#المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..209

 

خصوصية كلمة (أوّل) عن صيغ أفعل التفضيل بتجردها عن الوصفية والمفاضلة إلى معنى الاسم والظرف

 

الاعتراض:

نعرض فيما يلي اعتراض المعترضين بحذافيره كما عرضوه بصيغة التحدي فقالوا:

“التحدي التاسع الثلاثون: اسم التفضيل

إذا أُضيف اسم التفضيل إلى نكرة فيلزمه الإفراد والتذكير والتنكير، ويكون المفضَّل عليه (المضاف إليه) مطابقا للمفضَّل في النوع والعدد. كما أنه لا يُشتقّ من الفعل غير القابل للتفاوت، مثل مات، إلا إذا حمل معنى آخر.

وفيما يلي أخطاء الميرزا:

1: وقد وجب علينا إعلام المتغفلين بأسرع أوقات (نور الحق، ص 17). الصحيح: في أسرع وقت.

2: وتبلُغ دعوتُه وحجّته إلى أقطار الأرض بأسرعِ أوقاتٍ كبرق يبدو من جهة فإذا هي مشرقة في جهات. (الخطبة الإلهامية، ص 76). الصحيح: في أسرع وقت.

3: فأي دليل واضح من هذا إن كنت من المنصفين؟ (حمامة البشرى، ص 191). الصحيح: أوضح.

4: يقولون أنت كاذب! فما لهم إنهم ينبّهونني عني، ويظنون أنهم أعثَرُ على نفسي مني؟ (مواهب الرحمن، ص 41). الصحيح: أعرف.

“عثرَ الرّجل يعثرُ عثراً إذا اطلّع على شيء لم يطلّع عليه غيره” (العين). وحيث إنّ عملية العثور على الشيء تتمّ في لحظة، فلا مجال للتفاوت فيها، أي لا يصحّ أن نقول إن زيدا عثر على الكنز أكثر من عمرو، بل هما متساويان في العثور عليه، ولا مجال للمقارنة في العثور نفسه، بل يمكن أن نقارن بينهما في سرعة العثور مثلا، فنقول: زيد أسرع من عمرو في عثوره على الكنز.

5: وفي كلّ سنةٍ يرى صورته أوحشَ من سنة أولى (سابقة/ أسبق من تلك السنة) (الاستفتاء، ص 10). الصحيح: أوحش من السنة السابقة.

6: وثبت بالقطع واليقين أن زمان الأمّة المرحومة المحمدية قليل في الحقيقة من زمان الأمّة الموسوية والعيسوية (الخطبة الإلهامية، ص 110 – 111). الصحيح: أقلّ.

7: وهو أول رجال بايعوني [حمامة البشرى]

8: فالزمان الأوّل هو زمانٌ أوّل من القرون الثلاثة مِن بُدُوِّ زمان خير البرية. (سر الخلافة) الصحيح:فالزمان الأول هو أول القرون الثلاثة بعد خير البرية

9: هذا آخرُ حِيَلٍ أردناه في هذا الباب. (مكتوب احمد )  الصحيح: هذه آخر حيلة أردناها ” [ إلى هنا النقل عن المعترضين].

 

الرد:

مقدمة:

يخلط المعترض الحابل بالنابل في اعتراضه هذا، فيخصّ حديثه وتعليله عن اسم التفضيل المضاف إلى نكرة، رغم أن بعض الجمل التي أوردَها معترضا عليها من كلام المسيح الموعود عليه السلام، لا تندرج تحت هذا النوع من “أفعَل التفضيل”. فالفقرات الرابعة والخامسة والثامنة لم يرد فيها اسم التفضيل مضافا إلى نكرة، بل يندرج تحت نوع آخر من أسماء التفضيل وهو “المجرد من أل والإضافة كالقول :”زيدٌ أفضل من عمرو”.

