المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية .. 62

نكتة رفع المضارع في جواب الطلب وجواب الشرط ..1

الاعتراض:

قيل بخطأ المسيح الموعود عليه السلام في العبارات التالية:

  1. وقال اسجدني ((أعطيك)) دولة عظمى (نور الحق، ص 88).
  2. فإن كنت لا تخاف الله فامْضِ على وجهك، ((يأتي)) الله بعوضك. (الاستفتاء، ص 35).
  3. وإن يَرَ خير الدين في أمرٍ مِن بذلِ روحه وإهراق دمه ((فيقومُ)) مستبشرا للشهادة. (حمامة البشرى، ص 14).
  4. أسلمي ((تسلمين)) (التبليغ، ص 87).

وموضع الخطأ فيما أشير إليه بين الأقواس المزدوجة، حيث ورد فيها الفعل المضارع مرفوعا -أو كأنه مرفوع وهو ليس كذلك-، وذلك لثبوت حرف العلة في (يأتي) و (أعطيك) وحقها أن تُحذف لوجوب جزم هذه الأفعال المعتلة الآخِر في جواب الطلب؛ وكذلك لثبوت النون في (تسلمين) وحقها أن تحذف لكون (تسلمين) من الأفعال الخمسة مجزوما في جواب الطلب. وأما (فيقوم) فورد الفعل مرفوعا بالضمة وحقه أن يجزم بالسكون. فوجب أن تكون الأفعال كما يلي في حالة جزمها: أعطِك، يأتِ، يقُمْ، تسلمي.

الرد :

بالنسبة للفقرتين الأوليين فقد أثبتنا صحتها في مقال منفرد وبتفصيل وافٍ، وتثبت صحتها وفقا للغة ثابتة عن العرب وهي إجراء المعتل مجرى الصحيح السالم، فيكتفون في حالة الجزم بحذف الحركات دون حرف العلة. ( يُنظر: المظاهر الإعجازية 15) وأثبتنا كل ذلك بأمثلة من القراءات القرآنية ولغة الإمام الشافعي الحجة.

وأما الفقرة الثالثة فلن نتطرق إليها في هذا المقال، حيث سنفرد لها ولأخواتها من الفقرات الكثيرة الأخرى مقالا أو مقالات خاصة تثبت صحتها.

وأما في هذا المقال والذي يليه فسنركز الحديث على الفقرة الرابعة ( أسلمي تسلمين) لنثبت صحتها من منظارين ووفق توجيهين أساسيين.

التوجيه الأول:

إنها صحيحة على لغة للعرب تثبت نون الأفعال الخمسة في حالة الجزم، فيكون الفعل مجزوما رغم ثبوت النون فيها وهذا ما يؤكده ابن جني في المحتسب وابن مالك نقلا عنه في شرح الكافية الشافية حيث جاء:

وأما قراءة طلحة: “فَإِمَّا تَرَيْن” فشاذة، ولست أقول إنها لحن لثبات علم الرفع، وهو النون في حال الجزم، لكن تلك لغة: أن تثبت هذه النون في الجزم، وأنشد أبو الحسن:

لَوْلَا فَوَارِسُ مِنْ قَيْسٍ وَأُسْرَتِهِمْ … يَوْمَ الصُّلَيْفَاءِ لَمْ يُوفُونَ بِالْجَارِ

كذا أنشده “يُوفُونَ” بالنون، وقد يجوز أن يكون على تشبيه “لم” بلا.” {المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها (2/ 42)}

وأكّد هذا ابن مالك في شرح الكافية حيث جاء:

لولا فوارس من نعم وأسرتهم … يوم الصليفاء لم يوفون بالجار]

قال ابن جني في المحتسب 2/ 24:

“ومن ذلك قراءة طلحة “فإما ترين” ((ولست أقول: إنها لحن لثبات علم الرفع وهو النون في حال الجزم، لكن تلك لغة: أن تثبت النون في الجزم.))

وأنشد أبو الحسن

لولا فوارس من قيس وإخوتهم … يوم الصليفاء لم يوفون بالجار

كذا أنشده “يوفون” بالنون”.” {شرح الكافية الشافية (3/ 1592)}

فيثبت من كل هذا، أن ثبوت النون في الأفعال الخمسة في حالة الجزم لغة من لغات العرب، واردة في القراءات القرآنية والشعر العربي، يقرّ بصحتها ابن جني وابن مالك.

وبناء على هذه اللغة تُحمل عبارة المسيح الموعود عليه السلام؛ فالعبارة صحيحة كلية، بقي فيها الفعل (تسلمين) مجزوما في جواب الطلب كما هي القاعدة المعروفة، إلا أن النون قد ثبتت فيه في حالة الجزم هذه بناء على اللغة التي بيّناها.

ومن الجدير ذكره أنه على هذه اللغة من الممكن توجيه العبارة ( وإن تحسبون أنكم على صدق وحق)، والتي وجّهناها بتوجيهين آخرين وهما: إهمال إنْ الشرطية وكذلك تقارضها الحكم النحوي مع (لو) غير الجازمة؛ فتكون إنْ وفق ذلك شرطية غير جازمة في كلا هذين التوجيهين (يُنظر مقال المظاهر الإعجازية 46). وهنا يضاف توجيه ثالث لهذه العبارة، أنها على لغة من يثبت النون في الأفعال الخمسة في حالة الجزم؛ فيبقى الفعل (تحسبون) مجزوما رغم ثبوت النون فيه.

وبهذا تكون هذه اللغة من ثبوت النون في الأفعال الخمسة في حالة الجزم، لغة من أربعين ألف لغة عُلمها المسيح الموعود عليه السلام، من الله العلام. وتكون بذلك تجل جديد لمعجزة تعلمه اللغة العربية من الله تعالى، ومظهرا من مظاهر هذا الإعجاز.