المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود العربية ..26

نكتة تعدية الفعل اللازم ولزوم المتعدي وتأثير العجمة فيه..

(ملحوظة : الجزء الأول من البحث يحوي الرد بشكل عام والجزء الثاني يبين كيفية انطباق البحث على كل فقرة اعتُرض عليها)


الاعتراض:

من بين الاعتراضات التي أدلى بها المعترضون ضد سيدنا أحمد عليه السلام ولغته العربية، هو أنه يخلط بين الفعل اللازم والمتعدي، أو قل يحوّل الفعل اللازم إلى متعد والعكس. وقد عرَض المعترضون الكثير من الفقرات التي ورد فيها هذا الخلط أو الخطأ وفق زعهم (سنذكر هذه الفقرات والرد عليها لاحقا حتى نعطي كل فقرة حقها في الرد)، وعزَوا كل ذلك إلى العُجمة في كلام المسيح الموعود عليه السلام وتأثير اللغة الأردية عليه.

وقد أرغى وأزبد هؤلاء في أوهامهم المبنية على الجهل وسوء الظن والحقد والكبرياء، فأينما ظنوا وقوع خطأ كهذا جعلوا أصل الفعل باللغة الأردية معاكسا لما هو في اللغة العربية من حيث التعدية واللزوم؛ وقالوا بوقوع المسيح الموعود عليه السلام بالخطأ بفعل تأثير هذا الفعل الأرديّ الأصل.

ويا ويلهم، فإن هذا لهو يوم الدين، الذي سنقوض لهم به نظرية العجمة لتصبح قاعا صفصفا وتمسي صعيدا زلقا ونذرها هباء منثورا تذروه الرياح.

فخذوا يا أيها الأحمديون هذا الرد وما بعده من الردود، ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون.

الرد:

إن كل هذه الفقرات التي يقال فيها أنها تحويل الفعل اللازم إلى متعد والمتعدي إلى لازم، تندرج تحت أسوب بليغ فصيح، أروع ما قرأت وأبهى ما رأيت في لغتنا العربية العظيمة، وهذا الأسلوب هو نوع من أساليب حمل الكلام على المعنى ويُدعى” التضمين”، فما هو التضمين يا أيها العرب !؟ فاسمعوا وعُوا!

التضمين كما يدل عليه معناه هو تضمين لفظ معنى لفظ آخر وإجراؤه مجراه في الحكم. ومن هنا، فإن التضمين هو أحد الأساليب المتبعة لتعدية الفعل اللازم بتضمينه معنى فعل متعد يناسبه في المعنى والظرف، وكذلك فهو أسلوب للزوم الفعل المتعدي بإشرابه معنى فعل لازم يناسبه في المعنى والظرف. وقد اشترطوا لكل هذا وجود المناسبة والقرينة بين الفعلين وعدم وقوع اللبس.

وللعلماء أقوال كثيرة واختلافات عديدة في التضمين وأحكامه وضوابطه ومعانيه وأساليبه وأهدافه نسوق لكم أهم هذه الأقوال، والتي تهمنا في بحثنا هذا.

فقد جاء تصنيف التضمين في كتاب النحو الوافي بأنه من أساليب تعدية الفعل اللازم كما يلي:

– “ التضمين: “وهو أن يؤدي فعل – أو ما في معناه – مؤدى فعل آخر أو في معناه، فيعطى حكمه في التعدية واللزوم”، ومن أمثلته في التعدية: لا تعزموا السفر، فقد عُدي الفعل، “تعزم” إلى المفعول به مباشرة؛ مع أن هذا الفعل لازم لا يتعدى إلا بحرف الجر؛ فيقال: أنت تعزم على السفر، وإنما وقعت التعدية بسبب تضمين الفعل اللازم: “تعزم” معنى الفعل المتعدي: تنوي، فنصب المفعول بنفسه مثله؛ فمعنى: “لا تعزموا السفر” لا تنووا السفر … ومثل: رحبتكم الدار – وهو مسموع – فإن الفعل: “رحب” لازم؛ لا يتعدى بنفسه إلى مفعول به ولكنه تضمن معنى: “وسع فنصب المفعول به “الكاف” مثله؛ إذ يقال: وسعتكم الدار؛ بمعنى: اتسعت لكم، ومثل: طلُع القمر اليمن، وهو من الأمثلة المسموعة أيضًا – والفعل: “طلُع”- بضم اللام – لازم، ولكنه نصب المفعول به بنفسه بعد أن ضُمن معنى: “بلغ”.

