المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود العربية ..315

مجمع اللغة المصري يقرّ بصحة وفصاحة لغة “أكلوني البراغيث” ويجيز استعمالها

 لغة “أكلوني البراغيث” واسمها الثاني لغة “يتعاقبون فيكم”!؟

كنّا قد رددنا في مقالات سابقة على اعتراض المعارضين، الذين يقدحون في لغة وفصاحة المسيح الموعود عليه السلام، لاستعماله لغة أكلوني البراغيث في بعض الجمل ،كمثل قوله عليه السلام: فانظر كيف يسعون هؤلاء إلى كل جهة (حمامة البشرى).

ولنا أن نضيف إلى كل ذلك قولا فصلا وبحثا عدلا مجملا، مما أقره مجمع اللغة المصري، حيث كان من بين قراراته إجازة استعمال هذه اللغة، لـــِمــا ثبت من فشوّها وصحتها وفصاحتها؛ بل واعتبارها من الفصحى لمجرد ورودها في القرآن الكريم، على رأي ثلة من علماء اللغة وأئمتها الأفذاذ النحريرين. ونصّ القرار ما يلي:

“يجوز إلحاق علامة التثنية أو الجمع بالفعل الذي فاعله أو نائب فاعله اسم ظاهر مثنى أو جمع.”  (في أصول اللغة، ج4، ص632)

وقد اعتمد القرار على عدة ابحاث ومذكرات لأعضائه العلماء، مثل: عباس حسن، والشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، والدكتور أحمد علم الدين الجندي. ملخص ما جاء فيها ما يلي:

1: هذه اللغة فاشية في المصادر القديمة أهمها:

_  القرآن الكريم :

أ:قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} (الأنبياء 4)

ب: قوله تعالى: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ } (المائدة 72)

ج: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} (آل عمران 114)  قالوا (الواو) في ليسوا علامة جمع لا ضمير، واسم ليس (أمة قائمة).

_ القراءات القرآنية:

أ: “قد أفلحوا المؤمنون” (المؤمنون 2) في قراءة طلحة بن مصرف.

ب: “يوم يُدعوا كل أناس بإمامهم” (الإسراء 72) قراءة الحسن البصري.

ج: ” لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا” (مريم 88) 

د: “خشعا أبصارهم يخرجون من الاجداث” (القمر8) ؛ خشعا أبصارهم على يخشعن أبصارهم وهي لغة طيء.

ه:” أُدخلوا الذين آمنوا” (إبراهيم 23) في قراءة الحسن البصري وعمرو بن عبيد.

 

_ الحديث الشريف:

أ: قوله صلى الله عليه وسلم: (يتعاقبون فيكم ملائكة..)

ب: وقوله صلى الله عليه وسلم: (يخرجن العواتق وربات البيون)

ج: والحديث: (فوقعتا ركبتاه قبل ان تقعا كفاه)، وهذين الأخيرين نقلهما السهيلي على أنهما مما يروى في الصحاح.

د: قد أوكدتاه يداه وأعمدتاه رجلاه

ه: فغضب عمران حتى احمرتا عيناه

و: قام النبي (ص) يوم الفطر فبدأ بالصلاة قبل الخطبة …. فلما فرغ وأتى النساء، تذكرهن وهو يتوكأ على يد بلال، وبلال باسط ثوبه، يلقين النساء صدقة.

_ في الشعر الجاهلي والأموي والعباسي :

أُلفيتا عيناك عند القفا          أولى فأولى لك ذا واقيا

يلومونني في اشتراء النخيل      أهلي فكلهم يعذل

نهضت وقد قعدن بي الليالي       فلا خيل أعن ولا ركاب

وقد نقل الشيخ محمد محيي الدين في مذكرته أكثر من خمسةَ عشرَ شاهدا على هذه اللغة من الشعر في هذه العصور المختلفة، وذلك لكبار الشعراء مثل الفرزدق وأبي فراس الحمداني وأبي تمام وأبي نواس والشريف الرضي وغيرهم .

2: وعما ورد في القرآن الكريم من هذه اللغة يقول ابن خالويه: قد أجمع الناس جميعا أن اللغة إذا وردت في القرآن الكريم فهي أفصح مما في غير القرآن لا خلاف في ذلك. ويقول عضو المجمع وصاحب البحث، الدكتور علم الدين الجندي أن لغة طيء هذه بورودها في القرآن الكريم أصبحت عنصرا من عناصر اللغة العربية الفصحى؛حيث استخدمت في أرقى نصّ نموذجيّ لها.

