المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود العربية..296

مجمع اللغة العربية المصري والمدرسة الكوفية وتجويزه جمع السلامة فيما ظُنّ المنع فيه

أسهبنا الشرح والحديث في تجويز الكلمات: تجارون، نحريرون، مجنونون، غريقون؛ وهي الكلمات التي استعملها المسيح الموعود عليه السلام، واعترض عليها المعارضون مدّعين الخطأ فيها. (يُنظر مظاهر الإعجاز 30، و 273) .

ولنا هنا أن نستعين بما أقره مجمع اللغة العربية المصري تأييدا لكل ما كتبناه هناك.

في كلمة تجارون:

أقر المجمع جواز جمع الجمع ضمن قراراته العلمية في الدورة العاشرة، حيث جاء في مجلة المجمع الجزء السادس، ما يلي:

” قد تدعو الضرورة إلى جمع الجمع كما تدعو تثنيته، فكما يقال في جماعتين من الجمال جمالان، كذلك يقال في جماعات: جمالات وإذا قصد تكسيره كسر نظرا إلى ما يشاكله من الآحاد، فيكسر مثل تكسيره كقولهم في أعبد أعابد، وفي أسلحة أسالح، وفي أقوال أقاويل، وما كان من الجموع على وزن مفاعل أو مفاعيل، لم يجز جمعه جمع تكسير لأنه لا نظير له في الآحاد فيحمل عليه”. ( مجلة المجمع ، ج6، ص75)

أما في باقي الكلمات : نحريرون، مجنونون، غريقون.

فقد قلنا إن  الأصل في جواز الصفة جمع سلامة أن يصح دخول التاء على مفردها للتفرقة بين المذكر والمؤنث، فكل ما يدخله التاء يصح جمعه جمع مذكر ومؤنث سالمين، وما لا فلا.

غير أن مجمع اللغة العربية المصري، ببحوثه الجليلة، ونظرته الثاقبة، لا أخاله أبقى صيغة من صيغ المفرد ليمتنع دخول التاء عليها وجمعها جمع سلامة.

فقد جوز المجمع دخول التاء وجمع السلامة في الصيغ التالية:

1: صيغة فعول بمعنى فاعل . جاء هذا في قرار خاص نقلناه في المقالات المذكورة أعلاه، نقلا عن النحو الوافي. وهو قرار منشور في كتاب ( في أصول اللغة، ج 1، ص74)

ومما لا بدّ من التنويه له فيما جاء في هذا الصدد في قرار المجمع وأبحاثه المؤيدة له ما يلي:

جاء في قرار المجمع:

“ويمكن الاستئناس في إجازة دخول التاء في “فعول” بأن صيغ المبالغة كاسم الفاعل؛ يمكن أن تتحول إلى صفات مشبهة. وعلى ذلك في حالة دلالتها على الصفة المشبهة يمكن أن نلمح المعنى الأصلي لها وهو المبالغة؛ فتدخل عليها التاء؛ جريا على قاعدة دخول التاء في اسم الفاعل، وفي صيغ المبالغة للتأنيث.” (نفس المصدر أعلاه)

وجاء في مذكرة الأستاذ عطية الصوالحي الداعمة لهذا القرار:

” ثم قال – أي الرضي- : إن الأغلب في الفرق بين المذكر والمؤنث بالتاء هو الفعل بالاستقراء، ثم حمل اسما الفاعل والمفعول عليه لمشابهتهما له لفظا ومعنى، كما يجيئ في بابهما، فألحقا التاء للتأنيث كما يلحق الفعل ” (في أصول اللغة، ج1، ص 77)

ويتأكد من هذا أن دخول التاء على اسم الفاعل واسم المفعول وصيغ المبالغة مطّرد، وعليه حمل دخولها على الصفة المشبهة. وعليه فيصح دخول التاء على “مجنون” لكونها اسم مفعول ويجوز لذلك جمعها على مجنونون.