ومن أمثلة جعل المتعدي لازمًا: “سمع الله لمن حمده”، فالفعل: “سمع” في أصله متعد بنفسه، ولكنه هنا تضمن معنى: “استجاب” فتعدى مثله باللام، وهكذا …

والصحيح عندهم أن التضمين قياسي؛ والأخذ بهذا الرأي يفيد اللغة تيسيرًا وإتساعًا، ولما كان الفعل في التضمين لا يتعدى إلا بعد أن يستمد القوة من فعل آخر، فقد وُصف بعد هذه التقوية بأنه في حكم المتعدي، وليس بالمتعدي حقيقة؛ لأن المتعدي الحقيقي لا تتوقف تعديته على حالة واحدة تجيئه فيها المعونة من غيره. (إ.ه){ النحو الوافي (2/ 171- 169)}

والتضمين هو كلام البلغاء وركن من أركان البيان، وأسلوب العارفين بأسرار العربية ودقائقها، كما جاء في النحو الوافي:

.. ونقلنا فيما تقدم أن التضمين ركن من أركان البيان، فإن ذهبنا إلى القول بأنه قياسي، قلنا: إنما يستعمله العارف بدقائق العربية وأسرارها على نحو ما ورد، وإنك لتجد كثيرًا في عبارات المؤلفين فيها التضمين، … ومن ذلك قول ابن مالك “وأستعين الله في ألفية”، فقد جوّز الأشموني أنه ضمّنَ أستعين معنى: أستخير، ونحوه مما يتعدى بفي. ….والبلغاء يستعملونه في كلامهم بلا حرج” {النحو الوافي (2/ 583)، نقلا عن بحث مجمع اللعة العربية القاهري}

وقال ابن جني عن هذا الفن العجيب من التضمين ما يلي:

– “ووجدت في اللغة من هذا الفنِّ شيئًا كثيرًا لا يكاد يحاط به، ولعله لو جمع أكثره “لا جميعه” لجاء كتابًا ضخمًا، وقد عرفت طريقه. فإذا مرَّ بك شيء منه فتقبله وأنس به، فإنه فصل من العربية لطيف حسن يدعو إلى الأنس بها والفقاهة فيها. (إ.ه){الخصائص (2/ 312)}

وقد اختلف العلماء فيما هو المعنى المقصود في التضمين أهو معنى اللفظ المذكور أو المحذوف أو كليهما معا، والأرجح هو الرأي الأخير.كما اختلفوا في إدراج التضمين وتصنيفه بين الحقيقة والمجاز، فمنهم من أخذه على الحقيقة ومنهم من على المجاز ومنهم على الجمع بينهما والأرجح حسب رأيي هو الأخير. واختلفوا فيما إذا كان التضمين سماعي أو قياسي والرأي الغالب أنه قياسي. ونحن في الحقيقة بغنى عن كل هذه الإختلافات ولسنا بحاجة أن نخوض فيها.

كما اختلفوا في شمولية هذا الباب من التضمين، فمنهم من قصره على الأفعال ومنهم من شمل به الأسماء والحروف، بأنها هي الأخرى يجري عليها التضمين كما في الأفعال، وهذا هو الرأي المشهور. وبشمولية التضمين للأسماء والأفعال والحروف يكون هذا الباب من حمل الألفاظ على المعنى، ما يهدم نظرية العجمة في كلام المسيح الموعود ويجتثها من جذورها كما سنبينه في المقالات القادمة أيضا. وفي هذا المقال سنركّز على مسألة اللازم والمتعدي.

