المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..291

نكتة الكسور في الشعر ..2

قصيدة “بك الحول يا قيوم” والضرائر الشعرية

استمرارا في الرد على دعوى الكسور في شعر المسيح الموعود عليه السلام، في القصائد التي عرضها المعترض من البحر الطويل، نذكر أننا أجملنا ووجهنا معظم ما جاء فيها من الزحافات أو قل التغييرات العروضية على شكل فَعِلُن ومُفاعَلَتن وفاعِلُن، على أنها تصرف مقصود واع من المسيح الموعود عليه السلام، بخروجه عن ما هو معهود في هذا البحر.

وأما  المواضع الأخرى التي يبدو فيها كسر في الوزن، فلنا أن نقول فيها ما يلي:

1: أولا قد تكون هذه المواضع من قبيل التصرف المقصود والواعي، بما يستسيغه المسيح الموعود عليه السلام في كسر الوزن كسرا محمودا، يبقي الشعر على وضعه المتناسق السلس في القراءة. وقد يجيز الشعراء لأنفسهم مثل هذا الخروج عن الوزن في بعض الأحايين، وذلك من منطلق تغليب المعنى والفحوى على الصنعة والوسيلة المعتمدة لإيصالها للقارئ.

وفي هذا يقول الدكتور محمد عبد  المطلب في مقال منشور على موقع ” الخليج” بعنوان “الشعراء وخروقهم الوزنية”  :”ولكني أقول لك إن شعراء الخمسينات والستينات لهم تجاوزات عروضية لا يقرها قانون العروض، مثل بدر شاكر السياب وصلاح عبدالصبور وعبدالوهاب البياتي إلى غيرهم من الشعراء.

ولو قرأت كثيرا من الدواوين الشعرية التفعيلية لوجدت فيها كثيرا ما يستخدم الشعراء خمس حركات متتالية، وهذه الظاهرة من المحرمات العروضية، كما نجد عند هؤلاء الشعراء تعديلا في وزن المتدارك لاستخدام فاعلُ والصواب إلى فاعل أو فَعْلن أو فَعِلن أما فاعلُ فهي غير صحيحة.

وكل شعراء العربية لهم تجاوزات عروضية، وأبو العتاهية قال: أنا أكبر من العروض، والشاعر الجاهلي عبيد بن الأبرص له قصيدة بعنوان أقصر من أهله ملحوظ مملوءة بالأخطاء العروضية، لدرجة أن بعض النقاد القدماء قالوا لقد خطب خطبة فاتزن له أكثرها، وكذلك النابغة وامرؤ القيس لديهما تجاوزات عروضية.

ويؤكد الشاعر رفعت سلام أن من حق الشاعر الخروج تماما على الشكل الفني، لإبداع شكل جديد وهو ما حدث في تاريخ الشعر العربي دائما وأبدا إلى الآن ”

فبناء على كل هذا، قد يجيز الشاعر لنفسه أن يخرق قواعد الوزن ويكسره، فتتوالى عنده خمس حركات متتالية رغم أنها من المحرمات العروضية.

لذا فقد يكون المسيح الموعود عليه السلام غير آبه بهذا الكسر الطفيف المحمود في شعره، طالما بقي سلسا متناغما في الكلام ويؤدي المعنى المطلوب.

2: إذا ما أردنا التقيد بالقواعد العروضية، فمن الممكن تخريج وتوجيه هذه المواضع من الكسر في الوزن على بعض الظواهر والضرورات الشعرية، التي تنصّ عليها وتقر بها المراجع اللغوية. لذا سنعرض فيما يلي مواضع الكسر المزعومة هذه، لنبين كيفية توجيهها على هذه الظواهر الشعرية المختلفة.

البيت الأول:

بِكَ الحولُ يا قيومُ يا منبعَ الهدى      …     فوفِّقْ لــِيْ أن أثنِيْ عليك وأحمدا

,_ _ /, _ _ _/ , _ _/, _ ,_          ,_ _/ _ _ _ _/ , _ ,/, _ ,_

 

أ: ما يظنه المعترض كسر في تفعيلة العجز الثانية، حيث حقها أن تكون مفاعيلن، إنما توجيهه على الضرورة الشعرية وهي الاجتزاء بالكسرة عن ياء الضمير. كما في الأبيات التالية:

أما ترضى عَدوتِ دون موتي … لما في القلب من حنق الصدور. يريد: عدوتي.

