المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..53

سلسلة مقالات الـ” ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت في ما ظُن أنه رفع خبر كان..

نكتة رفع خبر كان وأخواتها ..6

التوجيه الخامس: حذف الضمير المتصل خبرا لكان!!!!


الاعتراض:

زُعم أن المسيح الموعود عليه السلام قد أخطأ في العديد من المواضع برفع خبر كان وأخواتها، وحقه أن ينتصب؛ كما هو وارد في الفقرات والعبارات التالية بين الأقواس المزدوجة:

  1. وقد علمتم يا معشر الأعزة، أن مالِك الذي كان ((أحد )) من الأئمّة الأجلّة (مكتوب أحمد)
  2. فالآية تدل على أنه علم للساعة من وجه كان ((حاصل)) له بالفعل (حمامة البشرى).
  3. دقّت المباحث الدينية في هذا الزمان، وصارت معضلاتها ((شيء)) لا تفتح أبوابها من دون الرحمان (الهدى والتبصرة)
  4. وكان هذا ((وعد)) من الله في التوراة والإنجيل والقرآن (الخطبة الإلهامية).
  5. وكان هذا ((وعد )) من الله القهار (سر الخلافة).
  6. كان هذا ((يومٌ)) بعدَ يوم العيد (نجم الهدى).
  7. وكان ذلك ((وعدٌ)) من الله المنّان (لجة النور).
  8. وكان وقتي هذا ((وقت ))كانت العيون فيها مُدّتْ إلى السماوات مِن شدّة الكربة (نجم الهدى).
  9. فإن الله الذي هو قيّوم الأشياء، وبه بقاء الأرض والسماء، كيف يمكن أن يكون ((أحدٌ)) من الموجودات. (مكتوب أحمد).
  10. إن الصدّيق والفاروق كانا ((أميرا)) ركبٍ علوا لله قُننًا عُلى ودعوا إلى الحق أهل الحضارة والفلا (سر الخلافة)
  11. هذا ما أُشيرَ إليه في الفاتحة، وما كان ((حديث)) يُفترى (الخطبة الإلهامية)
  12. وكان الميّت حيّاً ما دام عيسى ((قائم)) عليه أو قاعداً (حمامة البشرى)
  13. وكانوا عند الحرب لمواضعهم ((ملازمون)). (نجم الهدى).

الردّ:

لقد ذكرنا في المقالات السابقة من هذه السلسلة ما ورد في الجامع الصحيح للبخاري من قول لأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، والذي هو شبيه بعبارات المسيح الموعود عليه السلام أعلاه، ما قد يُظن فيه أن خبر كان قد ارتفع رغم وجوب نصبه.

وهو ما يلي:

{حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : إِنَّمَا (( كَانَ مَنْزِلٌ)) يَنْزِلُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ يَعْنِي بِالْأَبْطَحِ} (صحيح البخاري, كتاب الحج)

وقد قام ابن مالك بتوجيه قول عائشة رضي الله عنها هذا وأقوال أخرى مشابهة له بتوجيهات وتخريجات مختلفة؛ في كتابه :” شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح”؛ وذكرنا في المقالات السابقة اثنين من هذه التوجيهات، ومن التوجيهات الأخرى التي ذكرها ابن مالك ما يلي:

ومنها قول عائشة رضي الله عنها في باب المحصب (انما كان منزل ينزله النبى – صلى الله عليه وسلم -) ، تعني المحصب [قلت: في رفع “منزل ” ثلاثة أوجه:

أحدها- أن تجعل “ما” بمعنى (الذي) واسم “كان” ضمير يعود على “المحصب”] (224) فإن هذا الكلام مسبوق بكلام ذكر فيه (المحصب). فقالت أم المؤمنين رضي الله عنها: إن الذي كانهُ المحصَب منزلٌ ينزله رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ثم حذف خبر (كان) لأنه ضمير متصل [يقصد الهاء في (كانه)]كما يُحذف المفعول به إذا كان ضميرا متصلًا ويُستغني بنيّته. كقولك: زيد ضرب عمرو. تريد: ضربه عمرو.

ومن حذف الضمير المتصل خبرًا ل (كان) قول الشاعر:

44 – فأطعمنا من لحمها وسديفها … شواءً, وخيرالخير ما كان عاجلُه.

أراد: وخير الخيرالذي كانَه عاجلُه. ومثله- قول الآخر:

45 – أخ مخلص وافٍ صبورٌ محافظ … على الود والعهد الذي كان مالكُ

6 ظ] أراد: الذي كانَه مالكُ، و “الذي” وصلته مبتدأ، وقد أخبر عنه بخمسة أخبار متقدمة.