وجاء في كتاب الكليات لأبي البقاء الحنفي:

– “التَّضْمِين: هُوَ إشراب معنى فعل لفعل ليعامل مُعَامَلَته وَبِعِبَارَة أُخْرَى: هُوَ أَن يحمل اللَّفْظ معنى غير الَّذِي يسْتَحقّهُ بِغَيْر آلَة ظَاهِرَة ……وَجَاز تضمين اللَّازِم الْمُتَعَدِّي مثل: {سفه نَفسه} فَإِنَّهُ مُتَضَمّن ل (أهلك)…..وَفَائِدَة التَّضْمِين هِيَ أَن تُؤدِّي كلمة مؤدى كَلِمَتَيْنِ، فالكلمتان معقودتان مَعًا قصدا وتبعا؛ فَتَارَة يَجْعَل الْمَذْكُور أصلا والمحذوف حَالا، كَمَا قيل فِي قَوْله تَعَالَى: {ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ} كَأَنَّهُ قيل: ولتكبروا الله حامدين على مَا هدَاكُمْ وَتارَة بِالْعَكْسِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين يُؤمنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك} أَي: يعترفون بِهِ مُؤمنين….وَمن هَذَا الْفَنّ فِي اللُّغَة شَيْء كثير لَا يكَاد يحاط بِهِ ” {الكليات (ص: 266- 267) }

وقد قسّم العلماء التضمين إلى قسمين: نحوي وبياني. فالنحوي اقتصروه على إشراب كلمة معنى أخرى، بحيث تؤدي المعنيين، وأما البياني فقد حاولوا فيه تقدير محذوف في الكلام كتقدير حال من الفعل المحذوف أو المذكور، أو تقدير عاطف ومعطوف. وتباينت آراؤهم في هذا الأمر وسلكوا تقديرات مختلفة ولم يقتصروا التأويل والتقدير على طريق واحدة. ولذا فنحن بغنى عن الخوض في كل هذه التعقيدات.

ومن الجدير ذكره أن القائلين بالتضمين النحوي، لم يلجأوا إلى هذه التقديرات المختلفة وإنما اقتصروا القول على أن الفعل يُشرب معنى فعل آخر ويعامل معاملته في التعدية واللزوم، وفي الحقيقة هذا ما يهمنا في كل هذا الموضوع، دون الحاجة إلى كل هذه التأويلات والتفصيلات للتضمين البياني.

وأمثلة التضمين كثيرة جدا في القرآن الكريم مما يشهد على بلاغة هذا الأسلوب ورفعته وفصاحته، خاصة بما يتعلق بتعدية اللازم ولزوم المتعدي. ومن هذه الأمثلة ما ورد في النحو الوافي مع توضيحي بين الأقواس:

  1. {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} ، أي: لا تضموها آكلين، (عدَّى الفعل “تأكلون” بحرف الجر “إلى” مضمنا إياه معنى الفعل “تضموها”)
  2. {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} ، أي: من ينضاف في نصرتي إلى الله.
  3. {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} ، أي: أدعوك وأرشدك إلى أن تزكى.
  4. {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوه} ، أي: فلن تُحرَموه، فعُدّي إلى اثنين. (الفعل كفر لازم، عُدّي إلى مفعولين على صيغة المبني للمجهول، فاحتمل نائب فاعل ومفعولا به)
  5. {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} ، أي: لا تنووه، فعُدي بنفسه لا بـ “على”، (جعل الفعل اللازم :تعزموا” متعديا، رغم كونه لازما يتعدى بحرف الجر “على”)
  6. {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى} ، أي: لا يصغون، فعُدي بإلى، وأصله يتعدى بنفسه (جعل المتعدي لازما)
  7. سمع الله لمن حمده“، أي: استجاب، فعُدي باللام،(جعل الفعل المتعدي “سمع” لازما رغم أنه يتعدى بنفسه، فعدّاه باللام)
  8. {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} ، أي: يميز.
  9. {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِم} أي يمتنعون من وطئهن . (جعل الفعل المتعدي “يؤلون” لازما، فعدّاه بحرف الجر “من” على معنى “امتنع”)

إلى هنا النقل من النحو الوافي (2/ 565-573) لهذه الأمثلة.