فأنواع “أفعَل التفضيل” ثلاثة كما صنّفها النحو الوافي بما يلي:

“هو ثلاثة أقسام: 1- مجرد من “أل” والإضافة. 2- مقترن “بأل”.3- مضاف.”  [ النحو الوافي (3/ 401)]

وسنقصُر ردنا في هذا المقال على النوع الأول من أسماء التفضيل، وهو المجرد من (أل) والإضافة، لنردّ الاعتراض المتعلق بالفقرات الخامسة والثامنة، والتي اعترض فيها المعترض على أسماء التفضيل (أُولى) و (أوَّل)؛ ويظهر من شرحه أن هذه الكلمات ليست في مكانها واستعمالها الصحيح، والجمل لا بد من صياغتها بطريقة أخرى حسب زعم المعترض.

وهنا أقول: لا خطأ واقع قطّ في هذه الجمل، وكل ما ورد فيها قمة في الفصاحة والبلاغة التي تعود إلى أسرار اللغة العربية التي تغيب عن سطحيّي العلم والتعلّم.

فأحد التوجيهات لما ورد في الفقرة الخامسة والثامنة من الكلمات (أُولى) و(أوّل)، هو

خروج كلمة (أوّل) و(أولى) عن الوصفية واعتبارها اسمًا بمعان مختلفة، ومن هذه المعاني: السابق/ السابقة ، الابتدائي/ الابتدائية ، القديم / القديمة . وفي هذه الحالة لا تعتبر هذه الكلمات من “أفعَل التفضيل” وتسقط عنها الشروط المتعلقة باسم التفضيل.

 

البحث والتفصيل: 

فعن أحكام “أفعَل التفضيل” المجرد من أل والإضافة يقول النحو الوافي:

“وحكم هذا القسم أمران:

1– وجوب إفراده وتذكيره في جميع حالاته.

2- ووجوب دخول “مِن” جارّة للمفضل عليه “أي: للمفضول”.

أ- فأما الأمر الأول “وهو: وجوب إفراده وتذكيره”. فيقتضي أن تكون صيغته واحدة في كل استعمالاته ولو كان مسندًا لمؤنث، أو لمثنى، أو لجمع، فلا بد أن تلازم هذه الحالة دائمًا؛ نحو: الجمل أصبر من غيره على العطش -الجملان أصبر من غيرهما -…. الجمال أصبر من غيرها … الناقة أصبر من غيرها، الناقتان أصبر من غيرهما، النوق أصبر من غيرهن.

ب– وأما الأمر الثاني وهو: دخول: “مِن” جارّة للمفضَّل عليه “أي: للمفضول” فأمر واجب أيضًا، بشرط أن يكون قصد التفضيل باقيًا. ولهذا كان وجودها دليلًا على إرادة التفضيل، وعدم انسلاخ “أفعل” عنه. …

ودخول “مِن” جارّة للمفضل عليه يستلزم أحكاما لهما منها:

1_ جواز حذفهما معًا، بشرط وجود دليل عليهما؛ كقوله تعالى: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} ، أي: والآخرة خير من الدنيا، وأبقى منها. وقد اجتمع الحذف والإثبات في قوله تعالى: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} ، أي: أعز نفرًا منك. وقول الشاعر:

ومن يصبر يجد غبّ صبره … ألذ وأحلى من جنى النحل في الفم

أي: ألذ من جني النحل.

ــــــــــــوإذا حُذفا من اللفظ كانا ملحوظين في النية والتقدير؛ وصارا بمنزلة المذكورين….” [النحو الوافي (3/ 401- 402) ]

وما يهمنا من كل هذا في أحكام هذا النوع من “أفعَل التفضيل”، هو وجوب إفراده وتذكيره ودخول مِن الجارّة على المفضول إما لفظا، أو تقديرا حيث يجوز حذفها مع المفضول ولمح وجودهما من السياق.

وبناء على هذه الأحكام قد يكون قصد المعترض أيضا، الاعتراض على ورود كلمة (أولى) مؤنثة رغم وجوب تذكيرها.

وهنا جدير بالذكر أن هذه الشروط والأحكام التي ذكرناها، تبقى سارية المفعول على صيغة “أفعَل التفضيل” المجرد، طالما كان القصد منها هو التفضيل؛ فإن خرجت عن هذا القصد تسقط هذه الشروط والأحكام، فيمكن حينها جمعها وتأنيثها وعدم إدخال (مِن) على مفضول لها لا لفظا ولا تقديرا. وقد ألمح لهذا الأمر النحو الوافي في النصّ أعلاه في البند (ب).

