المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..308

الإعجاز في اشتقاق الأفعال 2

ينام العرب وينوم العرب ويخون الخائنون ويخان الخائنون

 

الاعتراض:

يدّعي المعارضون خطأَ المسيح الموعود عليه السلام في اشتقاقه الأفعال المضارعة على غير ما هو صحيح في اللغة العربية. فقال: ينوم/ ينومون/ تنوموا/ يخانون/ يستباحون؛ رغم أن الصحيح :ينام/ ينامون/ تناموا/ يخونون/ يستبيحون. وجاءت هذه الأخطاء في الفقرات التالية:

 

1: فلا تنُوموا عند هذه الزلزلة، وتَبصَّروا وتيقَّظوا وبادِروا إلى ابتغاء مرضاة الحضرة (مواهب الرحمن، ص 85).

2: “ومن اعتراضات الواشي الضال، الذي ينوم بنعاس الضلال” (نور الحق، ص 54).

3: “ودِيسَ الحقُ تحت أرجل الفُجّار، ثم ينُومون نوم الغافلين، ولا يلتفتون إلى مواساة الدين” (منن الرحمن، ص 65).

4: “ويتعامون ولا يُبصرون، وينومون مستريحين ولا يستيقظون” (حقيقة المهدي، باقة، ص 174).

5: “والذين كانوا في البارحة ينومون في القصور، اليوم تراهم ميّتين في القبور” (الاستفتاء، ص 79).

6: “هذا حاله وأخوه المترَف يطمُر طمورَ الغزالة، وينوم إلى طلوع الغَزالة” (لجة النور، ص 56)

7: يكذبون ولا يخافون، ويخانون ولا يتقون (لجة النور، ص 12).

8: وأذاقهم الله ما كانوا يستباحون (التبليغ، ص 76).

الرد:

رددنا على هذا الاعتراض في مقال سابق (مظاهر الإعجاز 192)، وخلاصة ما ذكرناه هناك أنّ ورود هذه الصيغ من الأفعال (ينوم) و(يخان) و(يستباحون)، مردّه إلى اختلاف القبائل العربية في تحريك عين الفعل الماضي والمضارع، فهذه الحركة هي التي تحدد في نهاية الأمر صيغة الفعل والاشتقاق منه. وعليه فقد اختلفت لغات العرب بصوغها صيغا مختلفة للفعل المضارع للدلالة على نفس المعنى. ولنا أن نؤكد كل هذا بناء على قواعد الصرف المعروفة.

فمعلوم أن اوزان الفعل المضارع على أبواب ستة: 1: (فعَل يفعَل) وهو مختصّ بالذات بالأفعال حلقية العين واللام، 2:فعَل يفعُل، 3:فعَل يفعِل، 4:(فعِل يفعَل) وهو مطّرد سوى في بعض الأفعال القليلة التي جاءت على الباب الخامس  5:فعِل يفعِل  وهو قليل جدا.6: (فعُل يفعُل) وهو مطّرد على هذه الصيغة.

وما يهمنا في هذا الشأن بالنسبة للأفعال نام وخان، البابين الثاني والرابع. يلخصها لنا المصدر التالي:

“وزن (فعَل) المفتوح العين

وزنُ (فَعَلَ) – المفتوح العين ككتبَ وجلسَ وفتحَ يكون مضارعه، إما مضمومها كيكتُبُ، وإما مكسورَها كيجلِسُ، وإما مفتوحَها كيفتَحُ.

وبابُ (فَعَل يَفعُل) – بفتح العين في الماضي وضمها في المضارع يأتي منه، غير مُطردٍ الصَّحيحُ السالمُ كنصرَ ينصرُ، والمهموزُ الفاء كأخذَ يأخذُ. ويَطَّرِدُ فيه الأجوفُ والناقصُ الواويّانِ، نحو “قالَ يقولُ ودعا يدعو”، والمضاعفُ المتعدّي، نحو “مَدَّهُ يَمدُّهُ”. وشَذَّ (حَبَّهُ يَحبُّهُ) . .

وزن (فعل) المكسور العين

وزن “فَعِلَ” بكسر العينِ – كعلِمَ، لا يكونُ مضارعه إلاّ مفتوح العينِ كيَعلَمُ، لأنه إن كان الماضي مكسورَ العين فمضارعه لا يكونُ، إلاَّ مفتوحَها، إلاّ أربعةَ أفعالٍ شاذةٌ، جاءَت مكسورةَ العين في الماضي…” [جامع الدروس العربية 214-216]

والسبب في قصرنا الاهتمام على هذين البابين، أن الأفعالخان ونام يندرجان تحتها. حيث جاء في أصل الفعل نام ما يلي:

“الباب الرابع: فَعِلَ يَفْعَل موزونه عَلِمَ يَعْلَمُ … ويأتي على هذا الوزن الفعل الأجوف إن كان ماضيه ومضارعه بالألف أو الياء أو الواو فيهما نحو خَافَ يَخَافُ [خَوِف يَخْوَف]، ونَامَ يَنَامُ [نَوِم يَنْوَم]،  [نزهة الطرف شرح بناء الأفعال في علم الصرف، ص 37]

وأصل خاف: خوَف، ونام: نَوَمَ. وأصل يخاف: يَخْوُف، وينام: ينْوُم. وأصل الدائم منه: قاوُل وخاوُف وناوُم.  [الإبانة في اللغة العربية (1/ 251)]

وجاء في أصل خان يخون ما يلي:

“(خيانة) ، مصدر سماعيّ لفعل خان يخون باب نصَر.” “[الجدول في إعراب القرآن (10/ 250)] وقوله من باب نصر يعني: (فعَل/ يفعُل)

وبناء على هذا، نرى بأن الفعل نام/ينام يكون اشتقاق الفعل المضارع فيه وفق الباب الرابع ليكون الأصل : نَوِمَ/ ينوَم/ ينَام ؛ وذلك بانتقال حركة الواو إلى النون وانقلاب الواو ألفا، لأن الحركة المنقولة ليست من جنس الواو. فهو إعلال نقل وقلب.

واما الفعل نام ينوم، يكون اشتقاق المضارع فيه وفق الباب الثاني ليكون الأصل : نوَمَ/ ينوُم/ ينوم؛ وفيه إعلال نقل فقط؛ حيث انتقلت حركة الواو إلى الحرف الذي يسبقها فأصبح الفعل: ينُوم.

وأما الفعل خان/يخون فهو من الباب الثاني خوَن/ يخوُن / يخُون بإعلال النقل فقط. ليكون الفعل خان يخان من الباب الرابع على أصل: خوِن/ يخوَن/ يخان بإعلال النقل والقلب.

وهذا الاختلاف بين ينام وينوم ويخان ويخون ، كله على اختلاف لغات العرب، والذي مرده إلى اختلاف القبائل العربية في تحريك عين الفعل الماضي والمضارع، كما مثّلنا لذلك في المقال السابق بالأمثلة التالية:

 

1: اختلاف اللغات بين قبائل العرب في الفعل حار يحار وحار يحُور، على نفس المعنى من يحور أي يرجع. فالأولى أصلها:حوِر /يحوَر/يحار على الباب الرابع؛  والثانية على:حوَر/يحوُر/ يحُور، على الباب الثاني.

2: وكذا اخلاف القبائل في نكَل ينكُل على الباب الثاني، ونكِل ينكَل على الباب الرابع.

3: كما جاءت اختلاف لغات القبائل بين الباب الرابع والثالث في مثل: حرِص/ يحرَص،  مقابل حرَص/ يحرِص. وكذا: عرِض يعرَض؛ مقابل: عرَض يعرِض وكذا: رضِع/يَرضَع، مقابل: رضَع /يَرضِع؛ وجاءت أيضا على :رضَع/ يرضَع على الباب الأول. وكذا: شحَج ويشحِج مقابل: شحِج يشحَج.

وهكذا فلاختلاف اللغات العربية في تحريك عين الفعل جاءت اشتقاقات مختلفة لنفس الفعل للدلالة على نفس المعنى. فمن تلفّظ بالفعل على (ينوم) كان أصله في فتح عينه في الماضي وضمها في المضارع. وأما من تلفظ بالفعل (يخان) فكان قد كسر عينه في الماضي وفتحها في المضارع. وقد نقلنا العديد من الأمثلة على استعمال الفعل (ينوم) في المصادر المختلفة يمكن الرجوع إليها.

وأما الفعل (يستباحون) الوارد في الفقرة الثامنة فإن التوجيه الأمثل له هو أنه على صيغة المبني للمجهول : وأذاقهم الله ما كانوا يُستباحون.

بمعنى أن استباحة دمائهم هي في حدّ ذاتها استباحتهم، فهم مستباحون من قبل بعضهم البعض؛ فكانوا يُستباحون من قبل إخوانهم. كأننا نقول: وأذاقهم الله ما كانوا يُذاقون أو يُستباحون.