ونظرا لكل هذا فقد أفرد الدكتور علي عبد الله حسين العنكبي في كتابه: “الحمل على المعنى في العربية”، حديثا خاصا عن التضمين مصنِّفا إياه إلى ثلاثة أقسام وهي:

الأول: تضمين المتعدي معنى اللازم: ومن الأمثلة التي ذكرها في هذا القسم الآيات القرآنية التالية: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ } (إِبراهيم 38) وقال: فقد حمَل (تهوي أليهم) على معنى (تميل إليهم) فعُدي بحرف الجر “على” وهو يتعدى بنفسه إلى مفعوله فتقول: هويت الشيء إذا أحببته. وذكر الآية القرآنية التالية: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} (النور 64) وقال فيها: حمَل (يخالفون) على معنى ينحرفون أو يخرجون، فعدّاه بحرف الجر (عن) وهو متعدٍّ بنفسه في الأصل.

ومن الأمثلة الشعرية على هذا الصنف من التضمين، ذكر بيت الشعر التالي:

حملَتْ به في ليلة مزؤودة كرها وعقد نطاقها لم يحلل

وقال فيه: عَدّى حملتْ (بالباء) وحقه أن يتعدى نفسه، لأن المعنى حبلت به، أو ضمّن حملت معنى علقت.

والثاني: تضمين اللازم معنى المتعدي: وفي هذا الباب ذكر المثال القرآني التالي: { لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} (الأَعراف 17) وقال فيه: ضمّنَ لأقعدنّ معنى لألزمنّ وهو فعل متعد فنصب صراطك على المفعول به.وذكر المثال التالي: { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} (البقرة 131) وقال: تضمن (سفه) معنى (جهل)، وهو فعل متعد بنفسه ولذلك تعدى (سفه) إلى مفعوله. ويقصد أن (سفه) فعل لازم تمّت تعديته بتضمينه معنى (جهل).

وهذان القسمان من التضمين ما نحن بصدد الحديث عنهما في هذا المقال. وأما القسم الثالث فهو: تضمين ما يتعدى بحرف جر معنى ما يتعدى بحرف جار آخر. وهو ما سنفرد له مقالا خاصا، حيث يلازمه تخريجات أخرى وفق آراء أخرى، ردا على اعتراض آخر للمعترضين.


الجزء الثاني:

انطباق البحث على كلام المسيح الموعود عليه السلام

وبعد هذا البيان المستفيض، لنا أن نأخذ كل الفقرات التي اعترض عليها المعترضون في كلام سيدنا أحمد عليه السلام، بقولهم أنها خلط بين المتعدي واللازم؛ لنبين حقيقتها وفق كل ما بيّناه حتى الآن، بتقدير التضمين فيها. ومن الممكن أن تنطبق عليها تقديرات أخرى بأفعال أخرى غير التي أذهب إليها مما يناسب الوضع والمكان.

ننوّه أولا، إلى أن رأي المعارضين في كل هذه الفقرات، مرده إلى تأثّر المسيح الموعود عليه السلام باللغة الأردية، فالأفعال العربية الواردة فيها مستعملة بالأردية على عكس ما هو بالعربية. فالفعل المتعدي في العربية هو لازم في الأردية واللازم في العربية متعد في الأردية، ومن هنا جاء خطأ المسيح الموعود على حد زعمهم، وكل هذا يندرج تحت العجمة في لغة المسيح الموعود عليه السلام وفق أوهامهم.

الفعل عامل:

1- “يا داود عامِلْ بالناس رفقًا وإحسانًا“. (التذكرة)

التضمين:كثيرا ما دندن المعارضون بجهلهم على هذه الفقرة، وحقيقتها هي تضمين الفعل “عامِل” المتعدي بنفسه، معنى أحد الأفعال اللازمة التالية ” ألطُف” و”تلطَّف” أو “إرفِق” فعومل معاملتها في اللزوم، فيحمل حينها الفعل (عامل) المعنيين معا، وعُدّي بحرف الجر (الباء) كما تُعدى هذه الأفعال للزومها.

2- “لا يفكّرون في فعل الله وفيما عامل بعبده؟” (الاستفتاء)

التضمين: كالفقرة الأولى.

3- “وإنّهم آلوا أن لا يعاملوا به إلا ظلمًا وزُورا.” (الاستفتاء)

التضمين: أُشرب الفعل (يعاملوا) المتعدي معنى أحد الأفعال: يُنزلوا أو ينشغلوا، التي تتعدى بالباء فحمل المعنيين.

4- “أتجوّز عقولكم أن تلك المعاملات كلّها (يعامل الله برجل) يعلم أنه يفتري عليه، ويكذب أمام عينيه؟” (الاستفتاء)

التضمين: أشرب الفعل (يعامل) معنى الفعل (يعمل) أو (يخصّ) فشمل المعنيين وعداه بما يتعدى به وهو حرف الباء. فيكون التقدير :أتجوز عقولكم أن تلك المعاملات كلها خصّها الله برجل ..

5- “ألا يرون الآيات من ربي، أو رأوا كمثله ((معاملة الله برجل)) افترى؟” (الاستفتاء)

تضمين: اشرب المصدر معنى مصدر الفعل تلطف فحوى المعنيين. فعداه بما يتعدى به وهو حرف الباء.

الفعل رحم:

6- “عَسَى رَبُّكُمْ أنْ ((يَرْحَمْ عَلَيْكُمْ)) وَإنْ عُدْتُمْ عُدْنَا، وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا.” {الحاشية الثالثة على الحاشية رقم 11 ، االبراهين الأحمدية}

7- “عسى ربّكم أن ((يرحم عليكم)) ، وإن عدتم عُدْنا، وجعلنا جهنّم للكافرين حصيرًا.” (التذكرة )

8- ربِّ ((ارْحمْ على)) الذين يلعنون عليّ. (دافع الوساوس)

9- ولم يبق فيهم من يتعاشر بالمعروف، ((ويرحم على الضعيف)) المؤوف. (التبليغ)

10- قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحبِبْكم الله ويغفِرْ لكم ذنوبكم ((ويرحَمْ عليكم)) وهو أرحم الراحمين.” (التبليغ)

11- ورأيت أنه يحبّني ويصدّقني، ((ويرحم عليّ))، ويشير إلي أن عُكّازته معي وهو من الناصرين. (التبليغ)

12- وكن معه حيثما كان، ((وارحم عليه)) في الدنيا والآخرة، وأنت أرحم الراحمين. آمين ثم آمين. (التبليغ)

13- خاطبني بنهجٍ كأنه يشير إلى ((الرُحم عليهم)) في الأيام الآتية (مكتوب احمد )

14- وكان الجزاء في كل هذه الأمور القتل والنهب، وإن خُفِّف فتقطيع الأيدي والأرجل، وإن ((رُحِمَ عليه)) فالحبس الشديد (التبليغ)

ففي كل هذه العبارات قد ضمن الفعل (رحمَ) المتعدي بنفسه، أو ما اشتق منه كالمصدر، معاني أحد الأفعال التالية: ترحّم ، أشفق، منّ، تفضّل؛ والتي كلها تتعدى بحرف الجر “على”، وأغلبها لازمة إلا “مَنّ”؛ فعُدّي الفعل (رحم) -أو ما بمعناه- بنفس هذا الحرف ليحمل في طياته معنيين مختلفين معا، فعومل معاملة اللازم.