وهذا الخروج عن معنى التفضيل قد يتحقق بطريقيتين وتوجيهين، سنخص الحديث في هذا المقال عن أحدهما، كما يلي:

التوجيه الأول:

أن يكون اللفظ الذي على وزن أفعل – بحد ذاته- قد وضع لمعنى يُراد به غير التفضيل، فتكون العرب قد استعملته على هذا المعنى الذي لا تفضيل فيه. ومثال ذلك كلمة (آخَر) والتي أصلها (أأْخر) على وزن (أفعل) ، فهي لا تعقبها (مِن)، وقد تأتي مؤنثة ومجموعة، لأنها استعملت عند العرب على معنى غير المفاضلة وهو (المغايرة)، فنقول : ولد آخر وبنت أخرى وبنات أُخَر، فلا التزام بتذكيرها وإفرادها في هذه الاستعمالات كما تنصّ عليه الشروط المذكورة أعلاه لاسم التفضيل المجرد.

وفي هذا يقول النحو الوافي ما يلي:

” إذا كان أفعل التفضيل المجرد واجب الأفراد والتذكير فما بال العرب تقول: مر بنا سرب من الظباء، بعده أسراب أُخر؛ فيأتون بكلمة: “أُخَر” مجموعة ومؤنثة؛ “إذ هي جمع، مفرده: “أخرى”، “وأخرى” مؤنث لكلمة “آخر” الذي أصله “أأخر” على وزن: “أفعل” المذكر الدال على التفضيل؛ فهو من القسم المجرد”. فلم كانت “أخر” مجموعة ومؤنثة في المثال السالف -وأشباهه- مع أن القاعدة تقتضي الإفراد والتذكير، وأن يقال: أسراب “آخر” “التي أصلها: “أأخر” كما أسلفنا”.

أجاب النحاة: إن كلمة: “أخر” ليست مما نحن فيه؛ لأسباب ثلاثة مجتمعة:

أولها: أنها في استعمالاتها الصحيحة المختلفة -ومنها المثال السالف وأشباهه- لا تدل على التفضيل؛ “أي: لا تدل على المشاركة والزيادة” وإنما تدل على المغايرة المحضة، والمخالفة المجردة من كل معنى زائد عليها. فالكلام الذي تكون فيه يقتضي معنى المغايرة وحدها، لا معنى المفاضلة، أو نحوها. وهذا شأنها في الاستعمالات الواردة، فمعنى سرب آخر وأسراب أخر هو: سرب مغاير، وأسراب مغايرات، بدون تفضيل فيهما.

وثانيهما: أنها -في كلام العرب- لا يقع بعدها: “مِن” الجارّة للمفضول، لا لفظًا ولا تقديرًا.

وثالثها: أنها -في كلامهم الفصيح تطابق وهي نكرة.( وفي الهامش جاء في تفسير هذه النقطة ما يلي:  أي أنها لو كانت للتفضيل وهي نكرة، لوجب عدم مطابقتها؛ كي تساير المسموع الكثير.)

فلهذه الأمور الثلاثة لا تكون من القسم الأول الذي يدور فيه الكلام؛ بل إنها ليست للتفضيل مطلقًا -كما تقدم؛ وإنما هي كلمة معدولة، “أي: محولة” عن كلمة: “آخر” التي أصلها “أأخر” جاءت لتؤدي معنى ليس فيه تفضيل، ذلك أن العرب حين أرادوا استخدام كلمة: “آخر” في معناها الأصلي -وهو المغايرة المحضة الخالية من معنى التفضيل- عدلوا بها عن وزنها الأول؛ بأن أدخلوا عليها شيئًا من التغيير، وحولوها إلى هذا الوزن الجديد؛ وهو: “أُخر” لتؤدي معنى خاليًا من التفضيل لا يمكن أن تؤديه إذا بقيت على الصيغة الأولى. ويقول السيوطي، قولًا أشبه بهذا؛ نصه:

“كان مقتضى جعل “أخر” من باب “أفعل التفضيل” أن يلازمه في التنكير لفظ الإفراد والتذكير. وألا يؤنث، ولا يثنى، ولا يجمع، إلا معرفًا، كما كان أفعل التفضيل؛ فمنع هذا المقتضى، وكان بذلك معدولًا عما هو به أولى؛ فلذلك منع من الصرف”….