2: صيغة فعلان:

معروف أن فعلان التي مؤنثها فعلى يمنع دخول التاء عليها وجمعها جمع سلامة. إلا أن المجمع نقض هذا المنع وأجاز كل هذا بقرار خاص، معتمدا على لغة بني أسد التي أنّثت هذه الصيغة بالتاء، حيث جاء:

” من حيث إن تانيث فعلان بالتاء لغة في بني أسد كما في الصحاح، ولغة بني أسد كما في المخصص، وقياس هذه اللغة صرفها في النكرة كما في شرح المفصل، والناطق على قياس لغة من لغات العرب مصيب غير مخطئ، وإن كان غير ما جاء به خير منه كما في قول ابن جني- ترى اللجنة أنه يجوز ان يقال : عطشانة وغضبانة وأشباههما، ومن ثم يصرف فعلان وصفا، ويجمع فعلان ومؤنثه فعلانة جمعي تصحيح. “(في أصول اللغة، ج1، ص80)

ومما جاء تأييدا لهذا القرار في أبحاث أعضاء المجمع ولا بدّ من التنويه له ما يلي:

يقول الأستاذ محمد علي النجار عضو المجمع:

” وأيا ما كان الأمر فقد ثبت كونها لغة (يقصد تأنيث فعلان بالتاء، وهي لغة بين أسد)، وكل لغة يجوز القياس عليها وإن كانت رديئة، وقد عقد ابن جني في الخصائص بابا جعل عنوانه” باب اختلاف اللغات وكلها حجة”، جاء في آخره: وكيف تصرف الحال فالناطق على قياس لغة من لغات العرب مصيب غير مخطئ وإن كان غير ما جاء به خيرا منه.” (في أصول اللغة، ج1، ص81)

ويقول الأستاذ أمين الخولي عضو المجمع نقلا عن ابن يعيش في مفصله، أن الأصل في جمع الصفات في فقه العربية هو جمعها جمع سلامة لا جمع تكسير، حيث يقول ابن يعيش:

” اعلم أن تكسير الصفة ضعيف، والقياس جمعها بالواوا والنون، وإنما ضعف تكسيرها لأنها تجري مجرى الفعل …. فكان القياس أن لا تُجمع (يقصد جمع تكسير) كما أن الأفعال لا تجمع، فأما جمع السلامة فإنه يجري مجرى علامة الجمع من الفعل إذا قلت يقومون ويضربون، فأشبه قولُك قائمون يقومون، وجرى جمع السلامة في الصفة مجرى جمع الضمير في الفعل، لأنه يكون على سلامة الفعل ، فكل ما كان أقرب إلى الفعل كان من جمع التكسير أبعد، وكان الباب فيه أن يجمع جمع السلامة لما ذكرناه” (في أصول اللغة ، ج1، ص 102؛ نقلا عن المفصل لابن يعيش ، ج5، ص 24، ط المنيرية)

وهذا النقل بحد ذاته يؤكد، أن الأصل في الكلمات المعتَرَض عليها أن تجمع جمع سلامة لا جمع تكسير، وأن جمعها جمع سلامة صحيح لا مِراء فيه.

مذهب الكوفيين جمع كل الصفات التي لا تقبل التاء جمع سلامة:

وينقل الأستاذ الخولي مذهب الكوفيين في هذا الشأن عن السيوطي قوله: “وجوزه الكوفيون في ذي التاء، وصفة لا تقبلها” وفي شرحها قال السيوطي: ” وخالف الكوفيون في هذا الشرط- أي خلو المفرد من التاء، فجوزوا جمع ذي التاء بالواو والنون مطلقا، فقالوا في طلحة وحمزة وهبيرة، طلحون، وحمزون، وهبيرون، واحتجوا بالسماع والقياس … وجوز الكوفيون جمع صفة لا تقبل التاء كقوله:

منا الذي هو ما إن طَرَّ شاربُه             والعانسون ومنا المردُ والشيبُ

وقوله:

فما وجدت نساء بني نزار              حلائل أسودين وأحمرينا ”  (في أصول اللغة، ج1، ص104-105)

ويخلص الخولي بقوله : إن جمع الصفة التي لا تقبل التاء مذهب أصيل.

وبناء على هذا فالكوفيون يجوزن جمع الصفات التي لا تدخلها التاء جمع سلامة، ومنها الصفات الخاصة بالنساء كــ(عانس) والتي على وزن أفعل ومؤنثه فعلاء، كما أحمر وأسود، وكذا تلك التي على وزن فعلان ومؤنثها فعلى.