الفعل ناضل:

15- “ولكم أن تقولوا إنّ هذا إنشاء الشاميين، ولا قِبَل لنا بالشاميين، أو تقولوا إن هذا من علماء آخرين، ولا طاقة لنا بهم إنهم من الأدباء الكاملين، أو تقولوا إنه من المولوي الحكيم نور الدين، فما لنا أن ((نناضل بهذا الفاضل)) الأجلّ، إنّا من الجاهلين الأميين.” (مكتوب احمد )

التضمين: ضمن الفعل ((ناضل)) ، معنى الفعل الازم (إنشغل) الذي يتعدى (بالباء) فتعدى كمثله به؛ وحقه أن يتعدى بنفسه؛ فحمل المعنيين معا، المناضلة والانشغال المستمر بلاغة واختصارا .

الفعل وَعَد:

16- وقد ((وعد الله للذين)) تُوُفّوا مسلمين أنهم لا يُردّون إلى الدنيا (التبليغ)

17- فهذا يُخالف نص القرآن الكريم لأن القرآن، كما ذكرت آنفا، قد وعد لمتّبعي عيسى ابن مريم – عليه السلام – وعدًا مؤكّدًا بالدوام وقال (حمامة البشرى)

18- فانظر كيف وعد الله للكافرين لعنة أبدية، حمامة البشرى (2/ 82)

19- فقد وعد الله لهم وقال: {وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}، حمامة البشرى (2/ 137)

20- أن الله قد وعد في هذه الآيات للمسلمين والمسلمات (سر الخلافة)

التضمين: في هذه الفقرات ضمن الفعل (وعد) معانيَ لأحد الأفعال التالية: (أكّد) أو (جعل) أو (قضى) أو (قدّر) أو (كتَب) وهي كلها تتعدى بحرف الجر “اللام”، فأُشرب الفعل أحد هذه المعاني في نفس الوقت. فبدلا أن يُعدي الفعل إلى مفعولين ألزمه إلى مفعول واحد.

الفعل كَلَّم:

21- وكلّمني كما كلّم برسله الكرام. (الاستفتاء)

ضمّن الفعل (كلّمَ) معنى الفعل (بعث) أو (أرسل) أو (تلطف) أو (لطف)؛ حيث أن التكليم ملازم للبعث وإرسال الرسل، وهو نوع من تلطف ورفق الله بعبده. وهذه الأفعال تتعدى بحرف الجر الباء فعدى كلّم به وحقه ان يتعدى بنفسه، إلا أنه بهذا التضمين حمل المعنيين في نفس الوقت.

22- فيكلم بعضهم بالبعض كأنه لا حجاب بينهم وكأنهم متقاربون.(التبليغ)

التضمين: ضمّن الفعل (كلّمَ) معنى الفعل (جمع ) أو (زوّج ) حيث الحديث عن تزويج النفوس (وإذا النفوس زوجت)، و (جمع) أو (زوّج) يتعدى (بالباء) فعدى الفعل كلّمَ به ليشمل المعنيين، فيكلّم ويجمع ويزوج بعضهم ببعض.

الفعل سجد:

الفعل سجد فعل لازم وحقه أن يتعدى بحرف جر، فنقول أُسجد لي، إلا أن المسيح الموعود عليه السلام عدّاه بنفسه، وقال “اسجدني”، كما في الفقرة التالية:

23- وقال اسجدني، أعطيك دولة عظمى (نور الحق).

وحقيقتها تضمين الفعل اللازم (اسجد) معنى الفعل المتعدي (عَظِّم)؛ حيث إن في السجود تعظيم، والفعل عظّمَ يتعدى بنفسه لا باللام، فأُشرب الفعل (اسجد) معناه وعُدّيَ كمثله بنفسه دون حرف اللام.