ومن قَبْلِ نادى كل مولى قرابة … فما عطفت يوماً عليك العواطف. يريد: قبلي.

[ ينظر: ضرائر الشعر لابن عصفور الإشبيلي (ص: 127)]

ولذا ففي القراءة والإنشاد ممكن أن تقرأ (لِي) دون المدّ، أي (لِ)؛ وذلك لمن يتزمت ويتعصب للوزن العروضي، إذ ليس من البعيد أن المسيح الموعود عليه السلام، يكتبها بالياء على اعتبار أن لها توجيها وتخريجا وفق الضرائر الشعرية، فيثبت الياء كتابة على أن تجتزأ في اللفظ. وليس من البعيد أن المسيح الموعود عليه السلام، يتعمدها بالمدّ على اعتباره كسرا محمودا في مكانه.

ومن الجدير ذكره أنه إذا كان قصد المسيح الموعود عليه السلام، الاجتزاء بالكسرة في هذا الموضع، فإننا نرى بأنه عليه السلام ليس بالضرورة يثبت الضرورة الشعرية في الكتابة، بل ابقى الكسر في الوزن على ما هو عليه بنية أن تكون القراءة والإنشاد دون المدّ. والسبب في ذلك قد يكون أنه لو أثبت الضرورة في هذا الموضع كتابة، لالتبس الأمر على القارئ. فلو كتبت (فوفق لأن أثني عليك) لما عُرف القصد من هذه اللام بأنها على معنى (لي). والسبب الأهم الثاني هو أن ألشعر بالعموم لا يؤخذ بكتابته بل بقراءته وإنشاده والتلفظ به.

فخلاصة الأمر أنه من الممكن أن يكون المسيح الموعود عليه السلام يتعمد هذا الكسر في الوزن ولا يأبه به لكونه محمودا في مكانه، أو لكونه مما يمكن أن يُخرَّج وفق الضرائر الشعرية في القراءة والأنشاد، فلا يثبت الضرورة خطا وكتابة، بل يدعها للقارئ.

ب: انتقد المعترض في هذا البيت تسكين الفعل (أُثني) ليستقيم الوزن، إذ حقه النصب بأن الناصبة التي سبقته ليقال (أُثنيَ) ، ولو جاءت منصوبة كما ينبغي لانكسر الوزن أكثر.

ولا يعي المعترض أن لتسكين الفعل (أثنِي) عدة توجيهات كما يلي:

الأول: أنه على ضرورة حذف حركة الإعراب في الشعر، أي تسكين آخر الكلمة وليس وسطهان محافظة على الوزن. وقد ورد مثل هذا في الشعر العربي كثيرا. وورد هذا في الفعل والاسم على السواء من الصحيح والمعتل؛ وفي هذا يقول ابن عصفور في الضرائر:

” ومنه حذفهم الفتحة التي هي علامة أعراب من آخر الفعل المضارع، نحو قول الراعي:

تأبى قضاعة أن تعرفْ لكم نسباً … وابنا نزارِ فأنتم بيضةُ البلدِ

وحذفها من آخر الفعل المعتل أحسن نحو قوله:

إذا شئت أن تَلْهُوْ ببعض حديثها … رفعن وأنزلن القطينَ المولدا

وتسكين الياء في حال النصب من الضرائر الحسنة.” [ضرائر الشعر (ص: 93- 89)]

إذن فتسكين الفعل (أُثني) بتسكين يائه وحذف حركة إعرابه من الضرائر الحسنة.

وقد دافع ابن عصفور عن ضرورة حذف حركة الإعراب وانتصر لها بقوله:

“وأنكر المبرد والزجاج التسكين في جميع ذلك، لما فيه من إذهاب حركة الأعراب، وهي لمعنى، ورويا موضع (فاليوم أشرب): (فاليوم فاشرب)، وموضع (هنْك من المئزر): (ذاك من المئزر)، وموضع (فما تعرفْكم): (فلم تعرفْكم).

