الاعتراض:

يقول مؤسس الأحمدية:

لقد جاء المسيح لكي يوضّح أحكام التوراة بدقة، كذلك أُرسلتُ أنا أيضا لأبيِّن أحكام القرآن الكريم بوضوح تام“. (إزالة الأوهام، ص 110)

فما هي الأحكام التوراتية التي وضّحها المسيح بدقة؟ وما هي أحكام القرآن الكريم التي وضحها المؤسس بوضوح تام ولم تكن واضحة قبله؟

لقد ألغى المسيح بوضوح عدداً من أحكام التوراة، فقد أخذ يعدّد أحكام التوراة، ثم يذكر حكمه الذي استدرك عليها وألغاها وأتى بغيرها، فقال:

وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَق. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي، وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي. أَيْضًا سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَحْنَثْ، بَلْ أَوْفِ لِلرَّبِّ أَقْسَامَكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَحْلِفُوا الْبَتَّةَ.” (إِنْجِيلُ مَتَّى 5: 31-34)

وقال:

سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا… سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ.” (إِنْجِيلُ مَتَّى 5: 38-44)

وقد أكّد القرآن الكريم على هذه الحقيقة في قوله تعالى {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} (آل عمران 50)

فلا يوجد تشابه بين المؤسس وبين المسيح في هذه النقطة لأن مؤسس الأحمدية يُعلن نفسه تابعاً للقرآن لا يستدرك عليه ولا يضيف ولا يُنقص منه شيء، بينما عيسى جاء ليحل بعض الذي حرم على اليهود أي ينسخ التوراة.

الرد:

نعم بالفعل أعلن المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام بأنه تابع لشريعة القُرآن الكَرِيم ولم يزد ولم ينقصُ منها حرفاً البتة بل العكس تركزت دعوى حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام فقط على كمال القُرآن الكَرِيم وتعاليمه وسموها فوق كل تعاليم وكتاب. فالفرق بين المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام والمسيح الناصري ؑ هو أن المسيح عَلَيهِ السَلام نبي إسرائيل كانت له سلطة التقييد والتعديل على الشريعة الموسوية بينما المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام كما اعترف المعترضون لا سلطة له على القُرآن الكَرِيم لأنها الشريعة الكاملة التي لا تحتاج إلى تعديل. يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:

تذكروا أنني كُلِّفت بخدمة إصلاح الدنيا كلها لأن سيدنا ومطاعنا صلى الله عليه وسلم كان قد جاء إلى الناس كافة. فنظرا إلى هذه الخدمة العظيمة قد أُعطيتُ قوى وقدرات كانت ضرورية لحَمل هذا العبء …… نحن ورثة القرآن الكريم الذي تعليمه جامع للكمالات كلها وهو يخاطب العالم كله، أما عيسى عليه السلام فكان وارثا للتوراة التي كان تعليمها ناقصا وخاصا بقوم معين. لذا اضطر أن يبيّن في الإنجيل أمورًا كانت في التوراة خافية وغامضة وأن يؤكد عليها. ولكننا لا نستطيع أن نضيف شيئًا إلى القرآن لأن تعليمه أتم وأكمل من أي تعليم، ولا يحتاج إلى أي إنجيل مثل التوراة“. (حقيقة الوحي، الخزائن الروحانية، ج22، ص 155)

أما مسألة نسخ السيد المسيح عَلَيهِ السَلام نبي إسرائيل لتعاليم التوراة فلنترك القساوسة المسيحيين المحترمين يجيبوا على ذلك!

لقد أكد مشاهير القسس والآباء على أن السيد المسيح عَلَيهِ السَلام لم ينسخ شريعة سيدنا موسى عَلَيهِ السَلام بل لم ينسخ أي حرف منها وإنما قام فقط بتوضيحها لليهود وسمى بمفاهيمها وفلسفتها. وقد رد الأب الدكتور غالي صاحب موقع Holy Bible القبطي المعروف الذي تستضيفه قناة الحياة وغيرها من القنوات المسيحية للاستشارة وأخذ الرأي حول مسائل مختلفة في العقيدة، رد الأب الدكتور غالي على مسألة الطلاق ونسخ تعاليم التوراة وشريعة موسى مؤكداً بأن المسيح لم ينسخ أي حكم من شريعة موسى بل التزم بها وأتمّها كما هي وأوضح الحكمة منها لا أكثر. وهذا خلاصة جوابه:

السيد المسيح لم ينسخ كلامه في العهد القديم بل وضح خطأ تطبيق اليهود لناموسه الذي قاله علي فم موسى وبخاصة أن معني الطلاق الذي يقصده في العهد القديم هو قطع اللحم. الطلاقُ فقط لعلة الزنى، ومن يطلّق زوجته بدون زنى فكأنه يقطع جزء من جسده، والمطلق الذي ارتكب الزنى لا يتزوج مره أخرى لأنه أصبح مثل الجسد الميت فلا يصلح أن يرتبط بجسد حي وإلا أصبح الآخر ميتاً مثله، ولكن من الممكن ان يعود لطرفه الأول بعد توبة حقيقية وندم كثير ويكون في مثل هذه الحالة كالابنِ الضال الذي كان ميتاً فعاش إلا لو كان الزواج مبني علي خيانة فكأنه لم يكن. … وأختمُ بأن كلام الرب لم يتغير من العهد القديم والعهد الجديد بأن الله يريد للإنسان زوجة مؤمنة واحدة ومحبتها كمحبة النفس ويصيران جسداً واحداً ولا طلاق الا لعلة الزنى.” (موقع Holy Bible)