الفعل أنكر:

24- ولعنةُ الله على مَن أنكر بإعجاز القرآن وجوهرِ حُسامه. (الهدى والتبصرة لمن يرى)

الفعل (أنكرَ) فعل متعد بنفسه، إلا أن المسيح الموعود عليه السلام، قد أشربه وضمّنَه معنى الفعل “جَحَدَ” الذي يتعدى (بالباء)؛ فعامله معاملته وعدّاه بالباء مثله، فجعل المتعدي في حكم اللازم. ولا يخفى على أحد أن الإنكار جحود، والمعاني متقاربة.

الفعل أحاط:

25- أأنتم تحيطون أسراره أو تجادلونه معترضين؟ (مكتوب احمد)

26- ولله دقائق في أسراره، واستعارات في أخباره، أأنتم تحيطونها أو تنكرون كالمستعجبين؟ (مكتوب احمد)

في هاتين الفقرتين عُدّي الفعل (تحيطون) بنفسه رغم أنه لازم في الأصل، ووجب أن يتعدى بحرف الجر (الباء)، وذلك على التضمين، فضُمن الفعل (تحيطون) معنى أحد الأفعال : (تملكون) أو (تعرفون) أو (تعلمون)، التي هي أفعال متعدية تتعدى بنفسها؛ فعومل الفعل تحيطون معاملتها ليضم في طياته معنيين في نفس الوقت. وجُعل اللازم في حكم المتعدي.

الفعل أمر:

27- وأمَر الله تعالى لجبرائيل أن يُوحي إليهم كلهم في آن واحد. (حمامة البشرى)

الفعل أمر في حقيقته متعد بنفسه ليس بحرف الجر (اللام) فنقول أمره وليس أمر له، إلا أنه في هذه الفقرة ضُمَن معنى الفعل (أوحى) أو الفعل (وحى) والتي تتعدى باللام فنقول (أوحى له) و (وحى له)، فعُدي الفعل (أمر) كما تُعدى هذه الأفعال ليشمل معناها في نفس الوقت. ولا يخفى على أحد أن كلام الله مع ملائكته وحي.

الأفعال تجنّبَ واجتَنَبَ:

28- وأمتنَ أسبابِ العافية كفُّ اللسان والتجنب من السبّ والغيبة، والاجتناب من أكل لحم الإخوة. (سر الخلافة )

على اعتبار أن هذه الأفعال لا يصح تعديتها بالحرف (من) رغم أنه من الممكن حسب رأيي؛ فلنا أن نقول أنّ فيها تضمين لمعنى الفعل “ابتعد”، الذي يتعدى بالحرف (من) فعوملت معاملته وعديت بالحرف (من)، لتشمل معنى الابتعاد أيضا.

الفعل جادَلَ:

29- “وإني أَعزِمُ عليكم بالله الرحمن، أن تَذَرُوني (مجادِلاً بأعداء) المصطفى والفرقان، وتُمِدُّوني بكَفِّ اللسان.” (دافع الوساوس)

ضُمن الفعل (جادل) المتعدي بنفسه-أو ما بمعناه من اسم الفاعل-، معنى الفعل (انشغل) اللازم والذي يتعدى (بالباء) وعامله معاملته بتعديته بالباء. ليشمل الفعل (جادل) معنى المناضلة والانشغال المستمر في آن واحد. فأصبح المتعدي في حكم اللازم.

الفعل أجاب:

30- ويعلمون أن هذا القول قول يجيب به عيسى بحضرة العزّة يوم القيامة. (الاستفتاء).

قيل بأن النص الصحيح لا بد أن يكون: يجيب به عيسى حضرةَ العزة. بإسقاط حرف (الباء) قبل (حضرة). والحق أنه لا خطأ ولا تضمين في هذا، بل قول سديد وصحيح، فمعنى (بحضرة العزة) أي بقرب الله تعالى، كما في لسان العرب: ويقال: إِنه لَيَعْرِفُ مَنْ بِحَضْرَتِهِ ومَنْ بِعَقْوَتِه. الأَزهري: الحَضْرَةُ قُرْبُ الشيء، تقول: كنتُ بِحَضْرَةِ الدار.