والصحيح أن ذلك جائز سماعاً وقياساً. أما القياس فإن النحويين اتفقوا على جواز ذهاب حركة الإعراب للإدغام – لا يخالف في ذلك أحد منهم. وقد قرأت القراء:

(ما لك لا تأمنا) بالإدغام، وخط في المصحف بنون واحدة، فلم ينكر ذلك أحد من النحويين. فكما جاز ذهابها للإدغام، فكذلك ينبغي أن لا ينكر ذهابها للتخفيف.

وأما السماع فثبوت التخفيف في الأبيات التي – تقدم ذكرها. وروايتهما بعض تلك الأبيات على خلاف التخفيف لا يقدح في رواية غيرهما” [ضرائر الشعر (ص: 95-96)]

 

الثاني: على لغة أو ظاهرة الإسكان في اللغة العربية، وهي تعني بكلمات أخرى حذف حركة الاعراب شعرا ونثرا، وقد أسهب مجمع اللغة العربية المصري الحديث فيها. وملخص ما قاله فيها:

أن تسكين حركة الإعراب من صلب العربية الفصحى، وظاهرة فاشية في النثر والشعر لا سيما في القرآن الكريم وقراءاته، وقرأ بها أئمة القراء واللغة والدين. وهذه الظاهرة تشمل الأفعال والأسماء في جميع الحالات الإعرابية من الرفع والجر والنصب. والداعي إلى هذا الإسكان هو التخفيف عند اجتماع ثلاث متحركات متتالية. وعليه فتسكين حركة الإعراب جائز في اللغة. وإنما نأتي بهذا التوجيه منفصلا رغم كونه مشابها للأول، لأن ما يحمل على جوازه في النثر على السعة لا يعتبر ضرورة شعرية. فالذي يجوّز هذا في النثر لن يحتاج إلى الأخذ به كضرورة شعرية، وأما من لا يجوزه في النثر فلا بد له من اللجوء إلى الضرورة الشعرية لتجويزه.

الثالث: على لغة إهمال أن الناصبة. وقد فصلنا فيها الحديث سابقا.

فعلى أية حال لا خطأ في تسكين الفعل (أُثني). وتسكينه وفق التوجيهات هذه أسلم لاستقامة الوزن ولا خطا في ذلك لا نحويا ولا عروضيا ولا شعريا.

 البيت الثاني:

فسبحان مَن خلَق الخلائق كلها   …        وَجَعَلَ كشيء واحد متبددا

,_ _ /, _,, _/ , _ ,/, _ ,_….     ,,,, /, _ _ _/ , _ _/, _ ,_

يظن المعترض وقوع الخطا في التفعيلة الأولى من العجز حيث جاءت على أربع متحركات (وَجَعَلَ)، غير أن هذا ليس قطعيا، لأن النسخة الأصلية غير محركة. وتوجيه هذا على ضرورة إسكان عين الفعل أو الاسم، وفيها يقول ابن عصفور :

“حذفهم الفتحة من عين (فعَل)، مبالغة في التخفيف، نحو

قول الراجز، أنشده الأصمعي:

على محالاتٍ … عُكسنَ عَكسا

إذا تسداها … طلابا غَلْسا

يريد: غلَسا، وقول الآخر:

وما كل مغبون ولو سَلْف صفقة … يراجع ما قد فاته برداد

يريد: سلَف، وقول الآخر:

وقالوا ترابي فقلت صدقتهم … أبي من تراب خَلْقَهُ الله آدمُ

يريد: خلقه الله” [ضرائر الشعر (ص: 84)]

 

لذا فعلى هذه الضرورة يمكن تحريك الفعل (جَعَل) بالتسكسن (جَعْلَ) فيستقيم الوزن عروضيا بشكل تام. ومما يسوغ هذا التسكين أن النسخة الأصلية غير محركة بتاتا. فليس من الغريب أن يكون قصد المسيح الموعود عليه السلام التسكين فعلا. فيصبح البيت كما يلي:

