المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية .. 70

نكتة الخطأ في الأسماء الخمسة ..2

التوجيه الثاني: حمل أحد هذه الألفاظ على التصغير..

الاعتراض:

زُعم أن المسيح الموعود عليه السلام قد أخطأ في بعض العبارات والجمل التي وردت فيها بعض كلمات من الأسماء الخمسة أو الأسماء الستة، وهي الجمل التالية :

  1. مليكٌ فيُزعِج ذي شِقاق ويحصِرُ (كرامات الصادقين، ص 12).
  2. ويعلم أن أبي هريرة استعجل في هذا الرأي (حمامة البشرى، ص 93).
  3. فانظر يا ذي العينين إن كنت من الطالبين (نور الحق، ص 153).
  4. وقلت استغفِروا ربّكم ذي المغفرة (مكتوب أحمد، ص 77).
  5. وأن لا تؤذي أَخيك بكبرٍ منك ولا تجرحه بكلمة من الكلمات (إعجاز المسيح، ص 82).

وموضع الخطأ وفق هذا الزعم الباطل هو في الكلمات (ذي) و (أبي) و (أخي)، التي جاءت بحرف الياء رغم أنها منصوبة ولا بدّ أن تنصب بالألف هكذا: (ذا) و( أبا) و (أخا)، وذلك لأن القاعدة المعروفة عن الأسماء الخمسة أنها تنصب بالألف وليس بالياء.

الردّ:

لقد أجبنا في المقال السابق على مثل هذا الاعتراض بالقول أن الجمل الأربع الأُوَل تندرج تحت نقل هذه الألفاظ إلى العلمية فتصبح أسماء يجوز أن تحتفظ بصيَغها الأصلية في مواضع الإعراب المختلفة مهما تغيّرت هذه العوامل، كما أنها أُجريت مجرى الحكاية بترديد اللفظ على أصله، وذلك للفتة بلاغية مفادها تحديد وتخصيص الشيء المذكور والمسمى دون إطلاق اللفظ على عموم من ينطبق عليه.

كان هذا التوجيه النحوي الأول للفقرات الأربع الأولى. أما الفقرة الخامسة فتندرج تحت توجيه آخر. وهو حملها على التصغير لتكون ( لا تؤذي أُخَيَّك). إذ إن للتصغير أهدافا مختلفة، منها التحبب والترحم والتعظيم والاختصار كما يوضحه النحو الوافي في سياق الحديث عن التصغير وأهدافه فيقول:

الغرض منه (يقصد التصغير): …

6- التحبب وإظهار الود؛ نحو: يا صديقي، يا بنيتي.

7- الترحم، “أي: إظهار الرحمة والشفقة”، نحو: هذا البائس مسيكين …

8- التعظيم: كقول أعرابي: رأيت مليكا نهاية الملوك، وسييفا من سيوف الله تتحطم دونه السيوف …

9- الاختصار اللفظي مع إفادة الوصف، كالذي في مثل: “نهير” بمعنى: نهر صغير…

ومن الممكن إرجاع كثير من هذه الأغراض المفصلة إلى التحقير أو التقليل. ومن الممكن أيضا أداء كل غرض منها بأسلوب -أو أكثر- يخلو من التصغير، ولكنه سيخلو كذلك مما يمتاز به التصغير من الاختصار، والقوة، والتركيز.” {النحو الوافي (4/ 683- 684)}

ويقول في الهامش:

ومن تصغير التعظيم قول الشاعر القديم:

وكل أناس سوف ندخل بينهم … دويهية تصفر منها الأنامل

وقول الآخر:

فويق جبيل شاهق الرأس لم تكن … لتبلغه حتى تكل وتعملا

ولهذا يقال عن التصغير إنه بصيغته -وحدها- يدل على ما تدل عليه الصفة والموصوف المعين معا.” {النحو الوافي (4/ 684)}

ومن هذا يتضح لنا أهمية التصغير ومدى فصاحته وبلاغته، إذ إنه يحوي بين طياته معان عديدة تكون مكنونة فيه؛ فهو صفة وموصوف في آن واحد، كما أن فيه اختصارا وقوة وتركيزا.

وإذا ما عدنا إلى سياق الجملة الخامسة نجد بأن اغراض التصغير الأربع من التعظيم والترحم والتودد والاختصار تكمن فيها وتنطبق عليها، مما يؤكد أن المسيح الموعود عليه السلام قد حملها على التصغير ولا ريب في ذلك.

فجملة: وأن لا تؤذي أُخَيّك بكبرٍ منك ولا تجرحه بكلمة من الكلمات (إعجاز المسيح، ص 82).

فقد جاءت في السياق التالي:

ومِن فروع العبادة أن تحبّ من يعاديك، كما تحب نفسك وبنيك، وأن تكون مُقِيلاً للعثرات، متجاوزًا عن الهفوات، وتعيش تقيًّا نقيًّا سليمَ القلب طيّبَ الذات، ووفيًّا صفيًّا منزَّهًا عن ذمائم العادات، وأن تكون وجودًا نافعًا لخَلْقِ الله بخاصية الفطرة كبعض النباتات، مِن غير التكلفات والتصنّعات، وأن لا تؤذي أُخَيَّك بكبرٍ منك ولا تجرحه بكلمة من الكلمات، بل عليك أن تجيب الأخَ المغضَب بتواضعٍ ولا تحقِّره في المخاطبات، وتموت قبل أن تموت، وتحسب نفسك من الأموات، وتعظِّم كلَّ من جاءك ولو جاءك في الأطمار لا في الحُلل والكسوات، وتسلِّم على من تعرفه وعلى من لا تعرفه، وتقوم متصدّيًا للمواساة.” {إعجاز المسيح (2/ 67)}

فواضح من هذه الفقرة أن السياق هو وجوب تعظيم الأخ، أيًّا كان هذا الأخ كبيرا أو صغيرا، وعدم المساس به واحتقاره، فجاءت كلمة أخيّك بصيغة التصغير لتفيد التعظيم والتبجيل، وتفيد المعنى السياقي لهذه الجملة، ولتضفي قوة وتركيزا على المفهوم المقصود من السياق.

كما أنه من الممكن أن يكون التصغير في هذه الكلمة قد جاء للدلالة والتركيز على عدم إيذاء الاخ الأصغر بالذات. هذا ناهيك عما في هذا التصغير من التودد والتحبب والترحم على الأخ، واختصار للمعنى الذي يحوي كل هذه المفاهيم مجتمعة.

فلا شك بعد هذا كله أن هذه العبارة مأخوذة ومحمولة عند المسيح الموعود على التصغير لما فيه من الفصاحة والبلاغة .

فيثبت من كل هذا صحة العبارة المعترَض عليها (أخيك) وذلك بحملها على التصغير (أُخيَّك) . وثبت فصاحة وبلاغة المسيح الموعود عليه السلام مرة أخرى وبتجل جديد.

وبذلك نكون قد أثبتنا صحة جميع الأسماء الخمسة المعترض عليها في لغة المسيح الموعود عليه السلام، في أقل من بضعة أشهر لم نوليها أكثر من بضع ساعات من التفكير والبحث، رغم وهم المعارضين بأنه لن يسعنا الدهر كله لدحض تحديهم الذي أطلقوه فيها. وما هذا إلا تحقيق لنبوءة المسيح الموعود عليه السلام: إني معين من أراد إعانتك، وإني مهين من أراد إهانتك.