصًا         ,_ _/, _ _ _/, _ _/ , _ , _        

والثاني: على اعتبار (الواو) خزما، وبعدها (ترَكَوا) على (فَعِلن) التي من ابتكارات المسيح الموعود عليه السلام في هذا البحر كما ذكرنا. فيكون الصدر كما يلي:

(وَ)تَرَكوا هوى الأوطان لله خالصًا         (,),,_/, _ _ _/, _ _/ , _ , _        

 البيت الرابع:

فبإذنه قد وَقَعَ ما كان وَاقعًا                فلا تَبْكِ بعد ظهور قَدَرٍ مقدَّر

,,_/, _ _ ,,/, _ _/ , _ , _      , _ _/, _ , , _/, , , _/ , _ , _ 

قالوا عن هذا البيت إنه مهشم تهشيما. فتعالوا لنريهم كيف أنه يستقيم وزنا بناء على الظواهر الشعرية.

التفعيلة الأولى من الصدر على (فَعِلنْ) وفق التصرف الواعي المذكور آنفا.

التفعيلة الثانية من الصدر تستقيم باللجوء إلى ضرورة تسكين عين الفعل (وقَعَ) فتصبح (وقْعَ) فتصبح: مفاعيلن.

التفعيلة الثانية من العجز هي على التصرف المقصود المذكور أعلاه إلى مفاعَلَتن.

التفعيلة الثالثة في العجز تستقيم على ضرورة تسكين عين الاسم في (قدَر) لتصبح (قدْر) على فعولن.

ليصبح البيت وتقطيعه كما يلي:

فبإذنه قد وَقْعَ ما كان وَاقعًا                    فلا تَبْكِ بعد ظُهورِ قَدْرٍ مقدَّر

,,_/, _ _ _/, _ _/ , _ , _      , _ _/, _ , , _/, _ _/ , _ , _ 

فيصبح البيت الذي بدا مهشما موزونا لا كسر فيه.

ملحوظة: كلمة (وقع) محركة بالنسخة الأصلية (وقَعَ)، ولا أدري أهذا التحريك من المسيح الموعود نفسه أو من مجتهد في النصّ.

فإن كانت مقصودة في التحريك يكون التقطيع العروضي للبيت كما يلي:

فبإذنه قد وَقَعَ ما كان وَاقعًا                فلا تَبْكِ بعد ظهور قَدَرٍ مقدَّر

,,_/, _ _ ,/,, _ _/ , _ , _      , _ _/, _ , , _/, , , _/ , _ , _ 

فالتفعيلة الثانية من الصدر تكون على (مفاعيلُ)، وهي من الزحافات الواردة في هذا البحر. وأما التفعيلة الثالثة فقد تكون على سبيل الخزم الوارد في الحشو، كما مثّل له  ابن سِيدَه في حديثه عن الخزم، حيث جاء:

“وربما اعترض في حَشْو النصف الثاني بين سَبَب ووَتِدٍ، كقول مَطَر بن اشيم:

الفخرُ اوَّله جَهلٌ وآخره            حِقدٌ إذا تُذِكِّرتِ الأقوالُ والكَلِمُ

” فإذا ” ، هنا، مُعترضة بين السَّبب الاخر، الذي هو ” تَفْ ” وبين الوتد المجموع الذي هو ” عِلُنْ “. [المحكم والمحيط الأعظم (2/ 309، بترقيم الشاملة آليا)]

على النحو التالي:

فبإذنه قد وَقَعَ ما كان وَاقعًا

,,_/, _ _ ,/,, _ _/ , _ , _       فَعِلن/ مفاعيلُ/ خزم+ فعولن/ مفاعِلن

 البيت الخامس:

 وقُضِيتْ أمورُ خلافةٍ موعودةٍ               وفي ذاك آياتٌ لقلبٍ مفكِّر

,,,_/, _ , , _/, _ _/ _ , _       ,_ _/, _ _ _/, _ _/ , _ , _     

قالوا لنا بأن الصدر محطم تحطيما في هذا البيت. فتعالوا لنريهم كيف يستقيم وزنا.

التفعيلة الأولى لها توجيهان:

الأول: على ضرورة تسكين عين الفعل، كما مثّلنا لذلك في المقال السابق فتصبح: وقُضْيَتْ، على وزن (فعولن) الأصلية في هذا البحر.

الثاني: على اعتبار الواو خزما ثم يليها تفعيلة (فَعِلن) على التصرف المذكور. وهذا هو الأرجح لأن الأصل محرك (قُضِيَتْ).

التفعيلة الثانية هي على التصرف المذكور إلى مفاعَلَتن.