اما بالنسبة للغة الحديث التي وردت فيها هذه اللغة، يقول أبو عبيدة القاسم بن سلام” لاهل الحديث لغة ولاهل العربية لغة، ولغة اهل العربية أقيس، ولا بد من اتباع لغة أهل الحديث”، ولله در السهيلي حين قال: ألفيت في كتب الحديث ما يدل على كثرة هذه اللغة وجودتها.

3: ما يمكن ان يستانس به في صحة هذه اللغة هو ورودها في أخواتها اللغات السامية كالعبرية والحبشية والسريانية والآرامية. مما يؤكد أن هذه اللغة هي الأصل، وأنه مع الوقت تطورت اللغة فعدل العرب عن إثبات أحرف التثنية والجمع اكتفاء بالفاعل الظاهر؛ وهذا يؤيده ما قاله سيبويه في كتابه بشان الاكتفاء بالفاعل الظاهر .

4: ان ما نسمعه اليوم من تراكيب مشابهة في اللغة المعاصرة كالقول: ظلموني الناس (اغنية لام كلثوم)، وسالوني الناس (اغنية لفيروز)ن وغيرها.. هي امتداد للاصل القديم في اللغة العربية.

5: آراء العلماء والنحاة في هذه اللغة:

سيبويه: ينقل ابن يعيش رأي سيبويه قائلا: ذهب سيبويه إلى أنهما (أي الألف والواو …) قد تكونان تارة اسمين للمضمرين، ومرة تكونان حرفين دالين على التثنية والجمع؛ فإذا قلت: الزيدان قاما؛ فالألف اسم وهو ضمير الزيدَين، وإذا قلت: الزيدون قاموا؛ فالواو اسم وهو ضمير الزيدِين. وإذا قلت قاما الزيدان، فالألف حرف مؤذِن بأن الفعل لاثنين، وكذلك إذا قلت: قاموا الزيدون؛ فالواو حرف مؤْذن بأن الفعل لجماعة. وقال عنها سيبويه في كتابه ” وهي لغة قليلة” . فسيبويه اعترف بها فلم يحكم عليها بالضعف أو الشذوذ كما فعل غيره، وهي عنده لم تبلغ من درجة الشيوع على ألسنة الفصحاء ما بلغته اللغة الأخرى، والوارد المسموع بها كثير في ذاته بدليل ورودها مرات كثيرة في القرآن الكريم والحديث والشعر والنثر على السواء، وإن كان قليلا بالنسبة للوارد من اللغة الأخرى، والقلة النسبية لا تمنع القياس، ويكفي أن تأتي الظاهرة في القرآن والسنة والشعر لنقيس عليها ونحاكيها.

المازني: واعتمادا على رأي المازني …تكون لغة طيئ صحيحة قياسا، وعلى هذا فإن لغة أكلوني البراغيث لم يكن شيء منها شاذا مخالفا للقياس، بل هي قياسية على مذهب المازني.

الزمخشري: هذه اللغة وقع منها في الآيات والأحاديث وكلام الفصحاء ما لا يحصى.

ابن يعيش: يصف ابن يعيش هذه اللغة بقوله: ” وهي لغة فاشية لبعض العرب، كثيرة في كلامهم وأشعارهم”. ويُفهم من كلام ابن يعيش  أن لغة طيئ لم تكن لهجة محلية، بل هي من لبِنات اللغة الفصيحة المشتركة، وبنزول القرآن الكريم بها، وحديث الرسول، وأشعار العرب؛ زادها ذلك تأصيلا، ومنحها سعة وانتشارا. ويقول.. وهي لغة فاشية مشهورة ولها وجه من القياس واضح.

السهيلي: يقول : ألفيت في كتب الحديث المروية الصحاح، ما يدل على كثرة هذه اللغة وجودتها”.

ابن مالك: يذكر اللغتين ويقبل لغة طيء دون تأويل أوتخريج.

أبو حيان: وصفها بأنها لغة صحيحة حسنة، وليست شاذة كما زعم بعضهم.

السيوطي: رأى أن هذه العلامات (الألف، والواو، والنون، الملحقة بالفعل) حروف، وعلّلَ هذا بنقل الأئمة، وأنها لغة طيء وغيرهم.

