المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..312

نكتة الكلمات العربية – الأردية..7

كلمة “حيثية”

الاعتراض:

فيما يلي اعتراض المعترض بحذافيره:

حيثية في اللغة العربية تعني: وِجْهَةَ نَظَرٍ، ما يُبنى عليه قرار أو حكم مِن مقدّمة أو مسوّغ، وهي مبتدئة بـ حيث.

أما في الأردية فتعني: اعتبار، مكانة، مقام، منزلة، شأن. (القاموس الجديد، ص 405)

وقد استخدمها الميرزا بالمعنى الأردي مرةً واحدةً، فقال:

ومن كان ذا عيشة خضراء فليعط بقدر حيثيّته إن شاء (نور الحق، ص 16). ويقصد أنّ على الغنيّ أن يعطيَ بقدر اعتباره ومنزلته ومكانته ومقامه وشأنه. وقد كان عليه أن يكتب كلمة “وُسْعه” أو “مَقامه” بدلا من “حيثيته”.

التحدي: نتحدى الأحمديين أن يثبتوا أنّ هذا هو معناها المعروف بالعربية، وأنه هو الأبلغ.

الرد:

يسارع المعترض بتهوره وجهله وجهالته إلى التحدي دون تريث ودون بحث بترو وتؤدة. ولنقض أقواله هذه يكفينا أن ننقل ما كتبه الدكتور أحمد عبد العظيم عبد الغني، عضو مجمع اللغة العربية المصري، في بحثه عن كلمة “حيثية”، وجمعها “حيثيات” حيث قال:

” يشيع في اللغة القانونية مصطلح ” الحيثية” مفردا وجمعا ( حيثية وحيثيات)، بمعنى المسوّغات، أو الأسباب أو الأوجه التي أقيم عليها توجيه الاتهام ، وبنيت عليها الأحكام.

ويشيع كذلك جريان استعمال الكلمتين على ألسنة الخاصة والعامة في سياقات التساؤل والاستفهام، والإخبار والإثبات، والإنكار والنفي، وغيرها، بمعنى الوجاهة الاجتماعية والنفوذ والبروز والسلطة. وكذلك شاع – وما يزال الشيوع قائما – استخدام الكلمتين  في مجال علم المنطق عند الحديث عن مقولة ” الأين” ، وبيان أن الأين نسبة مكانية، تنقسم إلى “الحيث” و”المكان”، وأن الحيث هو كل ما يعرض للأين من هيئات وإضافات تحقق وجوادته الضرورية والممكنة . ومن مألوف كلام المناطقة قولهم: ” الشيء من حيث هو كذا “، و”بحسب كذا”، و”من جهة كذا”. ويتصل بهذا ما شاع في علوم تأثرت بعلم المنطق، كعلم النحو، وعلم أصول النحو، وعلم البلاغة، وغيرها. ولا يبعد عن هذا كله شيوع الكلمتين في مجال دراسة علم الحيوان.

وخلاصة الأمر أن حيثية، وجمعها حيثيات، يشيع استخدامها على الألسنة والأقلام، فيما يلي:

_ في بيان ما تعتمد عليه التقارير والاتهامات والأحكام نيابية وقضائية.

_ في كثير من مواقف التوصل الاجتماعي في سياقات شتى.

_ عند علماء الكلام والمنطق والنحو والبلاغة وغيرها، وكذلك علم دراسة الحيوان.

ومنبع هذه الاستخدامات هو كلمة “حيث” التي نقلت من الظرفية إلى الاسمية ( ويقوي ذلك ويزكيه ما ذهب إليه بعض النحاة من إعرابها، وإخراجها من حروف المعاني)؛ لتدل على الأسباب التي تبنى عليها الاتهامات النيابية، والأحكام القضائية، ولتحمل في أدائها التواصلي الاجتماعي الإشارة إلى الوجاهة الاجتماعية، والنفوذ، والبروز، والسلطة، ولتنقل في مفهومها المنطقي الدلالة على الهيئات التي تعرض للشيء موضوع البحث، وتتحقق بها جوادته الضرورية الممكنة، ويجري في سنن هذا الأخير (المنطق) ما تأثر به من علوم الكلام والنحو والبلاغة وغيرها.