التفعيلة الرابعة هي على التصرف المذكور في العروض والضرب إلى (فاعلن) بعد (فعولن) التامة. فيصبح الصدر على النحو التالي:

وقُضِيتْ أمورُ خلافةٍ موعودةٍ

(,),,_/, _ , , _/, _ _/ _ , _        (خزم)+ فَعِلن/ مفاعلتن/ فعولن/ فاعلن

أو:

وقُضْيتْ أمورُ خلافةٍ موعودةٍ

,_ _/, _ , , _/, _ _/ _ , _        فعولن/ مفاعَلَتن/ فعولن/ فاعلن

البيت السادس:

فلما أجازت حُلَلُ قولي لُدونةً             وغارت دقائقُه كبئرٍ مقعَّر

,_ _/, _ _ ,/, , _ _/ ,_ , _        ,_ _/, _ , , _/, _ _/ , _ , _

التفعيلة الثانية من الصدر هي على مفاعيلُ، وهو زحاف مقبول وارد في البحر الطويل.

التفعيلة الثانية من العجز هي على التصرف إلى مفاعَلَتن.

أما ما يبدو من الكسر في التفعيلة الثالثة من الصدر، فقد يكون من قبيل الخزم الوارد في الحشو + فعولن. كما بيّناه في البيت السابق.

أو قد تستقيم مع التفعيلة الثانية التي سبقتها بتسكين عين الكلمة في (حلَل) لتصبح (حلْلُ) وليصبح الصدر على النحو التالي:

فلما أجازت حُلْلُ قولي لُدونةً

,_ _/, _ _ _/ , _ _/ ,_ , _

غير أن هذا صعب لتماثل الحرورف.

 البيت السابع:

ووالله إنا لا نخاف شرورَهم                 نقلنا وَضِيئتَنا إلى بيتِ أقدَر

,_ _/, _ _ _/, _ ,/ , _ , _          ,_ _/, _ , , _/, _ _/ ,_ , _

تفعيلة العجز الثانية هي على التصرف إلى مفاعَلَتن.

أما تفعيلة العجز الرابعة فتستقيم على تحريك كلمة (بيتِ) بالكسر وليس بتنوين الكسر (بيتٍ) كما يظن المعترض. ليكون المعنى: نقلنا وضيئتنا إلى بيتِ ربٍّ أقدر، وهو من باب حذف الموصوف وإقامة الصفة مكانه، إما على السعة أو كضرورة شعرية. وفي هذه الضرورة يقول اين عصفور في الضرائر:

“ومنه: حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه في الموضع الذي يقبح ذلك فيه في سعة الكلام….

ومنه: حذف الموصوف وإبقاء الصفة وهي جملة أو مجرور، نحو قوله:

مالك عندي غيرُ … سَهْمٍ وحَجَرْ

وغَيْرُ كبداء … شديدةِ الوتَرْ

لكم مسجداً الله المزوران والحصا … لكم (قبصه) من بَين أْثرى وأقْترا

يريد: من بين رجل أثرى ورجل أقتر،…”[ضرائر الشعر (ص 133- 135)]

 

البيت الثامن:

بوجه المهيمن لستُ رَجْلا كافرا          وإن المهيمن يعلَمَنْ كلّ مُضْمَري

,_ _/, _ , , _/, _ _/  _ , _         ,_ _/, _ , , _/, _ _/ , _ , _

التفعيلة الثانية من الصدر والعجز هي على التصرف إلى مفاعَلَتن.

التفعيلة الرابعة من الصدر هي على التصرف إلى فاعِلن.

البيت مستقيم وزنًا باللجوء إلى ضرورة تسكين عين الاسم في كلمة (رَجْلا)، وهذا من الضرائر المعروفة الواردة في الشعر العربي والمنصوص عليها، وليست من الشذوذ في شيء، وقد فصّلنا الحديث فيها في المقال السابق.

البيت التاسع:

وإن كنت تزعمُ صبرَ جسمِك في اللّظى            فجرِّبْهُ تمرينًا بحرْقٍ مسَعِّر

,_ _/, _ , , _/, _ ,/ , _ , _          ,_ _/, _ _ _/, _ _/ , _ , _

تفعيلة الصدر الثانية هي على التصرف إلى مفاعَلَتن.

كانت هذه الأبيات التي اعترض عليها المعترض. وكما نرى فإن كل الكسور التي يظنها المعترض، لها ما يفسرها من الظواهر الشعرية والضرائر الشعرية.

ونعود ونذكّر بأن كل ما أوردناه هو في محاولة فهم وتفسير هذه الظواهر الشعرية في شعر المسيح الموعود عليه السلام، ويتلخص كل هذا فيما يلي:

1: قد يكون كل هذه الظواهر من الأمور المقصودة عمدا، على اعتبارها كسورا محمودة يسوغها المسيح الموعود عليه السلام لنفسه، دون اللجوء إلى الضرائر والظواهر الشعرية المختلفة في فهمها وتفسيرها. خاصة وأن جزءا منها ككلمة (وقَعَ) أو كلمة (قُضِيَتْ) المذكورة أعلاه، قد جاءت في الأصل محركة وليست مسكّنة. ولا ندري أهذا التحريك من المسيح الموعود عليه السلام نفسه أم من مجتهد في التنقيح.

2: قد يكون القصد في ورودها هو بالفعل أنها على الضرائر والظواهر الشعرية المختلفة التي بيّناها. أو لإمكانية اندراجها تحت هذه الظواهر مع إبقائها على ما هي عليه من الكسر المقبول.