فسبحان مَن خَلَقَ الخلائق كلها   …        وَجَعْلَ كشيء واحد متبددا

,_ _ /, _,, _/ , _ ,/, _ ,_….      ,_,/, _ _ _/ , _ _/, _ ,_

 

البيت الثالث:           

وتورَّمَتْ قدماك لله قائما        ومثلُكَ رَجُلًا ما سمعنا تعبُّدا

,, _ /, _,, _/ , _ _/, _ ,_  ….   ,_,/,,,_ _/,_ _/,_,_

فأما التفعيلة الثانية من عجز هذا البيت التي يظن المعترض وقوع الخطا فيها، فتوجيهها كذلك على تسكين عين الاسم في (رَجُلا) لتصبح (رَجْلا) ، كما مثل لذلك ابن عصفور :

“وقول أبي خراش:ولحم امرئ لم تطعم الطير مثله … عشية أمسى لا يبين من البَكْمِ

يريد: من البكَم.” [ضرائر الشعر (ص: 85)]

وفي هذا يقول أبو الحسن العروضي في الجامع  تحت باب ” ما يحتمله الشعر” :

“ويجوز للشاعر أن يمكن الحروف التي يلزمها الضمات والكسرات نحو: عضُد وفخِذ فيقولون: عضْد وفخْذ وفي كبِد كِبْد، وفي عَلِم: علْم، وفي كرُم: كرْم، وفي رجُل: رجْل، وفي ضُرِب: ضُرْب، وفي عُصِر: عُصْر. قال الشاعر:

لو عُصْرَ منه البانُ والمسكُ انعصرْ

ويجوز في مثل: انطَلِق يا زيد: انطلْقَ، تسكين اللام وتحريك القاف بالفتح وهو الأجود. وقول الشاعر:

ألا رب مولود وليس له أب        وذي ولد لم يلْدَه أبوان

فحرك الدال بالفتح لما سكن اللام. ” [ الجامع في العروض والقوافي، ص 86]

 

فها هو أبو الحسن العروضي يذكر نفس الكلمة بالتسكين في (رجُل) لتصبح (رجْل).

وبهذا التسكين يستقيم عجز البيت:

وتورَّمَتْ قدماك لله قائما        ومثلُكَ رَجْلًا ما سمعنا تعبُّدا

 ,, _ /, _,, _/ , _ _/, _ ,_  ….   ,_,/,_ _ _/,_ _/,_,_

 

كانت هذه الأبيات الثلاث التي عرضها المعترض وأثبتنا أن لها توجيهات عروضية وفق الضرائر الشعرية المختلفة.

ولنا ان نتابع في بقية أبيات القصيدة التي تتوجه على مثل هذه الضرائر.

فعلى ضرورة تسكين عين الكلمة من الفعل والاسم تتوجه الأبيات التالية أيضا :

هدى العالمين وأنزل الكُتْب رحمةً …     وأرسل رُسْلا بعد رُسْل وأكّدا

,_ _/,_ , , _/,_ _/,_,_            ,_,/,_ _ _/,_ _/,_,_

وأتى بصُحْف الله لا شك أنها …        كتاب كريم يرفِد المسترفِدا

,,_/,_ _ _/,_ _/,_,_            ,_ _/,_ _ _/,_ _/_,_

تخيَّرَه الرحمن مِن بين خلقه …          وأعطاه ما لم يُعْطَ أحْدٌ من الندى

,_,/,_ _ _/,_ _/,_,_             ,_ _/,_ _ _/,_ _/,_,_

فوجهُ المدينة صار منه منوّرا …          وباركَ حُرَّ الرمل وَطْئًا وقَردَدا

,_,/,_ _ _/,_ _/,_,_           ,_,/,_ _ _/,_ _/,_,_

وإذا مُرَبِّينا أهابَ بغنْمه …              فراعُوا إلى صوت المُهيب تودُّدا

,_,/,_ _ _/,_ _/,_,_           ,_ _/,_ _ _/,_ ,/,_,_

ولو كُشْف باطنهم نرى في قلوبهم …   يقينًا كطبْقات السماء مُنضَّدا

,_ _/,_ ,, _/,_ _/,_,_           ,_ _/,_ _ _/,_ ,/,_,_

سَلُوه يمينًا هل أتاني مباهِلا …         وقد وعْد جزمًا ثم نكْث تعمُّدا

,_,/,_ _ _/,_ _/,_,_          ,_ _/,_ _ _/,_ ,/,_,_

أنحنُ نخالف سبْلَ دينِ نبينا؟ …       وقد ضل سعيًا مَن قَلَى دينَ أحمدا

,_,/,_ , , _/,_ ,/,_,_           ,_ _/,_ _ _/,_ _/,_,_

وفي الدين أسرار و سبْلٌ خفيّة …        يلاحظها من زاده الله في الهدى

,_ _/,_ _ _/,_ _/,_,_            ,_,/,_ _ _/,_ _/,_,_

أتُكفِرُ رَجْلا قد أنار صلاحه؟ …      ومثلك جهلاً ما رأيتُ ضَفَنْدَدا

,_,/,_ _ _/,_ ,/,_,_              ,_,/,_ _ _/,_ ,/,_,_

أتُكْفِر رَجْلا أيّد الدينَ حجّةً …        ودافَى رؤوس الصائلين وأرجَدا

,_,/,_ _ _/,_ _/,_,_            ,_ _/,_ _ _/,_ ,/,_,_

فأسأمُ تلك المحْنَ مِن ذوق مُهْجتي …    وأسأل ربي أن يزيد تشدُّدا

,_,/,_ _ _/,_ _/,_,_               ,_,/,_ _ _/,_ ,/,_,_

وموتي بسبْل المصطفى خيرُ مِيتةٍ …     فإنْ فزتُها فسأُحْشَرَنْ بالمقتدى

,_ _/,_ _ _/,_ _/,_,_            ,_ _/,_ ,,_/,_ _/_,_

 

 

ففي كل هذه الأبيات من الممكن تخريج الكلمات المظهرة بالخط الغليظ على تسكين عين الكلمة. فالكلمات : (كُتْب، رُسْل، صُحْف، أَحْدٌ، وطْئًا، غَنْمه، رَجْل، مــِحــْنَ) من أجل استقامة الوزن لا بدّ من تسكين عينها كما هو مبيّن. وفق ما ذكرناه أعلاه من هذه الضرورة والتمثيل لها بالكلمات المشابهة مثل: رجْل والبكْم بدلا من رجُل وبَكَم.

وأما كلمة (وطئا) فقد حركها المدقق بكسر الطاء نظرا لكون الهمزة على النبرة بعد الطاء، فظن ان هذه إشارة إلى وجوب الكسر في الحرف السابق للهمزة وفق قاعدة كتابة الهمزة المعتمدة على الأقوى من الحركات. ولكن يبدو أن المدقق لم يتنبه إلى أن هذه الهمزة متطرفة في آخر الكلمة، والكلمة هي (وطْء) وليست (وطِئ)، وبكون الكلمة (وطْء) فمن قواعد كتابتها مع ألف التنوين أن تكتب على نبرة إذا كان الحرف الذي يسبقها حرف اتصال، وليس بالضرورة أن تكون حركة الحرف الذي يسبق الهمزة الكسرة، لذا فالكلمة تكتب كما يلي: (وَطْئًا). وعليه فإن تسكين الطاء ليس هو على اعتبار الضرورة الشعرية، وإنما على اعتبار أن الكلمة المقصودة هي (الوطْء).

والكلمات (وعْدَ) و(نكْثَ) فتُسكن عينها بناء على ضرورة حذف الفتحة من عين (فعَل)، كما في (سلْفَ) و( خلْقَه) المذكورة أعلاه.

وكلمة (كُشْفَ):يُسكن وسطها كما مُثّل لذلك أعلاه في ضُرْب وعُصْر.