وقد تناول البابا شنوده بابا الأقباط أيضاً هذا الموضوع وذكرَ بالذات مسألة العين بالعين والسن بالسن حين طُرِح عليه سؤال: هل استبدل المسيح أو ألغى أو نسخ شريعة موسى؟ فقال البابا:

الإجابة: السيد المسيح لَمْ ينقض شريعة موسى. ويكفى في ذلك قوله: “لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإني الْحَقّ أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل.” (متى 5: 17، 18). إذن لا نقول فقط، إنَّ شريعة العهد القديم لَمْ تُلْغ وَلَمْ تُنقَض. بل أنَّ حرفاً واحداً منها لا يمكن أن يزول. إذن ما معنى: قيل لكم عَينٌ بعينٍ، وسنٌّ بسن؟ الجواب: إنَّ هذا كان شريعةً للقضاء، وليس لتعامُل الأفراد. بهذا يحكم القاضي حين يفصل في الخصومات بين الناس. ولكن ليس للناس أن يتعاملوا هكذا بعضهم مع البعض الآخر. ولكن إنْ فَهِمَ النَّاسُ خطأً أنه هكذا ينبغي أن يتعاملوا، فإن السيد المسيح يصحح مفهومهم الخاطئ بقوله: مَن ضرَبك على خدك، حول له الآخر أيضا. …. لَمْ ينقض السيد المسيح الشريعة القديمة، وإنما صحح مفهومهم …. كما أنَّ كل خطية زنا، تبدأ بشهوة في القلب. والسيد المسيح في عظته على الجبل، منع الخطوة الأولى المؤدية إلى خطية إذن لم تُنقض، بل بقيَتْ كما هي. وإنما أكمل الرَّبُّ فهْم النَّاسِ لها فوسَّعَ مفهومها، وسما بمعانيها، ومنعَ أسباب الخطية، والخطوة الأولى المؤدية إليها.” (سنوات مع أسئلة الناس، البابا شنوده الثالث، جزء 10، هل نقض المسيح شريعة موسى؟)

وهذا أيضاً ما ورد في أهم التفاسير الإسلامية مثل تفسير الطبري الذي قال فيه رحمه الله:

وإنما قيل: {ومصدّقًا لما بين يديّ من التوراة} لأن عيسى صلوات الله عليه، كان مؤمنًا بالتوراة مقرًا بها، وأنها من عند الله. وكذلك الأنبياء كلهم، يصدّقون بكل ما كان قبلهم من كتب الله ورسله، وإنْ اختَلفَ بعضُ شرائع أحكامهم، لمخالفة الله بينهم في ذلك. مع أنّ عيسى كان -فيما بلغنا- عاملاً بالتوراة لم يخالف شيئاً من أحكامها، إلا ما خفَّف اللهُ عن أهلها في الإنجيل، مما كان مشدداً عليهم فيها.” (جامع البيان في تفسير القُرآن، ابن جرير الطبري، تفسير سورة آل عمران 3/383 و6/438)

إذن يثبت من ذلك صحة كلام مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام مِن جهة، ويخيب ظن المعترضين كالعادة من جهة أخرى.

أما توضيح المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لما له علاقة بفهم القُرآن الكَرِيم والإسلام عموماً فقد لخّصه الخليفة الثاني حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في كتاب “إنجازات المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام” وهي كالتالي:

١. إثبات الأدلة على وجود البارئ من خلال إثبات صفاته الكاملة.

٢. تصحيح الأفكار الخاطئة عن الوحي.

٣. تصحيح الأخطاء المتعلقة بالقرآن الكريم:
مثل النسخ بمعنى الإلغاء لآيات القُرآن الكَرِيم، والظن بأن معجزات القُرآن الكَرِيم كانت في الماضي فقط، والظن بعدم ترابط كل آية بالتي قبلها وبعدها وكل جملة وكلمة مع سابقتها وتاليتها، والظن بوجود تكرار في القُرآن الكَرِيم، والظن بأن قصص القُرآن الكَرِيم للعبرة فقط وليس لكونها نبوءات للأمة المحمدية، الظن بوجود أمور هامشية في القُرآن الكَرِيم كقتل سليمان ؑ للخيول بسبب تأخره عن الصَلاة والخ، والظن بعدم القدرة على إثبات بعض دعاوى القُرآن الكَرِيم، والظن بتعارض القُرآن الكَرِيم مع العلوم اليقينية مثل انشقاق القمر ودوران السماء وتشقق الأرض وخلق حواء من ضلع آدم ؑ وغير ذلك، وأخيراً وضع المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أصول تفسير القُرآن الكَرِيم.

٤. وضع أصول تفسير القرآن. (وهي 12 أصل يمكن الاطلاع عليها في الكتاب)

٥. إزالة الأخطاء السائدة عن الملائكة.

٦. إزالة أخطاء الناس عن الأنبياء.

٧. تصحيح الأخطاء المتعلقة بالمعجزات.

٨. إقامة عظمة الشريعة.

٩. تصحيح الأخطاء المتعلقة بالعبادات.

١٠. تصحيح الأخطاء في الفقه.

١١. إقامة حقوق المرأة.

١٢. إصلاح الأعمال.

١٣. إيجاد أسباب ازدهار الإسلام والمسلمين.

١٤. إقامة الأمن والسلام.

١٥. إصلاح الأفكار المتعلقة بالمعاد.

رابط تحميل الكتاب: إنجازات المسيح الموعود عليه السلام

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد