المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..288

نكتة الخطأ في إضافة كلمة (جميع) للنكرة

إضافة ألفاظ التوكيد المعنوي للنكرة المختصة وفق المذهب الكوفي

الاعتراض:

يدّعي المعترض أن المسيح الموعود عليه السلام، قد أخطأ في إضافة كلمة (جميع) إلى النكرة في الجمل التالية:

1: وإنّا مؤمنون بجميع أمورٍ أخبر بها سيّدنا ونبيُّنا  (تحفة بغداد)

2:  فالذين حسبوني مستجمِعَ جميعِ صفاتٍ كاملةٍ وكمالاتٍ شاملة (كرامات الصادقين)

3:  وأما ما علّمَنا القرآن من الدعاء، فهو يشتمل على جميعِ صفاتٍ كاملةٍ توجد في حضرة الكبرياء،  (كرامات الصادقين)

فحسب رأيه كلمة جميع لا تُضاف إلى النكرة.

الرد:

كلمة جميع هي من ألفاظ التوكيد المعنوي، مثل: كلا وكلتا وكل وعامة ونفس وعين. ومسألة إضافتها إلى النكرة لها علاقة وطيدة -وفق ما ورد في أحد المصادر-، بمسألة توكيد النكرة بألفاظ التوكيد المعنوي. وقد فصّلنا في توكيد النكرة مقالات خاصة (ينظر: فصل الكلام،3  1،2، على الروابط التالية: https://wp.me/pcWhoQ-1gN

https://wp.me/pcWhoQ-1ho

https://wp.me/pcWhoQ-1hV

ملخص ما ذكرناه فيها أن المذهب البصري لا يجيز توكيد النكرة على الإطلاق، بينما المذهب الكوفي يجيز توكيد النكرة إذا تحققت الإفادة، بكون النكرة محدودة ولفظ التوكيد يفيد الإحاطة والشمول مثل كل وجميع وعامة. ومن المدرسة الكوفية من أجاز توكيد النكرة على الإطلاق سواء كانت نكرة محضة أو مختصة.

ووفق هذا فإن النكرة المختصة: (أي الموصوفة أو المضافة إلى نكرة أخرى) أقرب عند الكوفيين لجواز توكيدها توكيدا معنويا، وعليه يجيز هؤلاء إضافة ألفاظ التوكيد المعنوي لا سيما (كلا وكلتا) إلى النكرة المختصة. وإليكم ما تؤكده المصادر في هذا الصدد، واردا بشكل خاص بالنسبة لكلمتي (كلا وكلتا):

1: “فصل: مما يلزم الإضافة “كلا” و”كلتا”، ولا يضافان إلا لما استكمل ثلاثة شروط:

أحدها: التعريف؛ فلا يجوز: كلا رجلين، ولا كلتا امرأتين، خلافا للكوفيين.

والثاني: الدلالة على اثنين؛ إما بالنص؛ نحو: كلاهما، و {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ} أو بالاشتراك؛ نحو ….  [ضياء السالك إلى أوضح المسالك (2/ 344)]

وفي الهامش من نفس الصفحة يفسّر المؤلف السبب في لزوم إضافتها للمعرفة ويقول: “لأنهما في المعنى يؤكدان ما أضيفتا إليه، والمنكور لا يؤكَّد عند البصريين.” ثم يفصّل اختلاف الكوفيين في هذا الأمر ويقول: “فقد أجازوا إضافتهما إلى النكرة المختصة؛ لجواز توكيدها؛ تقول: حضر كلا رجلين عالمين، وكلتا امرأتين شاعرتين، والأحسن الأخذ بهذا الرأي.”

أذا، نرى وفق هذا المصدر أن الإضافة كالتوكيد في هذه الألفاظ، فإضافتها إلى اللفظ هي توكيد له، وبما أنه لا يجوز وفق المذهب البصري توكيد النكرة، فلا يجوز وفق هذا المذهب إضافة هذه الألفاظ إلى النكرة. كما نرى أن المذهب الكوفي يختلف في كل هذا عن البصري، فبما أن المذهب الكوفي يجيز توكيد النكرة المختصة ( أي: الموصوفة أو المضافة إلى نكرة مثلا) بألفاظ التوكيد المعنوي، فيجوز عندهم إضافة هذه الألفاظ للنكرة المختصة أيضا، لأن الإضافة هي توكيد في هذا السياق.

وتكرر هذا التأكيد على تجويز الكوفيين إضافة( كلا وكلتا) للنكرة المختصة في المصادر التالية:

2: “مما يلزم الإضافة” لفظًا ومعنى “كلا، و: كلتا”، فإنهما يضافان للظاهر والمضمر كما تقدم، “ولا يضافان إلا لما استكمل ثلاثة شروط:

أحدهما: التعريف”، فلا يضافان لنكرة مطلقًا، “فلا يجوز: كلا رجلين، ولا: كلتا امرأتين” عند البصريين، “خلافًا للكوفيين” فإنهم أجازوا إضافتهما إلى النكرة المختصة نحو: “كلا رجلين عندك محسنان” فإن “رجلين” قد تخصصا بوصفهما بالظرف، وحكوا: “كلتا جاريتين عندك مقطوعة يدها”، أي: تاركة للغزل، قاله في المغني، وهو مقيد لما أطلقه هنا… “[شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو (1/ 707)]

 

3: “وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ إضافتها إِلَى النكرَة المختصة نَحْو كلا رجلَيْنِ عنْدك محسنان فَإِن رجلَيْنِ قد تخصصا بوصفهما بالظرف وحكوا كلتا جاريتين عنْدك مَقْطُوعَة يَدهَا أَي تاركة للغزل” [مغني اللبيب عن كتب الأعاريب (ص: 269)]

عدا عن ذلك فإن المصادر النحوية تؤكد أن النكرة المختصة هي كالمعرفة، وفي هذا جاء في سياق الحديث عن حكم شبه الجملة من الظرف والجار مع المجرور بعد النكرات والمعارف:

4: “حكمهما بعدهما حكم الجمل، فهما صفتان في نحو رأيتُ طائراً فوقَ غُصنٍ، أو على غُصْنٍ، لأنهما بعد نكرة محضة، وحالان في نحو رأيتُ الهِلالَ بينَ السّحابِ، أو في الأفق، لأنهما بعد معرفة محضة، ومحتملان لهما في نحو يُعْجِبُني الزّهْرُ في أكمامِه، والثمر على أغصانه، لأن المعرف الجنسي كالنكرة، وفي نحو هذا ثمرٌ يانع على أغصانه، لأن النكرة الموصوفة كالمعرفة.” [مغني اللبيب عن كتب الأعاريب (ص: 166، بترقيم الشاملة آليا)]

 

وكلمة جميع لا تختلف في هذا الشأن عن كلا وكلتا، فكلها ألفاظ توكيد معنوي، غير أن (جميع) تأتي مع الجمع وكلا وكلتا للمثنى. وعليه فوفق المذهب الكوفي يصح إضافة (جميع) إلى النكرة المختصة، وهذا ما يثبت من المصادر أعلاه؛ وذلك بغض النظر عن السبب في هذه الإجازة وإن كان لها علاقة بالتوكيد أو لا.

ولو أمعنا النظر في كلام المسيح الموعود عليه السلام أعلاه، لرأينا أنه في كل تلك الجمل جاءت النكرات مختصة، لأنها موصوفة إما بمفرد أو بجملة، فيجوز وفق المذهب الكوفي إضافة جميع لها، ولا خطأ في ذلك قطّ.