وكلمة طبْقات: يُسكن عين الكلمة كما مَثّل لذلك ابن عصفور في ضرورة “تسكين فتحة (فعل) حيث قال:

“منه قول ذي الرمة:

أبت ذِكر عودن أحشاَء قلبه … خفوقاً ورَفْضَاتِ الهوى في المفاصل

فحكم لـ (رفضات)، وهو اسم، بحكم الصفة: ألا ترى أن (رفضات) جمع (رفضه)، و (رفضه) اسم. والاسم إذا كان على وزن (فَعْلَه)، وكان صحيح العين، فإنه إذا جمع بالألف والتاء لم يكن بد من تحريك عينة، اتباعاً لحركة فائه، نحو: جفْنه وجَنات وقَصْعة وقَصَعات. وإن كان صفة بقيت العين على سكونها، نحو: ضخمة وضخْمات، وصعبة وصعْبات. وإنما فعلوا ذلك – فرقاً بين الاسم والصفة، … فكان ينبغي – على هذا – أن يقول: (رفضات)، إلا أنه لما اضطر إلى التسكين حكم لها بحكم الصفة فسكن العين.” [ضرائر الشعر (ص: 85)]

 

 

البيت:

وكم مِن دَهِيْ أهلكتهم من شرورهم وأخذتَهم وكسرتَ دَأْيًا مُنضَّدا

,_ _/,_ _ _/,_ _/,_,_          ,, _/,_ ,, _/,_ _/,_,_                            

 

فلاستقامة الوزن في كلمة (دهيٍّ) لا بدّ من اتباع الضرورة الشعرية المعروفة “بتخفيف المشدد” وهذا التخفيف قد يحدث في القوافي أو في الحشو، كما مثّل لذلك ابن عصفور في الضرائر  حيث جاء:

“تخفيف المشدد في القوافي، نحو قول امريء القيس:

لا وأبيك ابنة العامري … (م) لا يدعي القوم إني أفرْ

وقوله في هذه القصيدة:

إذا ركبوا الخيل واستلأموا … (تحرقت) الأرض واليوم قَرْ

يريد: أفرّ، وقرّ.

….

وسواء في ذلك الصحيح والمعتل. ومن التخفيف في المعتل:

حتى إذا ما لم … أجد إلا السّري

كنت امراءاً من … مالك بن جَعْفرِ

يريد: السريّ،….وقول العجاج:

أدركتها قدام … كل مِدْرهِ

بالدفع عني درء … كل عُنْجُهي

يريد: درء كل عنجهيّ، …..

وقد يخففون المشدد في غير القوافي، إلا أن ذلك قليل. ومنه …قول (ابن قيس) الرقيات:

بكّى بعينك واكف القَطْرِ … ابن الحوارِي العالِيِ الذكْرِ

يريد: ابن الحواريِّ.” [ضرائر الشعر، ص 132-136]

وكما هو واضح في استعمال هذه الضرورة فهي تعمد على تخفيف الشدة وحذف حركة الإعراب من الكلمة.  وعليه ففي كلمة دهيٍّ لا بد من تخفيف الشدة وتسكين الحرف الأخير فتُقرأ (دَهِي) كما الأمثلة أعلاه :(حوارِي، عُنجهِي، السرِي).

 

البيت:

ولك آيات في عباد حمدتَهم      ولا سيّما عبدٌ تسمّيه أحمدا

,,,/_ _ _ _/,_ _/,_,_           ,_ _/,_ _ _/,_ _/,_,_   

هكذا محرك هذا البيت في النسخ المنشورة ، وكما هو واضح كسر الوزن في التفعيلة الأولى والثانية من الصدر. غير أنه بالرجوع إلى النسخة الأصلية، واضح وجود ألف المدّ فوق الكاف في (لك) على صورة ألف قصيرة. وأن الألف الأولى لـ (آيات) لا يوجد عليها المد (آ). فهي على النحو التالي: (ايات). فلو أراد المسيح الموعود مدّ الألف في (آيات) لكتب فوقها علامة المد، كما في البيت الذي يلي هذا البيت حيث جاء:

له آيتا موسى وروحُ ابنِ مريمٍ … وعرفانُ إبراهيمَ دينًا ومَرْصَدا

ففي كلمة (آيتا) واضح مدّ الألف الأولى بعلامة المدّ فوقها هكذا (آ). وهذا يدل على أن علامة المدّ التي على صورة ألف قصيرة الموجودة على الكاف بين (لك) و (ايات) القصد منها مدّ الكاف.

وعليه فإنه من الواضح أن المسيح الموعود عليه السلام يلجأ هنا إلى ضرورة شعرية وهي ضرورة “إشباع الحركة” وفيها يقول ابن عصفور ما يلي:

 

“ومنها: إشباع الحركة فينشأ عنها حرف من جنسها. فمن إنشاء الألف عن الفتحة قول ابن هَرمة:

فأنت من الغوائل حين ترمي … ومن ذم الرجال بمُنْتَزاح

يريد بمُنْتَزَح، ….وقوله:

أقول إذ خرت على الكَلْكَال

يا ناقتي ما جُلْتِ من مَجَالِ

يريد الكلكل، ….

ومن إشباع الواو عن الضمة قوله، أنشده الفراء:

الله يعلم أنا في تلفتنا … يوم اللقاء إلى أحبابنا صُورُ

وأنني حيث ما يثني الهوى بصري … من حيثما سلكوا أدنو فأنظُورُ

يريد: فأنظُر، وقول الآخر، أنشده الفراء أيضاً:

لو أن عَمْراً … هم أن يَرْقُودا

يريد: أن يرقُد، وقوله:

كأن في أنيابها … القَرَنْفُولْ

يريد: القرنفُل……

ومن إنشاء الياء عن الكسرة …قول امرئ القيس في إحدى الروايتين:

كأني بفتخاء الجناحين لقوةِ … دفوفِ من العُقبان طأطأت شيمالي

يريد: شِمالي،…” [ضرائر الشعر (ص: 36-32)]

وعليه فإن الكاف في (لك) لا بدّ أن تُقرأ بإشباع الفتحة (لكا).

والضرورة الثانية التي يلجأ إليها المسيح الموعود عليه السلام، هي في كلمة (آيات) وهي “الاجتزاء بالحركات عن حروف المد في حشو الكلمة”، وفيها يقول ابن عصفور:

“ومنه: الاجتزاء بالحركات عن حروف المد واللين المجانسة لها في حشو الكلمة. فمما جاء من الاجتزاء بالضمة عن الواو قوله:

واتبعت أخراهم طريق أُلاَهُمْ … كما قيل نَجْمٌ قد خوى مُتَنابع

يريد: أُولاهم، …

وقوله:كلمع أيدي مثاكيل مسلبة … يندبن ضرس بنات الدهر والخُطُب

يريد: الخطوب، وقوله:

إن الذي قضا بذا قاض حكم

أن ترد الماء إذا غاب النُّجُم

يريد: النجوم.

ومما جاء بالاجتزاء بالكسرة عن الياء قوله:

وبدلت بعد الزعفران وردعه … صدا الدرع من مستحكمات المَسامرِ

يريد المسامير، …

ومما جاء من الاجتزاء بالفتحة عن الألف قول رجل من شعراء حمير:

كأنما الأسد في عرينهم … ونحن كالليل جاش في قَتَمِهُ

يريد: في قتامه، وقول الآخر، أنشده قطرب:

ألا لا بارك الله في سُهَيْل … إذا ما الله بارك في الرجالِ

…فحذفت الألف من اسم الله، …

والاجتزاء بالفتحة عن الألف أقل من الاجتزاء بالكسرة عن الياء، و (بالضمة) عن الواو.

[ضرائر الشعر (ص: 129-132)]

وعليه فإن كلمة (آيات) لا بدّ أن تُقرأ دون مدّ الألف الأولى بل بالاجتزاء بالفتحة منها هكذا:(أيات).

وبانطباق هذه الضرائر الشعرية يصبح البيت كما يلي:

 

ولكا أيات في عباد حمدتَهم …      ولا سيّما عبدٌ تسمّيه أحمدا

,,_/, _ _ _/,_ _/,_,_           ,_ _/,_ _ _/,_ _/,_,_

فتستقيم التفعيلة الأولى على (فَعِلُن) وهي من ابتكارات المسيح الموعود عليه السلام في هذا البحر، كما فصّلنا في المقال السابق. وتستقيم التفعيلة الثانية على (مَفاعِيلُن) وهي التفعلية المعروفة في البحر الطويل. وبهذا الشكل يستقيم البيت مع باقي أبيات القصيدة ووزنها.

