المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..140

ليس كل كلام العرب الفصيح في القرآن الكريم

الاعتراض:

بعض اللغات والقواعد النحوية التي ذهبنا إليها ليست موجودة في القرآن الكريم ولا تتفق مع ما جاء فيه.

الرد:

ليس كل كلام العرب الفصيح مأخوذا من القرآن الكريم. فلا بدّ من الإشارة إلى أن أصول النحو المعتمدة عند النحاة الذين شرعوا في تقعيد اللغة، لهي متعددة ولا تقتصر على القرآن الكريم وحده.

فمن مصادر النحو كانت اللغة المدونة  وأهمها القرآن الكريم ، ومعه ما دوّنه بعض الصحابة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما دوّنه الرواة من قصائد الجاهلية والمسلمين وأمثالهم.

ولكن إلى جانب هذه اللغة المدونة فإن من أهم مصادر النحو والاستقراء اللغوي كانت اللغة غير المدونة، والتي تمثلت في كلام العرب الفصحاء، والتي كانت في نظر النحاة من أوفى المصادر التي تستمد منها اللغة. لذلك فقد حرص النحاة على الرحلة إلى البادية والاتصال بالأعراب في الأمصار من أجل أخذ اللغة عنهم.

وقد كان مرتكز النحويين في أخذ اللغة من القبائل التي كانت تعيش وسط الجزيرة العربية، لما عرف عنها من فصاحتها ونقاء لغتها كالقبائل النجدية والحجازية مثل: تميم، وأسد، وطيء، وقيس، وهذيل . (يُنظر: كتاب أصول النحو العربي للدكتور محمد خير الحلواني)

وفي هذا يقول نفس المصدر: “أما القرآن الكريم فهو ذخر لغوي بالغ الأهمية، وقد رأينا اعتماد اللغويين عليه في عملية الاستقراء، ولكنه إلى ذلك لم يجمع ظواهر العربية كلها،ولا بدّ أن يكون بجانبه نصوص أخرى.” [ أصول النحو العربي للدكتور محمد خير الحلواني، ص 81]

فمن الواضح أنه لو كان القرآن الكريم شاملا لكل الفصيح من اللغة، لما لجأ النحاة إلى هذه القبائل وإلى البادية لاستقاء اللغة منها واستقرائها. وخير دليل على ما نقول هو أن كبار النحاة يُقرون بأنه ليس كل لغة توجد في كتاب الله عز وجل، ولا كل ما يجوز في العربية يأتي به القرآن أو الشعر.

وفي هذا يقول أبو السعيد السيرافي:

قد ذكر سيبويه عن العرب حذف علامة التأنيث من الحيوان مع قلته، وكان أبو العباس محمد بن يزيد (المبرد) ينكر ذلك أشد الإنكار، ويقول:لم يوجد ذلك في قرآن، ولا في كلام فصيح وشعر، والذي قاله سيبويه أصحّ لأنه حكاه عن العرب، وهو غير متهم في حكايته، واحتجّ له بما لا مدفع له وقد قال جرير فيه في قوله ما يوافق حكاية سيبويه، وهو:

لقد ولد الأخيطل أمّ سوء … على باب استها صلب وشام

((وليس كل لغة توجد في كتاب الله عز وجل ولا كل ما يجوز في العربية يأتي به القرآن أو الشعر،)) ولأبي العباس(المبرّد) مذاهب يجوزها لم توجد في قرآن ولا غيره، من ذلك إجازته:

إن زيد قائما، قياسا على: ما زيد قائما، ولا أظن الاستشهاد عليه ممكنا في شيء من الكلام.

قال: (وهو في الموات كثير)، يعني: حذف التاء من فعل الموات الماضي” [شرح كتاب سيبويه (2/ 369)]

فها هو أبو السعيد يدافع عن سيبويه في تجويزه تذكير الفعل للمؤنث الحقيقي كالقول: جاء فلانة. على لغة للعرب رغم عدم وجودها في القرآن الكريم. ويحاجج المبرد في ذلك بأنه هو أيضا يجوّز ما ليس في القرآن والشعر كلغة (إن زيدٌ قائما) وأمور غيرها. ويقول أن ليس كل لغات العرب موجودة في القرآن الكريم ولا الشعر القديم .

فهل نترك هؤلاء الفحول الجهابذة النحارير ونترك أقوالهم لنصدق جهلة العرب اليوم ممن يعترضون علينا.

لذا فإننا إذا أوردنا توجيها يستند على لغة ليست هي في القرآن الكريم، فإن هذا الأمر لا يعني أن هذه اللغة ليست من فصيح الكلام، بل هي من فصيح الكلام  ولا يحق لأحد القدح فيها والقول بأنها لغة ركيكة؛ فالفصاحة ليست مقتصرة على القرآن الكريم وإن كان القرآن الكريم بلا جدال أعلى مستويات الفصاحة والبلاغة.