ومثل هذا البيت في الاكتفاء بنية الخبر عن لفظه قوله:

46 – شهدت دلائل جمة لم أحصها … أن المفضل لن يزالَ عتيقُ

أراد: لن يزاله (231)

وأجاز أبو علي الفارسي أن يكون من هذا القبيل قول الشاعر (232):

47 – عدو عينيك وشانيهما … أصبح مشغولٌ بمشغول

على أن يكون التقدير: أصبحه مشغول بمشغول. وأجاز أيضاً أن تكون “أصبح” زائدة.

ومما يتعين كونه من هذا النوع قول النبي – صلى الله عليه وسلم – (أليس ذو الحجة) بعد قوله (أى شهر هذا)، والأصل: أليسَه ذو الحجة.

ويمكن أن يكون مثله قول أبى بكر رضي الله عنه (بأبي، شبيهٌ بالنبى، ليس شبيه بعليٍ.” { شواهد التوضيح 86-87}

وحاصل كلام ابن مالك في توجيهه لقول عائشة رضي الله عنها حيث قالت عن المحصب: إنما كان منزلٌ ينزلُه النبي صلى الله عليه وسلم.

  • أن اسم كان مضمر ويعود على المحصب. وخبر كان الضمير المتصل ويعود على (الذي) أو (ما). بتقدير: إن الذي كانه المحصب منزلٌ ينزله النبي ؛ فالمحصب هو اسم كان المحذوف والمضمر، والهاء الضمير المتصل بكان هي خبر كان الذي حُذف أيضا. والجملة (ما كانه/ الذي كانه ) في محل نصب اسم إن، و(منزلٌ) خبر إن مرفوع.
  • وكذا توجيه الأبيات الشعرية الأخرى إما بوجود اسم موصول كـ (ما) و (الذي) أو على ما يبدو بتقدير وجودها أو ما بمعناها؛ ليكون المعنى والتقدير كما يلي:
  • فخير الخير ما كان عاجلُه. أي: فخير الخير الذي كانه عاجلُه . (الذي كانه) في محل رفع مبتدأ و(عاجلُه )خبرها . وقد أُضمر اسم كان ويعود إلى خير الخير، وأما (الهاء) الضمير المتصل فهي خبر كان وقد حُذف أيضا. وهذا شبيهة بقولنا: خير الخير هو عاجلُه، وبدلا من (هو) جيئ بـ ( الذي كانه) بصيغة الماضي.
  • الذي كان مالكٌ أخٌ مخلصٌ وافٍ.. أي : الذي كانه مالكٌ أخٌ صبورٌ..: مالكٌ اسم كان والهاء المحذوفة خبر كان، والجملة (الذي كانه مالك) مبتدأ ، وأخٌ خبرها.
  • وأما في البيتين التاليين قُدّر الاسم الموصول كما يلي: أن المفضل لن يزال عتيقُ؛ بتقدير: أن المفضلَ لن يزاله عتيقُ. بمعنى: أن المفضلَ (الذي لن يزاله) عتيقٌ.
  • و: عدوُ عينيك ..أصبح مشغولٌ، بتقدير: عدوُ عينيك (أصبحه/الذي أصبحه ) مشغولٌ.
  • ففي هذه الأمثلة كلها: جملة الاسم الموصول أو ما بمعناها في محل رفع مبتدأ، والأسماء التي بعدها، (مشغولٌ وعتيقٌ) أخبار لهذا المبتدأ.
  • ووفق هذا التخريج وجّه ابن مالك قول الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال عن الشهر: أليس ذو الحجة، بتقدير (أليسه ذو الحجة). ووجّه قول أبي بكر رضي الله عنه حيث قال: ليس شبيهٌ بعلي، بتقدير : (ليسه شبيهٌ). هذا رغم أن هذين القولين لهما تخريجات أخرى كأن تكون (ليس) مهملة، إلا أن ابن مالك لم يأخذ بمثل هذه التخريجات، وخرّجها على ما ذكرنا.
  • نرى أن ابن مالك اعتبر الألفاظ المرفوعة التي ظُن أنها رُفعت خطأ لوجوب كونها أخبارا لكان وأخواتها، اعتبرها على أنها أخبارا مرفوعة للجمل التي سبقتها على تقدير إضمار اسم كان ( وقد يكون ظاهرا أيضا) وحذف خبرها الضمير المتصل.

وبغض النظر عن التقديرات الدقيقة والإعراب الدقيق لها، فوفق هذا التوجيه الذي ذهب إليه ابن مالك وأبو علي الفارسي لنا أن نضع نصب أعيننا الأقوال التالية مع توجيهاتها إذ هي التي تهمّنا في كل هذا الشأن:

  • “إنما كان منزلٌ ينزله النبي” بتوجيه (إنما كانه منزلٌ)؛
  • عدو عينيك .. أصبح مشغولٌ ، بتوجيه (أصبحه مشغولٌ)
  • “أليس ذو الحجة” بتوجيه (أليسه ذو الحجة)
  • “ليس شبيهٌ بعلي” بتوجيه (ليسه شبيهٌ بعليّ)؛
  • “الذي كان مالكٌ أخٌ” بتوجيه ( الذي كانه مالكٌ أخٌ)
  • “أن المفضل لن يزالَ عتيقُ” بتوجيه (أن المفضل لن يزالَه عتيقُ)

وعلى هذه التوجيهات يُقاس في توجيه عبارات وفقرات المسيح الموعود عليه السلام المذكورة اعلاه:

  1.  وقد علمتم يا معشر الأعزة، أن مالِك الذي كان ((أحد )) من الأئمّة الأجلّة (مكتوب أحمد). التقدير: أن مالك (الذي كانه) ((أحدٌ)) من الأئمة الأجلة.
  2. فالآية تدل على أنه علم للساعة من وجه كان ((حاصل)) له بالفعل (حمامة البشرى). بتقدير: من وجه كانه ((حاصلٌ)) له بالفعل ، أو :من وجه الذي كانه ((حاصلٌ)) له بالفعل.
  3.  دقّت المباحث الدينية في هذا الزمان، وصارت معضلاتها ((شيء)) لا تفتح أبوابها من دون الرحمان (الهدى والتبصرة) . بتقدير: وصارته معضلاتها شيئٌ.. أو: والذي صارته معضلاتها شيئٌ.
  4. وكان هذا ((وعد)) من الله في التوراة والإنجيل والقرآن (الخطبة الإلهامية). بتقدير: وكانه هذا ((وعدٌ)). أو: والذي كانه هذا ((وعدٌ))
  5. وكان هذا ((وعد )) من الله القهار (سر الخلافة). التقدير كسابقتها.
  6. كان هذا ((يومٌ)) بعدَ يوم العيد (نجم الهدى). التقدير كسابقتها.
  7. وكان ذلك ((وعدٌ)) من الله المنّان (لجة النور).بتقدير: وكانه ذلك يومٌ..أو: والذي كانه ذلك ((يومٌ)) ..
  8. وكان وقتي هذا ((وقت ))كانت العيون فيها مُدّتْ إلى السماوات مِن شدّة الكربة (نجم الهدى). بتقدير: وكانه وقتي هذا ((وقتٌ))..؛ أو: والذي كانه وقتي هذا ((وقتٌ))…
  9. فإن الله الذي هو قيّوم الأشياء، وبه بقاء الأرض والسماء، كيف يمكن أن يكون ((أحدٌ)) من الموجودات. (مكتوب أحمد). بتقدير: كيف يمكن أن يكونه ((أحدٌ))؛ أو: كيف يمكن أن الذي يكونه ((أحدٌ)).
  10. إن الصدّيق والفاروق كانا ((أميرا)) ركبٍ علوا لله قُننًا عُلى ودعوا إلى الحق أهل الحضارة والفلا (سر الخلافة) . بتقدير: إن الصديق والفاروق كاناهُ أميرا.. أو: الذي كاناه أميرا..
  11. هذا ما أُشيرَ إليه في الفاتحة، وما كان ((حديث)) يُفترى (الخطبة الإلهامية). بتقدير: وما كانه (ما سبق ذكره من الحديث) حديثٌ يفترى. أو: وما الذي كانه (ما سبق ذكره من الحديث) حديثٌ يُفترى.
  12. وكان الميّت حيّاً ما دام عيسى ((قائم)) عليه أو قاعداً (حمامة البشرى). بتقدير ما دامه عيسى ((قائمٌ))
  13. وكانوا عند الحرب لمواضعهم ((ملازمون)). (نجم الهدى). بتقدير: بتقدير: وكانوه أو وما / والذي كانوه عند الحرب ملازمون.

وفي كل هذه التخريجات والتوجيهات، تكون الأسماء المرفوعة بين الأقواس المزدوجة أخبارا مرفوعة على اعتبار الجملة أو جزء من الجملة التي سبقتها هي مبتدأ أو أصلها مبتدأ. كل ذلك بحذف الضمير المتصل خبرا لكان مع ظهور أو إضمار اسمها.

وبذلك تثبت من منظار آخر وتوجيه جديد، يقرّ به ابن مالك وأبو علي الفارسي، صحة عبارات المسيح الموعود عليه السلام؛ ويبطل اعتراض المعترضين بقولهم أن خبر كان ارتفع خطأ في أقوال حضرته عليه السلام.

فبهذا، تكون لغة ” حذف الضمير المتصل خبرا لكان” لغة أخرى من بين أربعين ألفا من اللغات العربية، التي تجلت بها معجزة المسيح الموعود في اللغة العربية وفصاحتها وبلاغتها.

ألم أقل لكم يا إخوان إنها توجيهات “ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر!!!؟؟؟” وأذكّر! كل هذا ليس على ذمتي فقط!! بل على ذمة ابن مالك وأبي علي الفارسي أيضا!!! كبار نحويّي عصرهم!!!!.