3: فعيل بمعنى مفعول:

نص قرار المجمع على ما يلي: ” يجوز أن تلحق التاء فعيلا بمعنى مفعول، سواء ذكر معه الموصوف أو لم يذكر” (في أصول اللغة ، ج1، ص 101)   علما أن القاعدة الرائجة تقول بأن دخول التاء على هذه الصيغة قليل عند ذكر الموصوف.

 4: صيغة فاعل المختصة بالمؤنث

نص قرار المجمع على ما يلي: “يجوز تأنيث ما جاء على صيغة فاعل من الصفات المختصة بالمؤنث بالتاء وإن لم يقصد الحدوث.” ( في أصول اللغة، ج1، ص106)

5: صيغ مِفعال ومِفعَل ومِفعيل التي يستوي فيها المذكر والمؤنث

ونصّ قرار المجمع على ما يلي: “يجوز أن تلحق تاء التأنيث صيغة مِفْعيل ومِفْعال ومِفعَل سواء ذكر الموصوف أو لم يذكر، مثل: مسكين ومسكينة، معطار ومعطارة.” (في أصول اللغة، ج3، ص66)

6: صيغة فَعال المختصة بالمؤنث أو المشتركة بين المذكر والمؤنث

ونصّ قرار المجمع على ما يلي: “ترى اللجنة جواز إلحاق تاء التانيث بكل ما جاء صفة على صيغة (فَعَال) حتى لو كان الوصف خاصا بالإناث، أو كان مصدرا في الأصل.” (في أصول اللغةج5، ص 24)

7: صيغة مُفْعِل المختصة بالمؤنث

ونصّ قرار المجمع : “ترى اللجنة إلحاق تاء التانيث بصيغة (مفعل) صفة لمؤنث طردا للباب على وتيرة واحدة.” (في أصول اللغة، ج5، ص 26)

8: صيفة أفعل التي مؤنثها فعلاء

يجيز المذهب الكوفي جمع هذه الصيغة جمع مذكر سالما، على النقيض من الرأي البصري، وفق ما يؤكده النحو الوافي في سياق الحديث عن شروط جمع المذكر السالم؛ كما يلي:

” هذا رأي البصريين ومن يؤيدهم. ويخالفهم الكوفييون فلا يتمسكون بشرطي منع “أفعل” و “فعلان” ومؤثنهما. وأدلتهم وشواهدهم كثيرة مقبولة. ولا معنى اليوم لإهدار رأيهم، وخاصة إذا منع لبسا، وإن كان الأول أكثر وأفصح، وكان ابن كيسان يقول: لا أرى في الرأي الكوفي بأسا- كما جاء في المفصل ج5 ص59، 60، ورأيه سديد. فلمَ المنع؟ أيكون بسبب أن الصفات الدالة على الألوان لا أفعال لها ولا مصادر، فهي بهذا تخالف سائر المشتقات، كما قد يتوهم بعض النحاة؟: “وتوهمه بعيد عن الحق، فقد ذكر ابن القطاع في كتابه: “الأفعال” كغيره من أكثر اللغويين أن لهذه الصفات أفعالا صحيحة، واردة بكثرة عن العرب”. أم لأن أكثر هذه الصيغ يقرب من الفعل … والفعل لا يجمع “كما يقول الصبان، وكما يقول شارح المفصل في جـ 5 ص 59 و 60″؟ كل هذه العلل وأشباهها واهية، وخاصة بعد الوارد الفصيح، وهو كثير، وبعد إجازتهم في التفضيل” ما كان منها على وزن: “أفعل” دالا على أمر معنوي، نحو: أحمق، وأبيض القلب، ونحو: فلان أبيض سريرة من فلان، أو: أسود سريرة منه، بمعنى: أنه أطيب منه نفسا، أو أخبث منه … أو نحو هذا …” [النحو الوافي (1/ 143)]

 

الخلاصة:

بناء على كل هذا نرى بإن كل الصيغ التي مَنع فيها النحاة دخول التاء عليها وجمعها جمع سلامة، فإن مجمع اللغة العربية المصري وكذا المذهب الكوفي، يجيزون فيها كلها دخول التاء وجمعها جمع سلامة، فلم يبق من هذا المنع شيء ، وعلى هذا تصح كل العبارات المعترَض عليها في كلام المسيح الموعود عليه السلام، والتي جاءت مجموعة جمع مذكر سالما مثل: غريقون، مجنونون، نحريرون.