الفعل سألَ:

31- وإن كنتَ تحسبني كاذبا فأَرِ الخلْق سرّي، واكشِفْ ستري، ((واسئلْ من أهل)) هذه القرية، لعلك تُنصَر من العدا. (الاستفتاء)

32- وإن ظهر صدقي فما أسأل أجرًا منك. (التبليغ )

الفعل (اسأل) متعد بنفسه لا بحرف الجر (من)، ولكنه هنا ضمن معنى الفعل (اُطلُب) والقصد طلب الاستعانة في الأولى أو طلب الأجر في الثانية؛ فعُدي بحرف (من) كما يعدى (طلب)، لأنه متضمن معناه.

الفعل اقتدى:

33- فإنّا أُمِرنا أن ((نقتدي الأنبياء)) كلهم ونطلب من الله كمالاتهم. (حمامة البشرى)

34- ثم بعد وفاتهما قفوتُ أثرهما واقتديتُ سِيَرَهما (نور الحق )

في هاتين الفقرتين ضُمن الفعل (اقتدى) اللازم أصلا، معنى الفعل (اتبع) الذي هو متعد بنفسه، فعُدي الفعل اقتدى كمثله بنفسه، رغم ان الفعل اقتدى لازم وجب تعديته بحرف الجر (الباء). وبذلك تضمّن الفعل المعنيين معنى الاقتداء والاتباع وجُعل اللازم في حكم المتعدي.

الفعل كَرِه:

35- وأما كراهتنا من بعض معجزات المسيح فأمرٌ حق، (حمامة البشرى)

36- بل كنت أحبّ أن أعيش مكتومًا كأهل القبور، فأخرجني ربي على كراهتي من الخروج (الاستفتاء)

37- فأخرجني الله من حجرتي، وعَرّفني في النَّاس، وأنا كارهٌ من شهرتي، (الاستفتاء)

38- وهو يطوف بين الركن والمقام، فيبايعونه وهو كارهٌ من بيعة الأنام. (نور الحق)

في هذه الفقرات ضُمن الفعل كره -او ما بمعناه مثل المصدر واسم الفاعل – معنى الفعل (نَفَر) (وتنفّر)، والتي تتعدى بحرف الجر (من) فعوملت معاملتها، وحق الفعل (كره) ان يتعدى بنفسه، حيث نقول كرهه وليس كره منه. إلا أنه بهذا التضمين قد حوى الفعل (كره) معنى النفور أيضا، بلاغة في التعبير وجزالة واختصارا له. فجُعل المتعدي في حكم اللازم.

الفعل لعن:

39- رَبِّ ارْحَمْ على الذين يلعَنون عليّ. (دافع الوساوس)

في هذه الفقرة ضُمن الفعل (يلعنون) الذي هو متعد بنفسه، معنى الفعل اللازم (يجورون) والذي يتعدى بحرف الجر (على) حيث نقول: يجورون علي أي يظلمونني. وبهذا ضُمن الفعل (يلعنون) معنى اللعن والجور والظلم في آن واحد وعومل معاملة الفعل (جارَ ) بتعديته بالحرف على. وبذلك جُعل المتعدي في حكم اللازم.

الفعل اعترف:

40- فهذا هو السبب الذي ألجأنا إلى اعتراف وفاة المسيح. (تحفة بغداد)

ضُمن الفعل اعترف اللازم أصلا معنى الفعل (أكّد) الذي يتعدى بنفسه، فعُدي الفعل (اعترف) كما يُعدى (أكّد) وأُجري مجراه في التعدي، ليحوي الفعل اعترف معنى التاكيد أيضا في نفس الوقت. وبذلك جعل اللمتعدي في حكم اللازم تضمينا.

ولا يسعُنا بعد كل هذا إلا أن نقول: الله أكبر ولله الحمد!!!. إن هذا منعظيم الإعجاز اللغوي عند المسيح الموعود عليه السلام، ومن اعظم ما يؤكد معجزة تعلمه اللغة العربية في ليلة واحدة من الله العلام.