فالذي دعا النحاة لهذا التحليل والتعليل هو ما رأوه من جمعها وتأنيثها مع انطباق أوصاف القسم الأول عليها -في الظاهر- فلجئوا إلى مسألة العدول والتحويل ليتغلبوا على هذه العقبة ويجعلوا قاعدة: “أفعل التفضيل المجرد” مطردة.

قد يكون كلامهم سائغًا من الوجهة الجدلية المحضة، لكنه من الوجهة الحقيقية مردود، ذلك أن العرب لا تعرف شيئًا مما قالوه، ولم يدر بخلدها قليل أو كثير منه حين نطقوا بالتعبير السابق وأشباهه. فإبعادًا لهذا التكلف ومسايرة للأمر الواقع، يحسن الأخذ ببعض مما قاله النحاة -بحق- وهو: أنها ليست للتفضيل فلا تنطبق عليها أحكامه، أو أنها خالفت القاعدة؛ فهي من الشاذ الذي يحفظ، ولا يقاس عليه. …

هـ -ونزولًا على قاعدة الإفراد والتذكير السالفة عاب بعض النحاة على أبي نواس ذكر كلمتي: “صغرى” و “كبرى” مؤنثتين للتفضيل، مع أنهما مجردتان في قوله:

كأن صغرى وكبرى من فقاقعها … حصباء در على أرض من الذهب

والقياس: أصغر وأكبر. لأنهما صيغتان للتفضيل، مجردتان. والقاعدة تقضي بالتزام التذكير والإفراد في هذه الحالة..

ومما قيل في دفع هذا العيب: إن الشاعر لم يقصد التفضيل مطلقًا، ولا الحديث عن شيء أصغر من شيء آخر، أو أكبر منه؛ وإنما قصد صغرى أو كبرى من حيث هي: لا باعتبار موازنتها بغيرها؛ كمن يشاهد طفلة تحاول الركوب فيساعدها ويقول: ساعدتها لأنها: “صغرى”، أي صغيرة، وكمن يشاهد سيدة عجوزًا؛ فيعاونها عن النزول من السيارة ويقول: عاونتها لأنها كبرى؛ أي: كبيرة السن؛ فليس في كلامه هذا، ولا في المقام ما يدل على تفضيل أو موازنة بين اثنين يزيد أحدهما على الآخر في هذا المعنى.

وإذا كان الأمر على ما وصفنا فليس التأنيث لحنًا، لأن “أفعل” إذا كان مجردًا غير مقصود منه التفضيل “فالأكثر فيه عدم المطابقة؛ حملًا على أغلب أحواله، وقد يطابق، لعدم مجيء “من” لفظًا ومعنى. واعتمادًا على هذا السبب في المطابقة يخرَّج بيت أبي نواس السالف، ومثله قول العلماء العروضيين: “فاصلة صغرى وكبرى”، خلافًا لمن جعله لحنًا”.” [ (إ.هـ) النقل من النحو الوافي (3/ 411-408)]

فملخص ما يهمنا من هذا الذي نقلناه مفصلا من النحو الوافي هو:

_ إن اللفظ في صيغة أفعَل إذا استُعمل على معنى غير المفاضلة، وخرج في معناه عن معنى التفضيل،  ككلمة (آخر) فلا ينطبق عليها شروط (أفعَل التفضيل) المجرد ، ويجوز حينها عدم إفراده وعدم تذكيره. فيُجمع ويؤنَّث، أي ممكن أن يطابق الاسم الذي قبله في الجمع والتأنيث. إذ يصرح النحو الوافي وغيره أنه في مثل هذه الحال لا يعتبر التأنيث لحنا.

_ من هذه الألفاظ التي خرجت عن معنى المفاضلة وجاءت مؤنثة كلمتي (كبرى) و(صغرى)، والتي هي مؤنث (أكبر) و(أصغر)، وغيرها من الألفاظ كما سنرى.