 

البيت:

له صُحْبةٌ كانوا مجانينَ حُبِّه وَجَعَلُوا ثرى قدميه للعين إثْمَدا

,_ _/,_ _ _/,_ _/,_,_          ,,, _/,_ ,, _/,_ _/,_,_

أما في هذا البيت فتبدو التفعيلة الأولى من العجز مكسورة، إلا أن توجيهها على أمرين.

الأول: على ضرورة تسكين عين الكلمة من الفعل (جَعَلوا)، كما فصلنا فيه أعلاه.  فتتحول التفعيلة إلى (فَعولن) الصحيحة في هذا البحر.

الثاني: على ظاهرة الخزم في الشعر ، وهي إضافة أحرف في بداية الصدر أو العجز، دون أن تكون جزءا من التقسيم العروضي، وهي عادة أحرف الوصل مثل أحرف العطف. فيكون التقطيع العروضي كما يلي: (وجعلوا : “الواو “خزم + “جعلوا” فَعِلُنْ) فيسنقيم الوزن مع باقي أبيات القصيدة مع إضافة الخزم له. وعلى هذا التوجيه تبقى كلمة (جَعَلَوا) محركة كما هي دون تسكين.

وهذا الذي ذكرناه بالنسبة لهذا البيت ينطبق على البيت المذكور أعلاه أيضا :

فسبحان مَن خلَق الخلائق كلها … وَجَعَلَ كشيء واحد متبددا

فإما أن تُسكَّن عين الفعل (جَعَلَ) فيه، أو أن تبقى كما هي على اعتبار الخزم قبلها. وبهذا يبقى هذا البيت متماشيا مع الظواهر الشعرية الواردة في شعر العرب.

 

البيت:

كنوقٍ كرائمَ ذاتِ خُصْلٍ تجلَّدوا وتربَّعوا كلاءَ الأسِرَّة أغيَدا

,_ _/,_ ,, _/,_ _/,_,_                ,, _/,_ ,_ _/,_ ,/,_,_

يبدو هذا البيت مكسورا في تفعيلة العجز الثانية ، غير أن الكسر هذا لم يأت إلا لخطأ في الطبع والنقل، لأن النسخة الأصلية لا تحوي كلمة (كلاء) بل كلمة (كَلَأ) وبها يستقيم الوزن كما يلي:

كنوقٍ كرائمَ ذاتِ خُصْلٍ تجلَّدوا … وتربَّعوا كلأ الأسِرَّة أغيَدا

,_ _/,_ ,, _/,_ _/,_,_                ,, _/,_ ,, _/,_ ,/,_,_

النتيجة:

وبهذا نكون قد أثبتنا ما يلي:

1: أنه لا بيت في القصيدة مكسور الوزن.

2: بل ما قد يبدو كسرا له توجيه وفق الضرائر والظواهرالشعرية المختلفة.

3: أن كل القصيدة متناغمة على وزن البحر الطويل مع ابتكار المسيح الموعود عليه السلام لثلاث زحافات خاصة وهي (فَعِلُن) و (مُفاعَلَتُن) و (فاعِلن)، كما وضحناه في المقال السابق.

4: المواضع التي قد تبدو كسرا خارجا عن هذا الوزن فهي على ثلاثة توجيهات رئيسية:

أولا: أن تكون مقصودة من المسيح الموعود عليه السلام لم يأبه بوجودها على اعتبارها كسورا محمودة في مواضعها.

ثانيا: أن يكون المسيح الموعود قاصدا تخريجها وتوجيهها على الضرائر الشعرية والظواهر الشعرية المختلفة مثل الخزم وغيره كما بيّنا.

ثالثا: أن يكون المسيح الموعود عليه السلام غير آبه بهذه الكسور واعتبارها محمودة، بالذات لأن لها توجيه وفق الظواهر والضرائر الشعرية المختلفة . أي أن هذا التوجيه هو دمج بين الأول والثاني.

فخلاصة الخلاصة أن لا كسرَ عروضي في هذه القصيدة “بك الحول يا قيوم “.