ولتحقيق هذا الذي أريد للفظ “حيث” ، وبه، نقلت “حيث” من الظرفية إلى الاسمية، وأخذ منها المعنى المصدري، الذي وُلِّد عن طريق النسب إلى “حيث” بزيادة ياء مشددة، وإلحاق تاء النقل (من الظرفية إلى الاسمية)، كما هو المتبع في المصدر الصناعي، فتولدت الصيغة “حيثية”، وجمعت؛ لتنوعها، ولمقتضى السياقات، على “حيثيات”، وكل ذلك مشروع لغويا، وصحيح صرفيا، ومتلقى بحسن القبول استعمالا” [ الألفاظ والأساليب ، ج5، ص 402-403].

وبناء على هذا البحث، أقرّ المجمع صحة استعمال كلمة “الحيثية” بمعنى المسوغات أو الأسباب والأوجه التي يقام عليها الرأي القانوني، وبنيت عليها الأحكام القضائية. وحصْر اللجنة هذا المعنى في المجال القضائي، لا يعني عدم قبولها للمعاني الأخرى لهذه الكلمة؛ إنما جاء هذا الحصر لأن البحث توجه بالذات إلى المجال القانوني. فقد عبر أعضاء المجمع عن اعتراضهم لحصر معاني الكلمة بالمجال القضائي فقال الدكتور عبد الحميد مدكور: “أنا عندي اعتراض على حصر المصطلح في المعنى القانوني، لأنه ليس محصورا في المعنى القانوني، فعندما نقول: أناس ذوو حيثية؛ فنحن لسنا في مقام القضاء أو القانون أو النيابة، وإنما معناه: أصحاب مكانة اجتماعية…”

وأضاف الدكتور إبراهيم ضوة: المذكرة توجهت إلى المعنى القضائي فقط، ومع ذلك ففي الصفحة الثانية من المذكرة أضاف الدكتور أحمد عبد العظيم عبارة: “في كثير من مواقف التواصل الاجتماعي في سياقات شتى”  [ الألفاظ والأساليب، ج5، ص 400-401]

فرغم تركيز اللجنة على المعنى القضائي للكلمة، إلا أنها لم تعترض على المعاني الأخرى للكلمة، بل نرى أن أعضاء المجمع يؤيدون هذه المعاني أيضا.

وخلاصة هذا البحث ما يلي:

1: أن كلمة حيثية/ حيثيات لا يقتصر معناها واستعمالها عند الخاصة والعامة على معنى وجهة النظر أو المسوغات القانوينة ، كما يظن المعترض.

2: لكلمة “حيثية” استعمالات في معان شتى عند الخاصة والعامة، وفي مواضيع وسياقات عديدة منها: الوجاهة الاجتماعية والسلطة والنفوذ والبروز ، والهيئة.

3: ما يسوغ كل هذه المعاني، هو إخراج كلمة حيث من الظرفية إلى الاسمية على صيغة المصدر الصناعي كنوع من التوليد اللغوي لتفي بهذه المعاني المختلفة، وهو أمر مشروع لغويا.

4: ما يهمنا هو إقرار أعضاء المجمع بالمعاني التي يرفضها المعترض لكلمة حيثية، وهي: المكانة الاجتماعية والسلطة والنفوذ والهيئة، وهي المعاني التي يقصدها المسيح الموعود عليه السلام في الجملة المذكورة: ومن كان ذا عيشة خضراء فليعط بقدر حيثيّته إن شاء (نور الحق، ص 16). أي فليعظ بقدر مكانته الاجتماعية وهيئته ونفوذه وسلطته. وكما ذكر الباحث في بحثه فإن هذه المعاني مستعملة لهذه الكلمة حيثية عند الخاصة والعامة ولا خطأ في كل هذا.

وهنا يتحطم تحدي المعترض، ويثبت صحة كلام المسيح الموعود عليه السلام، فالكلمة عربية أصيلة دخلت الأردية بمعانيها العربية المختلفة مثل : المكانة والسلطة والهيئة.