 

وبناء على هذا الاستنتاج نرى أن كل هذا ينطبق على الكلمات (أوّل) و (أُولى)، فهي في بعض معانيها تخرج عن معنى المفاضلة، بحيث لا تنطبق عليها شروط (أفعَل التفضيل) المجرد. وهذا وفق المصادر التالية:

جاء في جامع الدروس العربية ما يلي:

“اعلم أن لفظ “أول” له استعمالان. أحدهما أن يراد به الوصف، فيكون بمعنى “أسبق”، فيعطى حكم اسم التفضيل فيمتنع من الصرف ولا يؤنث بالتاء، نحو “لقيتك عامَ أوّلَ”، ويستعمل بمن، نحو “هذا اوَّلُ من هذين. وجئت أوَّلَ من أمس”. وثانيهما أن لا يراد به الوصف، فيكون اسماً متصرفاً نحو “لقيته عاماً أولاً”. تريد عاماً قديماً. ومنه قولهم “ما له أولٌ ولا آخرٌ. وما رأيت لهذا الأمر أولاً ولا آخراً”، بالتنوين. تعني بالأول والآخر المبدأ والنهاية. قال أبو حيان وفي محفوظي أن هذا مما يؤنث بالتاء ويصرف أيضاً. فيقال “أولةٌ وآخرةٌ” أو قلت والعامة عندنا تقول هذا الشيء ما له أولةٌ ولا آخرةٌ”، وتقول “والذي ماله أولةٌ ما له آخرةٌ” بالتأنيث.”  [جامع الدروس العربية (3/ 71- 72)]

وجاء في النحو الوافي:

“غير أن هناك بعض الأمور تتصل بلفظ: “أول” الذي ليس ظرفًا، منها: اعتباره اسمًا مصروفًا معناه ابتداء الشيء المقابل لنهايته، ولا يستلزم أن يكون له ثان؛ فقد يكون له ثان، وربما لا يكون؛ تقول: هذا أول ما اكتسبته: فقد تكتسب بعده شيئًا، أو لا تكتسب، وقيل: يستلزم كما أن الآخر يستلزم أولًا، والحق الرأي الأول، وللقرائن دخل كبير في توجيه المعنى إلى أحد الرأيين، ومنه قولهم: “ما له أول ولا آخر.

أو منها: أن يكون وصفًا مؤولًا، أي: أفعل تفضيل بمعنى: “أسبق”، فيجري عليه حكمه؛ من منع الصرف وعدم التأنيث بالتاء، ووجوب إدخال “من” على المفضل عليه؛ … نحو: هذا أول من هذين، ولقيته عام أول من عامنا.

ومنها: أن يكون اسمًا معناه: “السابق”؛ فيكون مصروفًا؛ نحو لقيه عامًا أولًا، أي: سابقًا.

أما “أول” الظرف الزماني فمعناه: “قبل” نحو: رأيت الهلال أول الناس.” [النحو الوافي (2/ 285–286)]

وجاء في شرح التصريح :

“وأصل “أول” على الأصح “أوأل” على وزن أفعل، قلبت الهمزة الثانية واوا، ثم أدغمت الواو في الواو لاجتماع المثلين، وله استعمالان:

أحدهما: أن يكون اسما بمعنى قبل، فحينئذ يكون منصرفا منونا، ومنه قولهم: أولا وآخرا.

والثاني: أن يكون صفة، فيكون أفعل تفضيل، ومعناه: الأسبق، فيكون غير منصرف لوزن الفعل والوصف.” [شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو (1/ 185)]

خلاصة هذه النصوص:

_ كلمة (أوّل) تكون وصفا مؤولا بمعنى (أسبق) ، فتكون بذلك من (أفعَل التفضيل) وتسري عليها أحكامها من الإفراد والتذكير ودخول مِن على مفضولها.

_  قد تخرج كلمة أول عن الوصفية لتصبح ظرفا بمعنى (قبل).

_  قد تخرج (أول) عن الوصفية لتصبح اسما محضا مصروفا، وبمعان مختلفة منها:  قبل ،القديم ، والمبدأ والابتداء والسابق؛ كالقول ما له أولٌ ولا آخر، أي لا بداية ولا نهاية؛ والقول عامٌ أولٌ : أي سابق وقديم. والقول: أولا وآخرا.