ابن هشام: ذهب إلى تضعيف هذه اللغة في “المغني”، ولكنه استدرك على نفسه في “أوضح المسالك” ودلّل على صحة هذه اللغة في قوله: والصحيح أن الألف والواو والنون في ذلك أحرف، دلّوا بها على التثنية والجمع، كما دل الجميع بالتاء في نحو قامت- على التانيث، لا أنها ضمائر الفاعلين وما بعدها مبتدأ على التقديم والتاخير، أو تابع على الإبدال من الضمير.

الحريري والشهاب الخفاجي: ضعّف الحريري هذه اللغة، وعدها مما لم ينطق به القرآن الكريم ولا اخبار الرسول (ص) ولم يتكلم بها الفصحاء إلا قليلا؛ فصححه الشهاب الخفاجي وقال بأنها لغة قوم من العرب.

الأشموني: أثبت هذه اللغة على أنها لغة قوم من العرب، وأنكر تأويل كل ما جاء منها على الإبدال والتقديم والتأخير.

6: هذه اللغة هي لغة لقبيلة طيئ وبعض القبائل المجاورة لها. وطيء هذه من القبائل الست التي أخذت عنها اللغة، وتعزى لغتها إلى أبي عمرو الهذلي، وهو من فصحاء الأعراب الذين سُمع منهم، فالشواهد عليها قديمة في كلام العرب وليست موضع هزل وسخرية.

7: أول من تحدث عن هذه اللغة من النحاة هو سيبويه واسماها ” أكلوني البراغيث”، إلا أنه لم يرمها بالشذوذ والخطا، وأما ابن مالك فقد أعطاها اسم: لغة “يتعاقبون فيكم” كما وردت في الحديث الشريف.

8 : إنّ مَن ذهب من النحاة إلى التأويل في هذه اللغة، أسرفوا في تأويلاتهم؛ فكان لهم في تخريج كلمة “الذين” في الآية (وأسروا النجوى الذين ظلموا) ستة عشر تخريجا وتأويلا، منها على الرفع ومنها النصب ومنها الجر. وكل هذه تاويلات تعسفية لا حاجة إليها، اضطر النحاة للقول بها لجعل قواعدهم مطّردة ولإخضاع كل ما وصلهم تحت هذه القواعد، بدلا من ان يصححوا القاعدة نفسها.

9: هذه اللغة ليست فقط من عداد اللغات الفصيحة، بل ترقى إلى أن تكون في مصاف اللغات الفصحى، وذلك لورودها في القرآن الكريم. فقد بنى النحويون منهجهم في فصاحة اللغة على أسس منها: مدى مشابهة تلك اللغة بلغة القرآن الكريم، وعبر عن ذلك المبرد بقوله: ” وإنما يقال بنو فلان أفصح من بني فلان أي: أشبه لغة بلغة القرآن الكريم “. فكيف يمكن إخراج لغة طيء وأخواتها من الفصحى، وقد ثبت ورودها كما سبق في القرآن الكريم والسنة وتراث العرب شعره ونثره!؟ ويرحم الله أبا حيان في مقولته: إذا ثبتت القراءة لهجة عربية فلا ينبغي أن يُخطأ بها القارئ أو يُغلط”.

هذا ما ورد في أبحاث مجمع اللغة العربية بالنسبة للغة أكلوني البراغيث، منقولا بشيء من التصرف والدمج ، وبناء عليه تمّ اتخاذ القرار بصحة وجواز وفصاحة هذه اللغة. (ينظر: في أصول اللغة، ج2، ص209 وما بعدها. و:في أصول اللغة، ج4، ص 687- 697)

وأكثر ما يهمنا في كل هذا، أن مجمع اللغة يرقى بهذه اللغة، لغة أكلوني البراغيث إلى مصاف اللغات الفصحى، وهو ما يهدم اعتراض المعترض وأعوانه في قدحهم بفصاحة هذه اللغة.

فلنغيّر اسم هذه اللغة من أكلوني البراغيث، لما فيه من دلالة سلبية تعسفية قد تكون منفرة بعض الشيء، ولنسمّها كما سماها ابن مالك لغة ” يتعاقبون فيكم” ، ولنؤكدْ مرة واحدة وإلى الأبد، صحة وفصاحة هذه اللغة، وجهل من يخطئها أو يقدح بفصاحتها.