في الماضي قال الأصوليون إننا لا يمكن أن نعرف عقيدة شخص في أمر ما حتى نجمع أقواله كلها، أما إذا كان لا زال حيا، فلا بد من سؤاله ليوضح الأمر بنفسه.

وهكذا بالنسبة للمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، فإن له أقوالا – إما قبل أن يوحي إليه الله بفكرة ويقوم بتصحيحها بناء على الوحي، أو إذا كان يتناول الأمر من جانب معين، وخاصة إن كان في سياق ردٍّ على خصم – لا يمكن أخذها بمفردها وإهمال أقواله الأخرى في الأمر ذاته؛ وخاصة المتأخرة منها فيما صُحِّح، أو الشاملة في الأمور الأخرى التي يكون قد تناولها من جانب معين.

وقد يقع في هذا الخطأ من لم يكن لديه علمٌ كافٍ بحسن نية، أما المعارضون الكاذبون فكثيرا ما يقدِّمون نصًّا يعلمون أنه قد صحح لاحقا أو أنه في سياق رد على خصم، ويقولون هذه هي عقيدة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام وأنتم تقولون بخلافه! فهذا هو التدليس بعينه. وهذه الحيلة المخزية تكفي لكي تفضحهم وتكشف كذبهم وتسقطهم إلى الأبد وتثبت أنهم لا يعرفون العدل ولا الإنصاف ويريدون التمويه والتضليل لا أكثر.

وقد أضحكتني مؤخرا محاولة أحد المرتدين السفهاء الذي يقوم بهذه الحيلة، ولكنه يحفظ خطَّ الرجعة قائلا بسماجة: إنكم إذا جئتم بأقوال أخرى للمسيح الموعود فهذا يعني أنه متناقض! هذا يدلُّ دلالة واضحة على أنه يعرف قطعا تلك الأقوال، ويعرف أن الأقوال الأخرى توضحها وتبينها، ولكنه يمارس هذا التدليس الفاضح، ولا يعنيه الحق ولا العدل ولا الإنصاف، ولا يخاف الله ولا يخشاه.

على كل حال، هذه اللعبة السخيفة لا تليق بشريف يحترم نفسه، بل هي تكشف أن صاحبها لا ذمة له ولا دين ولا أخلاق وإنما هو شخص يتَّبع أهواءه النفسانية وعلى رأسها الحمق والعناد والبغض الذي يحوِّله إلى مخلوق كريه بغيض ينفر منه كل ذي فطرة طيبة. وهذه الأفعال ليست سوى شغب لا علاقة له بصلب القضية التي هي صدق المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام الذي ثبت بكل جلاء بالأدلة والبراهين الساطعة والآيات الباهرة من وجوه عديدة، ولعل من أهمها أن الله تعالى قد نصره نصرا عزيزا مؤزرا وأخزى أعداءه وأهلكهم وجعلهم في الأذلين.

إما منح الله تعالى الفرصة لهؤلاء السفهاء لكي يمدوا ألسنتهم بالسوء فهذا أيضا جزء من السنة الإلهية وآية النصر الباهرة، لأنه لو لم يكن هنالك معارضون يُخزون في كل زمان فكيف سيظهر نصر الله تعالى وتأييده؟ سيستمر وجود هؤلاء لكي تظهر آية النصر، وسيقطع الله دابرهم ووتينهم ويخزيهم، حتى إذا هلكوا فسيتسلط الشيطان على غيرهم من ذوي الطبائع الخبيثة أمثالهم ليحرِّضهم على السوء، ثم يهلكون، ثم يدخلون جهنم يوم القيامة زمرا داخرين، كلما دخلت أمةٌ لعنت أختها.

فالحمد لله ناصر المؤمنين ومخزي الكافرين.

About الأستاذ تميم أبو دقة

من مواليد عمَّان، الأردن سنة 1968 بدأ بتعلَّم القرآن الكريم وحفظ بعض سوره وفي تعليمه الديني في سنٍّ مبكرة وبدأ بتعليم القرآن في المساجد في الثانية عشرة من عمره. انضم إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية عام 1987 قبل أن يبلغ التاسعة عشرة من العمر وكان من أوائل الأحمديين العرب. يعمل في خدمة الجماعة في المكتب العربي المركزي وفي برامج القناة الإسلامية الأحمدية وفي خدمات التربية والتعليم لأفراد الجماعة وفي العديد من الأنشطة المركزية. أوفده الخليفة الخامس نصره الله تعالى ممثلا ومندوبا لحضرته إلى عدد من الدول، وكرَّمه الخليفة نصره الله بلقب “عالِم” في العديد من المناسبات. عضو مؤسس ومعدّ في فريق البرنامج الشهير “الحوار المباشر” الذي انطلق رسميا عام 2006 والذي دافع عن الإسلام ضد الهجمة المسيحية التي انطلقت على بعض القنوات في بداية الألفية وأخمدها، والذي أسهم في تعريف الجماعة الإسلامية الأحمدية إلى العالم العربي، والذي يبث الآن مترجما ترجمة فورية إلى العديد من اللغات. وهذا البرنامج أصبح نموذجا للعديد من البرامج المشابهة في اللغات الأخرى. شارك ويشارك في العديد من البرامج الأخرى وخاصة المباشرة في اللغة العربية وفي بعض البرامج باللغة الإنجليزية. عضو هيئة التحرير لمجلة “ريفيو أوف ريلجنز” الإنجليزية العريقة التي بدأ إصدارها في زمن الإمام المهدي والمسيح الموعود عام 1902م.

View all posts by الأستاذ تميم أبو دقة