_ قد يؤنث في هذه الحالة ب (أولة). وبالرغم من هذا فقد رأينا فيما سبق أن تأنيث (أفعل) على صيغة (فعلى) قد جاء على غير معنى التفضيل، كصغرى وكبرى؛ وورد أيضا (دنيا) و(جلّى) كما سنرى. ومن هنا فلا يمتنع مجيئ (أولى) اسما بنفس المعاني السابقة لكلمة (أوّل)، إذ قد رأينا تصريح النحو الوافي وغيره بأن التأنيث ليس لحنا في هذه الحال.

_ في هذه الحالة عندما يكون (أول) اسما يكون مصروفا، وذلك لخروجه من الوصفية والتي هي أحدى العلل لمنعه من الصرف لاجتماعها مع علة وزن الفعل. بينما عندما تخرج كلمة (أولى) عن الوصفية لتصبح اسما، فتبقى ممنوعة من الصرف لأن عدم صرفها غير متعلق بوصفيتها بل لانتهائها بالف التأنيث المقصورة.

ويؤكد كل هذا ما جاء في المصادر التالية:

جاء في شرح التسهيل ما يلي:

وألحق بأسبق مطلقا “أوّل” صفة، وإن نويت إضافته بُني على الضم. وربما أعطى مع نيّتها ماله مع وجودها. وإن جرد عن الوصفية جرى مجرى “أفكل” …

واستعمل “أوّل” صفة جارية مجرى أفعل التفضيل في اللفظ مطلقا، فألزمت في التنكير الإفراد والتذكير، وأوليت “من” ومجرورا بها على حدّ ما وليا ما سبق. وأضيف إلى نكرة كقوله تعالى (إنّ أوّل بيتٍ)، وإلى معرفة كقوله تعالى: (وأنا أوّلُ المسلمين). وجعل له فروع مخصوصة بحال التعريف كما فعل بأفعل التفضيل، فقيل الأوّلان والأولون والأوائل والأولى والأوليان والأوليات والأُوَل. وحكى الفارسي: ابدأ بهذا من أوّلَ، بالفتح على أنه مجرور ممنوع الصرف للوصفية والوزن. ومن أولُ، بالضم لنية الإضافة وقطعه عنها. ومن أوّلِ، بالخفض على تقدير الإضافة إلى مقدر الثبوت كما قال الراجز: خالطَ من سلمى خياشيمَ وَفا. أراد وفاها فحذف المضاف إليه وقدّر ثبوته، فأعطى المضاف ما كان له مع عدم الحذف. واستعمل “أوّل” مجردا عن الوصفية فجرى مجرى “أفكل” في الصرف نحو: ماله أولٌ ولا آخرٌ. فلو جعل علما منع الصرف كقول الشاعر:

أُؤمّلُ أن أعيشَ وأنّ يومي … بأوَّلَ أو بأهْوَنَ أو جُبار

فأول هنا علَم ليوم الأحد ممنوع الصرف. فلو جعل أفكل – وهو الرعدة – علما منع الصرف.

والدُّنيا والجُلّى مؤنثا الأدنى والأجلّ فكان حقهما ألا ينكرا إلا إذا ذكّرا، لكنهما كثر أنْ يستعملا استعمال الأسماء المحضة، فلذلك جاز تنكيرهما، كقوله: في سعْيِ دُنيًا طالما قَد مُدَّتِ

وكقول الآخر:

وإنْ دعوتِ إلى جُلَّى ومَكْرُمة … يوما سراة كِرامِ الناسِ فادْعينا” [شرح التسهيل لابن مالك (3/ 62- 64)]

ويجمل لنا صاحب التذييل خصوصية كلمة (أول) عن صيغ أفعل التفضيل، في شرحه لنص التسهيل الوارد أعلاه بما يلي:

«أوَّلُ» صفة أَفْعَلُ تفضيل، فيُفرد إذا أُضيف إلى نكرة أو استُعمل بِمِنْ، فتقول: هذا أَوَّلُ رجلٍ وردَ إلينا، قال تعالى {إن أول بيت وضع للناس}، وتقول: ما رأيتُه مُذْ أَوَّلَ مِن أمسِ. ويضاف إلى معرفة، كقوله {وأنا أول المومنين}.

وتقول: الأَوَّلانِ والأوَّلون والأَوائل، والأُولى والأُولَيانِ والأُوَل. ويَثبت له جميع أحكام ما ثبت لأَفْعَلِ التفضيل، وإنما هو فرع من أصل أَفْعَلِ التفضيل، وإنما أُفرِد بالذكر لأنه قد يُجَرَّد عن الوصفيَّة، فيصير له حكم آخر. …..

وقوله وإنْ جُرِّدَ عن الوصفيَّة جَرى مجرى أَفْكَلٍ يعني أنه اسم لا صفة، فيكون مصروفًا إذ ليس فيه إلا علَّة واحدة، وهي وزن الفعل، فهو كأَفْكَلٍ، وهي الرِّعْدة، فهو مصروف نحو: ما له أولٌ ولا آخِرٌ. وفي محفوظي أنَّ مؤنث هذا أوَّلة. إلا أن سُمَّي به فيمتنع الصرف، كما لو سَمَّيتَ بأَفْكَل….

وفي البسيط: وتقول: لقيتُه أَوَّلَ مِن أمس، فهو على معنى: لقيتُه يومًا أَوَّلَ من أمسِ، فحذف. وأَوَّلُ يكون صفة بمعنى أَفْعَلَ، ويكون اسمًا، كقولك: ما تركَ له أَوَّلاً ولا آخرًا، وظرفًا، نحو: مُذْ عامٌ أَوَّلَ، كأنك قلت: عامًا قبلَ عامنا، فتقول العرب على ما قاله اللحياني: مضى عامُ الأَوَّلِ بما فيه، والعامُ الأَوَّلُ، وعامُ أَوَّلٍ، وعامُ أَوَّلَ بما فيه، وعامٌ أَوَّلٌ، وعامٌ أَوَّلُ فتضيف العام إلى أَوَّل، فتصرف ولا تصرف، وترفعه على النعت، فتصرف ولا تصرف؛ لأنَّ أول يكون معرفة /ونكرة. ويكون ظرفًا واسمًا، فتقول: ابدا بهذا أَوَّلُ، فتبنيه على الضم، والحمدُلله أَوَّلاً وآخِرًا، يُعرب ويُصرف نكرة، وفعلتُ ذلك عامًا أَوَّلَ، وعامَ أَوَّلٍ وأَوَّلَ” [التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل (10/ 283- 282)]

خلاصة النصين الأخيرين :

_ أن كلمة (أول) بالإضافة إلى استعمالها على معنى التفضيل، فإنها قد تجرد عن الوصفية وتعامل معاملة الاسم فتجري مجرى (أفكل) التي تعني الرِّعدة.

_ من الكلمات المؤنثة لأفعل التفضيل والتي تستعمل استعمال الأسماء المحضة، الكلمات دنيا وجُلّى.

_ تستعمل كلمة (أول) كظرف بمعنى (قبل) فتأتي باستعمالات مختلفة مضافة ومقطوعة عن الإضافة.

النتيجة:

وبناء عل كل هذا نكون قد أثبتنا ما يلي:

1: أن كلمة أول قد تخرج عن الوصفية إلى الاسمية، لتحمل بذلك معان مختلفة، مثل: قبل، القديم، الابتداء، المبدأ، السابق؛ والتي هي غير معنى المفاضلة التي تحملها في (أفعَل التفضيل) حيث يكون معناها في التفضيل: (الاسبق).

2: وبخروج كلمة (أوّل) عن الوصفية ككلمة (آخر) تسقط عنها في هذه الحالة شروط أفعَل التفضيل المجرد من أل والإضافة، فلا وجوب لإفرادها وتذكيرها وتعقيبها بـ (من) الجارة للمفضول، إذ لا وجود لمعنى (من) والمفضول في هذه الحالة لا لفظا ولا تقديرا.

3: وعليه فمن الممكن أن تأتي كلمة (أوّل) مؤنثة (أولى)، باعتبارها اسما على غير معنى التفضيل، كما جاءت الكلمات صغرى وكبرى ودُنيا وجُلّى.

4: فلا خطأ في استعمال المسيح الموعود عليه السلام لهذه الصيغ في الفقرة الخامسة والثامنة من الفقرات المعترض عليها .

5: ففي الفقرة الخامسة : “وفي كلّ سنةٍ يرى صورته أوحشَ من سنة أولى” تكون كلمة  (أُولى) اسما بمعنى (سابقة)، وهي في هذا المعنى لا تحمل معنى (أسبق) أي التفضيل من مفضول، لذا لم تدخلها مِن الجارّة للمفضول لا لفظا ولا تقديرا.

6: وأما في الفقرة الثامنة : “فالزمان الأوّل هو زمانٌ أوّل من القرون الثلاثة مِن بُدُوِّ زمان خير البرية.” فكلمة (أوّل) جاءت فيها اسما وليس صفة (أفعل التفضيل). وهنا لا بدّ من ذكر سياق هذه الفقرة من أجل فهمها. جاء في كتاب سر الخلافة :

“وهو أن النصوص القرآنية والحديثية قد اتفقت على أن الله ذا القدرة قسّم زمان هذه الأمة بحكمة منه ورحمة على ثلاثة أزمنة، وسلّمه العلماء كلهم من غير مِرْية. فالزمان الأوّل هو زمانٌ أوّل من القرون الثلاثة مِن بُدُوِّ زمان خير البرية، والزمان الثاني زمانُ حدوث البدعات إلى وقت كثرة شيوع المحدثات، والزمان الثالث هو الذي شابهَ زمانَ خير البرية، ورجَع إلى منهاج النبوة، وتطهَّرَ مِن بدعات رديّة وروايات فاسدة، وضاهَى زمانَ خاتم النبيين، وسماه “آخرَ الزمان” نبيُّ الثقلين، لأنه آخِر من الزمانَين.”

فعلى اعتبار كلمة أول اسما بمعنى (سابق، الابتداء، المبدأ، البداية، قديم أو متقدم) فيكون معنى الجملة على الإمكانيات التالية :

أ_ الزمان الأول -من بين أزمنة الأمة الثلاثة- هو زمانٌ أولٌ أي سابقٌ ومتقدم من القرون الثلاثة الأولى. كما ذكرت المصادر أعلاه : (عامٌ أولٌ).

ب_ الزمان الأول -من بين أزمنة الأمة الثلاثة- هو زمانُ أولٍ أي زمان البداية والابتداء من القرون الثلاثة الأولى. كما ذكرت المصادر أعلاه (عامُ أولٍ) بإضافة زمان إلى أول.

وهذه هي التحريكات الصحيحة لكلمة (أول) في هذه الفقرة، وليس صحيحا تحريكها بالضمة دون التنوين، على اعتبارها صفة على وزن الفعل أفعل ومن منطلق كونها من أفعل التفضيل، فهي في هذه الفقرة ليست من أفعل التفضيل وإنما اسم محض يعامل معاملة الأسماء الأخرى ويكون مصروفا.  وقد يكون لها تحريكات أخرى كما أشار إليه صاحب التذييل أعلاه، ولكن ليس من منطلق كونها من أفعل التفضيل.

وقد تكون لها إمكانيات أخرى ولكن نكتفي بهذه.

هذه هي الدقائق اللغوية الإعجازية التي لا يمكن أن يلمّ بها أعجمي كالمسيح الموعود عليه السلام، إلا إذا علّمه الله تعالى إياها. فإذا عجز عنها أساتذة اللغة العربية في الجامعات العربية، وعجزوا عن فهمها، ووافقوا على تخطيئها، وهي في الحقيقة من صلب فصاحة العربية فما لهم إلا أن يُقروا بأن المسيح الموعود عليه السلام نبي، لأن هذه الدقائق لا يحيط بها إلا نبي، على حد قول الشافعي رحمه الله حيث قال إن اللغة العربية لا يحيط بها إلا نبيّ.  وعلى هذه الدقائق اللغوية يتحطم تحدي المعارضين لنا في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية.